ã

الصينيون والعرب في الجانب الآخر.. فرص وتحديات

     "بعد أن غزت المنتجات الصينية الأسواق المصرية وانتشرت لدى الباعة الجائلين على الأرصفة‏،‏ وفي المحال‏،‏ ظهرت الفتيات الصينيات في المعارض ثم بدأن في الانتشار‏،‏ ليصلن إلى مستوى الظاهرة، فهن يتجولن في القرى والمدن بمختلف المحافظات، وأصبح من السهل أن تراهن يطرقن باب بيتك ويعرضن عليك المنتجات الصينية من الملابس الجاهزة‏، وأحيانا لعب الأطفال والأجهزة الإلكترونية‏، حتى أن العديد من ربات البيوت أطلقن عليهن اسم الدلالات الصينيات‏.‏هل السبب في انتشار هذه الظاهرة هو تشجيع الأسر المصرية للصينيات؟ أم لجودة المنتجات التي يعرضنها؟ وما هي الآثار السلبية لهذه الظاهرة على الصناعة المصرية؟ وهل من نتائجها زيادة حدة البطالة؟ وماهي إيجابيات هذه الظاهرة". (نقلا عن صحيفة مصرية)

     "قرية عربية في إيوو" (عنوان لبرنامج بثه التلفزيون الصيني المركزي).

     "باتت الحوانيت الصينية والبقالات المطرزة بالكتابة الصينية التي تبيع شتى أنواع المواد الغذائية ومستلزمات الحياة، تشكل انشغالا كبيرا للموريتانيين الذين هالهم الانتشار السريع للدكاكين الصينية في بلدهم البعيد عن الصين. ويتضايق تجار المفرق في العاصمة الموريتانية نواكشوط من مزاحمة الصينيين لهم في بيع المواد المجزأة والضرورات اليومية. ويؤكد هؤلاء التجار أن انزعاجهم سببه أن التواجد التجاري الصيني لم يقتصر على الأحياء الراقية بل تجاوزها إلى عمق الأحياء الشعبية...... الشيخ سيدي محمد ولد الماجد يفسر الظاهرة بقوله: هؤلاء الصينيون هم يأجوج ومأجوج المذكورون في القرآن وسوف ينتشرون كالجراد في الأرض". (نقلا عن صحيفة عربية).

     "ثلاثون ألف أجنبي يقيمون بطريقة غير قانونية في قوانغتشو <كانتون> بينهم نسبة كبيرة من العرب، وشارع في المدينة يحمل اسم حارة اليمنيين" (من مقال لصحيفة تشينا ديلي الصينية).

     عناوين كثيرة وكتابات متعددة، صينية وعربية، تتناول ظاهرة انتشار الصينيين في العديد من الدول العربية وانتشار العرب في العديد من المدن الصينية. البعض يفسر الظاهرة بأنها نتاج طبيعي لعصر العولمة وزيادة القيود التي تفرضها الدول الغربية على السفر إليها، والبعض وصفها بأنها غزو المنتجات الصينية للدول العربية، وقال آخرون إنه إعادة اكتشاف عربي للصين، التي كان لأجداد العرب فيها باع تجاري كبير ومازال من نسلهم كثيرون في الصين. ثمة تفسيرات أخرى غيبية، من قبيل أن الصينيين هم قوم "يأجوج ومأجوج".

     وإذا كانت الإحصاءات عن عدد الصينيين في الدول العربية وعدد العرب في مدن الصين غير متوفرة، فإن مدينة إيوو الصينية، كمثال، بها ثلاثة آلاف وخمسمائة عربي يقيمون إقامة دائمة، ناهيك عن عدد الذين يأتون ويرحلون!

     ويقول السيد مجدي عامر، الوزير المفوض بسفارة مصر لدى الصين إن عدد الصينيين الذين دخلوا مصر عام 2005 بلغ، وفقا للتأشيرات الصادرة عن سفارة مصر في بكين والقنصليتين المصريتين في شانغهاي وهونغ كونغ، سبعين ألفا بزيادة قدرها 20% عن عام 2004، ولكن الرقم وفقا للإحصاءات الصينية يصل إلى مائة ألف، وهذا الاختلاف يرجع إلى أن عددا من الصينيين يحصلون على تأشيرة دخول مصر من دول أخرى أو من المطار. وفي شهري يناير وفبراير هذا العام زاد عدد الصينيين الذين زاروا مصر بنسبة 70% عن نفس الفترة من العام الماضي حيث وصل عددهم تسعة آلاف فرد. وقال السيد عامر إن عددا من الوفود السياحية المصرية زار الصين العام الماضي، ومن المتوقع أن تزيد حركة سفر المصريين إلى الصين بعد تشغيل خط مصر للطيران المباشر بين القاهرة وبكين.

     دول عربية أخرى بها عدد كبير من الصينيين، فبعد افتتاح المركز التجاري الصيني في دبي زاد عددهم في الإمارات ودول الخليج العربية. ومع زيادة الاستثمارات الصينية في السودان واليمن والسعودية يزداد عدد الصينيين العاملين بهذه الدول.

     على الجانب الآخر يزداد عدد العرب في الصين، ولا استثناء في ذلك بين دولة وأخرى، فمن الصوماليين إلى العراقيين ومن العمانيين إلى الموريتانيين. ولكن بشكل عام يحتل اليمنيون والفلسطينيون والمصريون والسوريون المراكز الأربعة الأولى، وفقا لتقديرات غير رسمية. وحسب السفارة الصينية في القاهرة بلغ عدد التأشيرات التي أصدرتها خلال عام 2005 للمصريين 15 ألفا، وفي الفترة من يناير إلى منتصف إبريل 2006 بلغ العدد 6200 تأشيرة.

     الانغلاق حماية للتخلف

     ما هو مدى تأثير حركة سفر الصينيين المتزايدة إلى مصر على الاقتصاد المصري، سلبا وإيجابا؟

     يقول السيد مجدي عامر، إن سفر الصينيين إلى مصر يُشغل قطاعات كثيرة، فيقال إن كل مليون سائح يضيفون مليار دولار أمريكي إلى الناتج القومي، وهذا يعني أن السائحين الصينيين يضيفون مائة مليون دولار إلى الناتج القومي لمصر، وهذه إضافة إيجابية من الناحية المادية، ولكن هناك إضافة أخرى وهي أن شعبا كاملا يتعرف على مصر، وهذا هدف أساسي لأي دولة، بأن تعلن عن نفسها، فالمائة ألف صيني يُعرّفون أهلهم وأصدقائهم بمصر وتلك إضافة لا تقدر.

     قلنا له وماذا عما يقال بأن الصينيين الذين يسافرون إلى مصر ويبقون فيها لممارسة التجارة والعمل من أسباب زيادة البطالة بين المصريين؟

     قال لنا، إن الموضوع لا يتعلق بمصر فقط، فبعض الصينيين يزور مصر ويتخلف ولكن عدد الأفراد الذين يتسربون قليل، صحيح أنه من الصعب حصره، ولكن لا يتجاوز 5%. ولكن لا يمكن القول بأن الصينيين من أسباب زيادة حدة البطالة في مصر. ولكن يمكن أن تقول هذا عن الأفارقة في مصر فهم يعملون في مهن تعمل فيها العمالة المحلية، أما الصينيون فإنهم يمارسون مهنا أخرى لا ينافسون فيها المصريين، مثل العمل في الشركات الصينية في مصر، كما أن الصيني لا يتخلف لفترة طويلة، وإنما فقط لمدة خمسة أو ستة أشهر، فهو تخلُف مؤقت، ويمارسون أعمالا مرتبطة بنشاط الشركات الصينية العاملة في مصر في مجال الرخام أو الجلود أو المنسوجات غيرها، ولهذين السببين لا يمكن اعتبار الصينيين في مصر سببا في زيادة حدة البطالة.

     ويضيف مجدي عامر: "هناك استثمارات صينية في مصر ولكن الموضوع ليس فقط استثمارات، فهناك مشروعات مصرية تحتاج إلى خبرة وتكنولوجيا صينية، فنحصل على هذه الخبرة والتكنولوجيا بأسعار أقل كثيرا مما لو حصلنا عليها من الغرب وهذا أيضا شيء مهم غير مرئي. فمصنع كبريتات المغنسيوم في الفيوم، مشروع مصري يقام بتكنولجيا وخبرة صينية، وهذا يضاف إلى التعاون المصري الصيني. وهناك التعاون في مجال الأنسولين، فهو يصنع في مصر بتكنولجيا صينية بأسعار تفضيلية، لو حصلنا عليها من الغرب لكلفتنا أكثر كثيرا."

     كما أن الشركات الصينية العملاقة مثل شركة كاتك بدأت دخول السوق المصرية من خلال المشاركة في مناقصات تنفيذ مشروعات كبيرة مثل مترو الأنفاق بالقاهرة. هذه الشركات سوف تخلق فرص عمل وحركة بيع وشراء.

     التصديقات التجارية على شهادات المنشأ مؤشر آخر لحجم حركة التبادل بين البلدين، ففي عام 2005 صدقت السفارة المصرية على 14 ألف شهادة منشأ لمنتجات صينية مصدرة إلى مصر، بزيادة قدرها 25% عن العام السابق.

      أما عن حجم المصريين الموجودين في الصين فيقول مجدي عامر:" ليس لدينا أرقام دقيقة ولكننا نعلم بوجود بعضهم، لسبب مماثل لما يحدث في مصر مع الصينيين. بعض المصريين لديهم مكاتب في الجنوب؛ في قوانغتشو وشنتشن وإيوو، إما للتصدير والاستيراد، أو لديهم شركات تخضع للقانون الصيني. وهؤلاء يأتون ببعض المساعدين من مصر وبالتالي يعمل فيها مصريون لا يمكن حصرهم ولكن نعرف بوجودهم عندما يأتون لتجديد جواز السفر ونعتقد أن عدد المصريين في جنوب الصين قد يصل إلى ألف، معظمهم في أعمال تصدير واستيراد أو في شركات رأسمالها مصري. وفي تيانجين توجد شركة "النساجون الشرقيون" التي تقيم مصنعا برأسمال 20 مليون دولار.

     تجارة الشنطة خطوة أولية على طريق الاستثمار

     حتى شهر سبتمبر العام الماضي بلغ عدد الشركات المسجلة في مصر باستثمار صيني أو صيني مصري 174 شركة باستثمارات قدرها 190 مليون دولار أمريكي، منها استثمارات بدأها أصحابها بتجارة الشنطة، ثم أنشئوا شركات صغيرة في البداية، وهذه الشركات الصينية في مصر توفر فرص عمل للمصريين أيضا بجانب الصينيين الذين يعملون بها.

     في شركة النيل الصينية للغزل والنسيج بمصر يعمل 500 عامل مصري وفي الشركة المصرية المحدودة لصناعة كلشيهات الطباعة وهي أحد فروع مجموعة شركات يونتشنغ الصينية المحدودة لصناعة كلشيهات الطباعة المتخصصة يعمل 50 مصريا.

     ويشير واقع الحال إلى أن عددا كبيرا من الصينيين الذين ذهبوا بتجارة الشنطة إلى الدول العربية بدءوا يستثمرون في مشروعات صغيرة، وفي حالة مصر مثلا هناك نماذج عديدة، وهم يستعينون بمترجمين مصريين من خريجي أقسام اللغة الصينية، كما أن القانون المصري، كما قال السيد مجدي عامر، يلزم هذه الشركات بتشغيل نسبة من العمالة المحلية. وقال مجدي عامر إن الشركات الصينية، العاملة في مجال الرخام والمنسوجات والجلود، تصدر جزءا من إنتاجها وتدفع ضرائب وغيره وهذا كله يمثل مساهمة للاقتصاد المصري.

     أما عن المنتجات الصينية التي تدخل مصر وتباع بأرخص من المنتج المصري أو تنافس صناعات تقليدية مصرية، مثل فوانيس رمضان، فيقول مجدي عامر إن هذا أولا خطأ مصري فكيف يكون المنتج المحلي المُصنع داخل مصر أغلى من المستورد من الصين! وثانيا إن تأثيرها السلبي قصير المدى فهذه المصنوعات الصينية تخلق منافسة، ففي العام التالي لابد أن يفكر المُنتج المصري في كيفية منافسة هذا المنتج الأجنبي، ومن ثم فهذا إيجابي على المدى البعيد. فمن غير المنطقي أن يباع الفانوس الصيني أرخص من الفانوس المصري. والذين يهاجمون هذا لهم مصلحة مباشرة، ولكن على المدى البعيد سوف يتعلم المنتجون كيفية إنتاج فانوس مصري ينافس الفانوس الصيني. ليس صحيحا وليس إيجابيا أن تغلق السوق على منتج سعره غال، المنافسة مطلوبة، لابد من دخول المنتج المنافس إلى مصر كي يتحسن المنتج المصري، وهذا في مصلحة المستهلك المحدود الدخل، فلماذا يشتري منتجا غاليا ويوجد منتج أرخص. من مصلحة الاقتصاد المصري وجود منتجات منافسة. إغلاق السوق هو حماية للتخلف.

      وحسب مصادرالسفارة المصرية في الصين فإن حجم الاستثمارات الصينية الفعلية في مصر ما بين 65 و70 مليون دولار، ويصل حجم الاستثمارات التعاقدية إلى حوالي 130 مليون دولار حتى منصف عام 2005. وقد شهدت الفترة الأخيرة زيادة في الاستثمارات الصينية في مصر بعد توقيع مصر اتفاقية المناطق الخاصة المؤهلة (الكويز) مع الولايات المتحدة، حيث أقيمت صناعات جديدة في مصر برأسمال صيني بغرض التصدير إلى السوق الأمريكية. ومن المتوقع أن يصل حجم الاستثمار الصيني في مصر إلى ضعف هذا الرقم في نهاية عام 2006.

     على الجانب الآخر فإن العرب الذين يأتون إلى الصين ويتخلف كثير منهم ويمارسون التجارة بكافة أشكالها يوفرون فرص عمل لأفراد يستقدمونهم من الدول العربية كما أنهم يخلقون فرص عمل للصينيين من أبناء المكان الذي يعيشون فيه. وفي كل مكتب تجاري عربي بالصين يعمل عدد من الصينيين، سكرتيرات وعمال ومستخلصين جمركيين.

     في مطعم "بيت الكرم" الذي أقامه الحاج محمد عبد المنعم- من الإسكندرية- في مدينة إيوو يعمل ستة مصريين براتب شهري يتراوح بين 500 و800 دولار أمريكي، يتم تحويل معظمه إلى مصر أي أنه يساهم في دخل مصر من العملات الصعبة، كما يعمل بالمطعم 25 صينيا براتب يتراوح من ألف إلى ثلاثة آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي ثمانية يوانات). كما أن المطعم الذي يقدم المأكولات المصرية والعربية يستورد من مصر مكونات معينة تلزم تلك المأكولات. ما يقال عن "بيت الكرم" المصري يقال عن مطعم "سبأ" اليمني الذي يعمل فيه يمنيون وصينيون. "سبأ" له فرع في قوانغتشو، و"بيت الكرم" يخطط لإنشاء فرع له في بكين وآخر في قوانغتشو. حي كامل في المدينة عبارة عن مجتمع عربي صرف، تشعر فيه أنك تتجول في "خان الخليلي" بالقاهرة أو "سوق الحميدية" في دمشق.

     وجود عدد هائل من مكاتب التجارة العربية في الصين يفتح آفاقا وفرصا جديدة لمواطنين عرب في قطاعات مختلفة، ربما المطاعم والمقاهي أبرزها، وهذه القطاعات تحتاج تموينا من مواد معينة لا تتوفر في الصين فتأتيها من الدول العربية. وربما كان آخر شيء توقعناه في رحلتنا إلى إيوو أن نرى صالون حلاقة عربيا. فمالك، وهو شاب أردني جاء إلى المدينة قبل سنة ونصف تقريبا ومتزوج من صينية، افتتح صالون حلاقة يعمل فيه عرب وصينيون، ويدخله يوميا بين ثلاثين وأربعين رأسا عربيا وصينيا. ويقول مالك إنه راض تماما بالعمل وبالدخل الذي يحققه من هذا العمل.

     التجارة أصل الثقافة؟

     مثلما كان طريق الحرير القديم طريقا تجاريا انتقلت عبره الثقافات نجد أن التجمعات الصينية في المدن العربية قد خلقت أجواء ثقافية صينية بها، وبالمثل فإن الجاليات العربية في مدن الصين أرست الأسس لثقافة عربية إسلامية في تلك البقاع من الأرض التي ربما لم تعرف شيئا قبل سنوات عن العرب وثقافتهم.

      في شوارع إيوو ومع مسئولي حكومتها يكفي أن ينظر الفرد إلى وجهك العربي حتى يقول لك "السلام عليكم"، بل إن المتسولين في الشوارع تعلموا التحية الإسلامية ليخاطبوا بها المارة العرب في شوارع المدينة بلسانهم.

     وفي القاهرة أنشأ الصينيون مقهى إنترنت "طريق بكين" وأقاموا المطاعم ومراكز الترفيه والعلاج الصينية في كثير من المدن العربية. وتزوج كثير منهم في البلاد التي اختاروها وطنا لتحقيق أحلامهم.

     في مدن الصين التي حل بها العرب دخلوا في نسيج مجتمعاتها وقد نزعم أنهم غيروا من ثقافة مراكز تجمعهم. ومثل الصينيين في الدول العربية، تزوج كثير من العرب في أماكن إقامتهم بالصين، مما يعني أن جيلا صينيا عربيا قادم في الطريق. هؤلاء الأطفال الصينيون/ العرب الذين ينشأون في بيوت عربية/ صينية سوف يصبحون جسورا جديدة لمزيد من التواصل العربي الصيني.

     في مدينة إيوو التي لم يكن بها مسلم واحد صيني أو أجنبي، يوجد حاليا بها مسجد كبير مقام على مساحة أكثر من 13 ألف متر مربع. وقال دينغ شيانغ بينغ، من مصلحة الشئون الدينية بالمدينة، إن هذا المسجد ربما يكون ثاني أو ثالث أكبر مسجد مساحة في الصين، ولعله أحدث مسجد في الصين أيضا. وقد أذهلنا عدد الذين يؤدون صلاة الجمعة به، ما لا يقل عن سبعة أو ثمانية آلاف من بينهم نساء مسلمات، في مشهد نادر ربما لا نجد له مثيلا في العديد من المدن العربية. بعد الصلاة يدهشك تنوع وجوه ولباس وأعمار الجموع الغفيرة الخارجة من المسجد.

     الذي حدث أن وجود العرب والمسلمين الأجانب في المدينة جذب إليها الكثير من مسلمي الصين للعمل في صناعة الطعام وفي الترجمة والمساعدة في أعمال أخرى. هذا الوجود الإسلامي، الصيني والعربي، فرض واقعا جديدا في المدينة، فقد بدأ المسلمون يستأجرون قاعة بأحد الفنادق يؤدون بها صلاة الجمعة والصلاة في شهر رمضان، ولاحظت حكومة المدينة هذا فقررت توفير مكان لهم للصلاة، ووقع اختيارها على مصنع سابق للحرير تم تحويله إلى مسجد كامل المرافق تتحمل حكومة المدينة دفع إيجاره كاملا، حسب قول دينغ شيانغ بينغ. وتخطط لجنة الشئون الدينية بالمدينة إنشاء مسجد على مساحة أكبر في المستقبل. ومن بين أعضاء لجنة إدارة المسجد يوجد عضو عربي هو المواطن السوري محمود حكيم الذي يقيم في إيوو منذ تسع سنوات. وتم إنشاء مقبرة إسلامية لدفن المسلمين الذين يأتون إليها من أرجاء الصين، ذلك أن إيوو لا تعرف الدفن، حيث تحرق جثة المتوفى كما هو معمول به في معظم أرجاء الصين.

     المدينة أيضا قامت ببناء كنيسة جديدة على موقع لكنيسة قديمة لتلبية الاحتياجات الدينية للمسيحيين المحليين الذين يبلغ عددهم ستة آلاف، والقادمين إليها من خارج الصين ويتجاوز عددهم عشرة آلاف غير مقيمين إقامة دائمة.

     ويشارك مندوبون عن الأجانب، ومنهم العرب المقيمون بالمدينة، في اجتماعات المجلس الاستشاري المحلي للإدلاء بآرائهم في سياسات المدينة. وفي العديد من لجان الأحياء السكنية أعضاء من المقيمين العرب، ومنهم مواطن مصري. وتحرص قيادات المدينة على مشاركة العرب والمسلمين في احتفالاتهم ومناسباتهم الدينية المختلفة وتوفير بيئة اجتماعية ثقافية مناسبة لهم ولأسرهم.

     جودة المنتج الصيني والإغراق بين الحقيقة والافتراء

     ربما يبدو غريبا لكثيرين أن المنتج الصيني الذي يصدر إلى أوروبا وأمريكا يُتهم بضعف الجودة في الدول العربية. هل المصانع الصينية تنتج منتجات خاصة بالأسواق العربية؟ هل المستورد العربي هو الذي يحدد نوع ومستوى جودة السلعة التي يطلبها؟ ما هي المشاكل التجارية التي يواجهها المستورد العربي في التعامل مع الشركاء الصينيين؟

     يقول أشرف خاطر عبد الرحمن، وهو مستورد مصري يتعامل مع الصينيين منذ فترة طويلة في مجال الأدوات المدرسية إن التاجر المصري يتحمل المسئولية عن المنتج ضعيف الجودة الذي يستورده، فهو يأتي إلى الصين فيعرض عليه المنتج الصيني منتجات متنوعة الجودة فيختار هو أكثرها رداءة مقابل تخفيض السعر. ويقول أشرف خاطر عبد الرحمن، إن هذا الصنف من المستوردين يضر ليس فقط بسمعة المنتجات التي يستوردها وإنما بغيرهم من التجار الذين يحرصون على استيراد منتجات ذات جودة عالية. ويضيف بالقول إن المستهلك يأتيني فيقول إن نفس هذه البضاعة تباع بسعر أقل، فأحاول أن أوضح له أن الجودة تختلف حتى وإن كان الشكل واحدا.

      ويقول هوانغ واي شينغ، رئيس مجلس إدارة شركة التاج الإمبراطوري للملابس الجاهزة بمدينة إيوو الصينية إن بعض المستوردين يأتونه ويطلبون منه منتجات من أسوأ الخامات مقابل تقليل السعر. ويضيف هوانغ الذي يصدر منتجاته إلى العديد من الدول العربية ويقوم بتنفيذ تصميمات يأتي بها التجار العرب، إنه لاحظ ارتفاع متطلبات الجودة في السوق المصرية في الفترة الأخيرة، ولعل هذا يعكس تحولا في وعي المستهلك المصري ورؤيته للمنتج الصيني ودخول منافسين جدد يطرحون سلعا صينية ذات جودة عالية.

     وشكى محمد عبد المنعم، التاجر المصري الذي يتعامل مع الصين منذ الثمانينات، من عدم وجود جهة تحمي التاجر المصري والعربي بشكل عام عندما يتعرض لمشاكل في التعامل مع المصانع والشركات الصينية، وقال إنه بعد أن اتفق مع شركة صينية على صفقة تجارية ودفع أربعين ألف دولار كدفعة أولى من الثمن رفعت الشركة الأسعار وطالبت بستين ألف دولار أمريكية فوق المتفق عليه. ولما سألناه عما إذا كان قد اتصل أو طلب مشورة المكتب التجاري المصري سواء في بكين أو شانغهاي قال إنه لم يفعل.

     سألنا الوزير المفوض التجاري المصري في بكين محمد عبادي عن دور المكتب التجاري المصري في ضمان جودة المنتج الذي يصدر إلى مصر وحماية وضمان حقوق التاجر المصري في الصين. قال محمد عبادي "نحن لدينا في مصر حاليا سوق مفتوحة، بمعنى أن الحكومة لا تتدخل في التعاملات التجارية. المكتب التجاري مفتوح لمساعدة رجال الأعمال، المصريين والصينيين. رجل الأعمال المصري الذي يتصل بالمكتب يطلب سلعة معينة، نرشح له الشركات المضمونة من الحكومة الصينية أو على الأقل لها ترخيص إنتاج أو تصدير والتي تحترم تعاقداتها ومن ثم لا تكون هناك مشكلة. المشكلة الحقيقية تكون في معرض كانتون (قوانغتشو) حيث توجد به شركات صينية على كافة المستويات ويزوره كثير من المصريين، فالعدد في العام الماضي كان عشرين ألفا تقريبا. تبهرهم الأسعار الرخيصة ولكن ليس كل من يكون في كانتون لديه ترخيص تصدير أو أنهم يضعون في المعرض بضاعة ثم يشحنون بضاعة بمواصفات مختلفة. عندها يتذكر التاجر المصري أن له مكتب تجاري في الصين. يأتينا فلا نجد أثرا لمن صدر له.

      المشاكل لا تأتي من شركات كبيرة، بل إن الشركات الحكومية الصينية التي يتم التصدير من خلالها تقع في مأزق لأن هذا يسئ إلى سمعتها".

     ويقول أحمد عبادي إن بعض المستوردين المصريين يستوردون عن طريق الإنترنت، فتصلهم عينات غير التي يريدونها.

     قلنا له: ما هي نصيحة المكتب التجاري المصري في بكين للتاجر المصري الذي يريد أن يستوردمن الصين؟

     قال السيد عبادي (وهو يضحك): "لن يسمع أحد. في العام الماضي قمنا خلال مؤتمر رجال الأعمال العربي الصيني بإعداد مذكرة وأرسلناها إلى الغرفة التجارية لتعممها على رجال الأعمال في مصر، نبهنا فيها إلى أهمية أن تكون هناك عينة وضرورة زيارة المصنع وعدم التعاقد عن طريق الإنترنت. ضرورة إبرام عقد وعمل اعتماد مستندي وأن يكون هناك اتفاق على التحكيم وتوفر كافة عناصر العملية التجارية في الصفقة. ولكن الذي يحدث أن التعاقد يتم عن طريق البريد الإلكتروني بدون عقد".

     ويضيف أحمد عبادي: "نحن والحكومة الصينية نجد أنفسنا في مأزق. الحكومة الصينية تقول نحن لدينا سوق مفتوحة، والحكومة المصرية تقول نفس الشئ. فنحن لا نسأل التاجر، لماذا تستورد هذا أو ذاك."

     أما عن الجودة فيقول رئيس المكتب التجاري المصري في بكين، إن التاجر المصري يأتي يريد شراء هذه الولاعة (القداحة) مثلا، فيقول له التاجر الصيني إن ثمنها دولار أمريكي، هنا يحاول التاجر المصري أن "يتشطر"، فيقول له هذه غالية، ليكن ثمنها نصف دولار. وتكون النتيجة أن جودة المنتج الذي يصل إلى المستورد رديئة. وإذا راجعت التاجر الصيني فإنه يقول لك: "على قدر فلوسك"!

     ويستشهد أحمد عبادي بتاجر مصري تعاقد عن طريق الإنترنت ثم جاء إلى المكتب التجاري المصري بعد أن ضاعت فلوسه، يريد المساعدة في استراداد حقوقه، ولما قيل له لماذا لم تأتنا من البداية كان رده: هل تريد أن أطلب منكم الإذن؟

     وفي لقائنا مع هوانغ جيا فنغ، من مكتب إدارة الدخول والخروج (الجوازات والهجرة) في إيوو قال إن معظم العرب المقيمين في إيوو يعيشون ويعملون بشكل جيد ومتناغم، ولكن هناك مشاكل مع عدد قليل منهم، أردنيين وسوريين، في ما يتعلق بالدفع. وقال إنه حسب قانون الأمن العام لا تتدخل الشرطة في النزاعات التجارية. وأوضح أن معظم المشاكل التجارية تنتج عن الاتفاقات الشفوية بين الطرفين مما يصعب التدخل لفض النزاعات. وقال إنه في حالة وجود وثائق يمكن الذهاب إلى المحكمة التي ستنصف صاحب الحق.

     إن واقعا جديدا يولد على أرض الصين والدول العربية، واقع يمتزج فيه الصينيون والعرب ويعيد كل طرف منهم اكتشاف الآخر. ولابد أن تنشأ احتكاكات ومشاكل ولابد أن يشكو هذا وذاك، ولكنهم جميعا يشكون والابتسامة ملء قلوبهم، فالخير وفير والنجاح يلوح في الأفق، يجذب إليه الطامحين وربما المغامرين، بشرط أن تكون المغامرة محسوبة.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.