في السنوات التي تلت المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني (الذي عقد في عام 2012)، قام الأمين العام شي جين بينغ بإثراء وتطوير النظريات حول الديمقراطية الشعبية من خلال طرح فكرته حول الديمقراطية التشاورية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد.

النظرية التقدمية

يساوي البعض بين الديمقراطية والانتخابات، ولكن شي جين بينغ يرى أن الديمقراطية الانتخابية والديمقراطية التشاورية هما شكلان هامان من أشكال الديمقراطية، مع أن الديمقراطية التشاورية، تمثل حقا جوهر الديمقراطية الشعبية. جاء في التقرير الذي قدمه شي إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني "أن جوهر الديمقراطية الشعبية هو أن يناقش الناس شؤونهم الخاصة".

ونتيجة لطبيعة وظروف نشأة الديمقراطية التشاورية، قال الأمين العام شي: "الديمقراطية التشاورية هي شكل فريد من أشكال الديمقراطية الاشتراكية الصينية، وهي ثقافة سياسية شاملة طويلة الأمد، تشمل مفاهيم صينية مثل "كل شيء تحت السماء للجميع"، و"التسامح والإدماج"، و"السعي إلى أرضية مشتركة مع بقاء الاختلافات". فضلا عن ذلك، تنبع الديمقراطية التشاورية من التطور السياسي للصين في العصر الحديث، ومن الخبرة العملية الطويلة الأمد، حيث قاد الحزب الشيوعي الصيني الشعب على مسار الثورة والتنمية والإصلاح؛ وهي من الابتكارات العظيمة في نظامنا السياسي بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ومن قبل جميع الأحزاب السياسية والمنظمات الشعبية، والجماهير من جميع الطبقات الاجتماعية ومختلف الخلفيات؛ ومن الابتكارات المستمرة للنظام السياسي الصيني منذ تبني الإصلاح والانفتاح. ولها أسس ثقافية ونظرية وعملية ومؤسسية راسخة".

وأشار شي إلى أنه "في هذا البلد الاشتراكي الشاسع المساحة والكثير السكان، تجري مناقشات وتشاورات واسعة تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني حول القضايا الرئيسية التي تؤثر على الاقتصاد ومعيشة الشعب، ذلك يجسد الوحدة بين الديمقراطية والمركزية. وتتخذ الديمقراطية الاشتراكية الصينية شكلين هامين: أحدهما، ممارسة الشعب حقه في التصويت في الانتخابات؛ والآخر أن يقوم الشعب من كافة دروب الحياة بمشاورات مكثفة قبل اتخاذ القرارات الرئيسية للتوصل إلى التوافق حول القضايا المشتركة قدر الإمكان. هذان الشكلان لا يحل أي منهما محل الآخر، ولا ينفي أحدهما الآخر، بل يكمل كل منهما الآخر، ويِكوّنان معا السمات المؤسسية والمزايا للسياسة الديمقراطية الاشتراكية الصينية".

جوهر الديمقراطية الشعبية هو أن يناقش الناس شؤونهم الخاصة. وفي هذا الصدد، قال الرئيس شي: "إن العمل من أجل التوصل إلى أكبر قاسم مشترك لرغبات واحتياجات المجتمع بأسره، عبر مناقشات جماهير الشعب لقضاياهم بأنفسهم في ظل النظام الاشتراكي الصيني، هو جوهر الديمقراطية الشعبية. بنسبة لشأن القضايا التي تهم مصالح الشعب، ينبغي إجراء مناقشات وتشاورات مع الشعب. من دون المناقشات أو بدون تشاورات كافية؛ فإنه من الصعب التعامل مع هذه القضايا بشكل جيد. وكلما حرصنا على عقد مناقشات وتشاورات بشكل أكثر عددا وأكثر عمقا،عندما نتصدى للقضايا ونعالجها، كان ذلك أفضل".

إجراء مناقشات ومشاورات مستفيضة بين جماهير الشعب عملية تعزيز للديمقراطية والاستفادة من الحكمة الجماعية وعملية لتوحيد أفكار الناس وبناء توافق في الآراء وعملية لصنع القرارات بطريقة علمية وديمقراطية، وعملية لضمان موقف جماهير الشعب باعتبارهم سادة لدولتهم.

ومن الأهمية بمكان أن يشارك ممثلو الشعب المنتخبون في إدارة شؤون الدولة والمجتمع عبر مشاركتهم في الانتخاب قانونيا، ومن المهم بنفس القدر أن يشارك الناس في إدارة شؤون الدولة والمجتمع من خلال نظم وأساليب خارج عملية الانتخاب. إذا كان من حقهم الانتخاب فقط من دون حق المشاركة الفعلية، وبعبارة أخرى، إذا "يستيقظون" في وقت الانتخابات فقط، ويدخلون في "سبات" بعد ذلك، فهذه ديمقراطية شكلية.

ومن ناحية أخرى، دعا الأمين العام إلى دفع وتنفيذ مهمتنا الإستراتيجية المتمثلة في النهوض بالديمقراطية التشاورية لتتطور بشكل واسع ومؤسسي على المستويات المتعددة. وقال: "وإذ نتطلع إلى المستقبل، يجب أن نتمسك بمبدأ المركزية الديمقراطية، ونشجع من خلالها على بث الآراء بحرية، ونجمع المشورة من جميع الأطراف، وأن نضمن أن يحصل كل فرد من أفراد المجتمع على حقه في التفكير والعمل من أجل قضيا مشتركة. هذا يسمح لنا بتحقيق النجاح في جميع برامجنا الاجتماعية، وتوطيد الوضع السياسي للاستقرار والوحدة، وتنسيق العلاقات بين الأحزاب السياسية، والقوميات، والأديان المختلفة، والطبقات الاجتماعية، وبين مواطنينا في الداخل والخارج."

وحذر الرئيس شي من أن الديمقراطية التشاورية الاشتراكية ليست مسألة القيام بالأشياء من أجل المظاهر؛ بل يجب أن تمارس فعليا على أرض الواقع وفي جميع مناحي الحياة. ويجب أن توضع موضع التنفيذ من جميع النواحي، وليس فقط في جانب معين، وفي جميع أنحاء البلاد على جميع المستويات، بدلا من مجرد مستوى ومنحى معين. ولذلك، يجب أن نؤسس نظاما للديمقراطية التشاورية الاشتراكية، المتسمة بالإجراءات الرشيدة وأن تكون شاملة للجميع، بحيث يتم تنفيذها على أساس المؤسسات والقواعد والأنظمة والإجراءات السليمة.

قال الرئيس شي: "عندما نتحدث عن التشاور، نعني التشاور الحقيقي." وأكد على "أن التشاور الحقيقي يتطلب التشاور قبل وأثناء عملية صنع القرار، ويتطلب اتخاذ القرارات وتعديل الإجراءات على أساس الآراء والمقترحات من جميع القطاعات. كما يتطلب ضمان تنفيذ نتائج المشاورات مؤسسيا حتى تعكس قراراتنا وإجراءاتنا رغبات وطموح عامة الشعب وتتكيف بشكل أفضل مع ظروف الحياة الواقعية."

يلعب المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني دورا محوريا في الديمقراطية التشاورية الصينية، وفقا لدستور الدولة وميثاق المؤتمر الاستشاري السياسي، وبضمان نظام التعاون بين الأحزاب والتشاور السياسي تحت قيادة الحزب الشيوعي، ويجمع فيه مهام التشاور والمراقبة والمشاركة والتعاون. هو قناة رئيسية لممارسة الديمقراطية الاشتراكية التشاورية.

وحث الرئيس شي جين بينغ المؤتمر الاستشاري السياسي على القيام بدوره بجد، كهيئة استشارية متخصصة، وتعزيز تطوير نظام التشاور السياسي، ونظام المراقبة الديمقراطية، ونظام المشاركة في إدارة ومناقشة شؤون الدولة. ولهذا الغرض، يتعين على المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني زيادة تحسين مؤسساته، والقيام بعمل أفضل في تنسيق العلاقات، وحشد القوى، وعرض الآراء والمشورة، وخدمة المصالح العامة للأمة.

ودعا الرئيس شي المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني إلى توسيع نطاق قضايا التشاور واعتماد أشكال جديدة من المشاورات، وتحسين آليات لاختيار موضوعات التشاور وتنفيذ نتائجها وجمع الملاحظات. كما طالب المؤتمرَ الاستشاري السياسي للشعب الصيني، بإجراء مشاورات مكثفة ومنتظمة بشأن المسائل الخاصة مع الأشخاص الذين يعملون في هذه القضايا، ومع ممثلي جميع قطاعات المجتمع، ومع السلطات الحكومية المعنية بشأن معالجة المقترحات. كما تم حث وتشجيع المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني على اتباع وسائل جديدة في الجلسات التشاورية، مثل عقد فعاليات للتشاور عبر الإنترنت وعن طريق الفيديو المباشر وغيرها من الوسائل الحديثة. كل هذه الإجراءات هدفها هو جعل التشاور أكثر فعالية، وخلق أجواء للمشاركين للتعبير عن أنفسهم تماما، ولكن بطريقة عقلانية ومناسبة، واتباع القوانين والقواعد المعنية.

وكما نرى، فإن آراء الرئيس شي جين بينغ بشأن الديمقراطية التشاورية تشكل نظاما علميا واسعا. وهي جزء هام لأفكاره حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد، ويعد ذلك تقدما هاما في نظريات الحزب الشيوعي الصيني حول الديمقراطية الشعبية، وثمرة هامة في توطين الماركسية في الصين.

المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني مؤسسة صينية الخصائص

رفع المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني متطلبات جديدة لتطوير المشاورات الديمقراطية الاشتراكية، وتعهد بأن توسع الصين المشاركة السياسية المنظمة للناس من أجل المشاركة في الانتخابات الديمقراطية والمشاورات واتخاذ القرارات والإدارة والرقابة.

وجاء في تقرير الرئيس شي الذي قدمه للمؤتمر، أن الصين ستعتمد نهجا منسقا لتعزيز المشاورات التي تجري من قبل الأحزاب السياسية ومجالس نواب الشعب والإدارات الحكومية ولجان المؤتمر الاستشاري السياسي والمنظمات الشعبية والمجتمعات والمنظمات الاجتماعية، وستعزز بناء نظام الديمقراطية التشاورية، بحيث تضمن مشاركة جماهيرالشعب في الأنشطة السياسية اليومية بصورة واسعة ومستمرة وعميقة، ويهدف ذلك إلى إظهار دور ومزايا الديمقراطية التشاورية كاملا باعتبارها شكلا مميزا للديمقراطية الصينية.

قال الرئيس شي: يجب أن نحسّن باطراد نظام المؤتمر الاستشاري السياسي، كنظام سياسي أساسي لقيادة الحزب وإدارة البلاد من قبل الشعب، والإدارة القائمة على سيادة القانون.

وحدد الرئيس شي طبيعة المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة والستين للمؤتمر، قائلا: "المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، باعتباره مؤسسة تابعة للجبهة المتحدة ومؤسسة للتعاون متعدد الأحزاب والمشاورات السياسية، يعد وسيلة هامة لتحقيق الديمقراطية الشعبية، ويجسد السمات المميزة للاشتراكية الصينية." وقال إن المؤتمر الاستشاري السياسي هو مؤسسة سياسية صينية مميزة تتلاءم مع الظروف الصينية. وهذه التأكيدات أدرجت في تقرير الرئيس شي المقدم إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني.

إن وجهي الديمقراطية التشاورية، باعتبارها جوهر الديمقراطية الشعبية وكونها مؤسسة سياسية صينية مميزة، مترابطان ويعزز كل منهما ويدعم الآخر. جوهر الديمقراطية الشعبية يتحقق من قبل المؤسسة، وفي المقابل يجب أن تجسد هذه المؤسسة جوهر الديمقراطية الشعبية. وعلى هذا النحو، فإن تصريحات الرئيس شي جين بينغ حول المؤتمر الاستشاري السياسي والديمقراطية الاستشارية، كجزء من تفكيره حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد، تعد دليلا هاما لتعزيز تطور الديمقراطية التشاورية من خلال المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني.

وقال الرئيس شي، في التقريرالمقدم إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني: "سنعزز مؤسسات الديمقراطية التشاورية ونطور الإجراءات والممارسات الشاملة التي تمكّن الناس من المشاركة الواسعة والمستمرة والمكثفة في الأنشطة السياسية اليومية."

في النقاش حول النظريات الديمقراطية، يسعى بعض الباحثين لترسيخ الديمقراطية الإجرائية، بينما يقف البعض الآخر وراء الديمقراطية الموضوعية. ومع ذلك، لا أحد منهم يعطي معنى حقيقيا ما لم يتم وضع الفكرة موضع التنفيذ ويمنح الشعب المشاركة على نطاق واسع.

ولكن كيف يمكن "تطوير إجراءات وممارسات شاملة لتمكين الشعب من المشاركة على نطاق واسع ومستمر ومكثف؟" أجاب الرئيس شي على هذا التساؤل في تقريره قائلا: "يجب أن تركز لجان المؤتمر الاستشاري السياسي على المهام الأساسية للحزب والبلاد، مع مراعاة موضوعات الوحدة والديمقراطية، وينبغي لها أن تعزز المراقبة الديمقراطية، مع التركيز على تنفيذ المبادئ الرئيسية، والسياسات والقرارات وخطط الحزب والدولة. وينبغي أن تمثل بشكل أفضل القطاعات الاجتماعية المختلفة وأن تعزز كفاءة أعضائها."

فالديمقراطية التشاورية الحقيقية تحتاج إلى إجراءات وممارسات كاملة ومشاركة الشعب. وكما أشار الرئيس شي، فإنها يجب أن تمارس طوال عملية التشاور السياسي برمتها، والمراقبة الديمقراطية، والمشاركة في مناقشات وتشاورات إدارة شؤون الدولة، بما في ذلك عملية بناء فريق المؤتمر الاستشاري السياسي، والمراقبة على أعضائه.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا البيان حول الديمقراطية التشاورية يتوافق مع موقف الرئيس شي الذي يركز على الشعب، وهو حجر الزاوية في تفكيره حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد. فقط من خلال الالتزام بمبدأ "الشعب أولا"، يمكننا أن نتقدم باستمرار بالديمقراطية التشاورية في إطار المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني.

---

لي جيون رو، النائب الأسبق لرئيس مدرسة الحزب للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.