خصائص الحلم الصيني

        الحلم الصيني هو الحلم الأطول في التاريخ الإنساني، فالصين تحلم منذ بداية العصر الحديث، أو بالأحرى منذ أن استيقظت من سباتها العميق على أصوات مدافع جحافل الجيوش البريطانية تدك حصون الإمبراطورية الصينية إيذانا باندلاع حرب الأفيون فى عام 1840، ونشوب القلاقل فى أنحاء البلاد فى مجابهة الاحتلال الاستعماري، وتأرجح مصير الأمة الصينية بين البقاء والفناء. الصين تحلم منذ أن فقدت بكارتها التاريخية العريقة وعزلتها العتيدة، وجاءت إرهاصات حلمها فى خضم دخان البارود والأخطار المحدقة بها. ويسطر التاريخ الرائع للأمة الصينية بحروف من نور فى صحائف التاريخ، أنه التاريخ الذي يغص بالمرارة والمعاناة؛ إنه تاريخ التحول العظيم من الجوع والإذلال والامتهان إلى الظفر بالاستقلال والتحرر من نير الاستعمار وبناء الصين القوية الثرية. ولاغرو أن يكون الحلم الصيني رغبة قديمة وعزيزة وغالية لدى الصينيين الذين يحلمون ليلا ونهارا، ويحلمون فى اليقظة وفى المنام، فالأفيون لم يجلب النعاس للصين.

         الحلم الصيني، يدرك منذ الوهلة الأولى أنه ليس بمقدور كل الأمم والشعوب أن تطرح موضوع "الحلم"، فالشعب الذي يحلم يجب أن يتمتع بتاريخ عميق الغور وحضارة شامخة ومزدهرة عبر عصور التاريخ، حتى تتوافر لديه عوامل تحقيق النهضة العظيمة. ويدرك الصينيون أن تحقيق هذه النهضة ليس من خلال الكلمات الحماسية العظيمة، بل يحتاج ذلك إلى الجهود المضنية من أجل الهدف الأقصى الأسمى. والشعب الذي يفكر يستطيع أن يحلم، ومضمون الحلم يجسد السعي الحثيث والجهود المتسارعة، ويبرز للعيان الطموحات والأمال الكبيرة. ولذا، نقول بصورة محددة "إن الحلم الصيني هو الدولة الأكثر ثراء وقوة وازدهارا، والشعب الأكثر سعادة وغبطة.

   الحلم الصيني عملية تاريخية طويلة ومعقدة، وكما يقول المثل العربي: "أعقد من ذنب الضب". فقد استطاعت الصين في فترة قياسية أن تحقق الاستقلال الوطني والاضطلاع بالإصلاح والتحول فى علاقات الإنتاج في كافة المجالات. ومنذ العصر الحديث، وفي غضون مائة سنة، حققت الصين التحول في علاقات الإنتاج، من الإنتاج الإقطاعي إلى الإنتاج الرأسمالي، ثم التحول إلى علاقة الإنتاج في الإشتراكية. وتحقيق التحديثات الأربعة يعني التحول والإصلاح في القوى الإنتاجية، ويحتاج ذلك إلى فترة طويلة من التنمية وتراكم الخبرات والتجارب الثرية. وتثبت القرائن التاريخية أنه على الرغم من أن الصين تمكنت فى أواخر حقبة الأربعينيات من القرن الفائت أن تنجز بصورة أساسية مهمة الاستقلال الوطني، فإنها حتى الوقت الحاضر لم تحقق الصين المزدهرة الثرية والقوية، أو بعبارة أخرى لم تحقق عملية التحديث بصورة كاملة.

  الحلم الصيني، يتمتع بالمدى الأكثر اتساعا وعمقا، الذي يبلور القوة العظيمة الكامنة في سويداء قلوب أبناء الشعب الصيني من أجل تحقيق ثراء وقوة الدولة ونهضة الأمة، أيا كانت التحديات الجسام، والعقبات الكؤود. فالحلم يرتكز على الموروث الثقافي المشرق والمخزون الاستراتيجى للحكمة التاريخية، مما يمنح الشعب الثقة الذاتية، والقوة الذاتية، والأمل المنشود في التقدم والحياة.

           الحلم الصيني، يجب أن يبرز للعيان الروح الصينية. إنها الروح الوطنية التي تتمحور على الوطنية، وروح العصر التي ترتكز على الإصلاح والابتكار. وتعد هذه الروح في حد ذاتها هي روح النهوض بالدولة وتقويتها. إن الوطنية كانت ولاتزال تمثل القوة المعنوية التي تشجع على توحيد الأمة الصينية، بينما الابتكار والإصلاح هما قوة روحية تشجع على التقدم لمواكبة العصر خلال مسيرة الإصلاح والانفتاح. و"الحلم " هو النبع المعنوي للإلهام الحضاري والتقدمي، ويعني دفع روح البحث عن الأحلام بشكل أكبر داخل أعماق السيكولوجية الصينية، وجعل تلك الروح تشع نورا وإشراقا داخل مناحي الشعب الصيني، وفي كافة أصقاع وبقاع الأراضى الصينية، من أجل تعزيز الكرامة الوطنية ومشاعر التباهي والافتخار، وتوطيد الإحساس بالمهمة والإحساس بالمسؤولية التاريخية. وطبعا "الحلم الصيني" ليس إطلاقا حلم العودة إلى الإمبراطورية الصينية، كما أنه ليس حلما على غرار سائر الدول الأخرى من تكديس المعارف الغربية والعجز عن هضمها، بل الحلم الحديث العملي في ضوء تحول الصين من التقاليد إلى العصرنة. "الحلم الصيني" تتجذر جذوره في التربة الصينية الخالصة وتتفتح أزهاره داخل أروقة مائة مدرسة فكرية تتبارى، فلا يمكن أوربة أو فرنجة "الحلم الصيني"، لأن الصين لا تعيش فى جلباب الغرب.

         الحلم الصيني، هو المضي قدما على طريق الصين من الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والتي تنبثق من الممارسات العظيمة من خلال عملية الإصلاح والانفتاح التي دامت أكثر من ثلاثين عاما، وتبلورت من خلال التجارب الاستكشافية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، وكان ذلك نتيجة الخبرات والاستنتاجات لتاريخ الأمة الصينية.

          الحلم الصيني، هو حلم الحزب الشيوعي الصيني الذي يخوض حربا ضروسا ومعركة حامية الوطيس من أجل ترسيخ الثورة الديمقراطية، ومناهضة الاستعمار، ومناوأة الإقطاع. وقد ذكر الزعيم ماو تسي تونغ فى مؤتمرعقد فى عام 1941 : "يجب أن يتمتع الأفراد فى كافة أنحاء الصين بحقوق الحرية والمشاركة السياسية وحماية الممتلكات. والشعب فى كافة أرجاء البلاد يتمتع أيضا بفرحة التعبير عن الرأي، ويتوفر لديه المأكل والملبس، والأعمال التي ينجزها، والكتب التي يطالعها، وزبدة الفول، ووضع كل شخص في مكانه اللائق ويحصل على ما يأمل فيه ويتطلع إليه."

           الحلم الصيني، يعني فى المقام الأول قوة التضامن الكبرى لأبناء الشعب الصيني من مختلف القوميات. إن حلم الصين هو حلم الأمة بأسرها، وحلم كل مواطن صيني أيضا. وتبدو قوة تحقيق الحلم خارقة عندما يتوحد الشعب الصيني بإرادة واحدة وعلى قلب رجل واحد. ولذا، تزداد فرص تحويل الحلم إلى واقع، ويؤتي ثماره المرجوة ويعود بالخير والنفع على أبناء الشعب. ولا يغرب عن البال أن الحلم هو القوة الكامنة المحركة لوحدة الشعب ولم شمل وتحقيق وحدة الأمة الصينية، فالأحلام تبث الحماسة والقوة الدافعة لانطلاق الشعب إلى الأمام. ولذا، بات "الحلم الصيني" الأكبر والأضخم فى العالم، حيث يحلم به أكثر من خُمس سكان المعمورة.

         الحلم الصيني، هو تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، ويعد ذلك أكبر حلم للأمة الصينية منذ بداية العصر الحديث، ويبلور هذا الحلم أمنيات وتطلعات عدة أجيال من الصينيين ويمثل التطلعات المشتركة لكل أبناء الشعب الصيني، ويتحقق الحلم على مرحلتين هما: حلم بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل عند حلول الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وحلم بناء الصين دولة اشتراكية حديثة وغنية وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة. سيتحقق بالتأكيد حلم النهضة العظيمة للأمة الصينية.

الحلم الصيني، هو السلام العالمي الذي يسود كافة أرجاء المعمورة، ويعزز هذه المقولة ويؤيدها حديث الرئيس الصيني شى جين بينغ فى 27 مارس 2014، حيث تكررت فيه كلمة  "السلام" ست مرات على النحو التالي: "إن الحلم الصيني حلم يسعى للسلام، يحتاج الحلم الصيني إلى السلام، ولا يمكن تحقيق الحلم إلا في ظل السلام، ويعتبر السلام والانسجام طموحا للأمة الصينية ممتدا لآلاف السنين، ويحرص الشعب الصيني على السلام، ويرغب في أن يشارك دول العالم في تحقيق وحماية والتمتع بالسلام". والصين لا تدخر وسعا في تأسيس بيئة عالمية تنعم بالاستقرار والهدوء، وترغب الصين عن أي محاولة تعكر صفو العلاقات الدولية، وتنأى بنفسها عن أي حرب تندلع فى أي مكان، وذلك انطلاقا من رؤية قيادتها الحكيمة، التي تبلورت في كلمات الرئيس الصيني المذكورة أعلاه.