ملف العدد < الرئيسية

طريق الفكر

زيارة إلى أطلال طريق الحرير القديم في شمال غربي الصين

: مشاركة
2018-10-15 16:14:00 الصين اليوم:Source منغ وي نا (ألمانيا):Author

عندما يذكر طريق الحرير القديم، وهو طريق تجاري يكتنفه السحر والغموض، قد تلوح في ذهنك صور لقوافل الإبل المحملة بالبضائع وهي تسير تحت الشمس الغاربة، والبازارات الصاخبة ذات الألوان والثقافات المتنوعة. في الواقع، كان نقل البضائع عبر هذا الطريق التجاري القديم الوعر عملا صعبا وخطيرا، يستنفد قوة قوافل التجار والدواب التي تحمل البضائع.

من شاء أن يتتبع المسار التاريخي لطريق الحرير السحري، فليس ثمة أفضل من زيارة إلى مقاطعة قانسو بشمالي غرب الصين، لاكتشاف أطلال طريق الحرير، التي لا تزال محتفظة بملامح تاريخية مميزة.

مهد طريق الحرير القديم

كانت جيايوقوان، وهي مدينة على مستوى المحافظة ويصل عدد سكانها إلى 250 ألف نسمة، محطتي الأولى في قانسو. جيايوقوان مدينة صغيرة بالمعايير الصينية، ومع ذلك منحها موقعها الجغرافي الفريد مكانة خاصة في التاريخ.

تقع جيايوقوان بالقرب من الطرف الغربي لممر خشي (أو ممر قانسو)، وهو ممر طبيعي من شمال غربي الصين إلى جنوب شرقي الصين، ويبلغ طوله من الشرق إلى الغرب ألف كيلومتر، ومن الجنوب إلى الشمال مائة كيلومتر. هذا الممر الذي تحيط به التلال من الجانبين الشمالي والجنوبي، يحده من الجنوب جبل تشيليان المغطى بالثلوج، والذي يعد وجوده ضرورة لبقاء البيئة الإيكولوجية في هذه المنطقة. تغذي مياه ثلوج تشيليان الذائبة نهر خيخه ونهر شوله، اللذين يتدفقان إلى ممر خشي، وبفضل ذلك تشكلت العديد من الواحات الخضراء والمستوطنات الكبيرة تدريجيا في أودية صحراء قاحلة وأرض جرداء شبه صحراوية. مدينة جيايوقوان واحدة من تلك المستوطنات الباقية حتى اليوم.

تشكل جيايوقوان، بموقعها في الطرف الغربي لممر خشي، عنق الزجاجة الذي يمر عبره العابرون لطريق الحرير القديم. كانت تشانغآن (مدينة شيآن حاليا)، نقطة انطلاق التجار إلى طريق الحرير القديم. وكانت جيايوقوان، التي يعني اسمها "ممر جيايو"، الممر الجبلي الغربي لسور الصين العظيم. من هذا المكان، بدأ العديد من مشاهير الرحالة الغربيين ومنهم ماركو بولو، رحلتهم إلى مناطق الصين الداخلية.

كانت هناك تبادلات وعلاقات عميقة بين السكان المحليين والتجار الأجانب عبر التاريخ، ومازال في أطلال بوابة ممر جيايوقوان دلائل وقرائن على هذه التبادلات. من أجل استكشاف المزيد من آثار طريق الحرير القديم، غادرنا مدينة جيايوقوان بالحافلة واتجهنا صوب الجنوب الغربي بنحو عشرين كيلومترا خارج المدينة.

شهادة قديمة من التاريخ

في سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة وألف، عثر السكان المحليون على أطلال سور قديم، قبل أن يتم العثور على مجموعة من المقابر ترجع إلى زمن أسرتي وي وجين (220- 420)، وهي المجموعة التي تعرف بأنها "أكبر معرض فني تحت الأرض في العالم". تحت رمال هذه الصحراء الوعرة، اكتشف الأثريون مقبرة ضخمة بها ألف وأربعمائة ضريح قديم يعود تاريخها إلى الفترة ما بين أسرتي وي وجين. حتى الآن، تم فتح ثمانية عشر ضريحا، منها الضريح رقم 6 والضريح رقم 7، يمكن للجمهور زيارتهما.

نزلنا على درج حجري ضيق إلى مدخل الضريح رقم 6، وهو ضريح أفراد عائلة واحدة، يعتقد الباحثون أن المدفون فيه مسؤول حكومي كبير وزوجته.

البوابة الحجرية للضريح، والتي يصل ارتفاعها إلى أحد عشر مترا، تنم عن البراعة الحرفية حينذاك، وتظهر زخارف الضريح كله المستوى الفني العالي في القرن الثالث الميلادي تقريبا. على القراميد الصلب في المدخل، صور منحوتة باللون الأحمر واللون البني المائل إلى الحمرة والأسود الرمادي، لشخصيات في القصص الخيالية للمخلوقات الأسطورية، وتصميمات زخرفية للسحب الهائمة والماء الجاري واللهب. يحتوي الضريح رقم 6 على ثلاث غرف دفن ضيقة متراصة بطول 20 مترا، ويبلغ عرض كل غرفة مترين فقط. قبوة الضريح فيها 136 قرميدة حجرية عليها تصميمات زخرفية رائعة.

بفضل المناخ الجاف، لا تزال هذه اللوحات العتيقة، التي يرجع تاريخها إلى ما قبل 1700 سنة، محفوظة بشكل جيد حتى الآن، وتم العثور على 760 لوحة مماثلة في ثمانية أضرحة مكتشفة.

هذه اللوحات الجميلة مرسومة باللون الأحمر والأسود على قراميد بيضاء، وهي تعكس الحياة اليومية للمدفونين، وتوفر مادة ثرية لمعرفة ظروف الإنتاج والحياة وعادات الطعام والسلوك والأنشطة الترفيهية اليومية للشعب في ذلك الوقت.

موضوعات للوحات الجدارية متعددة، ومنها مشاهد البذر والحصاد وتربية الحيوان وتقنيات الصيد والمركبات والملابس التقليدية ووسائل النقل والآلات الموسيقية القديمة، إلخ. بالإضافة إلى ذلك، تحمل بعض اللوحات صورا لتجار جاءوا من آسيا الوسطى وغربي آسيا، على ظهور الإبل وبالملابس التقليدية. هذا يثبت التأثير القوي الذي لعبته التجارة عبر طريق الحرير القديم على حياة سكان قانسو اجتماعيا وثقافيا. كما تظهر لوحات الضريح أن التجارة المزدهرة مزجت بين العناصر المحلية والخارجية فاثمرت ازدهارا فكريا وثقافيا في المنطقة بأكملها.

أكثر من طريق تجاري

في الواقع، كان طريق الحرير القديم أكثر من طريق تجاري. في القرن الثاني قبل الميلاد، اختار هان وو دي (156- 87 ق.م.)، الإمبراطور السابع لأسرة هان الغربية (206- 24 م)، تشانغ تشيان مبعوثا للإمبراطور لإقامة الاتصال مع المناطق الغربية. هذه الخطوة وضعت لاحقا أساسا رسميا لإقامة شبكة طرق تربط أهم ثلاث مناطق ثقافية آسيوية، وهي الإمبراطورية الفارسية والهند والصين.

في عهد هان وو دي، شهدت طرق التجارة التي كانت منعزلة في السابق، تطورا وتحسنا وتوسعا رسميا لأول مرة، حتى صارت شرايين جديدة للتبادل بين الدول الشرقية والغربية خلال القرون التالية.

في فترة أسرة تانغ (618-907)، وخاصة في أوائل ومنتصف فترة أسرة تانغ، وصل حجم التجارة على طول طريق الحرير ذروته. في ذلك الوقت، كانت الصين تستورد كميات كبيرة من الذهب والأحجار الكريمة والعاج والعطور والأصباغ والمنسوجات من دول المناطق الغربية، أما التجار العرب، فكانوا يستوردون من الصين الفرو والخزف والتوابل واليشم والبرونز والمنتجات اللُكية والحديد والحرير. وشهد الحرير المستورد من الصين إقبالا شديدا من أبناء دول المناطق الغربية، كما كان يباع بأسعار مرتفعة.

مع تبادل السلع، انتشرت التطورات التكنولوجية والتبادلات الثقافية والأفكار الجديدة، التي لا يزال تأثيرها مستمرا في عالمنا حاليا. عبر طريق الحرير، انتشر المزيد من المنتجات الزجاجية ومهارات تصنيعها من الدول العربية إلى الصين، كما انتشرت تقنيات ومهارات  صناعة الورق الصينية إلى الدول العربية ثم إلى أوروبا، فأعطى ذلك دفعة حاسمة لتطور الحضارة البشرية.

لؤلؤة للبوذية

تقع مدينة دونهوانغ  بمقاطعة قانسو في الطرف الغربي لممر خشي، بالقرب من حدود منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم. في عام مائة واحد عشر  قبل الميلاد، قرر الإمبراطور هان وو دي إنشاء مخفر حدودي لصد الأعداء الخارجيين. وسرعان ما أصبحت دونهوانغ واحدة من المراكز التجارية الأكثر أهمية على طريق الحرير القديم، إذ كانت تتقاطع هنا في صحراء تكلامكان الطرق الشمالية والطرق الجنوبية لطريق الحرير. وهكذا، أصبحت دونهوانغ بوتقة انصهرت فيها وتمازجت ثقافات وديانات مختلفة، كما أصبحت البوابة التي دخلت عبرها البوذية إلى الصين لأول مرة.

في هذه المدينة الصغيرة، التي يعيش فيها 190 ألف نسمة، السياحة هي ركيزة اقتصادها، إذ يأتيها سائحون من أنحاء العالم لزيارة كهوف موقاو الشهيرة على مستوى العالم، والتي تبعد خمسة وعشرين كيلومترا من جنوب شرقي دونغهوانغ. في عام 1987، أدرجت كهوف موقاو في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

بين القرن الرابع والقرن الثاني عشر الميلادي، نحت الرهبان البوذيين في صخور الحجر الرملي، على متوسط ارتفاع سبعة عشر مترا، حوالي ألف كهف، وكلها مزينة بالزخارف البوذية الملونة وتماثيل بوذا الضخمة المصنوعة من الخشب والطين، في داخلها اللوحات الجدارية الرائعة.

بدأ تراجع طريق الحرير القديم في بداية فترة أسرة سونغ (960- 1279). من أجل الحفاظ على كنوز الكهوف من تخريب المغول، دفن الرهبان هذه الكنوز في الكهوف، وبمرور الوقت، نسي الناس هذه الكهوف المدهشة. ولكن في عام 1900، اكتشف الراهب الطاوي وانغ يوان لو بالصدفة كهفا فيه كتب بوذية كلاسيكية محفوظة بصورة تامة، وتشتمل على أكثر من خمسين ألفا من الوثائق والكتب البوذية الكلاسيكية للفترة من القرن الرابع حتى القرن الحادي عشر. أحدث هذا الاكتشاف هزة كبيرة في العالم.

كهوف موقاو، التي تحمل أيضا اسم "كهوف الألف بوذا"، منها 492 كهفا محفوظا بشكل جيد، وبعضها مفتوح للزوار.

نشأت البوذية في شمالي الهند، قبل أن تصبح العقيدة الرسمية في الصين، ولاحقا صارت واحدة من الثلاث عقائد الرئيسية في الصين، إلى جانب الطاوية والكونفوشية، مما يعكس الانفتاح الفكري للصينيين على الأفكار الخارجية.

التراجع والبعث من جديد

في منتصف القرن العاشر، مع تعاظم التجارة البحرية للصين وبزوغ أسواق جديدة في جنوب شرقي آسيا والمتطلبات الجمركية المتزايدة للعرب، ونضوب الأنهار حول صحراء تكلامكان ولوب نور، تراجعت التجارة عبر طريق الحرير البري.

الآن ونحن في القرن الحادي والعشرين، لم تعد للتجارة دورها في إقامة علاقات شخصية واسعة كما كانت عليه في السابق. حاليا، يتم تحميل السفن بواسطة عمال صينيين في الصين وتفريغها بواسطة نظرائهم المحليين في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا والعكس بالعكس. وبالتالي فإن البضائع تسير دون تجارها، ومن دون الانغماس المتبادل في الثقافات الأجنبية المعنية، وهو الأمر الذي لم يكن ممكنا تجنبه في الماضي.

ومع ذلك، ثمة نشاط تجاري جديد في العصر الحديث يتيح لنا الفرصة لتتبع خطى التجار الرحالة القدماء، ألا وهو السياحة الدولية. ويدرك المسؤولون في جيايوقوان ودونغهوان القدرات الكامنة لهما. وقد أقيمت في عام 2018، الدورة الثامنة لمهرجان السياحة الدولية في جيايوقوان.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4