الطاقة الخضراء في الصين

لو رو تساي

 في الثاني عشر من سبتمبر عام 2013، انضمت أربعون حافلة كهربائية إلى أسطول النقل لشركة بكين للحافلات. هذه الحافلات تنتمي إلى الجيل الثاني من الحافلات التي تنتجها شركة فوتون الصينية للسيارات. توفر الحافلة من هذا الجيل 11 كيلووات من الكهرباء في كل مائة كيلومتر، مقارنة بحافلات الجيل الأول. فإذا كانت الحافلة تقطع ستين ألف كيلومتر في المتوسط سنويا فإن ذلك يعني أنها توفر في السنة 6600 كيلووات من الكهرباء، أي ما يعادل استهلاك أسرة عادية من الكهرباء في ست سنوات.

خلال عام 2013، بلغ عدد الحافلات التي تعمل بالطاقة الجديدة التي سلمتها شركة فوتون إلى مدينة بكين ثلاثة آلاف حافلة، منها ألف حافلة تعمل بالغاز الطبيعي المسال ومائتا حافلة تعمل بالكهرباء.

بكين على طريق التحول

وفقا لتوجيهات الوزارات الأربع المعنية، ومنها لجنة الدولة للتنمية والإصلاح، ستقوم الصين بالتوسع في استخدام السيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة، خاصة في المناطق التي تعاني من تلوث شديد بالجسيمات المحمولة، مثل منطقة جينغجينجي (بكين وتيانجين ومقاطعة خبي) ومنطقة دلتا نهر اليانغتسي ومنطقة دلتا نهر اللؤلؤ.

الطريق الوحيد في علاج التلوث البيئي هو اكتشاف مصادر الطاقة الجديدة واستخدامها. إضافة إلى الحافلات العامة، تستخدم في تسع محافظات في ضواحي بكين 1600 سيارة أجرة تعمل بالكهرباء، تعريفة الركوب بها أقل من السيارات التي تعمل بالبنزين.

في الحادي عشر من سبتمبر عام 2013، أعلنت ثلاث جامعات في بكين، منها جامعة تشينغهوا المشهورة، عن افتتاح مراكز لتأجير سيارات تعمل بالكهرباء لأساتذة وطلاب الجامعة. يبلغ عدد هذه السيارات مائة سيارة ومن المتوقع ان يرتفع العدد إلى مائتي سيارة في نهاية السنة. هذه العملية هي جزء من برنامج الشريك الكهربائي الذي تنفذه لجنة العلوم والتكنولوجيا ببكين في حديقة للعلوم والتكنولوجيا تشنغهوا. يهدف هذا البرنامج إلى إنشاء مراكز لتأجير سيارات تعمل بالكهرباء في مائة حديقة علوم وتكنولوجيا ومائة جامعة ومعهد بحوث علمية في بكين بحلول عام 2017، إضافة إلى إنشاء شبكة مشتركة بين حدائق العلوم والتكنولوجيا والجامعات لتأجير السيارات الكهربائية.

من المتوقع، أن يصل عدد السيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة والنظيفة إلى مائتي ألف سيارة في بكين في نهاية عام 2017، سبعون في المائة منها سيارات خاصة. وفقا للسياسة المعنية، من يرغب في شراء سيارة تعمل بالطاقة الجديدة غير ملزم بالانتظار لفترة طويلة للحصول على حق شراء سيارة، كما هو الحال بالنسبة لراغبي شراء السيارات التي تعمل بالوقود النفطي، وذلك ضمن الإجراءات التي تتخذها بكين لتنقية الهواء والبيئة.

تلقى إجراءات تعميم استخدام المصادر الجديدة للطاقة، مثل الطاقة الشمسية والطاقة البيولوجية ترحيبا واسعا في مدن الصين الكبيرة، بما فيها العاصمة بكين.

بدأت مدينة بكين تنفيذ مشروع "حمامات الطاقة الشمسية" ومشروع "مدارس الطاقة الشمسية" وغيرهما من مشاريع استخدام الطاقة الشمسية، مما رفع استخدام الطاقة الشمسية بشكل ملحوظ. يبلغ إجمالي الطاقة الكهربائية الخضراء المولدة في مائة مدرسة تم اختيارها للتطبيق التجريبي لمشروع الأسقف الكهروضوئية 120 مليون كيلووات. هذا هو أكبر مشروع للطاقة الكهروضوئية على أسقف المؤسسات العامة. وقد أصبحت الدفعة الأولى من المدارس، وعددها 61 مدرسة، تمتلك القدرة على توليد الكهرباء. وتم تنفيذ هذا المشروع أيضا على أسقف المصانع في منطقة التنمية الصناعية في حي داشينغ ببكين. أما المشروع التجريبي للطاقة الكهروضوئية في منطقة بادالينغ بالضاحية الشمالية لبكين، فيبلغ إجمالي سعته التركيبية 08ر31 ميغاوات، ويعد أول مشروع للطاقة الجديدة والمتجددة الذي يقوم بعملية تنمية متكاملة للزراعة والغابات من بين مشروعات الوحدات الكهروضوئية في الصين.

حتى نهاية 2012، بلغ إجمالي السعة التركيبية للطاقة الشمسية في بكين 60 ميغاوات، وتحتل الطاقة الشمسية أكثر من 50% من إجمالي الطاقة الجديدة المستخدمة في المدينة. ومن المتوقع أن يتجاوز إجمالي السعة التركيبية للطاقة الكهروضوئية في بكين 250 ميغاوات بحلول عام 2015.

بالإضافة إلى ذلك، تشهد جهود تعميم استخدام الطاقة البيولوجية تطورا سريعا في بكين بعد أن ساهمت سلسلة من المشروعات النموذجية الحديثة للطاقة البيولوجية  في تحسين البيئة السكنية وجودة الحياة لسكان ضواحي وقرى بكين، مثل مشروع الغاز الحيوي في قرية ليومينينغ بحي داشينغ، ومشروع دتشنغيوان الكبير لتوليد الكهرباء بالغاز الحيوي، ومشروع آسووي لتوليد الكهرباء بغاز النفايات.

مزرعة دهتشنغيوان الإيكولوجية هي أكبر مزرعة حديثة للدجاج في آسيا، حيث تربي فيها ثلاثة ملايين دجاجة، ويبلغ حجم مخلفاتها  يوميا 220 طن من روث الدجاج، و170 طن مياه مستعملة. في ظل هذه الظروف، أنشأت المزرعة مشروع الغاز الجيوي، بدأته بإقامة محطة لتوليد الكهرباء في المرحلة الأولي، وأجرت في المرحلة الثانية عملية إنتاج الغاز الطبيعي خلال تنقية الغاز الحيوي. تنتج المزرعة حاليا أربعة عشر مليون كيلووات من الكهرباء وكمية كبيرة من الغاز النظيف يتم تزويد أربعمائة أسرة بها لاستخداماتها اليومية.

الحاجة إلى التوسع

الحرارة العالية في موسم صيف عام 2013، كانت اختبارا قاسيا غير مسبوق لشبكة الكهرباء الصينية. بالنظرة إلى هيكل مصادر الكهرباء في الصين، ظل الفحم يحتل نسبة كبيرة. ولكن السنوات الأخيرة شهدت زيادة متواصلة في نسبة مصادر الطاقة الجديدة ، مثل طاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية والطاقة الحيوية، في شبكة الكهرباء الصينية.

في نهاية عام 2012، كانت السعة التركيبية لطاقة الرياح المتصلة بشبكة الكهرباء الصينية 66ر62 مليون كيلووات، بزيادة قدرها 31% عن السنة السابقة. كما وصل إجمالي الكهرباء المولدة بطاقة الرياح إلى 8ر100 مليار كيلووات ساعة في عام 2012، بزيادة قدرها 41% مقارنة مع عام 2011، وهذا يعني توفير 86ر32 مليون طن من الفحم العالي الجودة و167 مليون طن من المياه، ومنع انبعاث 34ر84 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، و228 ألف طن من ثاني أكسيد الكبريت، و40 ألف طن من السخام، و242 ألف طن من أكاسيد النيتروجين في تلك السنة.

يرى تشانغ قوه باو، رئيس مجلس الخبراء الاستشاريين للجنة الوطنية للطاقة، أنه برغم أن هذه النتيجة ممتازة تفوق حجم الكهرباء المولدة من الطاقة النووية الذي يبلغ 98 مليار كيلووات/ ساعة، فإنه بالنسبة لإجمالي الكهرباء المولدة من مختلف مصادر الطاقة والذي يبلغ 8ر4 تريليون كيلووات/ ساعة، لا يحتل حجم الكهرباء المولدة من طاقة الرياح إلا 2% فقط من الحجم الإجمالي، وهي نسبة ضئيلة للغاية.

أضاف السيد تشانغ: "يمثل الفحم 70% تقريبا من مصادر الطاقة الأولية في الصين. نحن نسعى لتغيير هذا الوضع، برغم أن الفحم سيظل مصدر الطاقة الرئيسي في المستقبل، فمهمتنا هي تخفيض نسبة استخدامه. المهمة الجديدة لنا هي استخدام الفحم بالطرق النظيفة، لا استخدامه مع التلوث الشديد والانبعاث الكبير والفعالية القليلة، مثلما هو الحال اليوم.

الجهة لا تتغير

يرى كريستوف رول ((Christof H.Ruhl، كبير الاقتصاديين في شركة البترول البريطانية (BP) أن تنمية الطاقة المتجددة لا تزال تعتمد على الدعم السياسي، فإذا تم تطويرها بسرعة فائقة ستكون التكلفة عالية ويصعب الحصول على الدعم المستمر لها. كيف يمكن الحفاظ على تنمية هذه الصناعة التي تعتمد على حماية السياسة، وتعزيز تقدمها وابتكارها في التقنية والتكنولوجيا؟ هذا موضوع يحتاج إلى مزيد من النقاش.

التجارب الصينية تشير أيضا إلى أن تعميم الطاقة الجديدة عمل ملح. على سبيل المثال، في النصف الأول لعام 2013، شهد إنتاج وبيع للسيارة التي تعمل بالطاقة الجديدة تطورا سريعا، لكن حجمها الكلي ما زال ضئيلا، إذ بلغ إنتاجها 5885 سيارة بزيادة 3ر56%  بالمقارنة مع نفس الفترة في السنة الماضية، بينما وصل عدد السيارات المباعة 5889 سيارة، بزيادة 7ر42% مقابل نفس الفترة في السنة الماضية. يواجه تعميم السيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة صعوبات كثيرة، منها نقص ثقة المستهلكين في مستواها التقني وجودة خدمات ما بعد بيعها، ونقص محطات تزويد السيارات بالكهرباء. قال تشانغ قوه باو: "كل شيء جديد يواجه صعوبات في البداية،وهذا ينطبق على السيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة. ولكن هذه السيارات تطورت كثيرا في تقنية شحن الكهرباء والسرعة."

تنفذ الصين قانون الطاقة المتجددة منذ يناير عام 2006، وأدخلت عليه تعديلات في نهاية عام 2009. وقد أصدرت لجنة الدولة للتنمية والإصلاح، وفقا لمتطلبات تنفيذ قانون الطاقة المتجددة، "الخطة الطويلة والمتوسطة المدة لتنمية الطاقة المتجددة "، ووضعت خطة علمية لتطوير الطاقة المتجددة ضمن الاستراتيجية الوطنية لتطوير الطاقة. حددت الخطة بشكل وضع أن الهدف العام لتطوير الطاقة المتجددة خلال الخمسة عشر عاما المقبلة هو رفع نسبة الطاقة المتجددة في إجمالي الطاقة في الصين، وحل مشكلة نقص الوقود والطاقة الكهرباء في المناطق النائية، وتنفيذ مشروع استغلال النفايات العضوية كمصدر للطاقة، وتعزيز تطوير تقنيات الطاقة المتجددة.