الديمقراطية القاعدية في الصين

لم تعد السلطة في الصين تهبط من أعلى على رؤوس الناس، ولم يعد الصينيون يتحسسون أفواههم إذا تحدثوا ويتلمسون أطراف أصابعهم إذا فعلوا.

في القرى الريفية وفي التجمعات السكنية الحضرية، بل وفي وحدات العمل، يعبر الصينيون عن آرائهم بحرية وينتخبون من يتحدثون باسمهم، فصار لهم قول في صناعة القرار.

تتجسد الديمقراطية في الوحدات القاعدية في سلسلة من الحلقات، تشمل التفويض والإقرار والاشتراك والتشاور والمراقبة، بما يشكل في النهاية منظومة متزايدة الأهمية.

 الديمقراطية القاعدية أحد أركان الديمقراطية الشعبية الصينية، ومن ثم فإن توسيعها وتعميقها يلعب دورا هاما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها تعد خطوة إيجابية للصين على طريق الإصلاح السياسي.

 

البداية في بيلاوهاو 

        ظلت واحدة من قرى محافظة ليشو بمقاطعة جيلين فقيرة ومتخلفة، والسبب هو ضعف وعجز مسؤوليها. وقد أوضح استطلاع للرأي أن ثمانين في المائة من أبناء قرية بيلاوهاو يرغبون في أن يتم اختيار لجنة القرية بطريقة ديمقراطية. في سنة 1986، وأثناء الاجتماع السنوي لتقديم تقرير عمل كوادر القرية، ظهر اقتراح اختيار أعضاء لجنة القرية عن طريق الانتخاب الحر المباشر من أهل القرية، وليس عن طريق السلطات العليا، كما كان الحال في ذلك الوقت. قال في يون تشنغ، الذي كان يشغل منصب نائب محافظ ليشو بمقاطعة جيلين آنذاك: "وافق قادة المحافظة على انتخاب لجان القرى، ولكننا لم نتوقع أن تصبح هذه الخطوة عملا لا مثيل له في الديمقراطية القاعدية الصينية".

بدأ تعميم نظام "الانتخاب المباشر"، الذي يختار وفقا له أبناء القرية المرشحين مباشرة. في عام 1988، صدر ((قانون تنظيم اللجان القروية لجمهورية الصين الشعبية)) الذي ينص على أن أهل كل قرية لهم حق الانتخاب المباشر للجان القروية، فصار "الانتخاب المباشر" قانونا ملزما. قال شيوي تشيان، الرئيس الأسبق لمصلحة الشؤون المدنية لمحافظة ليشو بمقاطعة جيلين: "الانتخاب المباشر معلم هام على طريق الإصلاح السياسي في الديمقراطية القاعدية الريفية، وتطبيق عظيم لإعادة حق الديمقراطية إلى الفلاحين، وعمل مبتكر عظيم للفلاحين الصينيين تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني".

واعترافا بقيمة ودور هذا النظام، أدرجت إحدى هيئات البحوث الأمريكية "الانتخاب المباشر في الصين"، ضمن ست طرق للانتخابات الديمقراطية في العالم. حاليا، يجرى "الانتخاب المباشر" في أكثر من 95% من القرى الصينية، ويشكل مسؤولو القرية لجنة القرويين أولا، حيث يتولى أعضاء لجنة القرية المنتخبون إدارة شؤون قريتهم بعد ذلك.

في المناطق الحضرية، تطبق التجمعات السكنية أيضا نظام الانتخاب المباشر للجان إدارتها، بعد صدور ((قانون تنظيم لجان الأحياء في مدن جمهورية الصين الشعبية)) عام 1989 والذي ينص بوضوح على دور لجنة الحي في إدارة التجمعات السكنية. الآن، تم تعميم نظام الانتخاب المباشر أو غير المباشر للجان إدارة الأحياء السكنية. في المناطق الساحلية بجنوب شرقي الصين وغيرها من المناطق المتقدمة نسبيا، بدأ تطبيق الانتخاب المباشر للجان الأحياء السكنية من خلال الاقتراع السري.

في المؤسسات الاقتصادية والهيئات غير الاقتصادية يطبق نظام مجلس ممثلي العاملين، باعتباره النظام الأساسي لتطبيق الإدارة الديمقراطية. كل الأنظمة واللوائح مثل ((قانون الشركات لجمهورية الصين الشعبية)) و((قانون العمل لجمهورية الصين الشعبية)) اللذين صدرا في عام 1994، و((قانون النقابة لجمهورية الصين الشعبية)) الصادر في عام 2001، تنص على أن نظام ممثلي العاملين هو آلية تنسيق علاقات المصالح بين الدولة والمؤسسة والعاملين، كما أنه النظام الذي يمارس من خلاله العاملون حق الإدارة الديمقراطية داخل المؤسسة. حاليا، يطبق نظام مجلس ممثلي العاملين في 34ر94% من المؤسسات الاقتصادية والهيئات غير الاقتصادية ذات الملكية العامة التي توجد فيها نقابات، وفي 10% من المؤسسات الخاصة والمؤسسات الأجنبية التي توجد فيها نقابات.

قال وانغ تشانغ جيانغ، عضو المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني والأستاذ في مدرسة الحزب للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إن منح السلطة من خلال الانتخابات هو مصدر الديمقراطية ورمز لسلطة الشعب. فإذا لم يكن التفويض ديمقراطيا بشكل كاف، فإن الديمقراطية في الحلقات الأخرى قد لا تكون قائمة.

 

قرار شخصي

يحق لكل مواطن أن يرشح نفسه وأن ينتخب من يراه مناسبا ليمثله في الهيئات الديمقراطية، وأن يطرح اقتراحاته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن يشترك في صنع القرار والمراقبة جماعيا.

انهار بيت وانغ شيانغ وا في قرية نانبوسي التابعة لبلدة بانآن بمحافظة قانقو لمقاطعة قانسو في الزلزال الذي وقع في الثاني والعشرين من يوليو عام 2013. وبعد أن نقاشت لجنة القرية الأمر، قررت صرف عشرين ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي ستة يوانات) إعانة لأسرة وانغ شيانغ وا لإعادة بناء بيته.

في مايو سنة 2013، جرى انتخاب اللجنة الجديدة لقرية نانبوسي، حيث شارك 1650 فرد من 358 أسرة يمثلون 90% من أهل القرية، وانتخبوا عن طريق الاقتراع السري المباشر خمسة وعشرين عضوا في لجنة إدارة القرية واللجنة الاستشارية ولجنة المراقبة. في هذا الانتخاب، أعطى وانغ شيانغ وا صوته لمن يثق فيهم.

في السابق، كان مسؤولو لجنة القرية يقررون شؤونها ويتخذون القرارات ثم يبلغون أهل القرية. بعد تأسيس اللجنة الاستشارية للقرية تغير هذا الوضع. تضم لجنة القرية أربعة كوادر، والباقون من أهل القرية، الذين يجلسون معا للتشاور حول شؤون قريتهم. وانغ جي وو، الذي انتخب عضوا في اللجنة الاستشارية للقرية، لم يكن قبل انتخابه يجرؤ على طرح اقتراح، ظنا منه أن عدد سكان القرية قليل، وإذا طرح اقتراحا، قد يقع في مشكلات. قال: "الآن أناقش مع الأعضاء الآخرين كل شؤون القرية".

قالت تشو قوه بينغ، أمينة لجنة إدارة تجمع هونغتشو السكني في حي تشانغنينغ بمدينة شانغهاي إن الديمقراطية في التجمعات السكنية الصينية تتمثل في المشاورات الديمقراطية، حيث يدير السكان تجمعاتهم ويقررون شؤونهم بأنفسهم.

قال شنغ مينغ فو، عضو المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ورئيس المجلس الوطني لنقابة الزراعة والغابات والري: "ينبغي أن تقوم الديمقراطية في الشركات على المستوى القاعدي على القانون والتي تضمنها آليات فعالة مع نظام مؤتمرات العاملين كمنبر لمشاركة العاملين، مما يضمن التوظيف الأمثل لدور العاملين بطريقة منظمة. نحن في حاجة حاليا إلى تعزيز بناء الآلية مثل تحديد نسبة النواب من العاملين لضمان عدد العاملين الذين يشاركون في مجلس ممثلي العاملين؛ وبناء آلية لاستبعاد النواب غير المؤهلين وتجديد ممثلي العاملين؛ وبناء آلية التشجيع وآلية تقديم تقرير الكوادر عن أعمالهم لضمان الديمقراطية في المؤسسات من ناحية الأنظمة".

وقال أحد العاملين في مجموعة جيانتشو بمقاطعة فوجيان: "كان غرضي من عملي هو أن أكسب رزقي فقط، ولكن الآن أصبحت ممثلا للعاملين يمكنني أن أعبر عن آرائي في إدارة المؤسسة وحقوق ومصالح العاملين وأقدم الخطة السنوية وأقدم مقترحات إدارة المؤسسة إلى المدير مباشرة". قال يانغ رن هوي، رئيس مجلس إدارة المجموعة والرئيس التنفيذي لها: "العاملون يشاركون في إدارة المؤسسة ومناقشة شؤونها من خلال الإدارة الديمقراطية واجتماع تبادل الأفكار بين كوادر المؤسسة والعاملين بها".

ولكن الديمقراطية تحتاج إلى المعرفة القانونية ووعي المشاركة ومعرفة الحقوق والمصالح. قال فو مينغ شنغ يجب على نقابات العاملين أن ترشد العاملين وتعرفهم بالإجراءات الديمقراطية في المؤسسة بشكل نظامي.

 

ابتكار ديمقراطي

لكل قرية في الصين لجنة إدارة، ولكن بعض القرى مساحتها كبيرة، ونظرا لتعدد وتنوع شؤون تلك القرى، أنشئت فرق للقرويين في مجالات متعددة. في عام 2013، سمحت مقاطعة آنهوي لفرق القرويين أن تنتخب هيئات إدارية لمناقشة الشؤون العامة والتشاور حولها. على سبيل المثال، تأسست هيئات إدارية في قرى محافظة وانغجيانغ بسبب مشروعات بناء الطرق والجسور وغيرها من الأعمال الخيرية، وجمعت أكثر من ثمانية ملايين يوان وأكثر من أربعين عاملا لإنجاز دفعة كبيرة من المشروعات، من بينها مشروع تطهير المجاري المائية من الطمي بإشراف لجنة إدارة قرية ليولينغوي التابعة لبلدة تايتسي في محافظة وانغجيانغ. هذا المشروع يستفيد منه منه أكثر من ألفي مو (الهكتار يساوي 15 مو) من الحقول. الآن، تأسست هيئات إدارية في 95% من قرى المحافظة، تمثل بوتقة تجتمع فيها أفكار القرويين وأموالهم لخدمتهم ومعالجة شؤون قراهم، مثل بناء المرافق الأساسية والتوسط في النزاعات بين القرويين.

بدأت ديمقراطية التجمعات السكنية على شبكة الإنترنت. في أكتوبر عام 2013، تم إطلاق موقع "منصة صنع القرار لأصحاب العقارات في مدينة نانجينغ"على الإنترنت، حيث طالب سكان التجمعات السكنية شركات الإدارة العقارية بترميم الشقق ومعالجة الشؤون العامة الأخرى في التجمعات. كانت الشبكة تعبيرا جماعيا عن آراء أصحاب الوحدات السكنية. وسيبدأ تعميم هذا النوع من منابر التعبير عن الرأي لأصحاب العقارات في كل مدينة نانجينغ.

بدأ نهوض قطاع خدمات إدارة العقارات قبل أقل من عشرين سنة، وكثير من شركات إدارة العقارات لا تنطبق عليها المعايير المطلوبة، وهناك دائما تناقضات بين أصحاب الوحدات السكنية وشركات إدارة العقارات. في هذه الحالة، لا بد أن تجري مشاورات ديمقراطية بين أصحاب الوحدات السكنية وشركات إدارة العقارات.

قبل "منصة صنع قرار لأصحاب العقارات في مدينة نانجينغ"، ظهر على شبكة الإنترنت عدد غير قليل من "مواقع التجمعات" السكنية التي يديرها أصحاب الوحدات السكنية، وتجري من خلالها المشاورات الديمقراطية. مثلا، في موقع مجمع تيانتونغيوان بمدينة بكين وهو المشهور في الصين، يتبادل أصحاب الوحدات السكنية آراءهم في الزواج وشراء البضائع وتشجير أرض المجمع وتربية الحيوانات الأليفة والتبرعات الخيرية والقضايا داخل الصين وخارجه عبر المنتدى التابع للموقع.

الابتكار في الإدارة الديمقراطية داخل المؤسسات هو مسألة الأجور. في نهاية كل سنة، تجري مشاورات جماعية داخل مجموعة شنغهوي لنقل البضائع والمواد بمقاطعة فوجيان حول مسألة الأجور. قبل المشاورات، يقوم أعضاء نقابة العاملين مع قسم الموارد البشرية بإحصاء تعديل الأجور، ثم تجمع آراء العاملين لتوضيحها ومناقشتها في اجتماع التشاور للوصول إلى أفضل نقطة توازن بين مصلحة المجموعة ومصلحة العاملين. وبعد ذلك يتم وضع ((خطة تعديل الأجور)). وأخيرا، يوقع مدير الممجموعة ورئيس النقابة ((اتفاقية الأجور الجماعية)) لتلك السنة، ويبدأ تطبيقها. منذ مارس السنة التالية، تقوم النقابة بإحصاءات درجة رضا العاملين عن تعديل الأجور.

قال وانغ تشانغ جيانغ إن أهم نقطة في الديمقراطية القاعدية هي الجمع بين الديمقراطية والمصلحة. فقط عندما يمارس الناس حقوقهم ويشاركون في القرارات الاستراتيجية فيما يتعلق بمسار التنمية، يمكن تغيير نمط تنمية البلاد وضمان تقدمها المستدام. هذا يمثل لُب المصالح العامة الأساسية.