قمة أبيك فرصة جديدة للعلاقات الصينية- الأمريكية

يُعقد هذا الشهر، نوفمبر 2014، في بكين الاجتماع السنوي غير الرسمي لقادة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك). ولكونه الاجتماع الأكبر حجما والأرفع مستوى للمشاركين من بين آليات التكامل الاقتصادي الإقليمي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يظل الاجتماع غير الرسمي لقادة أبيك مناسبة هامة لتعزيز الاتصالات السياسية بين الدول الأعضاء ودفع تعميق مسيرة التعاون الإقليمي. ويحظى اجتماع بكين 2014 باهتمام خاص، ترقبا للنتائج الإيجابية التي قد يسفر عنها بشأن العلاقات الصينية- الأمريكية والعلاقات الصينية- اليابانية المتوترة حاليا، وتأثيرها على تطور الأوضاع الإقليمية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في السنوات القادمة.

 

 شي وأوباما من صني لاندز إلى بكين

في يومي السابع والثامن من يونيو عام 2013، عقد الرئيسان الصيني شي جين بينغ والأمريكي باراك أوباما لقاءً غير رسمي في منتجع صني لاندز بولاية كاليفورنيا الأمريكية، حيث أجريا حوارا صريحا حول العلاقات الثنائية والموضوعات السياسية الإقليمية والدولية، وطرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة بناء نمط جديد من علاقات الدول الكبرى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والذي لخصه الرئيس الصيني في "عدم الصدام وعدم المواجهة والاحترام المتبادل والتعاون والفوز المشترك". وقال أوباما إن بلاده ترغب في العمل على بناء "نمط جديد من التعاون" بين الدولتين.

بعد محادثات صني لاندز، شهدت العلاقات الصينية- الأمريكية بعض التطورات الإيجابية إلى حد ما، قبل أن تواجه تحديا خطيرا عندما أعلنت الصين في الثالث والعشرين من نوفمبر 2013، إنشاء منطقة للدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي. هذا الإجراء الذي اتخذته الصين وفقا للأعراف الدولية لتعزيز الدفاع عن أراضيها وتحقيق الإنذار المبكر للمخاطر التي تهدد أمنها، رآه الجانب الأمريكي تحديا من الصين لمكانة واشنطن القيادية في المناطق الجوية في غربي المحيط الهادئ، فأرسلت الولايات المتحدة الأمريكية قاذفتين من طراز B52 اخترقتا منطقة الدفاع الجوي تعبيرا عن احتجاجها. بالإضافة إلى ذلك، انضمت واشنطن إلى طوكيو في رفض الاعتراف بمنطقة الدفاع الجوي الصينية.

وقد ازداد توتر العلاقات الصينية- الأمريكية خلال 2014، حيث هاجمت واشنطن سياسة بكين في بحر الصين الجنوبي، وراحت تحرض وتدعم بعض دول رابطة جنوب شرقي آسيا (آسيان) في نزاعها مع الصين حول السيادة في بحر الصين الجنوبي، من أجل إعاقة مسيرة الصين الشرعية لحماية حقوقها في بحر الصين الجنوبي ومنع الصين من التمتع بحقوق السيادة في جزر بحر الصين الجنوبي والمناطق البحرية المعنية. وفي قضية بحر الصين الشرقي، أعلنت إدارة أوباما دعمها لليابان في قضية النزاع على جزر دياويوي، متجاهلة الحقائق التاريخية الأساسية.

إضافة إلى ذلك، أبدت الولايات المتحدة الأمريكية ملاحظات غير مسؤولة في قضايا شينجيانغ والتبت وهونغ كونغ وغيرها من القضايا الصينية الداخلية. وفي مجال الاقتصاد والتجارة، تهاجم واشنطن سياسة التنسيق الصينية متهمة الصين بإضعاف بيئتها الاستثمارية الداخلية عن عمد.

 

أسباب التوتر

التوتر المتواصل في العلاقات الصينية- الأمريكية منذ نوفمبر عام 2013 له أسباب كثيرة. أولا، تواجه إدارة أوباما مشاكل الأمن الدولي وتخشى أن تبدو ضعيفة في سياساتها تجاه الصين، فالسبب الرئيسي هو استمرار تنفيذ "استراتيجية إعادة التوازن" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي أقرتها واشنطن منذ عام 2011 وتحديد الصين كـ"الهدف الأول" لتحول الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية.

"استراتيجية إعادة التوازن" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي تحول للاستراتيجية الأمريكية في العالم، على خلفية نهوض الصين واعتقاد واشنطن بأن بكين هي المنافس الرئيسي لها، وللهروب من تداعيات الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب حرب العراق وحرب أفغنستان.

مقارنة مع ما قبل عام 2011، طرأت تغيرات ملحوظة على السياسات الأمريكية تجاه الصين وتتجسد في ثلاثة مواقف: الأول، أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن سعي الصين الطبيعي والمعقول لحماية حقوقها محاولة من جانب بكين لتقليص القوة الأمريكية وتحقيق توسع استراتيجي صيني. الثاني، أن واشنطن تأمل بقوتها وإرادتها وعزمها أن تعترف الصين بمكانتها القيادية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأن تمنع توسع التأثيرات الاستراتيجية الصينية وتهديد مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. الثالث، أن العلاقات الصينية- الأمريكية تحتاج إلى التعديل ومواكبة التغيرات الجديدة في القوة المقارنة للدولتين.

 

اجتماع بكين فرصة للحوار

على الرغم من كثرة الخلافات في العلاقات الصينية- الأمريكية تظل هذه العلاقات أهم علاقات ثنائية في سياسة العالم في القرن الواحد والعشرين، وهي علاقات هامة ومعقدة. وقد أثبتت التجارب التاريخية بعد انتهاء الحرب الباردة قبل أكثر من عشرين سنة أن العلاقات الصينية- الأمريكية تحتاج إلى لقاءات وحوارات سياسية رفيعة المستوى واتصالات صريحة وفعالة وبناءة بين قادة البلدين.

في اجتماع أبيك 2014 ببكين، ستعقد قمة ثنائية بين الرئيس شي والرئيس أوباما. وفي ظل المشاكل المعقدة الحالية في العلاقات الصينية- اليابانية، نأمل أن يتواصل الحوار بين قادة الصين والولايات المتحدة الأمريكية، مثلما قال الرئيس شي في السابق: "المحيط الهادئ واسع بما يكفي للدولتين الكبيرتين؛ الصين والولايات المتحدة الأمريكية".

 

*الكاتب: تشو فنغ، نائب رئيس أكاديمية الاستراتيجيات الدولية في جامعة بكين