أمريكا اللاتينية والحلم الصيني

لو قوه تشنغ

في فترة زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لدول أمريكا اللاتينية في أواخر مايو وأوائل يونيو سنة 2013، كان "الحلم الصيني" جزءا من أحاديث قادة ووسائل إعلام الدول التي زارها السيد الرئيس، باعتبار أن دول أمريكا اللاتينية تستطيع المشاركة في الحلم الصيني وتحقيق أهداف تنموية مشتركة.

في الحقيقة، هذا رأي جدير بالثقة. لقد شهدت العلاقات التجارية بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي تطورا مشهودا في العشرين سنة الماضية، وتم بناء علاقات شراكة استراتيجية شاملة بين الصين ومعظم دول أمريكا اللاتينية. على سبيل المثال، فإن حجم التبادل التجاري السنوي بين الصين والمكسيك لم يجاوز مائة مليون دولار أمريكي في الفترة ما بين نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن العشرين، مقارنة مع 4ر11 مليار دولار أمريكي في الفترة ما بين يناير وإبريل سنة 2013. وفي سنة 2012، وصل حجم التبادل التجاري بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي إلى 2ر261 مليار دولار أمريكي بزيادة 7ر8 أضعاف عن سنة 2003 التي سجل حجم التبادل التجاري خلالها 8ر26 مليار دولار أمريكي.

استفادت كل من الصين ودول أمريكا اللاتينية من النمو السريع لحجم تبادلاتهما التجارية. يصعب على الصين تحقيق التنمية الاقتصادية المستقرة والمستدامة بدون إمدادات المواد الخام بحجم كبير من دول أمريكا اللاتينية. وفي نفس الوقت، استفاد اقتصاد دول أمريكا اللاتينية، من نمو الاقتصاد الصيني، فتجاوز معدل النمو العالمي واستطاعت دول أمريكا اللاتينية مواجهة التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية بشكل جيد.

وقد وجدت اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية والكاريبي (Economic Comission for Latin America and the Caribbean) أن هناك علاقات منفعة متبادلة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية. كانت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الوحيدة الدافعة لاقتصاد دول أمريكا اللاتينية وتطويره منذ زمن طويل، ولكن التقرير السنوي لهذه اللجنة في عام 2005، اعتبر الصين ثاني أكبر قوة دفع لتنمية اقتصاد دول أمريكا اللاتينية. ومنذ ذلك الحين، أولت اللجنة مزيدا من الاهتمام لدور الصين في إنعاش اقتصاد دول أمريكا اللاتينية وتطويره وأصدرت سلسلة من المقالات لنقد نظرية "التهديد الصيني" ونظرية "الاستعمار الجديد" اللذين روجت لهما وسائل إعلام غير رئيسية في بعض الدول المتطورة. أكدت هذه اللجنة التي تحظى بثقة كبيرة، مرات، أهمية تمسك دول أمريكا اللاتينية بفرصة نهوض الصين وتعزيز التعاون مع الصين وتحقيق الفوز المشترك والمنفعة المتبادلة، ونالت آراء واقتراحات اللجنة قبول عدد متزايد من دول أمريكا اللاتينية.

من ناحية أخرى، تتميز التجارة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية بالتوازن بشكل عام، لكنها ما زالت تواجه بعض المشاكل، ومنها الخلل في الميزان التجاري بين الصين والمكسيك، حيث حققت الصين فائضا في تجارتها مع المكسيك في السنوات العشرين الماضية، ليس بسبب السياسات التجارية الصينية، وإنما نتيجة للعلاقة بين العرض والطلب في السوق والهيكل الصناعي. وحيث إن المكسيك تواجه ضغوطا كبيرة في قطاعات صناعية معينة بسبب العجز في الميزان التجاري، فقد لجأت إلى فرض سياسات مكافحة الإغراق وقيود على المنتجات الصينية. في الحقيقة، هذا الأسلوب لا يحل مشكلة العجز في الميزان التجاري حلا جذريا، فسياسة مكافحة الإغراق لا تحمي الصناعات ذات القدرة التنافسية المنخفضة حماية فعالة، ويكون المستهلك هو المتضرر في النهاية. فإذا منعت المكسيك استيراد بعض المنتجات الصينية، فسوف تحل منتجات دول آسيوية أخرى محل المنتجات الصينية في السوق المكسيكية، وستظل الصناعات المكسيكية المعنية تواجه تنافسا متزايدا.

التجارة والاستثمار

هناك طريقان لمعالجة الخلل في الميزان التجاري: الأول، زيادة صادرات المنتجات المكسيكية إلى الصين. المسافة البعيدة بين الدولتين ونقص المعرفة العميقة بينهما يتطلب منهما زيادة المعرفة وتعميق وتوسيع التعاون التجاري. في سنة 2003، أقامت المكسيك معرضا تجاريا كبيرا في بكين، كنتُ مترجما فيه. ترك هذا المعرض انطباعا عميقا عند الصينيين بشأن المستوى الصناعي والزراعي للمكسيك. المؤسف أن حجم التجارة الخارجية الصينية كان منخفضا حينذاك، ولم يكن لدى الصين النقد الأجنبي الكافي لشراء المنتجات المكسيكية. في السنوات العشر الأخيرة، لم أسمع أن المكسيك أقامت معرضا تجاريا في الصين. تقام في المدن الصينية الكبيرة حاليا معارض كبيرة لا حصر لها، ويمكن أن تنظم المكسيك مشاركة لشخصيات ودوائر أعمال منها في هذه المعارض.

في الوقت نفسه، يمكن أن تفتح المكسيك سوقا جديدة لتجارة الخدمات، وعلى سبيل المثال، يمكن أن تطور الصناعة السياحية فيها بفضل ما لديها من موارد سياحية وافرة. في سنة 2009، بلغ عدد الصينيين الذين قاموا بزيارات سياحية خارجية 47 مليون فرد/ مرة، برغم الأزمة المالية العالمية، وارتفع الرقم إلى 77 مليون فرد/ مرة في سنة 2012، ومن المتوقع أن يتجاوز مائة مليون فرد/ مرة في سنة 2013. في الحقيقة، تمتلك كانكون وغيرها من المدن المكسيكية موارد سياحية وافرة، ولكنها مجهولة لدى الصينيين. السبب الآخر هو بعد المسافة بين الصين والمكسيك، وعدم سهولة خطوط الطيران. إذا روجت المكسيك والبرازيل والأرجنتين وغيرها مناظرها الجميلة ومواردها السياحية في الصين، سيولي السياح الصينيون مزيدا من الاهتمام بها، إذا ازداد عدد الركاب، ستُحل مشكلة خطوط الطيران بين الصين والمكسيك، مما يدفع تطور المنشآت الأساسية المعنية وصناعة الخدمات.

الثاني، زيادة الاستثمار بين الصين والمكسيك. في الصين بعض المشاريع الاستثمارية المكسيكية والأرجنتينية والبرازيلية، ويبلغ حجم استثمارات الصين في أمريكا اللاتينية 65 مليار دولار أمريكي، وخلق كلاهما عديدا من فرص العمل للطرف الآخر. لكن هذا الاستثمار ليس كافيا بالمقارنة مع حجم التبادل التجاري بين الجانبين. على سبيل المثال، تنحصر الاستثمارات الصينية في أمريكا اللاتينية في مجالات التعدين والطاقة. إن الصين التي حققت إنجازات ملموسة في السنوات الثلاثين الماضية في مجال بناء الطرق والموانئ والسكك الحديدية السريعة وغيرها من المنشآت الأساسية وتوفرت لديها خبرة ثمينة وتمتلك تكنولوجيا مناسبة للدول النامية تستطيع إفادة دول أمريكا اللاتينية.

منطقة التجارة الحرة الصينية- المكسيكية

قبل زيارة شي جين بينغ لدول أمريكا اللاتينية، طرح صحفي سؤالا حول توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين والمكسيك، قال شي جين بينغ إن الصين وقعت اتفاقيات للتجارة الحرة مع تشيلي وبيرو وكوستاريكا، وتقوم الصين وكولومبيا بدراسة إنشاء منطقة للتجارة الحرة. إذا أرادت المكسيك مناقشة بناء منطقة تجارة حرة مع الصين، فإن الصين ترغب في تعزيز التعاون مع المكسيك في هذا المجال.

في ظل التطور السريع لمناطق التجارة الحرة في العالم، يجب على الصين والمكسيك، اللذين تجمع بينهما شراكة تعاون استراتيجي، وتقعان على ساحل المحيط الهادئ، أن تضعا بناء منطقة التجارة الحرة في جدول أعمالهما. يمكن أن تقوم الهيئات الشعبية في الدولتين بعمل دراسة الجدوى حول بناء منطقة التجارة الحرة، مما يدفع التشاور بين الحكومتين حول هذا الموضوع.

لا شك أن بناء منطقة تجارة حرة بين الصين والمكسيك سيساهم في رفع القدرة التنافسية للمنتجات المكسيكية بفضل تخفيف وإلغاء الضرائب، وسيقل العجز في الميزان التجاري مع زيادة صادرات المنتجات المكسيكية إلى الصين. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تحقق المكسيك تطورا ممتازا في السوق الصينية في قطاع الصناعة وقطاع الخدمات بالاستفادة من الظروف المتفوقة لمنطقة التجارة الحرة. في الوقت نفسه، يمكن أن تجذب المكسيك مزيدا من رأس المال الصيني ومشاركة التكنولوجيا الصينية الحديثة وزيادة فرص العمل لمواطنيها. بناء منطقة التجارة الحرة الصينية- المكسيكية سيكون نموذجا جديدا لتعاون الجنوب- الجنوب.

ستنتهي الأزمة المالية التي استمرت أكثر من خمس سنوات، وستشهد الصين وأمريكا اللاتينية والكاريبي لحظة تطور حاسمة، وسوف يؤدي التمسك بفرصة تطور العلاقات هذه ومشاركة أمريكا اللاتينية والكاريبي في الحلم الصيني إلى تحقيق مزيد من التطور بين الطرفين.

 

لو قوه تشنغ: عضو مجلس إدارة الجمعية الصينية للتجارة الدولية التابعة لوزارة التجارة الصينية، وقد عمل في سفارات الصين لدى المكسيك والأرجنتين وأسبانيا وغينيا الاستوائية.