تعميق الإصلاح الإداري يعزز التنمية

منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، والدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الجديدة للحزب، تحرص القيادة الصينية على الاستفادة من خبرات وإنجازات الفترة الماضية، لطرح سلسلة من الإجراءات الرامية إلى تعميق الإصلاح الإداري. وتشمل التدابير، التي تعتبر اختراقا في العلاقة بين الحكومة والسوق، التعامل السليم بين الكيانين، وترك السوق تلعب دورا حاسما في توزيع الموارد بشكل فعال، لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل الظروف الجديدة.

تبسيط الإدارة وتفويض الصلاحيات

أدركت الحكومة المركزية الجديدة أن تعديل وظيفة الحكومة يمكن أن يكون فعالا فقط مع إصلاح نظام الموافقات الإدارية، وبالتالي بدأت في نقل الصلاحيات للسوق أو تفويضها للحكومات المحلية.

تم إلغاء عدد كبير من المواد والبنود التي كانت تخضع سابقا للفحص والموافقة الإدارية، أو تم تفويض صلاحية البتّ فيها إلى مستويات إدارية أدنى. وبحلول سبتمبر 2014، نجح مجلس الدولة تباعا في إلغاء أو تخصيص 632 بندا من بنود الموافقة الإدارية في سبع دفعات. وقامت الحكومة الصينية أيضا بتعديل قائمة الموافقات الرئيسية للاستثمار، والتي تضمنت مجموعة المشاريع الاستثمارية المفتوحة لرأس المال الأجنبي، وتوسيع فرص الوصول إلى الأسواق للمستثمرين الأجانب. وفي الوقت نفسه، قللت الحكومة المركزية عدد البنود لمدفوعات التحويلات الخاصة، وزادت تلك المتعلقة بالمدفوعات التحويلية العامة، وحوّلت التحويلات الخاصة إلى الحكومات المحلية.

والأكثر من ذلك، تم إصلاح نظام تسجيل الشركات والأعمال من أجل خفض الحواجز أمام ريادة الأعمال من خلال إزالة الحد الأدنى المسجل لرأس المال المطلوب للأعمال والمشاريع، وتغيير نظام رأس المال المدفوع إلى نظام رأس المال المُكتتب، وتبديل نظام التفتيش السنوي ليحل محله الكشف العلني السنوي لتقارير الشركات. وخففت الحكومة أيضا شروط تسجيل الأعمال التجارية، ومنها الشروط المتعلقة بأكثر من مائة مادة، كانت شرطا أساسيا لتسجيل الأعمال التجارية، واعتبار هذه الإجراءات معلقة حتى تحصل الشركة على الترخيص. ونتيجة لهذه الجهود التي تفضي إلى القضاء على حواجز السوق، ساهمت الحكومة في توزيع الموارد بشكل أكثر كفاءة ومساواة.

وعلاوة على ذلك، يسهم إصلاح نظام إدارة المنظمات الاجتماعية في إلغاء نظام التسجيل المزدوج المفروض على الاتحادات المهنية، والمنظمات العلمية والتقنية والأعمال الخيرية وخدمات المجتمع. لم تعد هناك حاجة للموافقات من هيئات الإشراف من القطاعات المعنية. بدلا من ذلك، يمكن لهذه المنظمات الاجتماعية التقدم مباشرة إلى إدارة الشؤون المدنية للتسجيل. ومع المزيد من لامركزية السلطة، عدلت الحكومة المركزية وظائفها، فصارت الحكومات المحلية تتحمل مهاما نُقلت إليها من قبل الحكومة المركزية. ثم تقوم الحكومات المحلية نفسها بفرز وتفويض مجموعة من بنود الموافقات الإدارية ومنحها للسلطات في المستويات القاعدية.

دفع الإصلاح المؤسسي

وفقا لخطة الإصلاح المؤسسي والتعديل الوظيفي لمجلس الدولة، التي أقرها المجلس الوطني لنواب الشعب عام 2013، نفذ مجلس الدولة سلسلة من إجراءات إعادة جمع وتقليل عدد من الوزارات واللجان، من 27 إلى 25.

وشمل التعديل: تفكيك وزارة السكك الحديدية وفصلها إلى قطاعين، أحدهما إداري والآخر تجاري، هما إدارة السكك الحديدية، ومؤسسة السكك الحديدية الصينية. دمج وزارة الصحة والهيئة الوطنية لتخطيط السكان والأسرة لتأسيس اللجنة الوطنية للصحة وتنظيم الأسرة، المسؤولة عن الرعاية الطبية والموارد الصحية العامة وخدمات تنظيم الأسرة؛ تأسيس الإدارة الصينية للغذاء والدواء، وإلغاء الإدارة العامة للصحافة والنشر، ومصلحة الدولة للإذاعة والسينما والتلفزيون، لتحل محلها الإدارة الوطنية للإعلام والنشر والإذاعة والسينما والتلفزيون، وإعادة هيكلة إدارة الدولة للمحيطات وإدارة الطاقة الوطنية.

حتى الآن، تمت إعادة توزيع وظائف وموظفين وتسهيلات لعشرات الدوائر الحكومية وإعادة ترتيبها. وتمت إزالة التداخل الواضح بين الوظائف، لإعادة التعريف والتوضيح لنطاق المسؤوليات والعلاقات بين الإدارات المختلفة. فقد تم إلغاء تداخل الصلاحيات في مجالات تخطيط الاستثمار، ومراقبة المخاطر في مجالات الأمن الغذائي، والتقييم والتفتيش والحجر الصحي الحدودي. وفي مجال تسجيل العقارات، تم حصره في وزارة الأراضي والموارد. وقد أصدرت الصين وثيقة لتعزيز الإصلاح المؤسسي بين الحكومات المحلية، وتشجيعها على تصميم هياكل حكومية متماشية مع الأوضاع المحلية، وتوحيد معايير الإدارة الحكومية.

الابتكار في الإدارة التنفيذية

في ظل الانتعاش المتأرجح للاقتصاد العالمي، وضغوط التراجع الاقتصادي في الداخل، لا تريد الحكومة الصينية التسرع في حفز النمو عن طريق توسيع العجز المالي، وزيادة المعروض من الأموال، أو طرح خطة تحفيز ضخمة. بدلا من ذلك، أوضحت للجميع بأنه طالما أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لا يزال في نطاق معقول،  ويتم الحفاظ على معدل صحي لفرص العمل وللتضخم، فإن الصين سوف تُبقي على مسارها في تعديل نمط النمو وإعادة الهيكلة الاقتصادية. ومع السعي لضمان اتساق واستقرار سياساتها الاقتصادية الكلية، تتخذ الصين إجراءات دقيقة وسلسة للاستمرار في هذا التنسيق للسياسات على ضوء الأحوال الواقعية للبلاد، من أجل تنظيم فعال على المستوى الكلي.

تفويض صلاحيات السوق لا يمكن أن يعمل بشكل جيد دون المراقبة والتنظيم اللازمين، الداعيَين إلى بناء نظام شفاف تعاوني صادق. وعليه، يجب إنزال العقوبات المستحقة على الشركات والأفراد ممن ينتهكون نظام السوق وحقوق الملكية الفكرية، أو يقومون بممارسات الغش التجاري، وذلك من أجل تعزيز بيئة المنافسة العادلة.

في مجال الاستثمار الأجنبي، أدخلت الصين نظام القائمة السلبية، حيث نفذت لأول مرة في البلاد بمنطقة التجارة الحرة الرائدة في شانغهاي. وتقوم الحكومة أيضا بشراء المزيد من الخدمات العامة من المنظمات الاجتماعية.

الإدارة بالقانون

بهدف إقامة حكومة نزيهة تحكم بالقانون، عززت الصين لوائح تنفيذ السلطات الإدارية. وقد تم اعتماد قيود صارمة على الإنفاق الحكومي، وتعهدت القيادة المركزية الجديدة بعدم الموافقة على إنشاء أي بنايات حكومية خلال فترتها، وعدم زيادة عدد موظفي الدولة، والسيطرة على الإنفاق العام في حفلات الاستقبال الرسمية، وفي استخدام السيارات الحكومية والرحلات الخارجية. في نوفمبر 2013، أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة مرسوم الأحكام التفصيلية بشأن إدارة وإنفاق الأموال العامة، الأمر الذي عزز عملية الترشيد. قانون الموازنة، الذي صدر في أغسطس 2014، ساهم أيضا في كبح وترشيد الإيرادات الحكومية ونفقاتها.

تعمل الحكومات في كافة المستويات على تعزيز الشفافية، مما يساهم في كشف وإعلان ميزانياتها وصلاحياتها الإدارية. ويتم تشجيع الجماهير ووسائل الإعلام على تعزيز الرقابة على الحكومة من خلال القنوات والمنصات التي وفرتها وسائل التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات الحديثة. على سبيل المثال، من أجل تحسين تنفيذ السياسات والمشاريع الرئيسية، قام مجلس الدولة بتفويض معاهد مهنية مستقلة، لاعتماد تقييم من طرف ثالث حول تنفيذ العديد من الإجراءات.  

خلال الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، في أكتوبر 2014، تم اتخاذ قرار للمضي قدما في تعزيز سيادة القانون بشكل شامل، وأشار القرار بوضوح إلى ضرورة تعزيز حكم القانون في المؤسسات الحكومية، وفي الوظائف والصلاحيات، وإجراءات المساءلة، من أجل الإسراع بجعل أعمال الحكومة تسير على أساس القانون.

تنشيط السوق

عمليات الإصلاح الإداري التي نفذت في 2013، اتسع نطاقها باستمرار وبشكل عميق مثير للإعجاب، فاق توقعات الناس. لقد كان تأثيرها واضحا، حيث ضخت مزيدا من القوة في السوق وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

في عام 2013، بلغ عدد كيانات الأعمال الجديدة المسجلة في السوق الصينية 11 مليونا، بزيادة قدرها 20% عن عام 2012، وزيادة في رأس المال المسجل بنسبة 50% على أساس سنوي. لقد شهدت فترة الستة أشهر ما بين مارس وأغسطس 2014 تسجيل ما يقرب من 93ر1 مليون شركة جديدة، بزيادة 61% عن نفس الفترة من العام السابق، برؤوس أموال بلغت 84ر9 تريليون يوان، بزيادة 16ر79% عن نفس الفترة من العام السابق. ووسط الركود الاقتصادي العالمي وإعادة الهيكلة الاقتصادية المستمرة في داخل البلاد، حافظ الناتج المحلي الإجمالي للصين على معدل نمو 7ر7% في عام 2013، و 5ر7 % في الشهور التسعة الأولى لعام 2014. ولا شك في أن تعميق الإصلاح المستمر للنظام الإداري قد لعب دورا هاما في التنمية الاقتصادية في الصين. ومن المتوقع أن يتواصل دور إصلاح النظام الإداري بشكل شامل في زيادة تحفيز المؤسسات والمجتمع لتعزيز النمو الاقتصادي، وكذلك في دفع الحكم القائم على أساس القانون في الصين.

 

وانغ مان تشوان: أمين عام الجمعية الصينية للإصلاح الإداري، وأستاذ في الأكاديمية الصينية للإدارة الحكومية.