طرق تحقيق النمو الاقتصادي

حددت الصين معدل النمو المستهدف لاقتصادها في عام 2014 بنسبة 5ر7%. لتحقيق هذا الهدف في ظل استمرار تراجع الأداء الاقتصاد العالمي، لابد أن تعتمد الصين على الطلب المحلي الذي يرتكز على الاستثمار. ومن أجل تعزيز استثمارات الحكومات المحلية، لابد من معالجة مشكلة التمويل من مظاهرها وأصولها، والسماح للحكومات المحلية بإصدار السندات. ويحتاج تعزيز الاستثمار في التحديث الصناعي إلى دعم مالي وتنسيق أفضل من الحكومة.

 

إنجاز ممتاز رغم الصعوبات

ذكر رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ في تقرير عمل الحكومة، أنه في سنة 2013 زاد الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 7ر7% مقارنة مع سنة 2012، وتمت السيطرة على ارتفاع الأسعار الاستهلاكية للسكان في حدود 6ر2%، كما تمت السيطرة على نسبة البطالة المسجلة في المدن والبلدات في حدود 1ر4% وتوفير فرص عمل جديدة لثلاثة عشر مليونا ومائة ألف شخص شخص في المدن والبلدات.

تحقيق هذه النتائج لم يكن سهلا، في ظل التراجع المتواصل للاقتصاد العالمي، ففي أوروبا التي تعد أكبر سوق للصادرات الصينية بلغ معدل النمو السالب لاقتصادها 6ر0% في عام 2012، و4ر0% في عام 2013؛ والولايات المتحدة الأمريكية التي تعد ثاني أكبر سوق للصادرات الصينية قد بلغ معدل نمو اقتصادها 7ر2% في عام 2012، و8ر1% في عام 2013؛ أما اليابان التي تعد ثالث أكبر اقتصاد في العالم، فبلغ معدل نمو اقتصادها 9ر1% في عام 2012، و7ر1% في عام 2013.

في ظل هذه الضغوط الخارجية المذكورة، حقق الاقتصاد الصيني في الربع الأول من عام 2013 نموا بنسبة 7ر7% فقط، انخفض إلى 5ر7% في الربع الثاني، فامتلأت الأجواء في العالم بصياح وضجيج حول تدهور اقتصاد الصين. وفي هذه الأوضاع، عملت الحكومة الصينية على السيطرة على الفائض لديها وإعادة استكشاف أرصدتها فارتفع معدل النمو في الربع الثالث إلى 8ر7% اعتمادا على تعديل الهيكل الاقتصادي وتعزيز الإصلاح الاقتصادي، وكان المعدل في الربع الأخير 7ر7%، ليكون معدل النمو للعام كله 7ر7%.

 

الاعتماد على الطلب المحلي

إذا نظرنا إلى المستقبل، نجد أن التحديات والصعوبات مازالت كثيرة، برغم أن اقتصاد الدول المتطورة بدأ ينتعش، فإنه أساس انتعاشه ضعيف.

في عام 2014، تتواصل الضغوط التي تواجهها الصادرات الصينية. كان معدل النمو المستهدف للصادرات في السنة الماضية هو 8%، فعدلته الحكومة إلى 5ر7% في السنة الجارية. لقد ظل معدل نمو صادرات الصين، منذ انتهاجها سياسة الإصلاح والانفتاح، أكثر من 16% سنويا، ما يعني أن المعدل المستهدف لعام 2014، إذا تحقق، سيكون أقل من نصف المعدل في السنوات السابقة، بل إن تحقيق هذا الهدف يتطلب من الحكومة أن تبذل أقصى جهودها. في ظل تراجع الاقتصاد العالمي، لا بد أن تعتمد الصين على الطلب المحلي لتحقيق المعدل المستهدف لنمو اقتصادها للسنة الجارية، أي حوالي 5ر7%.

  

معدل يمكن تحقيقه

لماذا يجب على الصين أن تحافظ على نمو اقتصادها المرتفع نسبيا؟ تتمثل الإجابة في أربع نواح هي: أولا، أن معدل نمو الاقتصاد المرتفع نسبيا يعني خلق مزيد من فرص العمل. مع الزيادة المتواصلة لطلب الوظائف، حيث تشير التقديرات إلى أن الصين ستحتاج إلى توفير عشرة ملايين فرصة عمل جديدة في السنة الحالية، لا بد من تحقيق معدل نمو اقتصادي يضمن توفير فرص عمل بهذا الحجم. ثانيا، أن الصين مازالت تعاني فائضا في القدرة الإنتاجية. فإذا تم تقليل معدل النمو الاقتصادي بشكل كبير، ستصبح مشكلة فائض القدرة الإنتاجية أكثر خطورة، وسيصبح إيجاد فرص الاستثمار الممتازة أشد صعوبة، مما يؤدي إلى المزيد من ضغوط تراجع الاقتصاد ودخوله في حلقة مفرغة. ثالثا، أن معدل نمو الاقتصاد المعقول يمكن أن يساعد الصين على تجنب مخاطر الديون. إذا تراجع الاقتصاد تراجعا حادا، فقد تنخفض نسبة استخدام القروض في المشروعات الجارية، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة العائد وارتفاع مخاطر الديون. رابعا، أن الميزان المالي للحكومة يحتاج إلى معدل نمو اقتصادي مرتفع. الانخفاض الشديد لمعدل النمو سيجعل ميزانية الحكومة تواجه ضائقة مالية.

تتمتع الصين بالقدرة على تحقيق معدل النمو المستهدف، كما أنها تستطيع تحقيق رفع الجودة والارتقاء بالفعالية، من دون أن يكون لذلك عواقب سلبية. وثمة اتفاق بين الخبراء المعنيين الصينيين والأجانب على أن الحل هو الطلب المحلي، ولكن هناك اختلافا حول ما إذا كان ينبغي أن يعتمد ذلك على الاستثمار أم على الاستهلاك المحلي.

في ظل تراجع الاقتصاد العالمي، إذا سعت الصين إلى تحقيق النمو الاقتصادي من خلال الاعتماد على الاستهلاك المحلي دون ترك عواقب سلبية، فلا بد أن تضمن الارتفاع المستمر لمستوى العوائد، وإلا فإن زيادة الاستهلاك ستؤدي إلى زيادة الديون، وإذا تم ادخار الديون إلى حد ما، فيمكن أن تؤدي إلى أزمة. ومن أجل تحقيق الزيادة المستمرة في دخل الأسرة، لا بد من ارتفاع فعالية الإنتاج. والشرط الأساسي لارتفاع فعالية الإنتاج هو مواصلة الابتكار التكنولوجي والارتقاء بمستوى الصناعات والتحسين المستمر للبنية التحتية، وكل ذلك يتحقق من خلال الاستثمار.

ينبغي على الصين أن تعتمد على الاستثمار لتحقيق تحويل نمط النمو الاقتصادي من النمط الذي يحركه الطلب الخارجي إلى النمط الذي يحركه الطلب المحلي. الاستثمار سيزيد الطلب والتوظيف في المدى القصير ويرفع نسبة النمو الاقتصادي. والاستثمار الجيد سيرفع فعالية الإنتاج في المدى الطويل ويجعل دخل الناس يزداد باستمرار ويدعم الاستهلاك والمزيد من الاستثمار، مما يحقق النمو المتواصل للاقتصاد بدون تبعات سلبية.

 

الارتقاء بالصناعات يحتاج إلى دعم الحكومة

الارتقاء بمستوى الصناعة يوفر الكثير من فرص الاستثمار، ومن أجل تحقيق الارتقاء بمستوى الصناعة، لا بد من تلبية الشرطين التاليين:

أولا، الارتقاء بمستوى الصناعة يحتاج إلى دعم مالي أفضل. وقد طرح إصلاح النظام المالي في الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثانية عشرة للحزب الشيوعي الصيني، وتحديد معدلات الفائدة وفقا للسوق وبناء سوق رأسمال متعددة المستويات. بالإضافة إلى دفع توجيه معدلات الفائدة نحو السوق، يجب على الصين أن تعمل على إكمال الهيكل المالي وتطوير البنوك المتوسطة والصغيرة التي يمكن أن تقدم خدمات التمويل للفلاحين والمؤسسات المتوسطة والصغيرة وإلغاء الشروط غير المعقولة لتأسيس البنوك الإقليمية المتوسطة والصغيرة.

ثانيا، الارتقاء بمستوى الصناعة يحتاج إلى دعم وتنسيق الحكومة. يحتاج الارتقاء بمستوى الصناعة إلى البحث عن الصناعات الجديدة ذات التفوقات. وهناك أيضا عناصر كثيرة لا يمكن للمؤسسات أن تسيطر عليها في عملية الارتقاء بمستوى الصناعة. بالإضافة إلى ذلك، ومثلما قال رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ في تقرير عمل الحكومة، "تحرير السوق، هذه اليد غير المرئية، وإظهار دور الحكومة، باعتبارها اليد المرئية".

 

مساهمة نمو اقتصاد الصين في العالم

الصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة لتجارة السلع الملموسة، أصبحت تلعب دورا متزايد الأهمية في الاقتصاد العالمي. وتحافظ الصين على معدل نمو اقتصادي بين7% و8% كل سنة، أي أكثر من ثلث نمو الاقتصاد العالمي. وفي ظل العولمة، يساهم نمو الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي من ناحية، ومن ناحية أخرى، لن يزداد نمو الاقتصاد الصيني إلا في بيئة جيدة للاقتصاد العالمي. وقد أصبحت الصين محركا كبيرا لنمو اقتصاد العالم، وتضيف قوة دافعة بنموها المستقر إلى اقتصاد العالم.

النمو السريع لاقتصاد الصين هام للصين نفسها، كما يجلب فائدة للعالم، لأن الصين تتطور بسرعة، والتقنيات والأجهزة اللازمة للارتقاء بمستوى الصناعة فيها والابتكارات التكنولوجية تأتي من الدول المتطورة، مما يخلق سوقا للدول المتطورة. النمو السريع لاقتصاد الصين يفيد الصين والدول المتطورة والدول المتوسطة النمو والدول الغنية بالموارد والدول ذات العمالة الوافرة والمنخفضة الدخل.

في الوقت نفسه، ومع ارتفاع مكانة الصين في العالم، سيتغير النظام العالمي وسوف تتبدل قوانين اللعبة، فيجب على الصين أن تشترك في الإدارة الدولية بشكل إيجابي.