إصلاح الصين الداخلي يعزز عوائد التنمية

في تقرير عمل الحكومة الذي ألقاه رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ، في الجلسة الافتتاحية للدورة الثانية للمجلس الوطني الثاني عشر لنواب الشعب الصيني، حددت الحكومة الصينية أهدافها الرئيسية للسنة الجارية، وهي: زيادة إجمالي الناتج المحلي بنسبة حوالي 5ر7%، والسيطرة على معدل ارتفاع الأسعار الاستهلاكية للسكان ليبقى في حدود 5ر3%، وتوفير فرص عمل جديدة لأكثر من عشرة ملايين شخص في المدن والبلدات، والتحكم في نسبة البطالة المسجلة في المدن والبلدات لتكون في حدود 6ر4%، وتحقيق التوازن الأساسي في المدفوعات الدولية، سعيا لتحقيق التواكب المتزامن بين نمو دخل السكان والتنمية الاقتصادية، والتخطيط الموحد لتحقيق توازن الأهداف الرئيسية مثل النمو والتوظيف والأسعار والمدفوعات الدولية.

هدف الصين لتحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5ر7%، جذب أنظار العالم، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

لماذ 5ر7%

تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5ر7% هو اختيار الصين وفق وضعها الاقتصادي الذي يقع في ثلاث فترات متراكبة، هي فترة تحويل سرعة النمو الاقتصادي وفترة آلام المخاض للتعديل الهيكلي وفترة الهضم للسياسات التحفيزية. أوضح رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ في تقرير عمل الحكومة: "ما زالت الصين دولة نامية، ولا تزال في المرحلة الأولية من الاشتراكية، ومن ثم فإن التنمية مفتاح لحل جميع المشاكل في بلادنا. لذا، يجب التمسك بقوة بالبناء الاقتصادي كمهمة محورية، والحفاظ على معدل معقول للنمو الاقتصادي. وبعد المقارنة الجدية والموازنة المتكررة، تم تحديد الهدف المتوقع للنمو عند 5ر7% تقريبا، مع الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات والاحتمالات."

قال وانغ شياو دونغ، النائب الأول لرئيس مقاطعة هوبي: "رغم أن الصين الآن لا تقيم إنجازات الأعمال بنمو إجمالي الناتج المحلي بشكل عام، علينا أن نتمسك بنظرية التنمية في أعمالنا، ونثبت الخطوات في طريق التقدم."

علقت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) الأمريكية على هذا الهدف قائلة: "5ر7% نسبة مقاربة لمعدل النمو في السنتين المنصرمتين، إلى جانب هدف النمو الاقتصاد الصيني الذي يتراوح بين 7% و8% منذ عشرين سنة. بلا شك، هذه الأرقام تشير إلى استقرار وثبات اقتصاد الصين."

هناك حاجة واقعية لنسبة 5ر7% لنمو الاقتصاد الصيني، حيث ترتبط سرعة النمو الاقتصادي بهدف إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وتعزز الثقة بالسوق وفي صالح تعديل وتحسين الهيكل الاقتصادي. الحفاظ على استقرار النمو يهدف إلى ضمان التوظيف، فيجب الوفاء بمطلب توفير فرص عمل جديدة في المدن والبلدات مع إفساح مجال لتشغيل القوى العاملة المنتقلة من القطاع الزراعي إلى المدن، والهدف الأساسي من ذلك هو زيادة دخل السكان في الريف والحضر وتحسين معيشة الشعب. إن توفير فرص عمل جديدة لأكثر من عشرة ملايين شخص في المدن والبلدات، والتحكم في نسبة البطالة المسجلة في المدن والبلدات لتكون في حدود 6ر4%، تحتاج إلى نمو الاقتصاد بنسبة حوالي 5ر7%.

من أجل تحقيق هذا الهدف، يجب ترك مجال معقول في تحديد نسبة التنمية الاقتصادية. كما أشار تشي فو لين، رئيس الأكاديمية الصينية لدراسات تنمية الإصلاح بمقاطعة هاينان، الذي قال إن التقرير أضاف كلمة "حوالي" قبل 5ر7%، فهذا الرقم ليس حدا أدنى للنمو الاقتصادي لا بد من تحقيقه كما كانت الحكومة تحدد ذلك في الماضي وكان معدل النمو الاقتصادي الحقيقي يتجاوز معدل النمو المتوقع.

وأشار يوان تشي قانغ، رئيس معهد العلوم الاقتصادية بجامعة فودان بشانغهاي، إلى أن الحكومة تسعى في عام 2014 لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والتعديل الهيكلي، ففي شهر يوليو 2013، طرح لي كه تشانغ مفهوم الحدود المعقولة لأول مرة، وكشف عن فكر الصين الجديد في إدارة الاقتصاد الكلي الذي يتمثل في تعديل الهيكل وتعزيز الإصلاح عندما لا يزال نمو الاقتصاد فوق الحد الأدنى، وتثبيت النمو والتحكم في المخاطر عندما يقترب نمو الاقتصاد من الحد الأدنى.

يعني هذا الفكر أن القادة الصينيين رفعوا الخط الأدنى لتسامحهم مع تراجع الاقتصاد، بينما تنظر عملية التحكم الكلي إلى المدى الطويل، ولا تنهمك في الإنجازات أو الفشل المؤقت. لذا، وكما أوضح بنغ سين، عضو اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب ونائب رئيس للجنة المالية والاقتصادية لهذا المجلس، فإنه من المرجع أن لا تكون هناك في المستقبل إجراءات تحفيزية اقتصادية واسعة النطاق مثل التي حدثت في فترة الأزمة المالية العالمية. في الحقيقة، لم تشر تقريبا كلمات لي كه تشيانغ إلى موضوع التحفيز الاقتصادي في الاجتماعات التنفيذية لمجلس الدولة طوال السنة المنصرمة.

أما حول كيفية اختيار السياسة الاقتصادية، فكان رأي السيد لي كه تشيانغ هو: في فترة التراجع الاقتصادي، كان اتخاذ إجراءات تحفيزية اقتصادية طريقا لرفع سرعة النمو الاقتصادي، لكن بعد التوازن بين الإيجابيات والسلبيات، نعتقد أن هذا الطريق لا ينفع لحل القضايا العميقة الجذور. لذا اخترنا سياسة مفيدة للحاضر والمستقبل، للحفاظ على استقرار سياسة الاقتصاد الكلي.

إطلاق عوائد التنمية بالإصلاح

بعد وضع 5ر7% كهدف لنمو إجمالي الناتج المحلي، كيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟ قال لي كه تشيانغ: "التنمية الصينية ما زالت تمر بفترة الفرص الاستراتيجية الهامة التي تمكن الصين من إيجاد مجالات واسعة لإظهار الكفاءة، حيث استمرار تطور عمليات التصنيع والتحول الحضري، وتمتع التنمية الإقليمية بمجالات واسعة، كلما ترسي أساسا جيدا ويخلق ظروفا مناسبة للحفاظ على النمو الاقتصادي المتوسط والعالي السرعة في المستقبل. ويجب علينا التفكير في التحوط  البعيد المدى للقضاء على الشر في مهده، والسعي إلى الكسب وتجنب الخسارة، والإمساك بقوة بزمام المبادرة للتنمية."

قبل أكثر من سنة، أشار التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني إلى أن الصين ستولي اهتماما متزايدا لتعزيز الاقتصاد الحقيقي الذي يمثل أساس تنمية الاقتصاد المستدامة. طالب التقرير بالتمسك بقوة بتنمية الاقتصاد الحقيقي باعتباره أساس راسخ، وتطبيق السياسات والإجراءات المناسبة أكثر لتنمية الاقتصاد الحقيقي، وتقوية الاتجاه المرشد للطلب، وحفز التنمية السليمة للصناعات الاستراتيجية الناشئة والصناعات الإنتاجية المتقدمة، والإسراع بإعادة هيكلة الصناعات التقليدية والارتقاء بمستواها، ودفع تنمية وتقوية صناعة الخدمات، وخاصة صناعة الخدمات الحديثة، وبناء منشآت البنية التحتية والصناعات الأساسية حسب التوزيع المعقول.

قال لي كه تشيانغ: "التنمية التي نسعى إليها هي تنمية تؤكد على رفع الفاعلية والجدوى ودفع تحويل النمط والارتقاء بالمستوى وتحسين معيشة الشعب. ومع الحفاظ على النمو المستقر، يجب دفع تحويل نمط التنمية من الاعتماد رئيسيا على توفير العناصر إلى الاعتماد أكثر على الدفع بالإبداع ، ومن الاعتماد رئيسيا على عناصر التفوق النسبي التقليدية إلى الاعتماد على المزيد من إظهار عناصر التفوق التنافسية الشاملة، ومن الطرفين الأوسط والأدنى إلى الطرفين الأوسط والأعلى على سلّم تقسيم الصناعات الدولية، ومن التنمية غير المتوازنة بين الريف والحضر وبين الأقاليم إلى تنمية متوازنة ومتناسقة. ويجب إكمال وتحسين منظومة فحص وتقييم المنجزات حتى يتم توجيه مبادرات مختلف الجهات نحو الإسراع في تحويل النمط وتعديل الهيكل وتحقيق التنمية العلمية بصورة فعلية، كما يجب العمل على زيادة فرص العمل ودخل السكان وتحسين البيئة الإيكولوجية، مما يجعل التنمية الاقتصادية والاجتماعية تسير على نحو أكثر فاعلية وعدالة واستدامة."

قال وانغ جون نائب، رئيس قسم البحوث والاستشارات بالمركز الصيني للتبادلات الاقتصادية الدولية، إن عام 2014 هو السنة الأولى لتنفيذ إصلاحات متنوعة حددتها الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني. وسوف تلعب العوائد النظامية التي أطلقتها السياسات الإصلاحية المختلفة دورا دافعا للتنمية الاقتصادية."

إجراءات الإصلاح الواضحة

أكد السيد لي كه تشيانغ على تعزيز وتعميق إصلاح تعديل الهيكل الإداري. ويتم لذلكتبسيط الإجراءات الإدارية وترك المزيد من الصلاحيات للسلطات المحلية، فتتمثل في تعميق إصلاح نظام الموافقة على الاستثمار، وتحديد قائمة الصلاحيات. إصلاح التسجيل الصناعي والتجاري أحد نوافذ إصلاح نظام الموافقات الإدارية وعملية تحويل الوظائف الحكومية. كما يتعين تطبيق إصلاح نظام التسجيل الصناعي والتجاري في كل البلاد خلال السنة الجارية، بحيث تحل طريقة "التصريح أولا ثم الشهادة" محل طريقة "الشهادة أولا ثم التصريح"، ويتم تحويل نظام الفحص السنوي للمؤسسات الاقتصادية إلى نظام إعلان التقرير السنوي، مما يفجر حيوية جديدة مستمرة للسوق كقوام.

تعميق إصلاح النظام المالي والضريبي جزء هام لعملية إصلاح النظام الاقتصادي، باعتبارها لب جوهر الإصلاح، سواء من حيث تحويل الوظائف الحكومية أو تحويل أسلوب العمل. طالب السيد لي بتنفيذ نظام الميزانية المتصف بالشمولية والمعايرة والعلانية والشفافية، حيث من المطلوب إعلان "ثلاثة أنواع من الإنفاقات العامة" (الإنفاق على الزيارات الرسمية خارج البلاد والإنفاق على المركبات الرسمية والإنفاق على الضيافة الرسمية)، مما يخلق مالية شفافة ويمكن الجماهير من فهمها و مراقبتها.

أشار السيد لي إلى أنه من الضروري رفع نسبة المدفوعات التحويلية العامة، وخفض مقدار الثلث من حساب المدفوعات التحويلية الخاصة، وسيزداد خفضها في المستقبل. ويجب دفع إصلاح نظام التحصيل الضريبي قدما، لكي يتم تعميم العمل التجريبي بشأن إحلال ضريبة القيمة المضافة محل ضريبة الأعمال في قطاعات النقل بالسكك الحديدية والخدمات البريدية والاتصالات، ويجب مراجعة وإلغاء الرسوم غير اللازمة وفرض الضرائب الضرورية، ودفع الإصلاح فيما يتعلق بضريبة الاستهلاك وضريبة الموارد، وإتقان العمل التشريعي بخصوص الضريبة العقارية وضريبة حماية البيئة.

 تعميق إصلاح الهيكل المالي من مفاتيح إصلاح النظام الاقتصادي. في هذه السنة، ستعمل الصين على دفع توجيه معدلات الفائدة نحو السوق بإطراد واتساع استقلالية الهيئات المالية في تحديد معدلات الفائدة. في السوق المالية الدولية، تسعى الصين للحفاظ على استقرار أسعار صرف العملة الصينية (الرنمينبي) بمستوى معقول ومتوازن وإفساح حيز لتعويم أسعار الصرف الثنائي الاتجاه والمضي قدما في تحويل حسابات رأس المال بالرنمينبي. أما في السوق المالية الداخلية، فتركز الصين على دفع إنشاء بنوك متوسطة وصغيرة الحجم وغيرها من الهيئات المالية بالاعتماد على رأس المال الخاص على نحو مستقر، وإرشاد رأس المال الخاص في المساهمة والاستثمار في الأجهزة المالية والنقدية وهيئات الوساطة الخدمية لتدبير الأموال، لتحقيق المنافسات الإيجابية.

أما بالنسبة للأموال الشبكية عبر الإنترنت، فقد طرح الرئيس لي كه تشيانغ بتعزيز تنميتها السليمة توازيا مع إكمال وتحسين آلية المراقبة والإدارة والتنسيق للهيئات المالية، ومراقبة ورصد السيولة المالية العابرة للحدود بصورة مكثفة، والتمسك بثبات بالخط الأحمر لعدم حصول المخاطر المالية القطاعية والإقليمية، ويأمل أن يصبح القطاع المالي حوضا من المياه الجارية يروي أشجار الاقتصاد الحقيقي من المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتناهية الصغر والأعمال الخاصة بالزراعة والمناطق الريفية والفلاحين وغيرها.