دور الصين في مواجهة تغير المناخ

 

جياو فنغ

تغير المناخ من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي حاليا. وقد حظيت هذه القضية، على مدار السنوات الماضية، باهتمام عالمي متزايد. الصين من جانبها، بذلت جهودا حثيثة في التعامل مع تغير المناخ، والوفاء بالتزاماتها التي نصت عليها "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" و"بروتوكول كيوتو"، إضافة إلى دورها البنّاء في التعاون الدولي في هذا المجال.

الحوار الدولي

سعت الصين لتعزيز الاتصالات الدولية والثقة المتبادلة في التعامل مع تغير المناخ، بهدف إنشاء آلية عالمية شفافة وفعالة للتعامل معه.

شاركت الصين، في إطار آلية التفاوض المزدوج المسار والمحدد في الاتفاقية الإطارية وبروتوكول كيوتو، في المفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ، مع الإصرار على مبدأ "المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة حسب الأحوال الذاتية المختلفة" سعيا إلى تعزيز التواصل مع مختلف الأطراف ولعب دور بنّاء في الحث على بذل جهود مشتركة.

وفي مختلف الاجتماعات الثنائية والمتعددة الأطراف، مثل قمة مجموعة الثماني وقمة مجموعة العشرين، منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، قمة شرقي آسيا ومنتدى بوآو الآسيوي، قدم رؤساء الصين ورؤساء مجلس الدولة الصيني، شروحا مطولة حول موقف الصين بشأن التعامل مع تغير المناخ، كما أعربوا عن عزمهم على تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.

انتماءات الصين العديدة للمجموعات العاملة في مجال تغير المناخ، أثبتت التزام البلاد بهذه القضية. فالصين عضو في كل من المنتدى القيادي لعزل الكربون، وشراكة آسيا- المحيط الهادئ حول التنمية النظيفة والمناخ، فضلا عن كونها عضوا مشاركا في مجموعة الثماني والبلدان النامية في المفاوضات المتعلقة بتغير المناخ، واجتماعات الاقتصادات الكبرى حول أمن الطاقة وتغير المناخ، كما دعت الصين في اجتماع أبيك إلى تأسيس "شبكة آسيا والمحيط الهادئ للإدارة المستدامة للغابات"، واستضافت "المنتدى الدولي لتغير المناخ والعلوم والتكنولوجيا والابتكار".

وفيما يتعلق بالتعاون الثنائي، أجرت الصين حوارات وتعاونا بشأن تغير المناخ مع الاتحاد الأوروبي، والهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، واليابان، وكندا وبريطانيا وغيرها من الدول والمناطق، كما وضعت تغير المناخ كموضوع  هام في التعاون الثنائي معها. وفي أبريل من هذا العام، وقعت الحكومتان الصينية والأمريكية على "البيان الأمريكي- الصيني المشترك بشأن تغير المناخ". وأنشأتا فريق عمل حول تغير المناخ ليكون مسؤولاً عن تنفيذ الخطط التعاونية المنصوص عليها بين البلدين، وإدراج الموضوع في الحوار الاستراتيجي والاقتصادي بين البلدين لعام 2013.

الجهود المشتركة في التعامل مع تغير المناخ، خلال الدورة الخامسة للحوار الإستراتيجي والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية التي عقدت في يوليو هذا العام، كانت دافعا جديدا لتعزيز العلاقات الثنائية، فقد اتفق الجانبان على خفض معدل انبعاثات المركبات الثقيلة والمركبات الأخرى، وإطلاق التعاون حول احتجاز ثاني أكسيد الكربون، واستخدامه وتخزينه، إضافة إلى رفع كفاءة الطاقة في المباني والصناعة، وبناء شبكات ذكية للمعلومات الأساسية حول استخدام الطاقة. ومن المتوقع أن تساهم هذه المبادرات في تعزيز التعاون المتعدد الأطراف وتساعد في وضع بروتوكول دولي جديد في التعامل مع تغير المناخ بحلول عام 2015

التعاون في العلوم والتكنولوجيا

حدد الفريق الحكومي الدولي(IPCC) المعني بتغير المناخ، المعلومات العلمية والتقنية والاجتماعية-الاقتصادية المطلوبة لفهم مخاطر تغير المناخ التي سببها الإنسان. وأرسلت الصين، كدعم منها، وفودا إلى كل اجتماع عقده الفريق الحكومي الدولي. تتعاون الصين، منذ تسعينيات القرن الماضي، مع مؤسسات مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي في تنفيذ مشاريع مثل "البحوث الاستراتيجية للتحكم في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون" في الصين، "الاستراتيجيات الوطنية للتعامل مع تغير المناخ" في الصين وبحوث خفض ثاني أكسيد الكربون في آسيا بأقل تكلفة. وتتعاون الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمملكة المتحدة واليابان في مجالات البحوث مثل تغير المناخ في بلدان مختلفة وتأثيرها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وقد تم التوصل إلى استنتاجات هامة.

في السنوات الأخيرة، اتسع التعاون الدولي في مجال الأرصاد الجوية. كما شاركت الصين في العديد من المبادرات العالمية، مثل برنامج أبحاث المناخ العالمي ضمن إطار شراكة علوم نظام الأرض، والبرنامج الدولي للغلاف الأرضي والمحيط الحيوي (IGBP).

 يشمل التعاون الإقليمي الذي أطلقته الصين، "الدراسة الإقليمية المتكاملة للرياح الموسمية في آسيا(MAIRS)" والتي تركز على نظام  تفاعل الرياح الموسمية وإلى أي مدى تستطيع الأنشطة البشرية تعديل مناخ الرياح الموسمية الآسيوية، وتداول التجربة المناخية في شمال غربي المحيط الهادئ.

وكانت لجنة الخبراء الوطنية الصينية بشأن تغير المناخ سباقة في إجراء مناقشات أكاديمية مع مراكز البحوثالمعنية في البلدان الأخرى، وعززت التعاون في مجال البحث العلمي، إضافة إلى نقل التكنولوجيا وتبادل المعلومات.

من جهة أخرى، تقوم الصين بتعاون علمي وتكنولوجي واسع مع  كل من المملكة المتحدة، وإيطاليا، واليابان وكوريا الجنوبية من أجل تطوير فعالية الطاقة، وإنشاء مدن وبلدات منخفضة الكربون وشبكات ذكية.

المساعدات الخارجية

تواصل الصين، كلاعب رئيسي في المجتمع الدولي، وفي إطار تعاون الجنوب- الجنوب، تعزيز المساعدات الخارجية في التعامل مع تغير المناخ. كما تشاطر ثروتها من التكنولوجيا الخضراء والخبرة في تطوير الاقتصاد الأخضر مع البلدان النامية الأخرى، وتدعم قدراتها على التعامل مع قضايا تغير المناخ.

منذ عام 2006، أصدرت الحكومة الصينية سلسلة من إجراءات المساعدات الخارجية، وتعهدت بالقيام بتعاون عملي مع البلدان النامية المعنية، محددة أولويات دعمها في مجالات مثل الزراعة، والرعاية الصحية، والطاقة النظيفة، وحماية البيئة، ومياه الشرب، تنمية الموارد البشريةوتشييد الهياكل الأساسية للأرصاد الجوية.

وفرت الحكومة الصينية أكثر من ثمانمائة دفعة من مواد المساعدات إلى ما يقرب من مائة دولة، بما في ذلك  أنظمة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأنظمة الإضاءة، وإمدادات الطاقة المتنقلة، شاحنات التخلص من النفايات، ومنشآت الري والصرف.

وبغية مساعدة البلدان الأفريقية على تعزيز بناء البنية التحتية للأرصاد الجوية، وتحسين حماية الغابات وإدارتها، على وجه الخصوص، ستركز الصين على بناء محطات للرصد الجوي آليا، ومحطات المراقبة الجوية العليا بالرادارات ومرافق حماية الغابات.

وبالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة الصينية بإنشاء مراكز لعرض التكنولوجيا الزراعية في 17 دولة آسيوية وأفريقية، كما أرسلت خبراء إلى تلك البلدان للتدريب وتعزيز التكنولوجيا. أما فيما يتعلق بالطاقة النظيفة، فالصين تساعد على بناء محطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة، ومحطات طاقة الرياح ومحطات غاز الميثان الزراعية. ومن الأمثلة في هذا الصدد، مشروع الحفاظ على المياه في أفغانستان، وتركيب الألواح الشمسية، وأنظمة تسخين المياه بالطاقة الشمسية في المغرب ولبنان، واستكشاف الموارد المائية، ومشروع إمدادات مياه المناطق الحضرية في النيجر، ومشروع تكنولوجيا الزراعة الجافة في الكونغو.

ساهمت جهود الصين الفعالة في تعزيز حماية البيئة والحد من تراجع طاقة الإنتاج الزراعي في هذه البلدان. أما بخصوص التعاون التكنولوجي، فقد نفذت الصين سبعة وأربعين مشروعا للتعاون التكنولوجي متعلقة بتغير المناخ في ثلاثة وأربعين بلدا، وحتى الآن تعمل أكثر من ثلاثين مجموعة للتكنولوجيا الزراعية الصينية في البلدان المتلقية للمعونات. وهناك أكثر من ستين فرقة طبية صينية تضم أكثر من ألف وثلاثمائة طبيب يعملون في سبعة وخمسين بلدا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

بالإضافة إلى توفير المواد والمساعدات التكنولوجية، تساعد الصين أيضا البلدان النامية في تدريب الموظفين. فمنذ عام 2006، نظمت الصين مائة وأربعا وثلاثين دورة تدريبية في مجال التعامل مع تغير المناخ، وقدمت الإرشاد والتوجيه إلى ما يقرب من أربعة آلاف مسؤول وفني.

أما برامج التعليم والتدريب فإنها تغطي مجالات واسعة، بما في ذلك تطوير واستخدام الطاقة المتجددة، التكنولوجيا المائية، إدارة الغابات، الوقاية من التصحر ومراقبة الطاقة النظيفة والتدريب على استخدامها. وقد أصبح العديد من المسؤولين الذين شاركوا في التدريبات العمود الفقري في إداراتهم، حيث يقدمون مساهماتهم لمواجهة "تحدي تغير المناخ".