الحلم الصيني والتعاون الصيني- الأمريكي

تشو ون تشونغ

التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الأمريكي باراك أوباما في أول اجتماع بينهما خلال قمة غير رسمية عقدت يومي السابع والثامن من يونيو سنة 2013 في منتجع صنيلاندس الخلاب في رانشو ميراج بولاية كاليفورنيا الأمريكية. وقد آنذاك قال شي جين بينغ لأوباما: "زيارتي هذه تهدف إلى وضع خطة تطور العلاقات الصينية- الأمريكية وإجراء التعاون عبر المحيط الهادئ." في الحقيقة، كانت هذه الزيارة تحركا دبلوماسيا استراتيجيا كبيرا وهاما وذا مغزى تاريخي لدى قادة الصين على المستوى الأعلى بعد "مصافحة جانبي المحيط الهادئ" بين الزعيمين الصيني والأمريكي في سنة 1972.

تحدث شي جين بينغ خلال لقائه مع أوباما حول العلاقة بين الحلم الصيني والعالم قائلا: "الحلم الصيني يسعى إلى تحقيق رخاء الوطن ونهضته والحياة السعيدة للشعب، وهو حلم بالتعاون والتنمية والسلام والفوز المشترك، ويتفق مع الأحلام الجميلة لدى الشعب الأمريكي وشعوب العالم."

نمط جديد للعلاقات

يرى كل من شي جين بينغ وباراك أوباما أنه في ظل العولمة الاقتصادية، ينبغي للصين والولايات المتحدة الأمريكية أن تشقا طريقا جديدا لتطوير علاقاتهما الثنائية بدلا من نمط المواجهة الذي اتسمت به علاقات الدول الكبرى في الماضي. يتطلب ذلك من الجانبين الصيني والأمريكي أن يبذلا جهودهما لبناء نمط جديد من العلاقة بينهما كدولتين كبيرتين وتبادل الاحترام والتعاون والفوز المشترك وتحقيق السعادة للشعبين الصيني والأمريكي وكل شعوب العالم.

في فترة رئاسة أوباما الأولى، اتفقت بكين وواشنطن على بناء "علاقة شراكة تعاونية على أساس الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك". مفتاح هذه العلاقة هو الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك. الهدف من النمط الجديد للعلاقة بين الجانبين هو دفع العلاقات الصينية- الأمريكية إلى مرحلة جديدة، لا تقوم على المواجهة.

هناك اختلاف بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في النظام السياسي والأيدولوجي، ومع نهوض بكين السريع بدأت واشنطن تشعر بالقلق من أن الصين ستحل محلها على الساحة الدولية. ولهذا، فإلإن بناء نمط جديد للعلاقات بين هاتين الدولتين الكبيرتين لا يقوم على المواجهة ضروري لتجنب الصدامات التي عرفها التاريخ بين القوى الكبرى القديمة والقوى الكبرى الناشئة. وقد نجح لقاء شي- أوباما في التعاطي مع مسألة بالغة الأهمية لاتجاه العلاقات الصينية- الأمريكية.

الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر دولة متقدمة والصين هي أكبر دولة نامية في العالم، وهذا يفرض عليهما تقديم مساهمات أكبر لسلام العالم وتطور البشرية. النمط الجديد للعلاقات الذي أكده الرئيسان شي وأوباما سيساعد على تحقيق الأحلام الجميلة لشعوب العالم.

وقد وصف أوباما النمط الجديد للعلاقة بأنه نمط جديد للتعاون بين بكين وواشنطن يقوم على المنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل، قائلا: "ترحب الولايات المتحدة الأمريكية بالتنمية السلمية للصين، فالصين المسالمة المزدهرة في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والعالم. ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على علاقة تعاون متينة مع الصين لمواجهة التحديات العالمية معا".

المصالح المشتركة

في الحقيقة، هناك ترابط بين أحلام الصينيين وأحلام الأمريكيين لأن ما يربط الجانبين الصيني والأمريكي من مصالح أكثر كثيرا من اختلافاتهما. تقع كل من الصين والولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتتمنى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية المستدامة والمتواصلة في هذه المنطقة.

عقدت الدورة الخامسة للحوار الاستراتيجي الصيني- الأمريكي في واشنطن في العاشر من يوليو هذا العام، وتناولت الأمن السياسي والاقتصاد والأعمال المصرفية والعلاقات الثنائية والإقليمية. تهدف آلية الحوار الاستراتيجي الصيني- الأمريكي إلى مناقشة المشاكل المتعلقة بالعلاقات بين بكين وواشنطن الاستراتيجية الطويلة المدى وذات الأهمية البالغة، وتلعب دورا مميزا وهاما لدفع تطور تلك العلاقات وتعميق التواصل بين قادة الدولتين وتمتين وتطوير التعاون الاقتصادي بينهما ووضع أساس اقتصادي متين لبناء نمط جديد للعلاقة بين هاتين الدولتين الكبيرتين.

 منذ تطبيع العلاقة الصينية الأمريكية قبل أكثر من ثلاثين سنة، استفاد الطرفان من تطور العلاقات بينهما استفادة كبيرة. في سنة 1972، عندما قام الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون بزيارته الأولى للصين كان حجم التبادل التجاري الصيني الأمريكي يزيد قليلا عن خمسين مليون دولار أمريكي. في سنة 2012، بلغ هذا الحجم أكثر من خمسمائة مليار دولار أمريكي.

لا يمكن حل القضايا الإقليمية والعالمية الساخنة إلا بالتعاون بين بكين وواشنطن. وقد قال المفكر الاستراتيجي الأمريكي زبغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي في فترة الرئيس جيمي كارتر بين عامي 1977 و1981والذي شارك في عملية تطبيع العلاقات الصينية- الأمريكية: "تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية والصين التغلب على كل الصعوبات والضغوط من خلال تعزيز التعاون المشترك وبناء علاقة شراكة. العالم فيه مشاكل كثيرة، وهذا يوفر فرصة ثمينة لبكين وواشنطن لمواجهة التحديات العالمية معا."

ينبغي أن تنظر واشنطن إلى بكين على أنها شريك تعاون وصديق حقيقي. اتفق شي جين بينغ وباراك أوباما على بناء نمط جديد من العلاقة بين البلدين ونتمنى أن يشارك الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري الأمريكيان والأصدقاء من الأوساط المختلفة في جهود تطوير العلاقات الصينية- الأمريكية في ظل التعددية السياسية الأمريكية.

حل الاختلافات

تراجع النفوذ الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في السنوات الأخيرة بسبب الأزمة المالية العالمية، فطرحت واشنطن "استراتيجية استعادة التوازن". وقد صرح شي جين بينغ خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية بأن المحيط الهادئ الواسع يتسع لكل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية.هذا يعني، من الناحية الواقعية، أنه على بكين وواشنطن أن يبحثا معا عن التنمية والتعايش في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في ظل العولمة الاقتصادية العالمية والتعددية السياسية والثقافية.

ثمة اختلافات بين بكين وواشنطن في الحالة الوطنية والنظام السياسي، ومن الطبيعي أن تكون هناك مشاكل واختلافات في علاقتهما. ولكن، من المهم أن يبذل الطرفان جهودهما لحل المشاكل والخلافات، وأن يثابرا على التشاور في مواجهة المشاكل، في ظل وجود أكثر من تسعين آلية للحوار والاتصال بين الحكومتين، مع تعليق بعض المشاكل التي لا يمكنهما حلها الآن..

واقعيا، لم تحل الاختلافات بين بكين وواشنطن دون تطور علاقاتهما، وهذا يعني أن القضايا الاقتصادية والأمنية ذات الاهتمام المشترك ومسؤولياتهما في الأمم المتحدة تربط بين الدولتين. لقد واجهت العلاقات الصينية- الأمريكية كثيرا من الصعوبات والتحديات، ولكن تم حلها جميعا، وهذا دليل على متانة تلك العلاقات.

الحلم الصيني يسعى إلى تحقيق نهضة الأمة الصينية العظيمة، ويضم بين جناحيه قصصا كثيرة حول كفاح أبناء الشعب الصيني. الحلم الأمريكي يشجع كفاح الفرد، في حين سجل قصصا حول جهود المهاجرين في بناء الوطن. لذا، نقول إن الحلم الصيني والحلم الأمريكي فيهما بعد إنساني. لنشارك الولايات المتحدة الأمريكية في تبادل الاحترام والتسامح وتبادل المنفعة لتحقيق "التعاون" الحقيقي.

* تشو ون تشونغ: أمين عام منتدى بوآو الآسيوي وسفير الصين السابق لدى الولايات المتحدة الأمريكية.