ثورة التكنولوجيا الحديثة تدفع نمو الاقتصاد

بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، انتقلت العولمة من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة الابتكار، حيث لم تعد الشركات الصينية تقلد التكنولوجيا الحديثة للدول الأخرى، بل بدأت تمارس الابتكار الحقيقي. منذ عام 2000، أصبحت الصين أكبر مقصد لرأس المال الاستثماري لوادي السيليكون  الأمريكي خارج الأرض الأمريكية. وخلال أربع سنوات؛ من عام 2008 إلى عام 2011، ازداد عدد شركات منطقة تشونغقوانتسون(وادي السيليكون الصينية) المسجلة في البورصة، حتى فاق عدد الشركات الجديدة المسجلة في البورصة في المنطقة ما منها في وادي السيليكون الأمريكية. وهناك أكثر من مائتي مؤسسة صينية مسجلة في بورصة ناسداك الأمريكية، وأصبحت الصين تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد المؤسسات المسجلة في بورصة ناسداك، لا يسبقها غير الولايات المتحدة الأمريكية. ويعتبر كل ذلك ثمار ثورة التكنولوجيا الحديثة.

وفقا للبيانات التي أصدرها المؤتمر الوطني الصيني للعلوم والتكنولوجيا لعام 2014، فإن إجمالي دخل قطاع التكنولوجيا العالية والجديدة الصيني في عام 2013، قد تجاوز11 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر6 يوانات)، بزيادة  قدرها 10% عن عام 2012. وبفضل تجمعات الحدائق الصناعية والسياسات التفضيلية من الحكومة تجاه صناعات التكنولوجيا العالية والجديدة، تنتقل ثمار البحث العلمي من المختبرات إلى المصانع مباشرة، الأمر الذي حقق دخلا إجماليا لحوالي ستين ألف مؤسسة منتشرة في مائة وخمس حدائق للتكنولوجيا العالية والجديدة على المستوى الوطني في الصين بلغ 5ر19 تريليون يوان في عام 2013، بزيادة حوالي 18% عن عام 2012.

 

التكنولوجيا العالية تعزز نمو الاقتصاد

في عام 1985، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية "خطة حرب النجوم" وبدأت أوروبا "خطة مشروع يوريكا (Eureka Project)"، وفي عام 1986، بدأت الصين "خطة أبحاث وتطوير التكنولوجيا العالية"، التي يطلق عليها اختصارا "خطة 863"، بهدف تطوير التقنيات الرائدة واستخدامها في جميع الصناعات الصينية. وفي إطار دعم خطة 863، ظهرت دفعة كبيرة من الثمار المبتكرة التي تضارع أو تقارب المستوى العالمي، وتشمل الحاسبات العالية الأداء والاتصالات النقالة وشبكة المعلومات الفائقة السرعة، وروبوتات أعماق البحار والروبوتات الصناعية، وأنظمة المراقبة البرية والجوية، ورصد واستكشاف البحار، والجيل الجديد من المفاعلات النووية، والأرز الهجين السوبر، والقطن المقاوم للآفات، والهندسة الوراثية، إلخ.

بفضل دعم خطة 863، بدأ نظام "شيخه" الصيني يقدم خدمة لتحديد المواقع والملاحة العامة للجماهير في عام 2013 من خلال اتحاد تحديد المواقع الداخلية الذي أسسته شركة نوكيا ومجموعة سامسونغ، وغيرهما من أكثر من عشرين شركة اتصالات كبيرة. يدفع نظام "شيخه" التطبيق والاستخدام التجاري لنظام "بيدو" الصيني الذي تم تطويره بنجاح وإنتاجه في عام 2000. وبعد النجاح في تطوير نظام "بيدو" للملاحة في ظل دعم خطة 863، أصبحت الصين ثالث دولة في العالم تمتلك نظام توجيه بالقمر الاصطناعي الذاتي بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. يركز هذا النظام على تحديد المواقع الخارجية، ويُستخدم في المساحة ورسم الخرائط والمواصلات السلكية واللاسلكية والري والصيد والمواصلات والنقل ومكافحة حرائق الغابات وإرسال المعونات إلى المناطق المنكوبة والأمن العام وغيرها من المجالات. وقد لعب دورا هاما في أولمبياد بكين لعام 2008 وأعمال الإغاثة والإنقاذ أثناء زلزال ونتشوان الذي وقع في الثاني عشر من مايو 2008.

قال البروفيسور شي تشوانغ، مدير مركز أبحاث تكنولوجيا تحديد المواقع والتوجيه بالقمر الاصطناعي، التابع لجامعة ووهان، إن خدمة تحديد المواقع الداخلية والخارجية قضية دولية، والصين متقدمة في هذا المجال." وأوضح أن نظام "شيخه" سيُستخدم في مجالات المواصلات والزراعة والأراضي والبحار والمحيطات والأمن العام والإغاثة من الكوارث في عشر مدن بحلول عام 2015، وقال إنه سيخلق سلسلة صناعية طويلة تشمل الشرائح الإلكترونية لتحديد المواقع والوحدات الطرفية للحاسبات، وبرنامج تحديد المواقع والخدمات ونظام المستخدمين ومزودي الخدمات. وفقا للإحصاءات التي أصدرتها الجمعية الصينية للتوجيه وتحديد المواقع بالقمر الاصطناعي، ستتجاوز قيمة إنتاج صناعة خدمات التوجيه وتحديد المواقع 225 مليار يوان في عام 2015، وستتجاوز 400 مليار يوان بحلول عام 2020.

 

حضانات الأعمال للتكنولوجيا العالية

من أجل تحويل التكنولوجيا العالية إلى قوة إنتاج، بعد تطبيق خطة 863 بسنتين، بدأت الحكومة تقدم سياسات تفضيلية وبيئة الاستثمار لعدد كبير من مؤسسات التكنولوجيا العالية عن طريق إنشاء مناطق التكنولوجيا العالية والجديدة بهدف جمع الأكفاء ورأس المال والتكنولوجيا وتنمية صناعات التكنولوجيا العالية.

كما تتخذ الحكومة إجراءات مثل إنشاء مراكز خدمة أعمال التكنولوجيا العالية وحضانات الأعمال المتنوعة لمؤسسات العلوم والتكنولوجيا وصندوق الابتكار التكنولوجي للمؤسسات العلمية والتكنولوجية المتوسطة والصغيرة الحجم لدعمها. حتى نهاية عام 2013، خصصت الميزانية المالية المركزية 736ر26 مليار يوان لصناديق الابتكار، ودعم حوالي 45 ألف مشروع و300 ألف مؤسسة علوم وتكنولوجيا متوسطة وصغيرة الحجم.

في مايو عام 2013، عقدت الدورة السادسة عشرة لمعرض الصين الدولي لصناعة العلوم والتكنولوجيا في بكين، الذي عرض فيه أحدث ثمار ومنجزات الإبداعات العلمية والتكنولوجية، بهدف تعزيز تحويل المنجزات العلمية والتعاون في المشاريع الصناعية الهامة، وجذبت هذه الدورة اهتماما بالغا من داخل الصين وخارجها، وحضرها أكثر من أربعين وفدا أجنبيا وخمسة وثلاثين وفدا من داخل الصين وأكثر من ألفي مؤسسة بحث علمي وجامعة ومعهد ومؤسسة خاصة. وخلال هذه الدورة، تم توقيع اتفاقية بناء قاعدة لصناعة العلوم والتكنولوجيا والتعاون وتجارة التكنولوجيا وغيرها من مائة وثلاثة وعشرين مشروعا، بلغ إجمالي قيمة الاتفاقيات 023ر86 مليار يوان. وكانت النقطة الساخنة بين المشروعات الموقعة هي مجالات الصناعات الاستراتيجية الناشئة مثل الجيل الجديد من المعلومات والتكنولوجيا وتوفير الطاقة وحماية البيئة والطاقة الحديثة والصناعة البيولوجية.

 

تطبيق التكنولوجيا

في ظل تحويل وارتفاع الاقتصاد الوطني، تتمتع الشركات الصينية للعلوم والتكنولوجيا بسياق واسع للتطور.

وقد وضعت بعض مؤسسات العلوم والتكنولوجيا ذات القدرة التنافسية المقياس الدولي لتقنيات قطاع العلوم والتكنولوجيا بهدف دفع استخدام هذه التقنيات تجاريا في العالم. في منطقة تشونغقوانتسون ببكين 86 مقياسا دوليا تقودها أو تشترك فيها مؤسسات العلوم والتكنولوجيا مثل شركة لينوفو وشركة ساينوفاك (Sinovac). بالإضافة إلى ذلك، يوجد في مناطق التكنولوجيا العالية والجديدة، التقسيم الشفري التزامني المتعدد الوصول (TD-SCDMA) والأساليب الفنية للاتصالات بالألياف الضوئية، وتكنولوجيا التحكم الصناعي والأدوات التحليلية للغاز بالليزر، والأساليب الفنية للعرض بالضوء الثنائي الانبعاث العضوي(OLED) والموصلات المحورية لترددات الراديو وغيرها من المقاييس الدولية التي تقود تنمية القطاع وترفع صوت المؤسسات الصينية في التنافس الدولي.

خلال العشر السنوات المنصرمة، حققت صناعة إنتاج الأجهزة في الصين نموا بمعدل سنوي 25%، بما فيها إنجاز الكمبيوتر العملاق "تيانخه-1"، والقطار الفائق السرعة الذي تصل سرعته إلى 468 كيلومترا في الساعة، و ومولدات الكهرباء من الرياح البحرية ومعدات حفر الأنفاق والرافعات العائمة المستديرة تماما وغيرها، وتغلبت على كثير من المشكلات الفنية.

قال تشيوي شيان مينغ، نائب الرئيس السابق للأكاديمية الصينية لعلوم وتكنولوجيا الماكينات: "منذ عام 2009، بدأت القيمة الإجمالية لإنتاج صناعات الأجهزة في الصين تتجاوز  نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت الصين أكبر دولة في العالم من حيث الصناعات الإنتاجية. ولكن في الوقت الحالي، أكثر من 50% من تكنولوجيا صناعة إنتاج الأجهزة الصينية تعتمد على الدول الأجنبية، و80% من الشرائح الإلكترونية المرتفعة المستوى و80% من القطع المسبوكة الممتازة لتركيب مولدات الطاقة الكهربائية و90% من أدوات الماكينات والروبوتات التي يتم التحكم فيها رقميا بالدرجة العالية ونحو 100% من محامل السكك الحديدية الفائقة السرعة تعتمد على الاستيراد من خارج الصين". هذا يعني أن الصين دولة كبيرة في إنتاج الأجهزة، غير أنها ليست دولة قوية في إنتاج الأجهزة، ومن ثم فهي تمتلك فضاءً واسعا للتنمية والتعاون الدولي في مجال إنتاج الأجهزة.

في هذا العصر الذي تسوده التقنيات الرقمية والذكية والشخصية، تأسست قاعدة الحوسبة السحابية في منطقة قويآن الجديدة لمقاطعة قويتشو، مما يدفع بناء منبر خدمات الحوسبة السحابية والبيانات الكبيرة للحكومة والجماهير والمؤسسات. قال مياو وي وزير الصناعة والمعلوماتية الصيني إن البيانات الكبيرة أصبحت من العلوم والتكنولوجيا الاستراتيجية الناهضة للصين. وأضاف: "البيانات الكبيرة نقطة ساخنة جديدة للمعلومات والتكنولوجيا بعد شبكة الإنترنت والحوسبة السحابية وشبكة الإنترنت النقالة. وقد سعت الصين لدفع تنمية صناعة البيانات الكبيرة." في "منتدى يوم البيانات الكبيرة" الذي عقد في منطقة تشونغقوانتسون ببكين في نهاية عام 2013، قال السيد لي تاو المسؤول التنفيذي لشركة تيانيون للبيانات الكبيرة إن البيانات الكبيرة أصبحت في الحقيقة نوعا من البنية التحتية، وبالنسبة للمؤسسات، فإن بناء هذا النوع من البنية التحتية يفيد في تحسين تكنولوجيا المعلومات للمؤسسة واستكشاف قمة أرقام المؤسسة وتحقيق ابتكار الأعمال ذات القدرة التنافسية. وبالنسبة لأي شخص عادي، فإن البيانات الكبيرة تغير حياة وعمل الناس والمجالات المختلفة في المجتمع.