ã

عرب إيوو..النجاح لا يأتي صدفة أو بغتة

      ربما لا تحتاج أن تذهب إلى إيوو لترى عربها؛ فهم يلاقونك في المطارات ومحطات القطار المتجهة إلى المدينة.

     عندما أعلنت المضيفة الأرضية في مطار العاصمة ببكين عن تأخر الرحلة CZ3726المتجهة إلى إيوو، تفرق المنتظرون. على السلم المتحرك إلى الطابق الأرضي، وفي الطريق إلى قاعة التدخين رأيت وجها أسمر باسما لوح بيده ملقيا السلام. فريد فؤاد، من خرطوم السودان، درس الطب في الصين وتخصص وحصل على الماجستير في فرع لم يسبقه له أحد في أكبر دولة أفريقية مساحة؛ علاج شلل الأطفال بالإبر الصينية.

     قال إنه في الطريق إلى إيوو حيث يوجد مكتب تجاري له مع شركاء من السعودية، وقال إنه عائد لتوه من السودان بعد أن أكمل نصف دينه، ولكنه لم يصحب زوجته معه إلى الصين.

     قلنا لفؤاد، الذي جاء إلى الصين قبل اثنتي عشرة سنة للدراسة، حرام أن تترك الطب، تلك المهنة المقدسة وتعمل في التجارة. أطرق فؤاد ولم تكن تعبيرات وجهه خافية، وقال إنه يعي جيدا أن مهنة الطب هي أكثر المهن إنسانية وقداسة وخاصة في تخصص مثل تخصصه وفي بلد مثل بلده، ولكنه مسئول عن أسرة كاملة والعودة إلى الوطن تعني ضياع سنوات بدخل قليل قبل أن يتمكن من افتتاح عيادة. "إن الهدف من العمل التجاري في الصين هو تدبير مبلغ يكفي للعودة إلى الوطن وافتتاح عيادة مجهزة حديثة أخدم بها أبناء بلدي وأهلي. الصين برزخ نعبر عليه إلى حياة أفضل لنا ولأوطاننا" قال فريد فؤاد. قلت في نفسي إنه نمو الصين الذي يخدم العالم كله.

      خالد .. البشر كله هنا

     كان علينا عندما فكرنا في زيارة إيوو أن نتصل بخالد، فهو صديق قديم في بكين ومن الذين رحلوا إلى إيوو مبكرا.

      خالد بشر، الفلسطيني الذي درس الكمبيوتر وأمضى بضع سنوات في بكين مارس خلالها مهنا شتى، لم يعجبه أي منها، ظل على طبيعته المتفائلة المستبشرة، يلقاك أو يتصل بك بادئا بعبارته المأثورة: كيفك خالي؟

     قرر خالد أن "ينزل نهر التجارة" في الجنوب. في عام 1999 حزم حقائبه ورحل إلى إيوو، التي كانت قد حفرت اسمها بين التجار العرب الذين يعملون في السلع الصغيرة وأصحاب الرأسمال المحدود. أمضى فترة تعرف على المدينة وقام بدراسة لأحوالها ثم افتتح مكتبا تجاريا صغيرا وبدأ العمل، مرة تصيب ومرة تخيب. الآن وبعد سبع سنوات في المدينة أصبح خالد اسما معروفا لدى كثير من التجار العرب. في إيوو التقينا جمال الرياطي، القادم بجلبابه من الأردن ومعه مصطفى الرياطي ومعاذ الرياطي، ومحمود عبد النور. قالوا إن خالد هو الذي يتولى أمرهم من ساعة وصولهم إلى مغادرتهم وإنه يضمن بضاعتهم التي يبيعونها "على البريزة" في العقبة.

     وفي شوارع المدينة ومتاجرها وفنادقها ترى خالد يلوح بيديه للصينيين والعرب، ولا عجب فهو يعرف إيوو أكثر من أهلها. في الطرقات يشير إلى هذه المنطقة وتلك ويقول: قبل سنوات كانت قرية تعيسة بيوتها مهدمة والقمامة تزحم شوارعها، الآن تحولت إلى بيوت أشبه بفيلات مبنية على طراز موحد وبينها شوارع فسيحة. واستذكر خالد عندما قام الفلاحون في المدينة بمظاهرة يتهمون فيها الحكومة بتبذير الأرض لأنها قررت شق طريق واسع، هذا الطريق الذي صار درب السعادة لأهل المدينة في ما بعد.

     خالد تزوج في إيوو من شابة صينية يصفها بحسن الخلق والخلقة، ويقول إنها عون وسند له. ورُزق خالد بطفل إن سألته بالعربية ما اسمك، رد: علي، وإن سألته بالصينية قال اسما صينيا ومثل كثيرين غيره في الصين، يمثل على خالد بداية جيل جديد عربي صيني، ربما يكون أجمل نتاجات العولمة!

      أهل سبأ .. مملكة في الصين

     "مطعم ومخابز سبأ" لصاحبه على إسماعيل محي الدين. دخلناه ولم نجد صاحبه، قيل إنه في فرع المطعم الآخر في قوانغتشو (كانتون). تحدثنا مع المدير المسئول عبد النور قائد عبده، اليمني الذي لا يتحدث الصينية، ويتعامل مع النادلات الصينيات المحجبات في المطعم بلغة الإشارة. قال إن سبأ له في إيوو أربع سنوات وإنه بفضل الله يربح جيدا. كل زبائن المطعم تقريبا عرب، رأينا بينهم الصوماليين واليمنيين والأردنيين. يقدم "سبأ" المأكولات اليمنية والعربية. على بابه ورقة ملصقة تنبه إلى عدم التعامل مع شركة شحن دانمركية، في إطار الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الدانمركية.

     من العاملين بالمطعم الشاب اليمني صلاح المشجري، الذي يود أن تكون في إيوو مقبرة للمسلمين الأجانب وأن يتم بناء مسجد كبير على قطعة أرض، قال إن المسلمين بالمدينة اشتروها.

     مالك الرأس السعيد

      جاء من إربد الأردنية إلى إيوو الصينية. لا يتحدث لغة أهل البلد ولكنه تزوج منها. وإلى جواره، في محل عمله، تجلس زوجته ذات غطاء الرأس يتابعان الحركة في صالون الحلاقة الذي يعج بالزبائن.

      يعمل في حلاقة مالك أربعة حلاقين من أهل إربد وعدد من الصينيين. يستقبل المحل في اليوم ما بين ثلاثين وأربعين زبونا، معظمهم من العرب الذين يتدفقون على المدينة. حلاقة مالك تتحول في المساء إلى صالون ثقافي سياسي اجتماعي عربي. يتحدثون فيه عن همومهم ومشاكلهم وتجاربهم، عن أوطانهم وعن الفرص الجديدة في إيوو.

     قلنا لمالك، تعال إلى بكين، فرؤوس العرب بها كثيرة وتحتاج مقصا عربيا يعرف كيف يعالجها. نظر وقال، والله فكرة.

      بيت الكرم مصري

     إنها موسيقى لا تخطئها الأذن وصوت تميزه من ألف صوت.. أم كلثوم تصدح في ليل إيوو. قال مرافقنا، نسمع من "بيت الكرم" القرآن الكريم نهارا وأم كلثوم ليلا. دخلنا المطعم وجاءنا الحاج محمد عبد المنعم، الرجل الإسكندراني ذو الأصول الصعيدية، من أهل طما، ومن حوله ولداه كرم وكريم.

     الحاج عبد المنعم قال إن علاقته بالصين ترجع إلى 29 سنة، وتذاكر الطائرات تثبت ذلك. عمل في تجارة الأدوات المنزلية من بورسلين وزجاج ومطابخ. كان يأتي إلى الصين ثلاث مرات في العام حتى افتتح مكتبا في إيوو ولاحظ زيادة عدد المصريين بها. وذات مرة، وبينما يسير في المدينة وقعت عينه على مكان مغلق، سأل عن صاحبه وعرض استئجاره لافتتاح مطعم.

      غلاف قائمة الطعام في "بيت الكرم" صورة لقلعة قايتباي وفي داخلها ترى صورة ميدان مصطفى كامل ومطار الإسكندرية ومكتبة الإسكندرية. ويقدم المطعم مأكولات مصرية خالصة، من الحمام المشوي إلى الملوخية مرورا بالبامية والسجق وفتة الكوارع والكنافة والبسبوسة.

     المطعم الذي افتتح في شهر فبراير هذا العام تبلغ مساحته 120 مترا مربعا يدفع له محمد عبد المنعم إيجارا سنويا 300 ألف يوان (36 ألف دولار أمريكي) ويعمل به ستة مصريين من بينهم طباخ وجزار و25 صينيا، يقدمون الخدمة لما بين 150 إلى 200 زبون يوميا.

     سألناه: هل أنت مبسوط هنا؟ قال: الحمد لله، ولكن نتمنى أن تكون هناك جهة مصرية في الصين لحماية مصالحنا. وقال إن قنصل مصر العام في شانغهاي السفير خالد عبد الرحمن زار إيوو والتقى مع المصريين بها وهناك تفكير في إنشاء رابطة للجالية المصرية أو العربية بالمدينة.

      وينصح الرجل ذو الخبرة التجارية الطويلة من يريد من المصريين التجارة مع الصين أن تكون لديه خلفية عن النشاط الذي يريد أن يمارسه وأن يكون له نشاط جمركي ولديه معلومات جمركية حتى لا يواجه مشاكل.

     قلنا له، أنت في الصين ويوجد صينيون في مصر، هل تعتقد أنهم من أسباب حدة البطالة، قال إن الصينيين في مصر لا يعملون في محل ولا يحلون محل المصريين، بل يمارسون أنشطة مختلفة. أما عن إقبال المصريين على السلعة التي يحملها الصيني فسببه "عقدة الخواجة" وعدم الثقة فيما بينهم.

     عرب إيوو لم يحققوا النجاح صدفة ولم تهبط عليهم الثروة بين عشية وضحاها ولكن بعد جهد وعرق وعمل كدود.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.