روح سونغ تشينغ لينغ كنز مشترك للبشرية

لو بينغ

رحلت السيدة سونغ تشينغ لينغ عن عالمنا قبل أكثر من ثلاثين عاما. وبمناسبة الذكرى السنوية المائة والعشرين لميلادها، لا بد لنا من الاحتفال بذكرى ميلادها تقديرا منا وإحياء لروح هذه السيدة العظيمة، التي تعتبر كنزا مشتركا لجميع البشر.

لقد شرفت بالعمل تحت قيادة السيدة سونغ تشينغ لينغ بعض الوقت، وكنت أستمع لنصائحها الثمينة، وشعرت بمدى قوة وعبقرية شخصيتها عبر التعاملات اليومية.

الإصرار على الحقائق

من خلال تعاملي مع السيدة سونغ تشينغ لينغ أثناء فترة عملي معها، أدركت أنها شخصية قوية ورءومة، وقد تركت انطباعات عميقة في نفسي وذاكرتي، ولكن الانطباع الأكثر تأثيرا فيّ هو أنها كانت سيدة نزيهة تتمسك بروح الثورة بإصرار وجلد، وأنها مثل يشم جميل صاف لا يتغير بريقه وجماله الباهر، مهما تعرض لظروف صعبة أو قاسية. إنها مثل أشعة الشمس التي تشرق من بين الغيوم، لتشع نورا ودفئا في كل مكان، وتمثل الأمل للبشر المتطلعين للمستقبل.

منذ إيمان واقتناع السيدة سونغ تشينغ لينغ بفكرة الثورة التي نهلتها من زوجها الراحل السيد صون يات صن، بقيت تصر على تبني وتطبيق هذه الفكرة بعزيمة لا تتزعزع لعشرات السنين. كانت السيدة سونغ تشينغ لينغ في ذلك الوقت "السيدة الأولى" للوطن، حتى أن زعيم حزب الكومينتانغ الصيني تشيانغ كاي شيك، قد أشار إلى أن كل فرد في أسرة سونغ تشينغ لينغ كان يتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع، ولديه علاقات اجتماعية ثمينة واسعة النطاق. وعلى ضوء تلك الخلفية الاجتماعية المرموقة، كان من المفروض أن تتمتع السيدة سونغ تشينغ لينغ بحياة فاخرة وبرفاهية العيش، لكنها لم تعر أي أهمية لكل تلك المظاهر، وآثرت الوقوف جنبا إلى جنب مع الجماهير الكادحة، وأولت جلّ اهتمامها لقضايا الفقراء والمحتاجين. كما أنها لم تكن تبالي بإرهاب وإغراء العدو، بل ظلت تناضل ضد النفوذ الرجعي في حزب الكومينتانغ، وخاضت بنفسها الكفاح من أجل قضية الثورة العظيمة. وبعد تأسيس الجمهورية الصين الشعبية، عملت السيدة سونغ تشينغ لينغ من أجل بناء الصين الجديدة تحت رعاية الحزب الشيوعي الصيني، وكرست معظم حياتها لخدمة الجماهير، وتحملت عبئا مهما ومسؤوليات جسيمة حتى الرمق الأخير من حياتها. بالإضافة إلى ذلك، كانت تحرص على المبادرة في التعبير عن آرائها الحقيقية بكل قوة وجرأة، وكانت تجود بالكثير من النصائح الثمينة لتقويم بعض التصرفات والظواهر السلبية أو الخاطئة، فكانت بمثابة الصديقة النصوحة للحزب الشيوعي الصيني.

في متحف صون يات صن، الواقع في قرية تسويهنغ في مدينة تشونغشان في مقاطعة قوانغدونغ، هناك صورة قديمة تظهر فيها السيدة سونغ تشينغ لينغ، وهي تقف بجانب جثمان زوجها صون يات صن. وقد وقفت أمام هذه الصورة وتأملت فيها لوقت طويل وكنت لا أريد مغادرتها. كيف لنا أن نتصور أن هذه المرأة الشابة النحيفة تملك كل هذه العزيمة الثابتة ورباطة الجأش. ومن أجل السعي وراء الحقيقة، لم تغتر يوما بالمال ولا بالشهرة، ولم تخضع لقوة، فحظيت بذلك بالاحترام الشديد من الجماهير. وأعتقد أن هذا الإصرار على إثبات الحقيقة هو جوهر روح سونغ تشينغ لينغ.

من أجل النساء والأطفال

قالت سونغ تشينغ لينغ ذات مرة: "علينا أن نعطي  أثمن ما لدينا إلى الأطفال." وظلت تعمل على تحقيق هذا الهدف بأعمالها الملموسة، فأسست الجمعية الخيرية الصينية، وأول قصر لثقافة الأطفال في الصين الجديدة – قصر ثقافة الأطفال للجمعية الخيرية الصينية، وأول مسرح للأطفال– مسرح الأطفال للجمعية الخيرية الصينية، فبذلت أقصى جهودها لخلق البيئة المميزة لدار الحضانة ورياض الأطفال للجمعية الخيرية الصينية، كما بنت مستشفى خاصا للنساء والأطفال بالاستفادة من منحتها "جائزة تعزيز السلام الدولي" – مستشفى السلام الدولي للنساء والأطفال للجمعية الخيرية الصينية. ومن أجل توفير مجلة رائعة ومفيدة ومميزة للأطفال، أسست سونغ تشينغ لينغ مجلة ((عصر الأطفال)) التي تكثر فيها القصص اللطيفة والصور الملونة والأفكار الهادفة.

وبالنسبة لي، فإن العمل في جمعية الرعاية الاجتماعية الصينية كان أول عمل امتهنه بعد تخرجي في الجامعة. وفي ذلك الوقت، لم يكن قد مضى وقت طويل على انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي أدت إلى زيادة كبيرة في عدد الأطفال الأيتام بسبب فقدان أهلهم وذويهم. ومن أجل إنقاذ هؤلاء الأطفال من حياة العذاب والشقاء، قامت السيدة سونغ تشينغ لينغ، بفضل سمعتها وشهرتها الدولية العالية، بتقديم طلب إلى الهيئة الفرعية في الجمعية الخيرية الصينية، لتفعيل "خطة تربية أيتام الحرب"، وقد عملت في هذه الهيئة الفرعية. ومن خلال "خطة تربية أيتام الحرب"، كنا نوزع الأموال والمواد على الأيتام لحل مشاكلهم في الغذاء والكساء والتعليم. لذلك، نقول إن سونغ تشينغ لينغ لم تكن مجرد سيدة صينية عظيمة فحسب، وإنما كانت عَلما وهرما عالميا عملاقا في القرن العشرين.

سوف أحافظ مع زملائي على تعليمات سونغ تشينغ لينغ، ونواصل تنمية القضية الخيرية السامية التي ورثناها عنها، ونجعل جمعية الرعاية الاجتماعية الصينية وصندوق سونغ تشينغ لينغ نموذجا لحماية حقوق النساء والأطفال.

الصداقة مع الأصدقاء الأجانب والدبلوماسية الشعبية

من أجل كسب دعم الأصدقاء الأجانب لمقاومة الغزاة اليابانيين، أسست سونغ تشينغ لينغ عام 1938 اتحاد الدفاع الوطني الذي جذب دفعة كبيرة من الأجانب للانضمام فيه. كما تبادلت مع كثير من الشخصيات البارزة المشهورة في المحافل الدولية، مثل جورج برنارد شو، وأغنيس سميدلي، وجواهر لال نهرو، وبول روبسون، وبيرل باكو وغيرهم من الشخصيات المعروفة. كما أسهمت في جذب عدد كبير من الأصدقاء الأجانب شاركوا في الحرب ضد الغزاة اليابانيين، مثل جورج شفيق حاتم وهانز ميلر، وهنري نورمان بيتون، وتوجه الصحفي الأمريكي ادغار سنو الذي توجه إلى المنطقة المحررة في يانآن، وألف كتابه الشهير((نجم أحمر فوق الصين)). وعندما كانت سونغ تشينغ لينغ تتبادل الرسائل والأحاديث مع أصدقائها الأجانب، لم يتقيد كلامها بالعبارات المتداولة أو المجاملة، بل كان وديا ومؤثرا. وعندما كانت سونغ تشينغ لينغ تتحدث عن السياسة، كان المستمعون يشعرون بأنها لا تتحدث عن السياسة فقط، بل هي تتمتع بفن الحديث أيضا.

بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، أسست السيدة سونغ تشينغ لينغ مجلة ((بناء الصين)) (الصين اليوم حاليا) لتعريف شعوب الدول الأخرى بالإنجازات التي حققها الشعب الصيني في مسيرة بناء دولته الجديدة. وكان هدفها إثارة اهتمام الإعلام الدولي بالتنمية الصينية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، للتعرف على أحوال تطور بناء الصين والجهود التي يبذلها الصينيون. وكلفتني سونغ تشينغ لينغ بأن أعمل في هذه المجلة. (كان كاتب هذه المقالة يعمل نائبا لرئيس تحرير مجلة ((بناء الصين)). حظيت هذه المجلة بإقبال واسع من القراء، وكانت المجلة الصينية الوحيدة التي تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت. حظيت باهتمام بالغ ورعاية كبيرة من القيادات الصينية. وقال رئيس مجلس الدولة الصيني الراحل تشو إن لاي، إن مقالات المجلة لا بد أن تتفق مع أسلوب كلام سونغ تشينغ لينغ لتكون سهلة الفهم وإقناع الآخرين بالوقائع، ولا بد أن تعمل هذه المجلة على تمييز أنواع القراء، لتتفق مع ذوقهم. وفي ذلك الوقت، كانت سونغ تشينغ لينغ تكتب المقالات الخاصة لـ((بناء الصين))، ولم تكن لغتها جميلة سلسة فحسب، وإنما كانت أيضا بسيطة عند التطرق إلى موضوع عميق، ويمكن القول إن لغتها تجمع بين السياسة والفن.

في الوقت الحالي، تضع جمعية الرعاية الاجتماعية الصينية وصندوق سونغ تشينغ لينغ في شانغهاي، التبادلات الدبلوماسية الشعبية على رأس أوليات أعمالها، وأرسلت الجمعية "فرقة شياوهوبان الفنية (فرقة الأصدقاء الصغار الفنية)" إلى دول أخرى لتقديم العروض الفنية الرائعة، الأمر الذي يزيد تعرف شعوب العالم على الصين ويعزز الصداقة، فاكتسب  الفنانون الصغار في الفرقة لقب "السفراء الصغار". كما تعقد الجمعية سلسلة من المنتديات والندوات كل ثلاثة أعوام في شانغهاي، حيث يتبادل فيها الخبراء والباحثون إنجازاتهم البحثية والدراسية حول النساء والأطفال.

حياة الإنسان محدودة، لكن روحه قد تبقى للأبد. فرغم أن سونغ تشينغ لينغ قد غادرت عالمنا، إلا أن روحها ما زالت معنا. وعلينا أن نواصل تنمية القضية الخيرية التي تركتها لنا ونساهم بنصيبنا في أعمال النساء والأطفال. والأهم هو أن نحيي ذكرى روح سونغ تشينغ لينغ ونجعل المزيد من الناس يتعرفون على روحها، وتتوارثها الأجيال، وأرى أن هذا الأمر هو الهدف الأسمى لمجلة ((الصين اليوم)).

وقد أسست عدة دول "صندوق سونغ تشينغ لينغ"، وهذا يعني أن روحها قد أصبحت كنزا مشتركا للبشر. سوف نحث الناس على حماية حقوق النساء والأطفال، بغض النظر عن اختلاف الدول أو القوميات أو الأديان، وأثق بأن هذا الهدف هو رغبة مشتركة لكل شعوب العالم.

* لو بينغ: نائب رئيس جمعية الرعاية الاجتماعية الصينية، ورئيس صندوق سونغ تشينغ لينغ في شانغهاي.