مفاوضات منطقة التجارة الحرة بين الصين وكوريا الجنوبية

خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لكوريا الجنوبية في يوليو عام 2014، أعرب الجانبان الصيني والكوري بوضوح عن رغبتهما في إنجاز المفاوضات الخاصة بمنطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية قبل نهاية هذه السنة.

خلال أكثر من عشرين سنة، بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وكوريا الجنوبية، ازداد حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 23% سنويا. وفي عام 2012، بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 3ر256 مليار دولار أمريكي، مما سجل رقما تاريخيا جديدا. الصين حاليا أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية وأكبر سوق للصادرات الكورية الجنوبية، أما كوريا الجنوبية، فهي ثالث أكبر شريك تجاري للصين. هذا يعني أن إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين سوف يدفع بشكل متزايد التبادلات التجارية بينهما. ومن المتوقع أن يزداد حجم صادرات كوريا الجنوبية إلى بر الصين الرئيسي بمعدل 76ر27 مليار دولار سنويا، ليصل إجمالي حجم التبادل التجاري الصيني بين البلدين إلى ثلاثمائة مليار دولار أمريكي بحلول عام 2015.

من اجل دفع توازن التجارة الصينية- الكورية الجنوبية

أولا، من المأمول أن يعزز اتفاق منطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية توازن الميزان التجاري بين الصين وكوريا الجنوبية، والذي يميل لصالح الأخيرة، حيث يشكل العجز التجاري الصيني 30% من إجمالي حجم التبادل التجاري السنوي بينهما. وفقا لإحصاءات جمارك كوريا الجنوبية، وصل حجم الفائض التجاري لكوريا الجنوبية مع الصين في عام 2013 إلى 82ر62 مليار دولار أمريكي، ويرجع السبب في ذلك إلى هيكل الاستثمار الكوري الجنوبي من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى إجراءات الحمائية التجارية التي ينتهجا الجانب الكوري الجنوبي تجاه بعض المنتجات والمجالات، فوفقا للمبدأ المتوافق عليه والمتمثل في "توازن المصالح على وجه العموم"، سيعزز اتفاق منطقة التجارة الحرة اتجاه تجارة الجانبين إلى مستوى أكثر توازنا وعدالة.

ثانيا، تغطي محتويات اتفاق منطقة التجارة الحرة مجالات واسعة، تشمل تجارة الخدمات والملكية الفكرية والمال والاستثمار وغيرها. وهذه أول مرة تدخل فيها الصين مفاوضات خاصة بمنطقة للتجارة الحرة بمعايير مرتفعة، بهدف تشكيل استراتيجية منطقة التجارة الحرة لنفسها ودفع إنشاء شبكة مناطق للتجارة الحرة بمعايير مرتفعة في العالم.

ثالثا، يراعي الجانبان بشكل كاف المجالات ذات الحساسية للطرف الآخر، مثل الزراعة في كوريا الجنوبية والصناعة الإلكترونية وصناعة الآلات في الصين وغيرها، مما يوفر تجارب متراكمة ثمينة للمفاوضات الخاصة بمناطق التجارة الحرة في المستقبل.

بالإضافة الى ما ذكر آنفا فإن الاتفاق على إنشاء منطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية سيوسع خريطة "الأرض الاقتصادية" لكوريا الجنوبية. لقد صاغت كوريا الجنوبية ذاتها محورا أعظم لمناطق التجارة الحرة، من خلال  توقيع اتفاقات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وآسيان والهند، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي لكوريا الجنوبية والدول الشركاء لها في اتفاقات التجارة الحرة 60% من الإجمالي العالمي، ومنطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية سوف ترفع هذه النسبة إلى 70%.

 

نتيجة صراع سياسي

تخطيط ومفاوضات منطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية ومنطقة التجارة الحرة الصينية- اليابانية- الكورية عملية صراع اقتصادي وسياسي واستراتيجي بين الدول الثلاث.

ولدت فكرة إنشاء منطقة التجارة الحرة الصينية- اليابانية- الكورية الجنوبية قبل فكرة إنشاء منطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية، وطرحت فكرة إنشاء منطقة التجارة الحرة الصينية- اليابانية- الكورية الجنوبية في قمة زعماء الصين واليابان وكوريا الجنوبية التي عقدت في عام 2002. وخلال التحقيق والبحوث، قامت مؤسسات البحوث لمختلف الدول بعرض وتأكيد المصالح الاقتصادية التي يمكن تحقيقها من خلال إنشاء منطقة التجارة الحرة الصينية- اليابانية- الكورية الجنوبية. وفي الدورة الخامسة لقمة زعماء الصين واليابان وكوريا الجنوبية التي عقدت في مايو 2012، وافق زعماء الدول الثلاث على بدء المفاوضات الخاصة بمنطقة التجارة الحرة، ووقعوا ((الاتفاق الخاص بدعم وتسهيل وحماية الاستثمار للصين واليابان وكوريا الجنوبية))، وفي قمة دول آسيان التي عقدت في نوفمبر 2014، أعلنت الدول الثلاث تدشين المفاوضات رسميا. ووفقا لفكرة اليابان الأولية، ستجري المفاوضات الخاصة بمنطقة التجارة الحرة اليابانية- الكورية الجنوبية أولا، ثم تنضم الصين إليها في الوقت المناسب. ولكن في الواقع، تقدمت مفاوضات منطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية وفقدت اليابان بالتدريج زمام المبادرة في مفاوضات منطقة التجارة الحرة الثلاثية.

 

بداية لمنطقة تجارة حرة لآسيا والمحيط الهادئ في المستقبل

في مؤتمر وزراء التجارة لأبيك (منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ) الذي عقد في مدينة تشينغداو الصينية هذا العام، اقترحت الصين مرة أخرى بحث إمكانية بناء منطقة تجارة حرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وحصل هذا الاقتراح على موافقة وزراء التجارة للاقتصادات الإحدى والعشرين الأعضاء في أبيك وممثليها. والحقيقة أن منطقة التجارة الحرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ هدف هام لأبيك، وطرحت هذه الفكرة في عام 2006، ولكنها تقدمت ببطء خلال ثماني سنوات من المناقشات بسبب كثرة الأعضاء واختلاف مراحل تنمية كل منها.

توجد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) والشراكة الاقتصادية الإقليمية على نحو شامل (RCEP) وغيرهما من مناطق التجارة الحرة الثلاثية والثنائية التي تختلف معايير ومستويات ومحتويات وقواعد كل منها عن الأخرى. ومن ثم، يجب تنسيق ترتيب اتفاقات التجارة الحرة المختلفة القائمة لدفع بناء منطقة التجارة الحرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ.

بعد أن طرحت الولايات المتحدة الأمريكية (TPP)، هناك دعوة لربط (TPP) مع (RCEP)، غير أن (TPP) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومعايير المفاوضات فيها مرتفعة؛ أما (RCEP)، فتقودها آسيان، والصين عضو رئيسي فيها، وعتبة دخولها منخفضة نسبيا، فيمكن تحقيق منطقة التجارة الحرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال انضمام الصين إلى (TPP) أو انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى (RCEP). وهناك دعوة أخرى باتخاذ (TPP) و(RCEP) نظامين لا يندمج أي منهما في الآخر، ومن ثم ينبغي تحقيق حرية تجارة الخدمات على مستوى أعلى، وبإرشاد القائمة السلبية وعلى أساس تنفيذ المعاملة الوطنية قبل السماح بالنفاذ إلى الأسواق في جانب تسهيل الاستثمار.

تحاول الصين ربط نفسها بنظام معالجة على مستوى مرتفع. وعلى سبيل المثال، فإن المنطقة التجريبية للتجارة الحرة في شانغهاي إجراء هام لاتخاذ أساليب التنفيذ والتجربة أولا ومواكبة الاتجاه الجديد لتنمية اقتصاد وتجارة العالم؛ وتتخذ مفاوضات اتفاق الاستثمار والتجارة الصيني- الأمريكي المعاملة الوطنية قبل السماح بالنفاذ إلى الأسواق والقائمة السلبية كنموذج للمفاوضات؛ وتغطي مفاوضات اتفاق منطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية كثيرا من المحتويات في مجالات تجارة الخدمات والملكية الفكرية والمال والاستثمار وغيرها. فيمكن القول إن إنشاء منطقة التجارة الحرة الصينية- الكورية الجنوبية لا يدعم التجارة الثنائية فحسب، ,إنما أيضا يشكل البداية ونقطة الانطلاق لمنطقة التجارة الحرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في المستقبل، بل ومناطق التجارة الحرة على مستوى أعلى في العالم.

 

الكاتبة: يوي ينغ لي، أستاذة في أكاديمية بحوث القضايا الدولية بشانغهاي.