استثمارات الصين في الخارج
تشهد الاستثمارات الصينية في الخارج زيادة متواصلة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، حتى صار الرأس مال الصيني موضوعا يجذب اهتمام العالم، وسط ترحيب واسع من كثيرين وشكوك وتوجسات من آخرين.
((الصين اليوم)) فتحت ملف الاستثمارات الصينية في الخارج في مقابلة حصرية مع خه تشن وي، نائب الأمين التنفيذي لجمعية الصين لتنمية وتخطيط الصناعات في الخارج، الذي أكد أن استثمارات الصين في الخارج هدفها تعظيم القدرة التنافسية الدولية للمؤسسات الصينية، تماشيا مع تيار العولمة، وفي ذات الوقت رد الجميل للعالم، فقد استفاد الصينيون كثيرا من الاسثمارات الخارجية في بلادهم. استثمارات الصين في الخارج حاليا تحقق الفائدة للصينيين وللبشرية كلها.
ليس نهبا للموارد
تزعم تقارير بعض وسائل الإعلام الأجنبية أن الاستثمارات الصينية في الخارج تفضل مشروعات الموارد والمواد الخام، بهدف نهب الموارد من خارج الصين. وقد قال خه تشن وي إن استثمار المؤسسات الصينية في الخارج بدأ متأخرا نسبيا، ففي عام 2002، كان حجم استثمارات الصين في الخارج ملياري وسبعمائة مليون دولار أمريكي، وفي عام 2003 بلغ ملياري وثمانمائة وخمسين مليون دولار أمريكي، وبلغ ملياري وستمائة وخمسين مليونا في عام 2007. وقبل حلول عام 2008 لم يكن حجم الاستثمار الصيني السنوي في الخارج يتجاوز ثلاثين مليار دولار أمريكي. في عام 2008 حدثت طفرة في الاستثمارات الصينية في الخارج، فبلغ خمسة مليارات وخمسمائة وتسعين مليون دولار أمريكي، ووصل حجمه التراكمي إلى أكثر من خمسين مليار دولار أمريكي.
لماذا حدثت الطفرة في عام 2008؟ الأمر له علاقة بالأزمة المالية العالمية. قبل عام 2008، كانت شروط دخول الاستثمارات الخارجية إلى الدول الغربية شديدة، فلم تتح الفرصة للمؤسسات الصينية للاستثمار فيها، برغم رغبة تلك المؤسسات في الاستثمار هناك. مع الأزمة المالية العالمية، انقطعت سلسلة الرأس مال في كثير من الدول، فبدأت تلك الدول تسمح باستثمار المؤسسات الصينية في قطاعات لم يكن مسموحا لتلك المؤسسات بدخولها في السابق. اشترت شركة جيلي الصينية للسيارات شركة فولفو السويدية، واشترت مجموعة ساني الصينية لصنع الماكينات شركة بوتسيميستر الألمانية. ركز معظم الاستثمارات الصينية الجديدة في الخارج على الصناعات الإنتاجية.
قال خه تشن وي، "الاستثمارات الصينية في الخارج تدفع إنعاش الاقتصادات المحلية، وتساعد الدول التي تدخلها الاستثمارات على إعادة هيكلة صناعاتها". على سبيل المثال، تمر روسيا بمرحلة تحويل نمطها الاقتصادي، وكثير من رأس مالها دخل قطاع الطاقة ذا الأرباح العالية. في ظل هذا الوضع، ترحب روسيا بدخول الاستثمار الصيني إلى قطاعات التصنيع والصناعات الإنتاجية. دخول الرأس مال الصيني لا يعالج مشكلة التوظيف فحسب، وإنما أيضا يعزز إعادة هيكلة الاقتصاد.
مع الزيادة الكبيرة للاستثمارات الصينية في الخارج عام 2008، أتاحت الأزمة المالية العالمية الفرصة لدخول الصين الصناعات الإنتاجية للدول المتطورة، وليس الفرصة لشراء الموارد في الخارج، لأن حاجة الصين إلى الموارد تراجعت خلال فترة الأزمة المالية.
تستثمر المؤسسات الصينية في مجالات متعددة، تشمل كل القطاعات الاقتصادية تقريبا، والاستثمار في مشروعات البنية التحتية والصناعات الإنتاجية يحظى بالترحيب دائما. يحتل قطاع الخدمات التجارية المرتبة الأولى لاستثمارات الصين في الخارج، بينما تحتل الموارد المعدنية المرتبة الرابعة، التي يستثمر فيها عدد قليل من ستة عشر ألف مؤسسة صينية لها استثمارات في الخارج.
ولكن، لماذا هناك انطباع بأن المؤسسات الصينية تفضل الاستثمار في الموارد في الخارج؟ قال السيد خه إن عمليات الشراء التي يقوم بها بعض المؤسسات الصينية الكبيرة، مثل المجموعة الصينية للبتروكيماويات، والمجموعة الصينية الصينية للنفط البحري تترك انطباعات عميقة للناس جراء الدعاية المحمومة التي تقوم بها وسائل الإعلام مما يترك انطباعات بأن المؤسسات الصينية المملوكة للدولة تشتري الموارد خارج الصين.
الاستثمار في الزراعة يضمن الأمن الغذائي
يجذب التعاون بين الصين وأوكرانيا في مجال الزراعة مزيدا من اهتمام العالم، وذهبت بعض وسائل الإعلام الأجنبية إلى الزعم بأن الصينيين يشترون الأرض الزراعية في أوكرانيا، لتسويق منتجاتها في الصين لضمان الأمن الغذائي للشعب الصيني.
قال السيد خه: "أتابع التعاون الزراعي مع أوكرانيا. هناك سوء فهم، فلم يحدث أن اشترت أي مؤسسة صينية أرضا زراعية في أوكرانيا لأن الحكومة الأوكرانية تمنع بيع الأراضي للأجانب. التعاون الصيني- الأوكراني في مجال الزراعة يقوم على التأجير، ولكن وسائل الإعلام بالغت في ذلك". وقال خه تشن وي إن الصين تشجع على التعاون الخارجي في مجال الزراعة، ومن المعروف أن الزراعة من أهم القطاعات بالنسبة للصين، ومئات الملايين من الصينيين يعملون بالزراعة، وتتمتع الصين بخبرات وافرة في تنمية الزراعة يمكن للآخرين أن يستفيدوا منها. وقد استأجرت الصين كثيرا من الأراضي للزراعة في الخارج، في أوكرانيا وفي دول أفريقية وفي روسيا.
أوكرانيا تعتمد على الزراعة، وكانت تسمى في السابق بصومعة الحبوب للاتحاد السوفيتي. أرضها الزراعية واسعة وعدد سكانها قليل، فيها مساحات كبيرة من الأرض الزراعية الموات. وسواء كان إنتاج هذه الأرض من الحبوب يبقى في أوكرانيا أو يُنقل إلى الصين أو يُسوق في دولة ثالثة، فإن المؤسسات الصينية تستأجر الأرض، وتحول الأرض الموات إلى أرض زراعية منتجة للحبوب، وهذا يعني أن الصين تساهم في تحقيق الأمن الغذائي للبشرية. أوكرانيا تصدر الحبوب الغذائية إلى أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، والآن بدأت تصدر حبوبها إلى الصين. قال السيد خه: "أنا أعلم أن مجموعة أوكرانيا المحدودة للزراعة لديها خمسمائة وثلاثون ألف هكتار من الأرض، معظمها خالية. ولهذا، ترغب أوكرانيا في التعاون مع الصين لاستخدام الأرض الفارغة وتصدير الحبوب إلى الصين. في الوقت نفسه، تتميز الصين بأن لديها الرأس مال والأيدي العاملة، ومن ثم فإن التعاون الزراعي الصيني- الأوكراني مفيد للجانبين."
مؤسسات الدولة لا تعني سيطرة الحكومة
يعتقد قطاع واسع من الرأي العام أن الحكومة الصينية تقف وراء المؤسسات المملوكة للدولة، وهذا من الأسباب الهامة لفشل المؤسسات الصينية المملوكة للدولة في عمليات الشراء.
قال السيد خه: "المحللون الأجانب لا يعرفون النظام الإداري الصيني معرفة كاملة، فيعتقدون أن المؤسسات الصينية المملوكة للدولة تستثمر في الخارج معتمدة على المخصصات المالية للحكومة. الحقيقة أن الحكومة لا تخصص أموالا لتلك المؤسسات من أجل الاستثمار خارج الصين، ولا توجهها لشراء أي نوع من الموارد."
قال خه تشن وي: "تقوم لجنة الدولة للتنمية والإصلاح بإرشاد المؤسسات تجاه الاستثمار في الوقت التي تقوم فيه بفحص ومراجعة المشروعات. على سبيل المثال، إذا كانت دولة ما في حالة حرب، فلن توصي الحكومة المؤسسات بأن تستثمر فيها". كما تراجع لجنة الدولة للتنمية والإصلاح مصدر رأس مال الاستثمار والاعتماد المصرفي للمؤسسة. ولن توافق لجنة الدولة للتنمية والإصلاح على مشروعات بدون بيان ضمان القروض من البنك.
ربما يرى البعض أن القروض التي تحصل عليها المؤسسات المملوكة للدولة من البنوك المملوكة للدولة، هي أموال حكومية. قال السيد خه، إن البنوك المملوكة للدولة مؤسسات أيضا، وقروضها ليست من مخصصات الدولة، بل لا بد أن تقوم المؤسسات بسدادها. تقدم البنوك القروض للمؤسسات وفقا للقوانين واللوائح، فإذا لا تستطيع المؤسسات سداد القروض فإن البنوك سوف تفلس. تقوم البنوك بمراجعة الشؤون المالية للمؤسسات وتقييم قدرة المؤسسات على سداد القروض.
الحاجة إلى التكيف مع العالم
البعض يرى أن المؤسسات الصينية تفضل توظيف العمالة الصينية على العمالة المحلية، ولا تهتم بحماية البيئة المحلية ولا تساهم في بناء المجمعات المحلية وغيرها. قال خه تشن وي: "هذا من عيوب المؤسسات الصينية، فبعضها مازال يدار في الخارج وفقا للأسلوب الصيني في التفكير والإدارة. على سبل المثال، بعض الشركات الصينية ترسل عمالا صينيين إلى فروعها في الخارج ولا توظف العمال المحليين، اعتقادا بأن العمال الصينيين أكثر جدا واجتهادا، ويمكن أن يعملوا في ظروف شاقة، وبفعالية مرتفعة. ولكن عندما يستثمر الصينيون في الخارج، عليهم أن يفكروا في معالجة مشكلة التوظيف المحلية، لأن توظيف شخص واحد يمكن أن يؤدي إلى استقرار حياة أسرة كاملة، وهذا أهم من التبرع بالأموال لبناء روضة أطفال أو مدرسة. وأنا أعلم أن عددا غير قليل من المؤسسات الصينية تتغير في هذه الناحية، فبعد أن اشترت شركة جيلي الصينية للسيارات شركة فولفو لم ترسل عاملا صينيا واحدا إلى السويد، بل وظفت أكثر من ألف ومائتي عامل سويدي. وكثير من المؤسسات الصينية تتحمل مسؤولية اجتماعية خارج الصين. وعلى سبيل المثال، تساهم المؤسسة الوطنية الصينية للنفط والغاز الطبيعي في بناء منشآت البنية التحتية المحلية، وتساعد في بناء رياض الأطفال والمدارس والمستشفيات وغيرها".
وفقا للأرقام الرسمية الصينية، وظفت المؤسسات الصينية أكثر من سبعمائة ألف عامل خارج الصين في عام 2012، وبلغ حجم الضرائب التي دفعتها المؤسسات الصينية إلى الدول التي تستثمر فيها أكثر من 22 مليار دولار أمريكي.
قال خه تشن وي إن المؤسسات الصينية بدأت استثمارها في الخارج قبل سنوات قليلة، ولهذا تحتاج إلى عملية تكيف وتعلم، بينما يجب على العالم أن يعطي المؤسسات الصينية الوقت للتعلم والتحول.
المبالغات الإعلامية
بعد انفجار الأزمة المالية العالمية، بدأ بعض وسائل الإعلام ترويج لرفض بعض الدول الاستثمارات الصينية لاعتبارات الأمن الوطني. قال السيد خه: "القيود على الاستثمارات الصينية في العالم موجودة. فقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية استثمار مؤسسات صينية مثل شركة هواوي ومجموعة ساني الصينية لصنع الماكينات بذريعة تهديدهما لسلامة البلاد. ولكن هذه القضايا يقف وراءها كثير من منظمات المصالح مثل الكونغرس وجماعات الضغط. ومن ناحية أخرى، لا تهتم المؤسسات الصينية بصورتها خارج الصين، مما يترك انطباعات غير طيبة عنها في العالم. فعلى المؤسسات أن تطبق وتنفذ القوانين واللوائح المحلية وتتجنب سوء فهم الآخرين".
حالات رفض الولايات المتحدة الأمريكية للاستثمارات الصينية بسبب أمن وسلامة البلاد قليلة، ولكن وسائل الإعلام قامت بتغطيتها تغطية واسعة وبالغت في ذلك، الأمر الذي شوه صورة المؤسسات الصينية. وقال: "لا أوافق على أن فشل استثمارات المؤسسات الصينية في الخارج أكثر من نجاحها. على وسائل الإعلام من الجانبين أن تقوم بالتغطية الإعلامية من زاوية الوضع العام ولا تبالغ في الحالات الاستثنائية، ولا تنظر إلى الاستثمارات الصينية بنظرة سوداء".