الاستثمارات الصينية تفيد الدول المجاورة

يشهد الاقتصاد الصيني نموا سريعا منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، فالصين من أسرع الدولة الآسيوية نموا اقتصاديا.

يجمع بين الصين والدول المجاورة تقارب حضاري نتيجة القرب الجغرافي وفي نفس الوقت الاختلاف في الثروات الطبيعية ومراحل التنمية، الأمر الذي يؤدي إلى تكامل اقتصادي بين الصين وتلك الدول. يلعب الاستثمار والتعاون الثنائي دورا حيويا في تعزيز هذا التكامل، ودفع تداول الموارد وعناصر الإنتاج، وتعميق تطور العولمة الاقتصادية.

نمو قوي في ظل الضمانات السياسية

مع تزايد انخراط الصين في العولمة الاقتصادية، شهد حجم استثماراتها الخارجية المباشرة نموا متواصلا. في السنوات الست الماضية، ارتفع الحجم الصافي للاستثمارات الصينية الخارجية من 51ر26 مليار دولار أمريكي في عام 2007 إلى 8ر87 مليار دولار أمريكي حاليا، وأصبحت واحدة من أكبر ثلاث دول لها استثمارات خارجية في العالم. ينمو حجم الاستثمار الخارجي الصافي للصين بمعدل أكثر من 20% سنويا، أي أكثر من أربعين مليار دولار أمريكي. وفي عامي 2011 و2012، تجاوز هذا الرقم مائة مليار دولار أمريكي. وفي نفس الوقت، توسعت مجالات الاستثمارات الصينية الخارجية ورقعتها الجغرافية. بحلول نهاية عام 2012، أقامت ست عشرة مؤسسة استثمارية صينية مسجلة اثنتين وعشرين ألف شركة في 179 دولة ومنطقة.

بعد وقوع الأزمة المالية العالمية، عززت الصين استثماراتها المباشرة في الدول والمناطق المجاورة، على سبيل المثال، في عام 2008، ارتفع الحجم الصافي للاستثمارات الخارجية الصينية في دول رابطة جنوب شرقي آسيا (آسيان) من 968 مليون دولار أمريكي في عام 2007 إلى مليارين وأربعمائة وأربعة وثمانين مليار دولار أمريكي، بمعدل نمو 6ر156%. في عام 2012، وصل حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في دول آسيان إلى ستة مليارات ومائة مليون دولار أمريكي، بزيادة 3ر3% عن السنة السابقة. (الشكل الأول)

في نهاية عام 2008، وصل الحجم الإجمالي للاستثمارات الصينية في دول آسيان إلى 6487 مليون دولار أمريكي، مقارنة مع 3953 مليون دولار أمريكي في عام 2007 بزيادة 1ر64%. وفي عام 2012، بلغ الحجم الإجمالي للاستثمارات الصينية في دول آسيان إلى 24ر28 مليار دولار أمريكي، بزيادة 6ر31% عن السنة السابقة. (الشكل الثاني)

 

وفي السنوات الأخيرة، شهدت مجالات الاستثمار الصيني في الدول المجاورة توسعا وتعمقا متزايدا، حيث تحولت الاستثمارات الصينية في دول آسيان من أعمال المقاولات رئيسيا إلى مجالات متنوعة، مثل الصناعات الإنتاجية، تجارة الجملة والتجزئة، وعمليات إنتاج وإمداد الكهرباء والغاز والمياه، والخدمات التجارية، وصناعة البناء، واستخراج المعادن، وأعمال النقل والمواصلات، والتخزين، وخدمات التقنيات المتخصصة، والزراعة والغابات والثروة الحيوانية والسمكية، والعقارات، وخدمات المطاعم. (الجدول الأول)

من أجل تنظيم الممارسات الاستثمارية وحماية مصالح المستثمرين وتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وقعت الصين وروسيا اتفاقية لمنع الازدواج والتهرب الضريبي في عام 1994، واتفاقية أخرى لتشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة في عام 2006. ووقعت الصين مع رابطة آسيان "الاتفاقية الاستثمارية لمنطقة التجارة الحرة بين الصين والآسيان" في عام 2009. هذه الاتفاقيات وفرت ضمانات نظامية للاستثمارات المتبادلة بين الجانبين، ووضعت أساسا نظاميا لتعزيز وتعميق التعاون والاستثمارات الثنائية، وتحقيق التكامل بين الجانبين.

تعزيز التعاون في التنمية المشتركة

بعد الأزمة المالية العالمية، عززت الصين تدفقاتها الاستثمارية في الدول المجاورة لها، ففي كل سنة، تقام في الدول المجاورة الكثير من المشروعات باستثمارات صينية، مما يفيد في رفع مستوى التقنيات المحلية وتوفير المزيد من فرص العمل (الجدول الثاني) وزيادة دخول المحليين، مما يدفع التنمية الاقتصادية المحلية.

منذ ثمانينات القرن العشرين، قامت الصين ودول آسيان بتعزيز حماية الاستثمارات عن طريق توقيع اتفاقيات الاستثمارات الدولية، وسلسلة من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، ثم تم توقيع الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي الشامل بينهما، وفي عام 2009 أقيم صندوق للتعاون الاستثماري بينهما بقيمة إجمالية بلغت عشرة مليارات دولار أمريكي في عام 2009. في الأول من يناير عام 2010، تم رسميا تدشين منطقة التجارة الحرة بين الصين وآسيان، لتصبح أول منطقة تجارة حرة تشارك الصين في إنشائها على صعيد التجارة الإقليمية. تمثل منطقة التجارة الحرة بين الصين وآسيان أكبر سوق للتكامل الاقتصادي في العالم من حيث عدد المستهلكين ومساحة تغطيتها، حيث تشمل نحو مليار وتسعمائة مليون نسمة، ويبلغ إجمالي حجم إنتاجها ستة تريليونات دولار أمريكي، بينما يصل إجمالي حجم تجارتها إلى أربعة تريليونات وخمسمائة مليار دولار أمريكي. تتمتع الدائرة الاقتصادية العرقية الصينية في جنوب شرقي آسيا بعدة مزايا، تتمثل في الموارد التكاملية وعدد السكان الهائل، وتقارب اللغات والتقاليد، مما يوفر أساسا جيدا لتبادل المنتجات الزراعية والصناعية والتكنولوجية والثقافية بين الدول والمناطق في هذه الدائرة.

في عام 2012، بلغ صافي حجم الاستثمارات الصينية في دول آسيان ستة مليارات ومائة مليون دولار أمريكي، بزيادة 3ر3% عن السنة السابقة، وبلغ حجم الاستثمارات المتراكمة إلى ثمانية وعشرين مليارا ومائتين وأربعين مليون دولار أمريكي، بزيادة 6ر31% عن السنة السابقة. حتى أغسطس عام 2013، بلغ حجم الاستثمارات المتراكمة المتبادلة بين الصين وآسيان مائة وعشر مليارات دولار أمريكي تقريبا. آسيان هي المنطقة الأسرع نموا للاستثمارات الخارجية الصينية، والصين هي رابع أكبر مصدر للتدفقات الاستثمارية الخارجية في آسيان.

غيرت الأزمة المالية الوضع الاقتصادي العالمي، وأثرت إلى حد كبير على بيئة الأعمال التجارية والاستثمارية للصين وروسيا. في المرحلة المتأخرة لهذه الأزمة، عززت الصين التعاون الاستثماري مع دول الجوار، خاصة روسيا. ذلك يمثل استراتيجية هامة لدفع البلدين في المواجهة المشتركة لتغيرات الوضع الاقتصادي العالمي وتحدياته. إن للصين وروسيا، باعتبارهما أكبر دولتين متجاورتين في منطقة شمال شرقي آسيا، تقاليد حميدة في التبادلات الودية والمزايا الجغرافية للتعاون. حاليا، يشهد البلدان أفضل مرحلة في التعاون الاستثماري الذي يفيد تعزيز التنمية الاقتصادية والاستقرار والسلام الإقليمي لمنطقة شمال شرقي آسيا كلها. إن مبادرات مثل الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري ستوفر قوة دافعة جديدة لإنعاش الاقتصاد العالمي الراكد، وتفيد مصالح البلاد على طول هذا الطريق، بل وكل دول العالم.

الصين عضو في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) واجتماع آسيا- أوروبا (أسيم) ومنظمة شانغهاي للتعاون وغيرها من المنظمات الإقليمية التي تتركز أعمالها على تسهيل الاستثمارات التجارية، إضافة إلى أن الصين اشتركت في اتفاقية بانكوك، ووقعت "الترتيبات التجارية التفضيلية بين الصين وباكستان". استنادا إلى مبادئ التعاون والمنفعة المتبادلة، زادت الصين استثماراتها في الدول المجاورة، لتعزيز الترابط الاقتصادي معها، وضخت حيوية كبيرة لدفع تنمية الدول المجاورة وتحقيق المنفعة المشتركة.

تعزيز الاستثمارات للدول المجاورة

مازال السلام والتنمية التيار الرئيسي للعصر. ويمثل تحقيق السلام وتعزيز التعاون والتنمية الاتجاه الرئيسي لسياسات معظم دول منطقة آسيا والمحيط الهاديء، والتيار الرئيسي للوضع الإقليمي. وقد حافظت علاقات الدول الكبرى في المنطقة على اتجاه التنمية والتحسن المستمر، وشهدت الحوارات والاتصالات بين دول المنطقة نموا وعمقا. وأصبح التشاور السلمي السبيل الأساسي في حل النزاعات. هذه البيئة العالمية والإقليمية الطيبة أتاحت فرصة جيدة للاستثمارات الصينية الخارجية.

التنمية الاقتصادية هي أساس السلام العالمي، ولكن لا يمكن أن يتحقق السلام والاستقرار الدائمان في العالم إلا بتحقيق التنسيق الدائم للتنمية العالمية المتوازنة والشاملة. ما زالت الصين تتمسك في أعمال استثماراتها بالدول المجاورة بمبدأ "حسن الجوار وتوطيد العلاقات الودية وتعميق التعاون المتبادل المنفعة".

حاليا، يواجه الهيكل الصناعي العالمي ونظام تقسيم العمل دورة جديدة من التعديل. وفي نفس الوقت، تسير الصين بخطوات ثابتة على طريق تحويل نمط تنميتها الاقتصادية وإعادة هيكلة اقتصادها. مازال احتياطي الصين من النقد الأجنبي يحتل المرتبة الأولى في العالم، وثمة حاجة واقعية لتحويل هذا الاحتياطي إلى استثمارات. لا شك أنه على أساس الدارسة العميقة لاتجاهات التنمية الاقتصادية داخل الصين وخارجها، ستعمل الصين على توسيع مجالات التعاون مع الدول المجاورة، وزيادة استثماراتها في تلك الدول.

د. أن شيانغ بوه: باحث مساعد في قسم بحوث المؤسسات لمركز بحوث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني.

تشوه تشيان: طالبة ماجستير في معهد التجارة والاقتصاد الدولي بالجامعة المركزية للعلوم المالية والاقتصادية.