الحلم الصيني والحلم الفرنسي متصلان

تساي فانغ بوه

الحلم الصيني متصل بأحلام شعوب العالم، تحقيق الحلم الصيني سيفيد دول العالم، ومن ضمنها فرنسا، ويساهم في سلام وازدهار العالم.

الحلم الصيني حلم التعاون والفوز المشترك

يسعى الحلم الصيني إلى تحقيق رخاء الوطن ونهضته وسعادة الشعب، وتلك هي القيمة التي يسعى إليها الصينيون ويبذلون من أجلها الجهود خلال العصر الحديث. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، وخاصة منذ تبني سياسة الإصلاح والانفتاح قبل أكثر من ثلاثين سنة، حققت الصين إنجازات ضخمة، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فبدأ تحقيق الحلم يقترب منا تدريجيا. من ناحية أخرى، مازالت الصين تواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخها بسبب بعض العوامل الداخلية والخارجية. من أجل تحقيق الحلم الصيني المتمثل في مضاعفة كل من إجمالي الناتج المحلي ودخل سكان الحضر والريف سنة 2020 بالمقارنة مع سنة 2010، وإنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وإنجاز بناء دولة ديمقراطية حديثة وحضارية ومتناغمة في أواسط القرن الحالي، ينبغي للصين أن تسير على درب التنمية السلمية بثبات لا يتزعزع وتعمق الإصلاح والانفتاح على نحو شامل وتثابر على انتهاج استراتيجية منفتحة مبنية على المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، وتعمل على دفع بناء العالم المتناغم المتمثل في السلام الدائم والازدهار المشترك.

الحلم الصيني يقوم على السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك، ويرتبط بأحلام شعوب العالم. وفي ظل التعددية العالمية والعولمة الاقتصادية العالمية، يتعمق التعاون الدولي والاعتماد المتبادل بين دول العالم. التنمية الصينية لا غنى لها عن العالم، في حين أن سلام وازدهار العالم يحتاجان إلى الصين. مع بروز المشاكل على نطاق العالم، لا تستطيع دولة بمفردها مواجهة التحديات، ولا يمكن حماية مصالح الدول المختلفة وضمان سلام العالم والتنمية المشتركة إلا بالسعي إلى التعاون والفوز المشترك.

تفاصيل فرنسية في الحلم الصيني

نقول إن الأمة الفرنسية عظيمة لأنها أنجبت العديد من المفكرين والفلاسفة والأدباء والعلماء. الثورة الفرنسية التي اندلعت في سنة 1789، أسقطت الإقطاع، وقام العمال بانتفاضة سنة 1871 مما أسس أول سلطة سياسية بروليتارية في العالم- كومونة باريس. في بداية القرن العشرين، ذهب الكثير من الطلاب الصينيين إلى فرنسا للدراسة واستكشاف السبل لتحقيق نهضة الصين، ومن بينهم شو ان لاي، أول رئيس لمجلس الدولة الصيني، ودنغ شياو بينغ، مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين.

احتلت الدراسة في فرنسا موقعا هاما في حياة شو آن لاي. وقد صل إلى فرنسا للدراسة في ديسمبر سنة 1920، وامتدت دراسته في هذه الدولة أربع سنوات. بعد البحث في طرق تنمية فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية ودراسة نظريات متنوعة، كتب مقالات تجاوز عدد كلماتها مائتي ألف مقطع صيني خلال سنة واحدة، شرح فيها أحوال فرنسا وأوروبا السياسية والاجتماعية. بعد تأسيس الصين الجديدة سنة 1949، شغل شو آن لاي منصب رئيس مجلس الدولة، وظل يولي اهتماما كبيرا لتطور العلاقات الصينية- الفرنسية، وقدم مساهمات ضخمة في كل لحظة حاسمة، خاصة في مفاوضات إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا سنة 1964، حيث شارك شو آن لاي، السياسي والدبلوماسي العظيم، في المحادثات مع الممثل الخاص لرئيس الجمهورية الفرنسية ست مرات، وساهم في دفع نجاح مفاوضات إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا.

لا ينفصل تطور العلاقات الصينية- الفرنسية عن جهود دنغ شياو بينغ. وصل دنغ شياو بينغ إلى فرنسا للدراسة في أكتوبر سنة 1920، وتحمل تكاليف الدراسة بنفسه. وبسبب نقص ما معه من مال توقف عن الدراسة في مدرسة ثانوية بمنطقة نورماندي، وعمل في مصانع فرنسية. وفي الوقت نفسه، شارك بنشاط في الحركات الثورية التي قادها شو آن لاي، وانضم إلى عصبة الشبيبة الشيوعية سنة 1922، ثم انضم إلى الحزب الشيوعي الصيني سنة 1924. عندما غادر فرنسا إلى موسكو للدراسة، أعلنت الشرطة الفرنسية إبعاده من فرنسا ومنعه من العودة إليها. بعد نصف قرن من ذلك، عاد دنغ شياو بينغ إلى فرنسا لزيارتها تلبية لدعوة من الرئيس الفرنسي سنة 1975، وأجرى محادثات رسمية مع الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الفرنسي ثلاث مرات، وتوصل معهما إلى اتفاق مشترك حول تطوير العلاقات الثنائية والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، كما وافق الطرفان على بناء آلية تشاور على المستوى الوزاري، فكانت فرنسا أول دولة غربية تؤسس آلية تشاور على المستوى الوزاري مع الصين، مما حقق تقدما مدهشا في العلاقات الصينية- الفرنسية. يمكن أن نقول إن زيارة دنغ شياو بينغ لفرنسا تركت تأثيرا هاما لتطور العلاقات الصينية- الفرنسية والإصلاح والانفتاح في الصين.

الحلم الصيني والحلم الفرنسي متصلان

قال الرئيس الفرنسي شارل ديغول ذات مرة: "لو لم تكن فرنسا عظيمة لما سميت بفرنسا"، فرنسا تحلم بأن تلعب دور الدولة الكبيرة، بينما تحلم الصين بنهضة الأمة الصينية. هذا الحلمان، في الحقيقة، متصلان. فرنسا أول دولة غربية أنشأت علاقات دبلوماسية مع الصين وأول دولة أوروبية أقات مع الصين علاقات شراكة استراتيجية شاملة، مما يدل على أهمية تعزيز العلاقات الصينية- الفرنسية. وقد قال شي جين بينغ إنه في الوضع الجديد، يجب على الصين وفرنسا أن تواصلا علاقات الشراكة الاستراتيجية وتتبادلا التأييد وتعمقا التعاون وتسيرا على طريق التعاون والفوز المشترك.

تحقيق الحلم الصيني يتطلب من الصين أن تعزز توسيع الانفتاح وتجري مزيدا من التبادل والتعاون مع الدول الأخرى. من المتوقع أن الصين خلال السنوات الخمس المقبلة، ستستورد بضائع أجنبية قيمتها عشرة تريليونات دولار أمريكي، بينما سيتجاوز حجم استثمارات الصين الخارجية خمسمائة مليار دولار أمريكي، مما سيقدم لفرنسا وغيرها من الدول مزيدا من الفرص التجارية وفرص التوظيف ويدفع نموها الاقتصادي.

تعمل فرنسا حاليا للتغلب على الصعوبات الداخلية وزيادة قدرتها التنافسية ودفع نموها الاقتصادي، في حين تسعى الصين إلى تسريع تعديل نمط تنميتها الاقتصادية وهيكلها الاقتصادي. ينبغي للصين وفرنسا أن تعملا على تعزيز التعاون وتبادل المنفعة والفوز المشترك ومعارضة الحمائية التجارية لتحقيق التنمية المشتركة. خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند للصين في إبريل هذا العام، وقع الطرفان أكثر من عشر اتفاقات تعاونية. إضافة إلى التعاون في مجالي الطاقة النووية والطيران، يتعزز التعاون والتبادل في مجال الإبداع التكنولوجي وحماية البيئة والتنمية المستدامة والصناعات الحديثة وتوفير الطاقة.

شهدت العلاقات الصينية- الفرنسية تطورا مشهودا منذ إنشاء العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل نحو خمسين عاما. وإنني على ثقة من أنه طالما ينظر الطرفان إلى تطوير العلاقات الثنائية من زاوية استراتيجية تتمثل في المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، مع مراعاة كل طرف لاهتمامات الطرف الآخر، فإنهما سيحققان مزيدا من التطور في علاقتهما الثنائية والرخاء المشترك ويقدمان مساهمات أكبر لسلام وازدهار العالم.

 

* تساي فانغ بوه: سفير الصين السابق لدى فرنسا.