الديمقراطية التشاورية في قرية صينية

في ساحة قرية يونغليان بمدينة تشانغجياقانغ في مقاطعة جيانغسو، بنايتان لافتتان للنظر، إحداهما تبدو مثل "يد فولاذية عملاقة"، تجسد مسيرة قرية يونغليان في الإبداع وتأسيس المشروعات، والأخرى هي مقر المركز الاستشاري للقرية الذي تأسس في عام 2013. رغم بناية المركز الاستشاري مشيدة بطراز "هوي" المعماري التقليدي المميز بالجدران الوردية والقرميد الكحلي، تعج من الداخل بأجواء الحداثة التي تتجلى رئيسيا في قاعات للاجتماعات على شكل نصف دائرة تضم مائتي مقعد.

قال وو دونغ تساي، أمين لجنة الحزب الشيوعي لقرية يونغليان: "الهدف من بناء هذا المركز هو تحويل الديمقراطية على المستوى القاعدي إلى شيء ملموس. يتمتع كل أبناء القرية بحق معرفة ومناقشة وتقرير شؤون القرية، من حيث توزيع المساكن وتعويض إتلاف الملك العمومي وغير ذلك مما يهم أبناء القرية. صارت القرارات أكثر إنصافا وعدالة."

 إدارة متعددة المنافذ

في الحادي والثلاثين من مارس 2014، افتتحت الدورة الأولى لمؤتمر الجمعية التعاونية الاقتصادية لقرية يونغليان في المركز الاستشاري. بعد يوم كامل من التحضير والنقاش والتشاور والتصويت، انتخب أعضاء الجمعية البالغ عددهم 239عضوا مجلس الإدارة ومجلس المشرفين، وأجازوا ((لائحة الجمعية التعاونية الاقتصادية لقرية يونغليان)).

في حديثه عن استكشاف قرية يونغليان الإبداعي حول الإدارة، قال سوان مين بياو، مدير مكتب الأعمال الريفية التابع للجنة الحزب بمدينة تشانغجياقانغ الذي حضر المؤتمر:  "يمكن أن ندعو أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى قريتنا ليتعرفوا على كيفية تنفيذ الديمقراطية على المستوى القاعدي في ريف الصين."

هذا المؤتمر يحمل معاني كثيرة، وتكمن أهميته في أنه منح الجمعية التعاونية الاقتصادية فعلا صلاحية الإدارة، حيث أشار بوضوح أن الجمعية التعاونية الاقتصادية مسؤولة عن ضمان حقوق عشرة آلاف وستمائة وستة وسبعين عضوا للجمعية في أراضيهم الصالحة للزراعة التي تبلغ ثمانية آلاف مو (الهكتار يساوي 15 مو) وفي أربعمائة محل تجاري و25% من أسهم مؤسسة يونغقانغ. وأنه على الجمعية   أن تمارس إدارتها للحقول المملوكة جماعيا والممتلكات الجماعية والأموال الجماعية على شكل التخصص والتشغيل الموجه للسوق والحجم المناسب، من أجل ضمان تحقيق القيمة المضاقة  وتعظيم الممتلكات الجماعية ودفع تنمية الاقتصاد الجماعي الريفي باستمرار وزيادة ممتلكات أعضاء الجمعية بشكل متواصل.

في الحقيقة، بعد انتخاب لجنة السكان الجديدة لحي يونغخه في عام 2013، تم نقل بعض صلاحيات الإدارة الاجتماعية من لجنة القرية إلى لجنة سكان حي يونغخه، وقد ساهمت إجراءات ترتيب الإدارة الريفية لقرية يونغليان في التحول من نمط "الدور الرئيسي للجنة القرية" إلى نمط "الإدارة المتعددة الأجزاء". حاليا، في قرية يونغليان، يتولى كل من مؤسسة يونغقانغ وحي يونغخه والجمعية التعاونية الاقتصادية لقرية يونغليان إدارة القرية معاً. تتبنى مؤسسة يونغقانغ نظام الإدارة الحديثة للمؤسسات، وتقوم بالتجارة المستقلة، وتتحمل المسؤولية الكاملة عن الأرباح والخسائر؛ أما حي يونغخه التابع لبلدة نانفونغ فطبق الإدارة الذاتية للحي، بينما تعتبر الجمعية التعاونية الاقتصادية اتحاداً اقتصادياً باعتبار الأراضي والممتلكات والأموال رابطة له، وتعمل وفقا للقواعد المحددة للجمعيات التعاونية. بهذا الشكل، بزغ أسلوب "ثلاثة في واحد والازدهار المشترك والإدارة المنفصلة".

في المركز الاستشاري لقرية يونغليان، ستنفذ الديمقراطية على المستوى القاعدي بشكل أفضل عمليا وتجريبيا.

مائدة مستديرة للفلاحين

يتناول النقاش في المركز الاستشاري الأمور الكبيرة مثل تشكيل إدارة القرية، والأمور البسيطة مثل توزيع المساكن على أبناء القرية.

في الساعة الثانية بعد ظهر الثامن عشر من أكتوبر 2013،  اكتظت قاعة اجتماعات المائدة المستديرة بأبناء القرية. في الاجتماعات السابقة لهذا اللقاء، كان كوادر القرية يقرأون الوثائق على المنصة، ويستمع الحضور إليها؛ لكن في هذه المرة، جلس الحضور جميعاً حول مائدة مستديرة.

كان موضوع الاجتماع هو قضية هدم المساكن والنقل إلى مساكن أخرى، وتحديدا بشأن إعادة توطين القروية تشو لن فن، في قرية يونغنان. إلى جانب القرويين المعنيين ووكيل لجنة القرية ومندوبي قرية يونغنان، اشترك في الاجتماع أعضاء الحزب القدامى والكوادر المتقاعدون من القرية المعنية وموظفو الحي المعني وغيرهم من عشرين قرويا.

قال مدير الجمعية التعاونية الاقتصادية ومشرف المؤتمر، سونغ شينغ شيانغ: "في الاجتماعات السابقة، كنا نناقش شؤون القرية بلهجة بوتونغهوا، لكن كان من الصعب على أبناء القرية أن يتكلموا بشكل جيد، في هذه المرة، نناقشها باللهجة المحلية، لمساعدةد أبناء القرية في التعبير بحرية عما يدور في خواطرهم". وقد نال اقتراحه هذا استحسان وتأييد الجميع.

طرحت تشو لن فن طلبها مباشرة حيث قالت: " كنت أقيم في قرية يونغنان، فيما بعد انضمت قرية يونغنان إلى قرية يونغليان، بعد هدم المساكن والنقل إلى مساكن أخرى، لم يتم تعويضي عن شقتين، أرجو من القرية أن تجد حلا مناسبا ومرضيا لهذه المشكلة".

وردا على شكواها، قال مندوب لجنة القرية، لي يونغ تشنغ: "لدي وثائق عديدة تثبت بوضوح أنه بعد زواج تشو لن فن الجديد، تم نقل سجل إقامتها الدائمة خارج قريتنا، كما أن هدم المساكن والانتقال إلى مساكن أخرى تم قبل انضمام القريتين، ولا يمكنها أن تتمتع بهذه المعاملة التفضيلية ". في ذلك الوقت، كانت الوثائق تعرض على الشاشات أمام جميع المندوبين لمتابعتها.

 "وفقا لـ((قانون إدارة الأراضي))، لا تعتبر أرض المسكن ملكية خاصة بالمعنى الحقيقي، حيث يمكن لأبناء القرية استخدامها، ولكن تظل ملكيتها تابعة للجماعة. ولا يمكن التصرف في أرض المسكن بالبيع أو الشراء أو التوريث، لأنها تعتبر ملكية جماعية للقرية. إذا تم نقل سجل الإقامة الدائمة خارج القرية، لا يمكن توارث حق الانتفاع بها." وقد حصل مقترح لي يونغ تشنغ هذا على تأييد أبناء القرية، وتوصلوا إلى اتفاق.

بعد ساعتين من النقاش، لخص المشرف سونغ شينغ شيانغ نتيجة نقاش الحضور وأعلن انتهاء هذا الاجتماع، قائلا: "حسب القانون والشرح المذكور أعلاه، لا يمكن لتشو لن فن التمتع بمعاملة تفضيلية، وتطبيقا للعدالة والإنصاف في القرية، لا نستطيع تقديم مسكن لها".

قال سونغ شينغ شيانغ في حديث خاص لمجلة ((الصين اليوم)): "تم عقد اجتماعات نقاش في قرية يونغليان أربع مرات. وفي كل مرة، هناك مطالب بعقد الاجتماع في القرية ، يتم تحديد عقد أو عدم عقد الاجتماع بعد الاستقصاء والنقاش.  وبعد نقاشات أبناء القرية، تحصل قرارات القرية على تأييد واتفاق أبناء القرية، وتنفذ بدون مماطلة".

كل شيء في المركز الاستشاري

وو دونغ تساي، أمين لجنة الحزب الشيوعي السابق لقرية يونغليان، هو صاحب فكرة إنشاء المركز الاستشاري لقرية يونغليان من أجل إدارة القرية.

في أغسطس عام 2010، قرر وو دونغ تساي تاسيس المركز الاستشاري بالقرية بعد استطلاعه لألمانيا. قال: "أعتقد أن عدد القرويين سيكون أكثر من عشرة آلاف، وعادتنا،عند عقد اجتماع القرية، أن يلقي كوادر القرية كلماتهم من على المنصة فيستمع القرويون إليهم. لكن، إذا جلس القرويون حول مائدة مستديرة مثل أعضاء البرلمان في الدول الأجنبية، وعبروا بحرية عما في صدورهم، فسوف يساعدنا ذلك بشكل كبير وفعال في دفع الإدارة الذاتية للقرويين وبناء الديمقراطية الريفية."

في قاعة الاجتماعات بالمركز الاستشاري، توجد منصة رئاسة مستديرة بها ستة عشر مقعدا، إضافة إلى 285 مقعدا للحضور. تكلف إنشاء هذا المركز أكثر من 40 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر6 يوانات)، ويستطيع الزوار الإطلاع على مجريات الاجتماع عبر الأجهزة الصوتية وشاشات LED مباشرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تصميم المركز الاستشاري يجسد مفهوما ديمقراطيا وإنسانيا، حيث يترك حيزا كافيا بين المقاعد، مما يمكن الحضور من القيام مباشرة للتعبير عن رأيهم في أي وقت. وهناك كاميرا على منصة الرئاسة يمكنها تمييز صوت المتحدث، وتظهر صورته  على الشاشة، والفتحة الزجاجية الموجودة في سقف المركز الاستشاري ترمز إلى التعبير بحرية عما في صدور وخواطر القرويين بدون تحفظ أو كتمان لأي حقيقة.

تشاور أبناء القرية حول القرارات الهامة للقرية له أساس في قرية يونغليان. يبلغ عدد سكان القرية عشرة آلاف واربعمائة نسمة، يمثلهم مائتان وخمسون مندوبا في المؤتمر. حددت قرية يونغليان أنه عندما يتم تقرير الشؤون الهامة وتنفيذ المشروعات الهامة، يجب عقد اجتماع يشترك فيه أعضاء الحزب وممثلو القرويين؛ وكل قرار يتعلق بمصالح القرويين الاقتصادية والسياسية والثقافية، لا ينفذ إلا عبر نقاش اجتماع التشاور والتصويت. يُنتخب خمسة وثلاثون مندوبا من المائتين وخمسين ممثلا للقرويين لتشكيل لجنة التشاور للمناقشة والتشاور بين النواب حول المشاكل واحتمالاتها في القرية.

قالت نائبة أمين لجنة الحزب لقرية يونغليان، وو هوي فونغ: "عن طريق اجتماع التشاور، أصبحت مشكلات عديدة أكثر وضوحا بفضل النقاشات الساخنة، مما يضمن حقا ديمقراطيا للقرويين ويحقق الإدارة الذاتية. إقامة الاجتماع على شكل المائدة المستديرة واشتراك القرويين المعنيين ووكيل لجنة الحزب بالقرية وعضو لجنة التشاور فيه، يساعد في ضمان العدالة والإنصاف. بعد طرح الطلب والإشارة إلى المشكلة، يتشاور القروي المعني مع وكيل لجنة القرية. بعد سماع رأي القروي ومراجعة وثائق الإثبات يقوم أعضاء لجنة التشاور بمشاورات ويقدمون اقتراحا مناسبا إيجابيا لحل المشكلة لضمان حق ومصالح القروي القانونية."

يجلس الجميع معا ويعبرون بحرية عما في صدورهم بغض النظر عن وظائفهم. إن شكل اجتماع التشاور يجذب اهتمام أبناء القرية ويحفزهم على المشاركة في إدارة القرية.

مديرة مكتب الزيارات بالمراسلة في بلدة نانفونغ، شي هوانغ تشين، والتي حضرت اجتماع التشاور عدة مرات قالت متأثرة:" يناقش القرويون شؤون القرية بالحجة والبرهان، وباتت مظاهر الشجار والخلاف قليلة، وبجانب ذلك، يقومون ببحث اللوائح والقوانين المعنية قبل التشاور. لذا، نتيجة اجتماع التشاور تساهم مساهمة هامة في قرارات الحكومة.

ديمقراطية ملموسة

بناء واستخدام المركز الاستشاري يضمن حق القرويين في المعرفة وحقهم في التشاور الديمقراطي، ويجعل الديمقراطية على المستوى القاعدي والإدارة الذاتية للقرويين ملموسة بشكل أعمق.

يدرك وو دونغ تساي أن إدارة القرية الحديثة لا يمكن أن تعتمد فقط على شخص أو لجنة الحزب بالقرية، بل ينبغي أن تعتمد على الإدارة الذاتية للقرويين والإدارة العامة والقوى الاجتماعية، وحول هذا المفهوم قال: "قريتنا هي ممتلكاتنا، لا يمكن أن تتجلى إرادة القرويين إلا عن طريق جمع حكمتهم ".

خلال السنوات الأخيرة، عززت قرية يونغليان بناء قواعد التشاور للجنة الحزب وللقرويين واللجمعية التعاونية الاقتصادية، وتدعو إلى تنفيذ آلية ديمقراطية لاتخاذ القرار عبر البحث الجماعي والتصويت. في قرية يونغليان، يعقد اجتماع مندوبي القرويين مرتين كل سنة، وينبغي تحديد كل القرارات عبر التشاور الديمقراطي، بما فيها  قرارات توزيع عائدات الاقتصاد الجماعي للقرية، وتحديد أهلية عضو الجمعية، وقضايا هدم المساكن والانتقال إلى مساكن أخرى، وإدارة المعاملات الزوجية للقرويين. منذ عام 2005، أجاز مندوبو القرية على عشرين لائحة وقرارات وأكثر، منها ((قرار المعاملات المعنية للمواطنين المهاجرين إلى القرية بسبب الزواج)). من أجل تقوية المراقبة الديمقراطية، أنشأت لجنة الحزب لقرية يونغليان فريقا للإشراف على الشؤون المالية وفريقا للمراقبة الديمقراطية لمراقبة وفحص إعلان شؤون القرية والمعلومات المالية الجديدة عبر لوحات الإعلانات وشبكة قرية يونغليان ولجنة القرية على الإنترنت وغيرها.

من أجل رفع قدرة القرويين على إدارة القرية ومساعدتهم في تعلم القانون والتعرف على القانون والالتزام بالقوانين، تعقد محاضرات حول النظام القانوني عدة مرات كل سنة في قرية يونغليان. مع مرور الأيام، يدرك القرويون أهمية تعلم القانون والوعي به، ويفهمون كيفية توزيع الممتلكات بعد الطلاق مثلا، وغير ذلك.

من أجل مساعدة القرويين على فهم ومعرفة القوانين، قال ليو شيويه شيانغ أمين لجنة الحزب بالقرية: "ننظم دورات طوعية للقرويين لتعلم القانون. وهم يرغبون في تعلم القانون حتى أنهم يبادرون ويسارعون إلى تعلم أي قانون." ويعتقد أن هذه الإجراءات تساعد في مكافحة "الأمية القانوينة" وتعزز وعي القرويين الديمقراطي وتضمن حقوقهم وترفع قدراتهم في إدارة القرية تدريجيا.

في وقت حققت التنمية الاقتصادية الحياة الرغيدة لأبناء قرية يونغليان، عرفوا أيضا أسلوب المجتمع الحديث المتحضر من خلال الإدارة العامة للقرية، مما أرسى أساسا قويا لبناء يونغليان قرية اشتراكية جديدة.