ملف العدد < الرئيسية

تحليل التنمية الآسيوية المستدامة

: مشاركة
2018-05-02 13:42:00 الصين اليوم:Source د. وو لين:Author

منذ سبعينات القرن العشرين، بدأ محور الهيكل الاقتصادي العالمي ينتقل إلى آسيا تدريجيا، حيث تلعب آسيا دورا قياديا هاما في الإنتاج والتجارة والتنمية، مقارنة مع المناطق الأخرى، ونفذت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، بعد بروز بلدان النمور الآسيوية الأربعة فجأة، وتمكنت من تحقيق التنمية بشكل سريع ومن ثم قدمت قوة محركة مستدامة للتنمية الاقتصادية الآسيوية العظيمة، كما أصبحت آسيا، بقيادة الصين، المنطقة الأكثر حيوية وطاقة كامنة للتنمية الاقتصادية في العالم اليوم.

الاقتصاد الآسيوي ليس مستقرا بما فيه الكفاية

مع أن الأزمتين الماليتين العالميتين بعد انتهاء الحرب الباردة ضربتا الاقتصاد الآسيوي بشدة، إلا أن الاقتصاد الآسيوي انتعش تدريجيا بفضل النمو المستقر للاقتصادات المتقدمة في السنوات الأخيرة، مثل اقتصادات الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأوروبا، مما أدى إلى انتعاش التجارة العالمية وسرعة تطور الأسواق الصينية والهندية وغيرها من الأسواق الناشئة.

في الحقيقة، توجد مخاطر محتملة مختلفة عالميا وإقليميا، في إطار تحسين وضع الاقتصاد الآسيوي المؤقت. في ظل الركود العالمي للتجارة الحرة وتصاعد النزاعات التجارية والآفاق الاقتصادية غير المؤكدة للصين واليابان والهند ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، فإن تحقيق التنمية الآسيوية المستدامة أصبح الموضوع الذي يجذب اهتمام المجتمع الدولي، بشكل خاص. ينبغي للصين الاستجابة للموضوع بشكل مماثل لتنفيذها برنامج مساعدة الفقراء، أي تحديد أسباب المشكلات الرئيسية بدقة والتركيز على أهم المجالات والأهداف للوصول إلى مفاتيح حل المشكلات. وينطبق ذلك على البحث عن العلل ونقاط الضعف في الاقتصاد الآسيوي وتشخيصها وعلاجها.

لا نستطيع إنكار أن هناك علاقة عميقة بين تحسين الاقتصاد الآسيوي المؤقت وانتعاش الاقتصاد العالمي، لذلك، يتأثر مستقبل الاقتصاد الآسيوي بتغيرات وضع الاقتصاد العالمي. لكن لا يمكننا الحكم على الوضع الاقتصادي الآسيوي على أساس الوضع الاقتصادي العالمي فقط.  عند استعراض تجربة "نموذج الإوز الطائر" الذي قادته اليابان في سبعينات القرن العشرين و"التكامل الاقتصادي الإقليمي" بقيادة الصين في العصر الحديث في تاريخ تنمية الاقتصاد الآسيوي، يتضح لنا أن القوة المحركة الرئيسية لتنمية الاقتصاد الآسيوي لا ترتكز على الاقتصاد العالمي، بقدر اعتمادها على الأنظمة والهياكل المتعددة للسياسة والاقتصاد والثقافة في آسيا. وذلك يعد تجسيدا لتعددية الأدوار الإيجابية والسلبية في نفس الوقت. من ناحية، تتمكن اقتصادات مختلف الأنظمة السياسية ومراحل التنمية المختلفة من إظهار مزاياها في الأنظمة المتعددة ودفع التعاون التكميلي، ومن ناحية أخرى، تواجه الاقتصادات المتقدمة والمتوسطة الدخل والدول الأقل نموا قضايا مثل التوزيع غير المتكافئ والفجوة بين الفقراء والأغنياء في إطار العولمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن اليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما من الدول المتقدمة، التي تحتل قمة السلسلة الاقتصادية الآسيوية منذ مدة طويلة، لا تريد إصلاح الوضع القائم، من دول نواة الى دول هامشية، لهذا يصعب تغيير الحالة السيئة لمعظم الدول النامية في التنمية الآسيوية. إن التسلسل الهرمي للنظام العالمي يؤدي إلى الخلل في التوزيع الاقتصادي وعدم المساواة في الوضع الاقتصادي والاختلالات في قدرة التنمية. وعليه، يجب أن نلاحظ أنه من أجل تحقيق التنمية الآسيوية المستدامة، يجب تعديل الهيكل الاقتصادي لآسيا وإصلاح نظامها أولا، وتعزيز التكامل الاقتصادي المفتوح والشامل على أساس ذلك تحت قيادة الدول الكبرى، لتحسين مستوى التنمية للدول الآسيوية بشكل عام.

العامل الصيني يغيّر النمط الاقتصادي الآسيوي

يأتي إصلاح النظام الاقتصادي الآسيوي من نمو قوة الصين الاقتصادية وتراجع قوة اليابان الاقتصادية، والتطور في عملية التكامل الاقتصادي الآسيوي. في السنوات الأخيرة، وبفضل مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحتها الصين، أصبح هناك تسريع وتجديد وتحول في النظام. من المعروف، أن الناتج المحلي الإجمالي للصين تجاوز نظيره الياباني للمرة الأولى في عام 2010، وأصبحت الصين أكبر اقتصاد في آسيا. هذا التحول المهم بشّر بتغيير عميق في النمط الاقتصادي الآسيوي. مع النمو السريع للقوة الاقتصادية وتعميق الانفتاح المتواصل، طفقت الصين تقود عملية التكامل الاقتصادي الآسيوي بنشاط ودفع آليات التكامل مثل (آسيان+1) و(آسيان+3)، ومنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، كما قدمت مفاهيم التعاون الإقليمية مثل رابطة المصير المشترك لآسيا والنمط الجديد للعلاقات الدولية ومحورها التعاون والفوز المشترك، وطورت النظام الآسيوي نحو الانفتاح والمساواة والشمول والتعاون. لكن عملية إصلاح النظام ليست سلسة، إذ استخدمت الاقتصادات المتقدمة بقيادة اليابان والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والمشروعات الأخرى لمواجهة المشروعات الصينية والحفاظ على الهيكل الهرمي والتقليدي للاقتصاد الآسيوي. في هذا السياق، طرحت الصين مبادرة "الحزام والطريق" من أجل تطوير العلاقة مع الدول النامية المجاورة وتحسين مستوى التنمية للمناطق المتخلفة في الصين والاقتصادات النامية، ودفع التنمية المتوازنة والازدهار المشترك. لا شك أن هذه المبادرة التي طرحتها الصين تختلف عن "أسلوب مجموعة العشرين"، الذي يشير إلى أن الدول المتقدمة تقرر معا الأنظمة الاقتصادية العالمية والإقليمية وإجراءاتها عن طريق التحالفات، ولا تستطيع الدول النامية في ظل هذا الأسلوب، التعبير عن مواقفها حول النظام الاقتصادي وتعديله وإصلاحه، وليس لديها حقوق متكافئة في التنمية، ناهيك عن تحقيق التنمية المستدامة. لذا، يتيح تجديد النظام الذي تقوده الصين مع مبادرة "الحزام والطريق" فرصا هامة لإصلاح النمط الاقتصادي الآسيوي وتحقيق التنمية المستدامة بشكل كامل.

لا بد أننا جميعا ندرك الواقع التالي: انتعاش التجارة العالمية والاقتصاد الآسيوي بعد الأزمة المالية العالمية، وخاصة تحقيق الاقتصادات المتقدمة التي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان نموا اقتصاديا مستقرا. ولكن معظم الاقتصادات الصاعدة والنامية تباطأت سرعة نموها بشكل عام، رغم أن نموها الاقتصادي أسرع من معظم الدول المتقدمة لمجموعة العشرين. وبسبب النمو الاقتصادي المستقر في الدول المتقدمة والتنمية الاقتصادية المتفاوتة في الدول الناشئة ، تعزز هيكل اقتصادي إقليمي ظل فيه القوي قويا وظل الضعيف ضعيفا. ومن هنا قد يسأل سائل: هل يؤثر هذا النظام الاقتصادي الثابت في ضرورة الإصلاح الهيكلي في الدول الآسيوية؟ الإجابة بالنفي طبعا. يجب علينا وضع حد لحالة الركود بأسلوب تغيير الهياكل الداخلية والآسيوية مادامت هناك فروق  كبيرة بين الاقتصادات المتقدمة والدول النامية في التنمية. على سبيل مثال، الصين، على الرغم من أن حجمها الاقتصادي الإجمالي هو الأول في آسيا، مازال التقييم التنافسي لها دون المركز الثالث في آسيا. يعتقد بعض الخبراء أن نقطة الضعف لدى الصين هي رأس المال البشري والقدرة على الاختراع ومستوى التنمية الاجتماعية والبنية التحتية، باختصار، هي قضايا التنمية. وكما تم إيضاحه تماما في ((التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني)): "لقد انتقل اقتصاد بلادنا من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية العالية الجودة، ويمر حاليا بفترة تذليل المشكلات المستعصية لتحويل نمط التنمية وتحسين الهيكل الاقتصادي وتغيير القوة المحركة للنمو، حيث يعد بناء المنظومة الاقتصادية الحديثة مطلبا ملحا لتجاوز هذه الفترة وهدفا إستراتيجيا للتنمية الصينية." ينبغي للصين أن تلعب دورها وتتحمل مسئوليتها باعتبارها دولة كبرى، في معالجة النقاط الضعيفة في التنمية الداخلية وتحسين هيكل التنمية الداخلية والإقليمية وتحقيق التنمية المستدامة العامة لآسيا  والمحافظة على القوة المحركة للاقتصاد الآسيوي.

هل بإمكان الصين قيادة التنمية الآسيوية المستدامة؟

في الوقت الراهن، تلعب الصين دورها القيادي في  النمط الاقتصادي الآسيوي، في المجالات التالية: دفع النمو الاقتصادي الآسيوي وإصلاح نظام إدارة الاقتصاد والمالية وتعزيز التكامل الاقتصادي الآسيوي، وتنفيذ خطط القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، ومواجهة تغير المناخ والحفاظ على الأمن التقليدي والأمن غير التقليدي لآسيا. ولكن تصاعد مناهضة العولمة والحمائية حاليا يؤدي إلى مخاطر إيقاف انتعاش الاقتصاد العالمي بالنزاعات التجارية، والدول الآسيوية تحصل على أقل ربح من العولمة لأن الاقتصادات المتقدمة تدفع انتقال صناعة التصنيع إليها نفسها، وتواجه المزيد من الحواجز في النمو الاقتصادي المستقر وعملية تعاون الاقتصاد الآسيوي. في هذا الإطار، يكثف المجتمع الدولي تساؤلاته حول الصين، وتطرح العديد من التساؤلات مثل: هل الاقتصاد الصيني سيواصل النمو؟ هل تريد الصين قيادة آسيا لتحقيق التنمية المستدامة؟ هل لديها القدرة على دفع النمو الاقتصادي الآسيوي وإصلاح النظام الآسيوي والتكامل الاقتصادي الآسيوي وممارسة مفهوم التنمية المستدامة، وهل تستطيع ممارستها؟

ترد الصين رسميا بشأن تلك التساؤلات موضحة: "في الأربعين سنة الماضية، حققت الصين إنجازات في التنمية عن طريق الإصلاح والانفتاح، ولا تزال تلتزم بالإصلاح والانفتاح من أجل تحقيق أفضل تنمية لها في المستقبل." هذا الرد يظهر بشكل جلي وقاطع صورة الصين كدولة كبرى منفتحة وواثقة وشاملة، ويؤكد رغبتها في التعاون.

 "الانفتاح" مفهوم رئيسي للإستراتيجية الخارجية الصينية والحوكمة العالمية. كما يشير هذا المفهوم إلى أن الصين سوف تعمق الانفتاح بأساليب أكثر شفافية وقانونية في مجالات المال والتصنيع والخدمات وحماية حقوق الملكية، بخاصة حقوق الملكية الفكرية، وزيادة الواردات وغيرها، علاوة على هذا، يتم التخطيط لتحول الصين من "مصنع العالم" إلى "سوق العالم" ومن تقديم "الصادرات الصينية للعالم" إلى تقديم "السوق الصينية الجيدة والواسعة" للعالم. كذلك، هناك تاثير متبادل بين انفتاح السوق الصينية والسوق الآسيوية، بحيث تخلق السوق الصينية الواثقة سوقا آسيوية أكثر انفتاحا وشمولا، بينما ستدفع السوق الآسيوية تطور السوق الصينية إلى سوق أكثر شفافية. هذا التفاعل الصيني- الآسيوي يخدم المصالح المشتركة لآسيا وجميع البلدان.

إلى جانب الدور القيادي، ينبغي للصين قيادة تعميق التعاون الآسيوي عن طريق تنمية "النمو الشامل". "النمو الشامل" مفهوم تنمية جديد يتميز عن مفهوم "النمو الاقتصادي" التقليدي. مفهوم "النمو الاقتصادي" يشير ببساطة إلى نمو الرصيد الاقتصادي، أما "النمو الشامل" فيشمل أهدافا اجتماعية أكثر، مثل تلبية الاحتياجات الأساسية لمعيشة الشعب وتعزيز التوظيف وتوزيع الدخل والقضاء على الفقر وتوزيع التنمية الإقليمية وحماية البيئة الطبيعية. حاليا، الدول النامية الرئيسية في آسيا جميعها تحقق نموا اقتصاديا بشكل سريع، وهذا يوفر ظروفا مؤاتية للدول الآسيوية من أجل تعميق التعاون والانفتاح وفتح آفاق التنمية المستدامة بشكل مشترك. حسب تقرير التوقعات الاقتصادية الأولية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECDفي 13 مارس 2018، رفعت المنظمة توقعاتها للاقتصاد الآسيوي. وفقا للتوقعات، بين عام 2018 وعام 2019، سوف ينخفض النمو الاقتصادي في الصين بشكل طفيف، لكنه سيبقى في حدود 5ر6% تقريبا. كما يزداد النمو الاقتصادي في الهند تدريجيا وسيبقى عند معدل أكثر من 7%. أما رابطة (آسيان)، التي تأسست قبل خمسين سنة، فتتمتع بآفاق تنمية جيدة بعد أن جاءت في المركز السادس بين أقوى اقتصادات العالم. لكن يختلف النمو الاقتصادي عن "النمو الشامل". من القضايا والمشكلات الموجودة في الدول النامية في آسيا هي أن النمو الاقتصادي يزداد دائما مع مشكلة الفجوة المتزايدة في الدخل والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى. لم تحل هذه المشكلات بشكل كامل، مما يؤدي إلى النمو الاقتصادي المؤقت غير المستقر وغير المستدام.

ارتباطا بما سبق، إذا تريد الصين أن تلعب دورا قياديا أكبر في النمو الشامل في آسيا،  فعليها أن تحسن مفهوم النمو الاقتصادي في الصين وتحويل نموذج التنمية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ينبغي أن تضع الصين خطط التنمية المستدامة الآسيوية وفقا لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وتربط إستراتيجيات التنمية المستدامة بين الدول الآسيوية وتعزز التعاون الشامل في مجالات حياة الشعب والمجتمع والبيئة الطبيعية وتدفع الاقتصاد الآسيوي من مرحلة النمو الاقتصادي المستقر إلى مرحلة التنمية المفتوحة والشاملة والمستدامة.

--

د. وو لين: زميلة بمؤسسة الدراسات الآسيوية التابعة لجامعة الشؤون الخارجية الصينية.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4