محتويات العدد 4 إبريل (نيسان) 2003

العالم العربي ودواعي التحاور

الجاد مع الصين

د. محمد نعمان جلال

- العرب أو بعضهم نظر إلى الصين في الماضي نظرة المغشى عليه من الخوف والرعب بدعوى أن الصين دولة شيوعية وأن هذه الشيوعية تمثل الكفر والإلحاد ويجب الابتعاد عنها حذرا وحيطة

-         لقد أدرك المسلمون الصينيون بوعي متزايد هويتهم وذاتيتهم في إطار الكيان الأكبر وهو هوية الصين وذاتيتها. وهذا يستلزم دراسة عميقة لهذا الموقف  حتى يكون المسلمون قوة دافعة تساهم في بناء الصين وجسرا متينا للعلاقات الصينية العربية

-         القوة الإسرائيلية أصبحت هي المدخل العالمي-أو هكذا نشرت صورتها في العالم- إلى النعيم والجنة الأمريكية وأصبحت كل دولة تسعى للتعامل معها والحصول على رضائها بما في ذلك الصين

 

لا شك أنه الضروري أن يبحث العرب بدقة في ذاتهم ثم ينطلقوا في التحاور مع القوى الكبرى والهامة على الساحة الدولية. ولعل الحوار مع دولة مثل الصين يمثل أولوية متقدمة وذات بعد استراتيجي، ويرجع ذلك لمجموعة من العوامل في مقدمتها:السريع من أجله في ضروراته 

1-     أن الحضارتين العربية الإسلامية والحضارة الصينية تمثلان حضارتين متميزتين على الساحة الدولية، فما تزالان من أكثر الحضارات ذات البعد التاريخي التي لها ذاتية واضحة ومحددة، ورغم تعاملهما مع الحضارة الأوروبية خاصة والغربية عامة، ورغم أن هذا التعامل اتسم بالسلاسة حينا والعنف أحيانا كثيرة، فإن طبيعة العلاقات بين هاتين الحضارتين والحضارة الأوروبية لم تستقر بعد، مما أطلق العنان لبعض المفكرين والأكاديميين أمثال صامويل هانتنجتون ليعبر بأن العدو القادم للغرب، بعد انهيار الشيوعية، هو الحضارة الصينية والحضارة العربية الإسلامية. إذن أولى العوامل التي تدعو للتحاور الجاد بين العالم العربي والصين، نظرة الغرب إليهما كعدو مشترك، هذا العداء المشترك للغرب رغم عدم مصداقية المقولة الخاصة به من وجهة نظرنا، إلا أنه للأسف يعبر عن قوة دافعة حينا وكامنة حينا آخر، تؤثر على علاقات كل من الصين والعالم العربي مع الغرب بل تؤثر في علاقات كل من الصين والعالم العربي ببعضهما البعض. إذن ثمة ضرورة واجبة تحتم التحاور الجدي بين الصين والعالم العربي ليفهم كل منهما الآخر وليعرف كل منهما كيف يتعامل بمصداقية مع الآخر وكيف يرسم استراتيجية صحيحة حتى لا ينساق أي منهما تحت تأثير الأفكار التي يروج لها الغرب ويندفع في خلق عدو، حيث لا مبرر ولا منطق ولا جدوى، ومن ثم ينعكس ذلك سلبيا على علاقات الطرفين في القرن الحادي والعشرين.السريع من أجله في ضروراته 

2-      أن الحضارة العربية القائمة على الإسلام كبعد استراتيجي وكمعلم من معالم هويتها أخذت موقفا بناء من الصين منذ البداية في شكل اعتراف بطبيعة الصين وحضارتها العريقة وليس أدل على مثل هذا الاعتراف من القول المأثور والمنسوب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ألا وهو "اطلبوا العلم ولو في الصين" وهذا القول له دلالات هامة في طبيعة الحضارة الإسلامية العربية، وهو تركيزها الأساسي على العلم، وسعيها لكي تحصل ذلك من أي مصدر كان، ومهما بعدت الشقة، وتناءت الديار. ولعل في ذلك ابلغ دلالة على دحض رأي من يدعون أن حديث القرآن خاصة والإسلام عامة إنما يقصد به العلوم الدينية، فمما لا شك فيه أن نبي الإسلام وأيضا الحضارة والعقيدة الإسلامية لم تكن بحاجة لتبحث عن علومها الدينية المرتبطة بعقيدتها في بلد مثل الصين. لم يبعث الله فيه رسولا، مثل باقي الرسل، ولم يعرف عنه دين سماوي، مثل الأديان المعروفة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم. وإنما العلم الذي حث الإسلام أتباعه على البحث عنه، والسفر من أجله إلى أقصى بقاع الأرض هو العلم الطبيعي أو هو العلوم الدنيوية إذا صح مثل هذا التعبير. فالصين كانت لديها حضارة متقدمة منذ آلاف السنين قبل بدء الدعوة المحمدية، وكانت قوافل التجارة تجوب العديد من بلاد العرب وفارس في الاتصالات التجارية المعروفة بطريق الحرير من الصين وحتى أوروبا عبر مسالك ودروب متعددة، منها ما كان يأتي في شمال جزيرة العرب، ومنها ما كان يأتي في مناطق من جنوبها وتعزز ذلك عبر طريق الحرير البحري، الذي كان هو حلقة الوصل بين جنوب الصين وبين البلاد الواقعة على المحيط الهندي وبحر العرب، وبخاصة بلاد عمان وعدن ومدن البحر الأحمر حتى مدينة الإسكندرية على البحر المتوسط. هذا الارتباط العلمي والتجاري بين الصين والعالم العربي يستدعي بالضرورة سبر أغواره ومعرفة أبعاده التاريخية وكيفية البناء عليه بناء حقيقيا نحو المستقبل، فمن لا تاريخ له لا حاضر له، وبالضرورة لا مستقبل له، ومن لا يعرف حقيقة تاريخه يصبح عبئا على الحضارات الأخرى، أو كالقشة المعلقة اجتثت وقطعت من تحت الأرض فما لها من قرار. وتبرز أهمية ذلك في هذه المرحلة التاريخية الهامة التي يعيشها العرب عند مفترق الطرق، والتي يتعرضون فيما إلى أقصى أنواع الضغوط العالمية، ومن ثم تبرز ضرورة أن يبحث العرب عن حلفاء أو أصدقاء حقيقيين، يعتمدون عليهم في الحصول على العلم والمعرفة وعلى المساندة السياسية الصادقة التي لا تتأثر بضغوط مراكز القوى العالمية، والتي تقوم على الحقيقة الثابتة في العلاقات الدولية ألا وهي المصلحة الوطنية، وكما قال الفيلسوف والسياسي البلجيكي المخضرم بول هنري سباك، أنه ليست هناك صداقة دائمة ولا عداوات دائمة وإنما هناك مصالح دائمة، ومن ثم فإن المصلحة الدائمة للعالم العربي والصين تفرض إيجاد حوار جاد وحقيقي لمعرفة كل منهما الآخر، ولبناء علاقات ثابتة في القرن الحادي والعشرين تستند إلى النصيحة والدعوة المنسوبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم "من عرف لغة قوم أمن مكرهم" واللغة هنا تعني الثقافة والحضارة.السريع من أجله في ضروراته 

3-      أن الصين تمثل قوة صاعدة في اندفاع متزايد فقد استطاعت تجربة التنمية الاقتصادية في تلك الدولة العريقة والكثيفة السكان أن تحقق نموا متزايدا على مدى أكثر من عشر سنوات يزيد عن 12%، ثم تراجع هذا المعدل ليستقر ما بين 7-8% سنويا، وهذا التراجع لا يهمنا كثيرا من حيث دلالاته الحقيقية التي هي أهم من دلالاته الرقمية. إذ إنه من المعروف أن معدل النمو يتناقص مع ارتفاع الدخل ومع زيادة الإنتاج، فمثلا لو كان الإنتاج 5 مليون دولار وتزايد بمعدل 20% ليصبح 6 مليون دولار فإنه إذا زاد بعد ذلك بمعدل 18% مثلا فإن المحصلة في الزيادة ستكون أكثر من مليون، رغم انخفاض معدل الزيادة وهكذا، وهذا هو نموذج ما يحدث في الصين فالزيادة الكلية للدخل القومي وللناتج الصناعي والزراعي متزايدة رغم انخفاض معدل النمو ونسبته. والأكثر أهمية أن هذه النسبة في معدل النمو في الصين هي أكبر نسبة على مستوى العالم بأسره، الذي يتراوح معدل النمو فيه ما بين 4-6% وفي كثير من الدول ذات الثقل يتراوح ما بين 2-3% بل أنه في بعض الدول يكون المعدل سالبا. نقول إنه رغم الأزمات الاقتصادية الطاحنة على مستوى العالم فإن الصين نجحت في تجنيب اقتصادها الآثار الضارة لتلك الأزمات، وفي الحفاظ على معدل نمو متميز على مستوى العالم. هذه الحالة الفريدة في التنمية الاقتصادية تستحق منا في العالم العربي أن ندرسها دراسة متعمقة لمعرفة كيف تحققت ولمعرفة كيف يمكننا أن نستفيد منها بما يحمي اقتصادنا عامة وبترولنا خاصة من الآثار الضارة الناجمة عن تقلبات الأسعار الدولية، ويزيد الأمر أهمية أن الصين ذاتها دولة مستوردة للنفط لكي تفي بحاجات صناعتها المتسارعة النمو، وأنها استوردت عام 2000 حوالي 40 مليون طن بترول معظمه من الدول العربية، وأن حجم استيرادها هذا يتوقع أن يزداد في المستقبل، وهذا يفرض علينا بل ويحتم علينا أن نعرف الصين الحقيقية من أجل بناء علاقة صحية وصحيحة وسليمة لصالحنا الوطني والقومي العربي. إن الصين الدولة الصاعدة اقتصاديا في حاجة إلى بترولنا ومواردنا الطبيعية، كما هي في حاجة إلى أسواقنا لكي تصدر منتجاتها التي أصبحت أسواقنا العربية تلتهمها التهاما، فمن المسبحة والجلباب العربي التقليدي إلى فانوس رمضان الذي يترنم بالأغاني الإسلامية بلسان عربي فصيح، إلى أجهزة الراديو والتليفزيون وغيرها من معدات الإنتاج الصناعي والتكنولوجي أصبحت كلها مألوفة للمواطن العربي وكتب عليها بلغة عربية "صنع في الصين"، وباختصار فإن ضرورات الاقتصاد والتجارة والصناعة والتكنولوجيا أصبحت تمثل قوة دافعة للتحاور العربي الصيني تحاورا كما نقول يجب أن يكون حقيقيا وعميقا وبناء لتحقيق مصالح الطرفين ولبناء علاقة استراتيجية بينهما في القرن الحادي والعشرين.السريع من أجله في ضروراته 

4-      الاعتبار الرابع يتمثل فيما يمكن أن نسميه زوال الغشاوة عن البصيرة العربية وعن الفكر الصيني. فالعرب أو بعضهم نظر إلى الصين في الماضي نظرة المغشى عليه من الخوف والرعب بدعوى أن الصين دولة شيوعية وأن هذه الشيوعية تمثل الكفر والإلحاد ويجب الابتعاد عنها حذرا وحيطة إن لم يكن من الضروري العمل ضدها للحد من عدواها الضارة، ومن ثم أقامت بعض الدول العربية تحت هذه المقولة علاقات دبلوماسية مع تايوان ، والحقيقة أن تاريخ تايوان كاد أن يتماثل مع تاريخ بعض المناطق العربية في التأثر بالضغوط وبالفكر الغربي المعادي للصين والساعي لحصارها وربما القضاء عليه. هذا النمط من التفكير أصبح ينتمي إلى سجلات أو لنقل حوليات التاريخ. فالغرب اندفع لإقامة علاقات متشعبة مع الصين، وتايوان دخلت في علاقات تجارية واقتصادية مكثفة مع الصين تبلغ تجارة البلدين الثنائية أكثر من 30 مليار دولار أمريكي عام 2000، كما أن استثمارات تايوان في الصين زادت عن 50 مليار دولار في شتى مجالات الصناعة والتكنولوجيا والزراعة والخدمات. وفي نفس الوقت إزالة الغشاوة عن البصيرة العربية فأقامت جميعها علاقات دبلوماسية مع الصين وإن احتفظ البعض عن اقتناع ومصلحة بعلاقات تجارية واقتصادية مع تايوان أسوة بالعديد من دول العالم. ولكن الأهم هو زوال الغشاوة عن العين الصينية التي سبق أن نظرت للعديد من الدول نظرة خاطئة بأنها تابعة للغرب، وإنها أداة في يده ضد مصالح الصين، وأن فلسفتها الدينية تتعارض مع الفلسفة الشيوعية وهي نفس نظرة العرب للصين الشيوعية الكافرة الملحدة، وفي كلتا الحالتين وعلى كلا الجانبين انزاح الستار فلم تعد الصين شيوعية سوى بمناظر قليلة للغاية، وأصبح نشر الفكر الشيوعي الصيني لا وجود له في سياسة الصين الخارجية، بل وحتى منهجها الداخلي، وأصبح معبود الصين الجديد هو التنمية الاقتصادية، من أي مصدر وبأية وسيلة، وفقا لأي منهج اقتصادي سواء كان منهج كارل ماركس أو منهج ريكاردو أو منهج كينز، سواء جاءت المساعدات الاقتصادية من روسيا الشيوعية سابقا أو جاءت من اليابان الإمبريالية التي اعتدت على الصين وأضرت بأمنها الوطني وذاتيتها القومية وجرحت كبريائها الوطني جرحا عميق الأغوار، أو جاءت هذه المساعدات من أمريكا زعيمة الإمبريالية. و على حد قول فيلسوف الصين وباني نهضتها الحديثة دنج شياوبنج "لا يهم لون القطة طالما تصطاد الفئران" فالهدف هو التنمية والسعي من أجل بناء قوة الصين والوسيلة لا تهم، ومن هنا أقامت الصين علاقات وثيقة مع مختلف التكتلات الدولية بلا حساسيات وبلا كبرياء، أو بالأحرى بلا تكبر أو تفاخر يرجع للتاريخ والحضارة، مدركة أن التاريخ والحضارة يجب أن يخدمان الحاضر الذي هو المدخل الحقيقي لبناء المستقبل القائم على العلوم والتكنولوجيا. وزالت الغشاوة عن عين الصين بالنسبة لمفاهيم كثيرة فالاعتماد على الذات ضروري، ولكن الأهم هو قطع المسافة التاريخية والاستفادة من تجارب الآخرين وإنجازاتهم، وليس ثمة منطق للاعتماد على المحراث في الزراعة إذا كان يمكن الاستفادة بالآلات الحديثة، وليس ثمة مبرر لبذر البذور باليد ومن خلال العامل البسيط الجاهل إذا كان يمكن القيام بذلك بطائرات مروحية تستخدم في الزراعة، وليس ثمة ضرورة للبحث عن القمر والشمس والنجوم بالعين المجردة، إذا كان يمكن رصد حركة الكواكب والأفلاك من خلال أقمار الاتصالات المخصصة للأغراض الزراعية وللتنبؤ بالحالة الجوية وأحوال الفيضانات والجفاف ومن ثم رسم الخطط الواقية لتجنب الكوارث، من هنا وبهذا المنطق انطلقت الصين العملاق التي يزيد سكانها عن 3ر1 مليار نسمة أي أربعة أضعاف العالم العربي، انطلقت لكي تعتمد على ذاتها بمفهوم جديد يتمثل في زيادة الإنتاج الزراعي ليغطي حاجات هذا الحشد الهائل من السكان، ولكي تعمل على تحويل السكان العديدين إلى قوة منتجة، ولكي تدفع بهؤلاء السكان لكي يمدوا خطوط الاتصال الحضاري مع المجتمعات والشعوب الأخرى. نقول إن هذه التجربة الصينية الفريدة تستحق التحاور معها تحاورا يبعد عن الشكليات ويذهب للعمق لسبر الأغوار واكتشاف منابع القوة الحقيقة من أجل بناء عالم عربي جديد في القرن الحادي والعشرين.السريع من أجله في ضروراته 

5-      أما الاعتبار الخامس فيمكن القول إن مرجعه شذرات من العوامل السابقة وهي شذرات مثل شذرات الذهب أو التبر الخالص ترتبط بالحضارة كما ترتبط بالسكان فضلا عن ارتباطها بالثقافة، بالإضافة لتأثيرها على دور كل من العرب والصين في المستقبل، وهذه الشذرات تتصل بدور قوتين هامتين ربما هامشيتين مقارنة بحضارة العرب والصين ولكن ليس بالضرورة أن تكون هاتان القوتان مهمشتين ونحن نستعد لبناء المستقبل. ويجب أن نسارع بالقول أن هاتين القوتين تثيران حساسية أحيانا مبالغ فيها، وأحيانا مرجعها جذور تاريخية، وفي جميع الحالات لا يمكن تجاهل أي من هاتين القوتين في أي من الصين أو العالم العربي، ولا في بناء العلاقات المستقبلية بين الطرفين. وهاتان القوتان هما الإسلام في الصين وإسرائيل في العالم العربي. فالإسلام وصل الصين منذ القرن السابع الميلادي أو منذ بدايته، وينسب المسلمون الصينيون تاريخ دخول الإسلام لبلادهم إلى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان ويمثل المسلمون الآن حوالي 20 مليون نسمة وفقا للإحصاءات الرسمية، أما غير الرسمية فتذهب إلى ما بين 70-100 مليون نسمة ويتركزون في إقليمين هامين هما إقليم شينجيانغ في شمال غرب الصين على حدود آسيا الوسطى وفي إقليم ننغشيا في غربي الصين وارتبط الإقليمان بطريق الحرير البري من الصين إلى الشرق الأوسط وفقا للتسميات الحديثة أو غرب آسيا ثم أوروبا. ويتواجد أعداد من المسلمين في أقاليم الصين المختلفة، بل إن مدينة بكين عاصمة الصين الحديثة بها عشرات المساجد، وبها عدة آلاف من المسلمين الذين يقيمون شعائر دينهم. نقول إن المسلمين يمثلون قوة هامشية بمعنى أن عددهم حتى وإن وصل إلى 100 مليون نسمة كما تذكر بعض الإحصاءات الغربية فهم بمثابة قطرة في البحر السكاني الصيني العظيم، كما أن دورهم الراهن في اقتصاد الصين محدود للغاية وإدراكهم بإسلامهم ما زال في مراحله الأولى بعد أن عانوا- كما عانى كثير من أبناء الصين من العذاب في فترة الثورة الثقافية. والآن أدرك المسلمون بوعي متزايد هويتهم وذاتيتهم في إطار الكيان الأكبر وهو هوية الصين وذاتيتها. وهذا يستلزم دراسة عميقة لهذا الموقف من قبل كل من الصين والعالم العربي دراسة واقعية بلا حساسيات حتى يمكن أن يكون المسلمون قوة دافعة تساهم في بناء الصين في القرن الحادي والعشرين ويكونون جسرا متينا للعلاقات الصينية والعربية. ومن ناحية العالم العربي فإن الصين تستفيد حاليا من التواجد الإسلامي في علاقاتها العربية ولكنه ما زال في إطاره الشكلي والهامشي. ما ندعو إليه هو أن يكون المسلمون في الصين مدركين لذاتيتهم الدينية، وفي نفس الوقت هويتهم الحقيقية أي مسلمون صينيون، وأن تدرك الصين كدولة وكمجتمع أن المسلمين الصينيين هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الصيني، وأن يعرف العرب المسلمون أن لهم اخوة في الدين في بلاد بعيدة، وأن هذه الاخوة الدينية يمكن الاستفادة منها سياسيا وثقافيا وحضاريا لصالح الأطراف الثلاثة، أي المسلمون الصينيون والصين الدولة والعالم العربي. هذا البناء الحقيقي للعلاقة الجديدة يعد ضروريا لتجنب الصورة السيئة ولتجنب دمغ المسلمين بالإرهابيين والمتطرفين استنادا لوجود عناصر إرهابية أو متشددة في إقليم شينجيانغ، أو استنادا إلى حساسيات تاريخية تغذيها قوة معادية للصين أو للعالم العربي أو للمسلمين بهدف خلق صدام مفتعل يؤثر على مصالح الطرفين. أما القوة الهامشية الثانية فهي إسرائيل في العالم العربي وهي هامشية من حيث حجم السكان ومن حيث التراث الحضاري ومن حيث مساحتها ومن حيث دورها الحقيقي بمقاييس عناصر القوة الذاتية. ولكنها ليست هامشية إذا نظرنا إليها بمعيار الوضع الراهن لقوتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية المستندة إلى عناصر ذاتية وافدة وإلى عناصر رافدة من معين القوة التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية والسياسية الغربية عامة والأمريكية خاصة. هذه القوة الإسرائيلية أصبحت هي المدخل العالمي-أو هكذا نشرت صورتها في العالم- إلى النعيم والجنة الأمريكية وأصبحت كل دولة مهما عظمت تسعى للتعامل معها والحصول على رضائها بما في ذلك الصين رغم حضارتها ورغم قوتها ورغم صداقتها للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة. وهذا أيضا فإنه من الضروري التحاور الجاد مع الصين لصالح الطرفين العرب والصينيين وليس ضد إسرائيل وإنما لوضع الأمور في نصابها الصحيح، ولبناء ميزان قوى سليم يستند إلى حقائق موضوعية. وفي الختام نقول إن عناصر وعوامل واعتبارات هامة ذكرنا بعضها في السطور السابقة وربما هناك عوامل أخرى لم نذكرها تستدعي الإسراع بالحوار الصيني العربي في شكل منتدى مشترك.السريع من أجله في ضروراته 

إنه من الضروري ألا تنساق الصين للدعاية الغربية والإسرائيلية حول الإرهاب، ودمغ المسلمين بأنهم إرهابيون، أو أن الإسلام يمثل الإرهاب أو التمشي مع منطق ما تطلق عليه إسرائيل بالإرهاب والعنف الفلسطيني، هذا كله تزييف للحقائق لا يخفى على أبناء حضارة عريقة مثل حضارة الصين، ولكن في نفس الوقت من الضروري أن تكون الصين بما لها تاريخ نضالي ودور قيادي في المجتمع الدولي متمسكة بمبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، وحقه في مقاومة الاحتلال بشتى الطرق، خاصة في مواجهة آلة القمع الإسرائيلي الرهيبة، والتي ترفض السلام وتتذرع بالقتل، وتمارس إرهاب الدولة في أبشع صوره ومظاهره.السريع من أجله في ضروراته 

إن علاقات الصين بالعالم العربي وكذلك دورها المستقبلي في العلاقات الدولية يستلزم وضوح الرؤية ضد محاولات التشويه والتشويش التي تقوم بها عناصر دولية معينة، بهدف بث الفرقة والشكوك والاختلاف في علاقات الطرفين. ومهمة العالم العربي أن يوضح للجيل الجديد في القيادة الصينية ذلك، ومن الضروري لصالح الطرفين أن يسود ويتعمق التفاهم الاستراتيجي بينهما، وهو ما ندعو لضرورة العمل السريع من أجله في ضروراته ودواعيه، وأخذا في الحسبان تسارع الأحداث على الساحة الدولية.السريع من أجله في ضروراته               

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

كلنا شرق
Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.