ملف العدد < الرئيسية

الصين في العصر الجديد تخترق قوالب الفكر مجددا

: مشاركة
2018-04-03 11:29:00 الصين اليوم:Source أشرف السيد:Author

لم تكن المخترعات الصينية الأربعة أول ابتكارات الصين وبالطبع ليست آخرها. مجرى الإبداع الصيني متدفق، من فجر التاريخ إلى شمس المستقبل. ولكن، تظل الصين عصية على أفهام كثيرين. وإذا كان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون قال في مذكراته: "إن لدى الصين أسرارا لا متناهية، لذلك لن نعرف كل شيء عن الصين، ولكن ربما نستطيع أن نتعلم شيئا منها"، فإن الواقع يثبت أن الصين لديها إبداعات يحتاج كثيرون إلى سنوات لا ستيعابها. الرحلة ما بين بزوغ الإبداع واستيعابه تكون فترة ضبابية للبعض، ولكنها بالنسبة للصينيين تكون مرحلة جديدة للعمل الجاد.

منذ نحو أربعين سنة، طرحت الصين مفهوم "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية"، ونحتت مصطلح "اقتصاد السوق الاشتراكي"، ثم بعد ذلك "أفكار التمثيلات الثلاثة"، و"التنمية العلمية" و"الوضع الطبيعي الجديد للاقتصاد الصيني" و"تحول نمط التنمية". إلخ، وفي كل مرة، ثار جدل كثير في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، وتباينت التوقعات حول الصين والطريق الذي تنتهجه. وقد ظل تقييم الإبداعات الفكرية الصينية لسنوات طويلة يستند إلى المعايير الغربية، فالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقضايا مثل حقوق الإنسان ونمط ممارسة السلطة والتشريع والقضاء وغيرها، تقاس بالمسطرة الغربية، برغم أن الصين دولة ذات تاريخ عريق وثقافة واسعة وحضارة متألقة، لديها فلسفة اجتماعية وسياسية ضاربة في جذور التاريخ. لقد جنح البعض وتصور في لحظة معينة أن الصين تتخلى عن الاشتراكية، بل إن موقع قناة ((الجزيرة نت)) نشر في العاشر من يناير سنة 2005 تحليلا مطولا بعنوان "النتائج العملية لتصفية الماركسية في الصين"، بعد المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني. وكتب أستاذ التنمية السياسية الدكتور مصطفى كامل السيد في جريدة ((الشروق)) المصرية في 29 ديسمبر 2014: "شرعية الحزب الشيوعي تتهاوى مع اتباعه سياسات أدت إلى نمو الرأسمالية في الصين وابتعادها عن مسار التطور الاشتراكي." ثم يأتي التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2017، ليقرر: "ظل حزبنا متمسكا باتخاذ الماركسية اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ وأفكار "التمثيلات الثلاثة" الهامة ومفهوم التنمية العلمية مرشدا له، ومثابرا على تحرير العقول والبحث عن الحقيقة من الواقع ومواكبة العصر والتحلي بالواقعية والبراغماتية، ومتمسكا بالمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية، فتعمَّق في معرفة قانون ممارسة الحزب الشيوعي للسلطة وقانون البناء الاشتراكي وقانون تطور المجتمع البشري برؤية جديدة وبالاندماج الوثيق مع مستجدات ظروف العصر ومتطلبات الممارسات، وأجرى استكشافا نظريا شاقا، توصل منه إلى منجزات عظيمة في الابتكار النظري، وبَلوَرَ أفكار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد".

ويتواصل الإبداع الصيني، فيطرح الرئيس شي جين بينغ "أفكار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد". هذه الأفكار أوضحت بجلاء "أن المهمة العامة للتمسك بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتطويرها هي تحقيق التحديثات الاشتراكية والنهضة العظيمة للأمة الصينية، وإنجاز بناء بلادنا لتصبح دولة اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة، على خطوتين بحلول أواسط القرن الحالي، وذلك على أساس إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل؛ وأن التناقض الرئيسي في مجتمع بلادنا في العصر الجديد هو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة أفضل والتنمية غير المتوازنة وغير الكافية." وأوضحت أيضا أن الترتيب الشامل لقضية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هو "التكامل الخماسي" (البناء الاقتصادي والبناء السياسي والبناء الثقافي والبناء الاجتماعي وبناء الحضارة الإيكولوجية)، وأن التخطيط الإستراتيجي لها هو "الشوامل الأربعة" أي إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وتعميق الإصلاح على نحو شامل، ودفع حوكمة الدولة وفقا للقانون على نحو شامل، وإدارة الحزب بصرامة على نحو شامل، كما أكّدت على ضرورة ترسيخ الثقة الذاتية بطريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ونظريتها.

ويستمر الإبداع الصيني؛ ففي مارس 2018، أجاز المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني تعديلات على دستور جمهورية الصين الشعبية، تضمنت إدراج أفكار شي جين بينغ حول "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر جديد في دستور البلاد، وذلك بعد إدراجها في دستور الحزب الشيوعي. تحدد أفكار الرئيس شي أن الهدف الأسمى والأشمل لتعزيز وتطوير الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هو تحقيق التحديث الاشتراكي والنهضة الوطنية؛ وأن الهدف الأسمى للتعزيز الشامل للحوكمة القائمة على القانون هو إقامة نظام اشتراكي يستند إلى حكم القانون في إطار الخصائص الصينية وبناء دولة اشتراكية تقوم على حكم القانون؛ وأن هدف الحزب من بناء جيش قوي في العصر الجديد هو جعل الجيش الشعبي جيشا من طراز عالمي يلتزم بأوامر الحزب ويمتلك القدرة على القتال وتحقيق النصر؛ وأن هدف الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية هو تعزيز نمط جديد من العلاقات الدولية وبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية؛ وأن قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي السمة الأبرز للاشتراكية ذات الخصائص الصينية وهي أيضا القوة العظمى لنظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. كما تحدد أفكار شي جين بينغ المتطلبات العامة لبناء الحزب في العصر الجديد، وتؤكد على أهمية العمل السياسي في بناء الحزب، وفقا للمبادئ التالية: ضمان قيادة الحزب لكافة نواحي العمل؛ الالتزام بتوجه يسعى إلى خدمة الشعب؛ مواصلة تعميق الإصلاح الشامل؛ تبني رؤية جديدة للتنمية؛ ضمان أن الشعب يدير أمور البلاد؛ ضمان أن تكون كافة أبعاد الحوكمة قائمة على القانون؛ تعزيز القيم الاشتراكية الجوهرية؛ ضمان وتحسين مستويات المعيشة من خلال التنمية؛ ضمان التناغم بين الإنسان والطبيعة؛ تبني نهج شامل نحو الأمن الوطني؛ تعزيز قيادة الحزب المطلقة لجيش التحرير الشعبي؛  تعزيز مبدأ "دولة واحدة ونظامان" ودعم إعادة الوحدة الوطنية؛ تعزيز بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية؛ وممارسة الحوكمة الكاملة والصارمة للحزب.

لقد كان شعار المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني هو "عدم نسيان الغاية الأصلية، ودوام التذكُّر للرسالة، ورفع الراية العظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية عاليا، وتحقيق انتصار حاسم في إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وإحراز انتصارات عظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، والكفاح بجهد دؤوب في سبيل تحقيق حلم الصين المتمثل في النهضة العظيمة للأمة الصينية." وتفعيلا لهذا الشعار، اصطحب شي جين بينغ، بعد أسبوع من المؤتمر، كبار مسؤولي الحزب والدولة إلى الأماكن التي وضِعَت فيها أولى لبنات الحزب الشيوعي الصيني؛ في شانغهاي وتشجيانغ، في رحلة تتبع للجذور كي تتذكر الكوادر الغاية الأصلية للحزب. وفي جلسة نقاش خلال دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني 2018، أكد السيد شي أن الحزب يسعى إلى تحقيق سعادة الشعب الصيني، وأنه "مهما كانت القضايا التي لا يرضى عنها الشعب أو التي يستاء منها، يجب أن نعمل بجد لحلها."

وإذا كانت الأعمال بخواتيمها، فإن ما حققته الصين تحت قيادة شي جين بينغ خلال السنوات الخمس الماضية شهادة نجاح لبراءات الابتكار الصينية. توسع حجم الاقتصاد الصيني من 54 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات) قبل خمس سنوات إلى أكثر من 82 تريليون يوان، محققا معدل نمو 1ر7% سنويا في المتوسط، كما تم توفير أكثر من 66 مليون فرصة عمل جديدة في المناطق الحضرية. وبعد أن طرح شي جين بينغ "الإصلاح الهيكلي لجانب العرض"، اكتسب الاقتصاد الصيني مزيدا من القوة، وصار الاستهلاك المحرك الرئيسي للنمو وساهم بنسبة جاوزت 58% في نمو الاقتصاد الصيني عام 2017، وارتفعت مساهمة قطاع  الخدمات إلى أكثر من 50%، والأهم أن نحو سبعين مليون شخص تخلصوا من ربقة الفقر، وارتفع متوسط دخل الفرد الصيني بنسبة 4ر7% سنويا، وتحسنت صحة الصينيين كثيرا وطالت أعمارهم، فبلغ متوسط العمر المتوقع للفرد 7ر76 عاما، متصدرا الدول النامية. وخلال السنوات الخمس الماضية، تم اعتماد أكثر من 1500 إجراء إصلاحي، في مجالات الاقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة والبيئة والدفاع الوطني وبناء الحزب.

لقد بدا جليا أن شي جين بينغ يقود الصين نحو مستقبل واعد. ولا غرو أن خبرة الزعيم الصيني التي اكتسبها من العمل في مواقع مختلفة، تجعله قادرا على رؤية مستقبل بلاده والمكانة التي تستحقها في العالم. ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إن شي جين بينغ يحظى بقبول وتأييد في الصين والعالم يفوق أي زعيم آخر، فالزعيم الصيني يؤكد دائما أن ثمار تنمية الصين وتطورها ليس للصينيين فحسب وإنما لكل شعوب العالم.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4