البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية
بعد الأزمة المالية العالمية، شهد النمط الاقتصادي العالمي تغيرات تدريجية. وعلى خلفية العولمة الاقتصادية، واجه التقسيم الدولي للعمل تحديات متزايدة بالتوازي مع تنميته المتواصلة. هذه التحديات لا تواجه النظام التجاري المتعدد الأطراف فحسب، وإنما أيضا دفعت تنسيق النمط المالي العالمي، ومن ثم ظهرت عمليات التعاون المالي الإقليمي على غرار ما حدث في التعاون التجاري الإقليمي. على ضوء التعاون بين أعضاء منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبيك)، لا تلعب الصين دورا هاما في التعاون التجاري فحسب، وإنما أيضا تحتل مكانة هامة في التعاون المالي الإقليمي.
وتسعى الصين حاليا لإنشاء ثلاثة بنوك على الأقل لتكون منصة للتعاون، وهي بنك التنمية لدول بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا) الذي يقع مقره في شانغهاي، وبنك التنمية لمنظمة شانغهاي للتعاون الذي دخل مرحلة التصميم، وفي شهر أكتوبر عام 2013، طرح رئيس الصين شي جين بينغ إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية أثناء جولته في منطقة جنوب شرقي آسيا.
الاختيار الجديد لتمويل البنية التحتية
بعد اختتام الدورة الرابعة لاجتماع بحث إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية التي عقدت في شهر أغسطس هذا العام، أكدت عشرون دولة رغبتها في المشاركة في إنشاء البنك، كدول أعضاء مؤسسة.
وفي الثاني من مايو عام 2014، حضر وزير المالية الصيني لوه جي وي، الاجتماع الوزاري بشأن إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية في مدينة أستانا عاصمة كازاخستان، بمشاركة ست عشرة دولة، هي: لاوس وكمبوديا وميانمار وتايلاند وفيتنام وماليزيا وسنغافورة وبروناي والفلبين وإندونيسيا وكازاخستان وكوريا الجنوبية ومنغوليا وباكستان وسريلانكا والصين، منها عشر دول أعضاء في رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان). يجمع بين الصين وآسيان إطار تعاون "آسيان- الصين" باعتباره منصة تعاون تجاري، وليس منصة التعاون المالي التي تحتاجها الأطراف.
وفقا لتوقعات شركة ماكينزي، سيبلغ حجم تمويل استثمارات البنية التحتية في الاقتصاديات الآسيوية الجديدة عشرة تريليونات دولار أمريكي، في الفترة من عام 2010 إلى عام 2020، منها 1ر8 تيريليونات دولار أمريكي للطاقة والنقل، ويعتبر النقل والطاقة والاتصالات هي أكبر ثلاثة مجالات لاستثمارات البنك الآسيوي. يصل حجم الاستثمارات المطلوبة لمجال الطاقة إلى 1ر4 تريليونات دولار أمريكي، و لمجال الاتصالات 1ر1 تريليون دولار أمريكي، ولمجال النقل 5ر2 تريليون دولار أمريكي، إضافة إلى 4ر0 تريليون دولار أمريكي لمجال المياه والبيئة. من بين الست عشرة دولة المؤسسة للبنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية، عدد من الدول الأقل نموا اقتصاديا التي لا يمكن البدء بمشاريع البنية التحتية بها بسبب نقص الأموال.
ومن بين هذه الدول الست عشرة، نجد أن الصين وكوريا الجنوبية وتايلاند وفيتنام وماليزيا وسنغافورة وبروناي والفلبين وإندونيسيا من أعضاء أبيك. ومن الملاحظ أيضا أن التعاون بين أعضاء أبيك ليس متوازنا، خاصة بعد إنشاء الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ (TPP) بدفع أمريكي مع بعض أعضاء أبيك. هذا الأمر، عزز أهمية تعاون الصين مع بعض أعضاء أبيك لإنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية الذي يلعب إلى حد كبير دورا في بناء منصة تعاون مالي لأبيك. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن هذا البنك سيغير الوضع الحالي الذي تلعب فيه الدول الغنية والكبيرة دورا قياديا في عمليات التعاون الاقتصادي بين دول آسيا والمحيط الهادي، مما يفيد الدول المجاورة لأبيك بأقصى درجة ممكنة من خلال التعاون مع أبيك.
لا شك أن البنك الآسيوي للتنمية لعب في السنوات الأخيرة دورا هاما في تعزيز التنمية الاقتصادية للدول الآسيوية النامية، وفي تسريع بناء مشاريع البنية التحتية. لكن، الحاجة الواقعية لتلك الدول كانت أكبر من قدرات البنك، ناهيك عن ضعف قدرته في تحقيق توازن التعاون بين دول أعضاء أبيك. وفقا لتوقعات البنك الآسيوي للتنمية، سيبلغ حجم استثمارات البنية التحتية السنوي في الدول الآسيوية 800 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020م، بينما لا تتجاوز قدرة البنك الآسيوي للتنمية على الإقراض عشرة مليارات دولار أمريكي. في ظل هذا الظرف، يشق البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية طريقا جديدا للتمويل أمام الاحتياجات المالية المتزايدة للدول النامية الآسيوية.
التنافس الضروري
هناك عدة تداخلات في تحديد الوظائف بين البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية الذي سينشأ قريبا والبنك الآسيوي للتنمية، على الأقل في وظيفة كل منهما في توفير المساعدات المالية للدول الآسيوية النامية من أجل بناء مشاريع البنية التحتية.
من المعروف، أن تطور الاقتصاد الصيني لا ينفصل عن تنمية البنية التحتية في الصين. ومن بين المشاريع التي تم إنجازها قبل سنوات، عدد منها تم تنفيذه بقروض من البنك الآسيوي للتنمية، في مجال السكك الحديدية والطرق العامة وحماية البيئة، وغيرها من مشاريع البنية التحتية.
الجدير بالذكر، أنه على الرغم من أن البنك الآسيوي للتنمية يحمل اسم آسيا، ويقدم الخدمات للدول الآسيوية، إلا أن هيكل مساهمي البنك معقد، حيث تبلغ حصة الولايات المتحدة الأمريكية في التصويت 756ر12% ، إضافة إلى عدد كبير من الدول الأوروبية بين الدول الأعضاء في البنك الآسيوي للتنمية، ، مثل ألمانيا والنمسا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال وأسبانيا والسويد وسويسرا وتركيا والمملكة المتحدة، وحاليا تمتلك الدول المتقدمة 6ر50% من حقوق التصويت في البنك الآسيوي للتنمية، لذا من الصعب القول إن القرارات الكبيرة للبنك الآسيوي للتنمية تعبر عن احتياجات ومصالح الدول النامية، فكيف تستفيد الدول المجاورة الأقل نموا من تنمية التعاون بين دول أبيك؟
إن إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية سيجلب بالتأكيد تنافسا مع البنك الآسيوي للتنمية الذي تقوده اليابان، وسيفرض تحديات على مكانة البنك العالمي. أرى أن هذا الأمر ليس سلبيا، بل سيدفع عملية البنك الآسيوي للتنمية والبنك العالمي في احترام مطالب الدول النامية الكثيرة ومصالحها. إن أفضل حال لتنسيق العلاقة بين البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية والبنك الآسيوي للتنمية، هو تعزيز ركيزة الأعمال لكل منهما مع القيام بالتعاون بينهما. وذلك يحتاج تعميق الحوار وتوسيع الرؤية.
الافتتاح قريبا
يبلغ حجم رأس المال المسجل الأول المؤقت للبنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية مائة مليار دولار أمريكي، ومقارنة مع حجم رأس المال للبنك الآسيوي للتنمية الذي يبلغ 165 مليار دولار أمريكي، فإن الفجوة بين البنكين ليست هائلة. ستصل نسبة تمويل الصين للبنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية إلى 50 في المائة، بينما ستكون كوريا الجنوبية وسنغافورة من أكثر الدول مساهمة في التمويل. ومع كل زيادة في عدد الدول المشاركة في التمويل، ستنخفض نسبة الصين في تمويل البنك.
وفي نفس الوقت، ينبغي أن نعلم أنه ليست كل دول آسيا راغبة في إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية. وعلى سبيل المثال، فإن اليابان ذات صوت قوي في البنك الآسيوي للتنمية باعتبارها دولة مساهمة كبيرة للبنك، كما أن كل الرؤساء المتعاقبين للبنك هم يابانيون. في السنوات الأخيرة، تدهورت العلاقة بين الصين واليابان بسبب قضية جزر دياويوي، ومن هنا فإن اليابان تفتقر إلى الرغبة في إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية. الهند كذلك غير نشيطة في المشاركة بسبب قلقها من حقوق السيطرة لهذا البنك الذي تشارك فيه أطراف متعددة. أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للهند، أشار رئيس الوزراء الهندي إلى أن بلاده "ستدرس الدعوة حول المشاركة في إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية"، ولكن ما زال موقف الهند الإيجابي حول إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية في مرحلة "الدراسة".
على كل حال، إن جاذبية البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية ما زالت قوية. وفي أواخر أغسطس هذا العام، وقع الرئيس الصيني شي جين بينغ الإعلان المشترك مع منغوليا، وأعلنت منغوليا المشاركة في إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية كدولة مؤسسة. وفي منتصف سبتمبر هذا العام، دعا الرئيس شي جين بينغ سريلانكا للمشاركة في إنشاء البنك أثناء زيارته لسريلانكا. حسب الردود التي تم الحصول عليها من قبل الأطراف، وبرغم مواجهة التحديات المتوالية، تتواصل مسيرة إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية بطريقة صحية سليمة هذا العام، وباتت ولادته وشيكة.
الباحث باي مينغ: نائب رئيس قسم دراسات السوق الدولية بأكاديمية التعاون الاقتصادي للتجارة الدولية التابعة لوزارة التجارة الصينية.