مرحلة جديدة في مكافحة الفساد

تشهد الصين حاليا مرحلة غير مسبوقة لجهود مكافحة الفساد فيها، فمنذ انتهاء المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر عام 2012،  تصاعدت ضربات الحكومة الصينية للمسؤولين الفاسدين على كافة المستويات، أو كما يقول الصينيون "النمور والذباب"، الذين يرتكبون جرائم الفساد ويسيئون استخدام السلطة.

ولكن، على الرغم من النتائج المشجعة التي أسفرت عنها جهود مكافحة الفساد، فإن الصين مازالت أمامها تحديات كثيرة على هذا الطريق. وقد جاء انعقاد الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني تحت شعار "الحكم بالقانون"، دليلا على أن جهود مكافحة الفساد قد دخلت مسيرة العمل وفقا للقانون. ولا شك أن مكافحة الفساد بالقانون ستقطع طريق الفساد أمام المسؤولين الحكوميين.

التنسيق والتعاون لمكافحة الفساد

مكافحة الفساد قوة إيجابية لا غنى عنها لعملية إصلاح النظم الإدارية الصينية والتحول الاجتماعي، ولهذا، فإن قطع يد الفساد الممدودة بشكل سريع وفعال، وتقديم الدعم القوي لعملية تعميق الإصلاح، أصبح من أولويات عمل الحكومة والحزب الشيوعي.

تواصل الصين، منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أعمالها المبتكرة في مكافحة الفساد. أولا، قامت الحكومة المركزية بحركة جماهيرية حزبية تحت شعار "خدمة للشعب والعمل الواقعي وطهارة اليد"، لانتهاج "الضوابط الثمانية" لمكافحة البيروقراطية وتعزيز قدرة المسؤولين على الوقاية من الفساد ورفض الرشوة. ثانيا، التفعيل الكامل لدور آليات المراقبة والانضباط، حيث تقوم هيئات مراقبة الانضباط المتجولة بمراقبة  انضباط أعضاء الحزب الشيوعي المرؤوسين. تنقسم أعمال مراقبة الانضباط إلى الانضباط العادي والانضباط الخاص، ووضع المشاكل تحت الشمس، أي نشرها، بواسطة نشر "قائمة المراقبة" و"قائمة التحسين والإصلاح ". ثالثا، تعزيز التواصل بين الدوائر الحكومية، حيث اشتركت لجنة فحص الانضباط للجنة المركزية للحزب الشيوعي مع دائرة التنظيم للجنة الحزب المركزية ومصلحة الدولة للمحاسبات في إصدار "متطلبات التدقيق بشأن تحديد مسؤوليات رؤساء اللجان الحزبية والمؤسسات المملوكة للدولة" التي حددت المسؤولية الاقتصادية وعززت دور عملية التدقيق في مكافحة الفساد.

نتائج ملموسة

خلال مسيرة بناء وتنفيذ أنظمة مكافحة الفساد تشكل "وضع طبيعي جديد" لمكافحة الفساد، فتحطمت "العادات التقليدية" والخطوط الحمراء" في التعامل مع المسؤولين على كافة المستويات الإدارية، واتخذت إجراءات التحقيق مع مئات المسؤولين على المستويات الإدارية العالية ومعاقبتهم، وشمل ذلك ثلاثة كبار مسؤولين حكوميين على درجة الدولة، وسبعة من الأعضاء الأساسيين والاحتياطيين باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وواحدا من أعضاء اللجنة المركزية لفحص الانضباط بالحزب. وفي نفس الوقت، بدأت جهود مكافحة الفساد في المناطق المحلية في أنحاء البلاد، وأسفرت عن نتائج ملموسة.

وبالتزامن مع تنفيذ إجراءات مكافحة الفساد، تزايد اهتمام الصين بعملية تحسين أساليب العمل الحزبية، ففي عام 2013، تمت معاقبة أكثر من 180 ألفاً من أعضاء وقادة الحزب. وقبل افتتاح الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي، ألغت الحكومة استخدام 114 ألف سيارة حكومية في الدوائر الحكومية بمختلف المستويات على نطاق البلاد، وأقالت أكثر من 162 ألف موظف حكومي يأخذون رواتب ولا يعملون.

مع اشتداد عاصفة مكافحة الفساد، عززت الدوائر الحكومية المعنية قوتها في اصطياد الفاسدين الهاربين خارج البلاد، حيث أنشأت لجنة فحص الانضباط للجنة المركزية للحزب الشيوعي، مكتبا للتعاون الدولي في عام 2014 لقطع طريق هرب المسؤولين المتهمين في قضايا الفساد. وحتى العاشر من أكتوبر 2014، ألقت الصين القبض على 128 فردا من المتهمين بالفساد.

تثبت الحقائق أن جهود الصين في مكافحة الفساد حققت نتائج أولية ملموسة، ولكنها ما زالت تواجه تحديات معقدة، فجذور الفساد موجودة ومن الصعب إزالتها في فترة قصيرة. السبب العميق لظهور الفساد هو العيوب التي اكتنفت بناء النظام السياسي والاقتصادي، ومن ثم فإن تعميق الإصلاح هو الطريق الأساسي لمنع الفساد ومعاقبة الفاسدين. لقد أصبحت مكافحة الفساد وفقاً للقانون اختياراً لا مفر منه.

طريق طويل لمكافحة الفساد بالقانون

وفقا لمبدأ "الحكم بالقانون" الذي أكدته الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، أدرج في جدول أعمال الحكومة "إنشاء النظام القانوني لمكافحة الفساد وتعزيز مراقبة وتقييد السلطات". إن مكافحة الفساد بالقانون هي إدارة السلطة بالقانون، وتشكيل آليات فعالة لقطع الطريق أمام الفاسدين. ويتمثل ذلك أولا في توضيح حدود السلطة، وتسهيل الإجراءات الإدارية وتوزيع السلطات وفقاً للقانون، وتحديد حدود السلطة بشكل معقول، وتنظيم آليات عمل السلطة، وتقييد نطاقها. ثانيا، صياغة آلية النظام، وذلك من خلال تنظيم وتقييد منفذي السلطة من حيث الأسلوب والنمط والإجراءات أثناء ممارستهم لتنفيذ السلطات. على منفذ السلطة العامة أن يضمن شفافية المعلومات المعنية ومشاركة الجماهير أثناء اتخاذ القرار، للوقاية من حدوث الفساد. ثالثا، استكمال آليات المراقبة. السلطة بدون مراقبة تكون سلطة خطيرة. من الضروري إنشاء آليات لمراقبة وتقييد السلطة العامة ومنفذيها، ومن ثم تقليل "المنطقة الرمادية" التي ينشط فيها الفساد. رابعا، استكمال آليات المساءلة، وذلك بواسطة صياغة قوانين جديدة وتعديل القوانين الموجودة، لإدخال آليات للمساءلة وتحسينها، لتصحيح أفعال المسؤولين قبل اتخاذ القرار وأثناء تنفيذه، والقضاء على الفساد في مهده.

الفيلسوف الألماني هيغل قال إن الفساد لا يأتي من مجرد إساءة استخدام السلطة، ولا يمكن إزالته عن طريق كبح الشهوات، فالفساد ينشأ من النظام. بالنسبة للصين، لا يمكننا أن نعلق كل الأمل في مكافحة الفساد على بناء النظام فقط، بل نحتاج إلى تحسين كل الأطراف المعنية للتعاون معا في مكافحة الفساد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. يتحقق ذلك من خلال، أولا: مواصلة تعزيز إصلاح النظام الاقتصادي، لإلغاء أسس الأوليغارشية الاقتصادية، وأن تلعب السوق دورها الحاسم في مجال الاقتصاد، وتوضيح العلاقة بين الحكومة والسوق، لتفادي التصرفات الحكومية السيئة، وذلك توازيا مع تكميل نظام الموازنة وفق القانون، إن نظام الموازنة الحديث هو المقدمة المنطقية لإنشاء الحكومة النزيهة، وبدونه لا تنفع جميع الأعمال في مكافحة الفساد. ثانيا: مواصلة إصلاح الهيكل الإداري، وتقليل وتقييد سلطات المسؤولين. ثالثا: استمرار مسيرة الإصلاح الاجتماعي، واستكمال نظام الضمان الاجتماعي الذي يشمل الرعاية الصحية والسكن والتعليم. الضمانات الاجتماعية الكاملة تقلل احتمالات ظهور الفساد.

 

 د. جين شان مينغ: باحث  مساعد في معهد الحقوق  بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية