الحزب الشيوعي الصيني: عشر سنوات من المجد

                                                  شن تشوان ليانغ

جاءت الألفية الجديدة بآمال وتحديات، وفي بدايتها عُقد المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني. ومنذ ذاك، مرت الصين بطريق غير ممهد في التنمية، فقد شهدت البلاد كوارث طبيعية مدمرة، تزامن حدوثها مع تحديات قاتمة للأزمة المالية العالمية، فانطلقت نداءات تطالب الحزب الشيوعي الصيني بضرورة صياغة سياسات داخلية وخارجية فعالة. وبعد نجاحها في تجاوز الصعوبات، والمضي قدما تحت قيادة الحزب الشيوعي، حافظت الصين على زخم ثابت للنمو السريع نحو هدفها المتمثل في تحقيق مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل (شياوكانغ).

وقد ساهمت الإبداعات النظرية في تحقيق نتائج مثمرة. فمنذ المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني، أطلقت اللجنة المركزية للحزب التي يرأسها الأمين العام للحزب هو جين تاو، أفكار استراتيجية عظيمة تشمل النظرة العلمية للتنمية ونظريات حول بناء مجتمع اشتراكي متناغم، والريف الاشتراكي الجديد، والقيم الجوهرية للنظام الاشتراكي، فضلا عن المفهوم الاشتراكي للشرف والعار، والاستراتيجية الرئيسية لتحويل نمط التنمية الاقتصادية، مع التمسك بنظرية دنغ شياو بينغ، والفكر الهام لـ "التمثيلات الثلاثة". وقد أثارت القيادة المركزية أيضا المقترح العلمي لنظام النظرية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عن طريق تلخيص النتائج النظرية الجديدة للحزب. ولخض علميا النظام الاشتراكي الصيني الخصائص والطريق الاشتراكي الصيني الخصائص للتنمية ذات الخصائص الصينية، وهي النظريات الجديدة التي تؤكد على الإبداعات النظرية الوفيرة للحزب.

خلال العقد الماضي، حقق الاقتصاد الوطني للصين تنمية مستدامة، وازدادت بشكل كبير القوة الوطنية الشاملة. من سنة 2003 إلى سنة 2011، بلغ معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 7ر10%. هذا التطور السريع والمستمر جعل الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا يسبقها إلا الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تجاوز ناتجها المحلي الإجمالي مثيله في كل من بريطانيا وفرنسا في سنة 2005، وألمانيا في سنة 2008 واليابان في سنة 2010. لقد أضحت مسيرة التنمية الاقتصادية السريعة في الصين معجزة وسط اضطراب الاقتصاد العالمي. ورغم أن الأزمة المالية العالمية قد تسببت في تباطؤ الاقتصادات الرئيسية في العالم، حافظت الصين على معدل نمو مرتفع بشكل معقول. ولكونها أول دولة تعافت من تداعيات الأزمة المالية العالمية، أصبحت الصين المحرك الرئيسي لانتعاش الاقتصاد العالمي. وقد ارتفعت مساهمة الصين في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 4ر4% في سنة 2002 إلى حوالي 10% في سنة 2011، وتجاوزت مساهمة الصين في نمو الاقتصاد العالمي 20%.

في سنة 2011، بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 35083 يوانا (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات)، وزادت الإيرادات الحكومية في نفس السنة على عشرة تريليونات يوان. في نهاية سنة 2011، تجاوزاحتياطي الصين من النقد الأجنبي ثلاثة تريليونات دولار أمريكي، ليحتل المرتبة الأولى في العالم. ومع انحسار الفجوة بين الصين والدول المتقدمة في مختلف الجوانب، تحققت تدريجيا الأهداف الطموحة التي حددها مؤسسو الجمهورية.

واسترشادا بالمفهوم العلمي للتنمية، حققت الصين تقدما كبيرا في تحويل نمط تنميتها الاقتصادية، منذ المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني. وتحققت إنجازات جديدة في تنفيذ سياسة توسيع الطلب المحلي. وازدادت مساهمة الطلب المحلي في نمو الاقتصاد الصيني من 4ر92% في سنة 2002 إلى 1ر104% في سنة2011، في حين انخفضت مساهمة الصادرات فيه من 6ر7% في سنة 2002 إلى -1ر4% في سنة 2011. وقد ساهم التعديل الاستباقي في تحويل وتعديل الهيكل الاقتصادي والقوة الدافعة للنمو الاقتصادي في الصين من الصناعة الثانية (قطاع الصناعة) إلى المساهمة المنسقة لجميع الصناعات الثلاث (الزراعة والصناعة والخدمات). وفيما يتعلق بالهيكل الصناعي، انخفض في نهاية سنة 2011، نصيب الصناعة الأولى (قطاع الزراعة) في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1ر10 % مقارنة مع 7ر13% في سنة 2002، وزاد نصيب الصناعة الثانية (قطاع الصناعة) إلى 8ر46% في سنة 2011 مقارنة مع 8ر44% في سنة 2002، كما ارتفع نصيب الصناعة الثالثة (قطاع الخدمات) إلى 1ر43 % في سنة 2011، مقارنة مع 5ر41% في سنة 2002، وأصبحت التنمية الريفية والحضرية في مختلف المناطق أكثر تناسقا، وأخذ الابتكار التقني يلعب دورا أكبر من أي وقت مضى، في تحريك الاقتصاد.

لقد تعززت مساهمات الإبداع وروح المبادرة والحماسة التي ألهمت الشعب الصيني، وأضحت تلعب دورا متكاملا جنبا إلى جنب مع التوسع في الديمقراطية الاشتراكية في البلاد. وأصبح حكم القانون وسيادته في الصين أكثر تطورا بعد أن أصبح الحزب والحياة السياسية للدولة أكثر حيوية وشفافية. وتحسنت أنظمة مجالس نواب الشعب والمجالس الاستشارية السياسية أيضا من خلال تعميق الديمقراطية على مستوى القواعد الشعبية، حيث صارت عملية صنع القرار أيضا أكثر ديمقراطية وعلمية؛ وساهمت زيادة الشفافية في النظام السياسي أيضا في تعزيز المشاركة الشعبية. وقد تم تحقيق تقدم هام في الإصلاحات الوزارية الهادفة إلى بناء وزارات أكثر تنظيما وشمولا، وأظهرت السياسة الديمقراطية الاشتراكية حيوية ديناميكية.

وبذلك يتوطد التضامن والاستقرار والانسجام للأمة بأكملها. وظهرت من حيث الأساس منظومة القوانين الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، لتحقق للناس الأمن والعدالة والإنصاف الاجتماعيين. إن النظام القانوني يوفر ضمانة هامة ليمضي الحزب والدولة قدما نحو التقدم المطرد على المسار الملائم.

وخلال العقد المنصرم، تم إحراز تقدم شامل في مجال الإصلاح الثقافي والتنمية في الصين. لقد ُطرح هدف بناء ثقافة اشتراكية في الجلسة الكاملة السادسة للجنة المركزية السابعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني. وساهمت هذه السنوات العشر من التنمية في إثراء الحياة الثقافية والروحية للشعب الصيني. إن بناء منظومة القيم الاشتراكية الأساسية قد رسّخ الدور الإرشادي للماركسية والإيمان بالمثل العليا المشتركة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وساهم المفهوم الاشتراكي للشرف والعار في تعزيز الأخلاق الاجتماعية، ودخل بناء نظام الخدمة الثقافية العامة، مرحلة التطور السريع.

في نهاية سنة 2011، بلغ عدد المكتبات العامة في أنحاء الصين 2952 مكتبة، بزيادة بلغت 255 عن نهاية سنة 2002. وفي نهاية سنة 2011، بلغ عدد المتاحف 2650 متحفا، بزيادة 1139 متحفا عن سنة 2002، وفي نهاية سنة 2011 بلغ عدد الفرق الفنية 7069 فرقة فنية عاملة، بزيادة 4482 عن سنة 2002. وارتفع عدد المشتركين في قنوات تلفزيون الكابل من  52ر103 ملايين مشترك في سنة 2002 إلى 09ر202 مليون مشترك في نهاية سنة 2011، وصار 8ر97% من سكان البلاد يمكنهم استقبال بث البرامج التلفزيونية. وتأتي مختلف مؤشرات البلاد في مجال الصناعة الثقافية في المرتبة الأولى عالميا. فـي عـام 2011، تم إنتاج 469 مسلسلا دراميا تلفزيونيا، إلى جانب 261444 دقيقة من برامج الرسوم المتحركة و558 فيلما روائيا. بالإضافة إلى ذلك، تم طبع 7ر46 مليار نسخة من الصحف، ونشر 3ر3 مليارات نسخة من الدوريات و 7ر7 مليارات نسخة من الكتب. وظهر نمط جديد من التنمية الثقافية، باعتبار الثقافة الوطنية جوهرا، واستيعاب كل ما هو جيد من الثقافة الأجنبية. وبذلك أخذت الثقافة الصينية تسير أيضا نحو العالمية.

وضع المواطن في المقام الأول مبدأ يحرص الحزب الشيوعي الصيني على التمسك به دوما. وخلال العقد المنصرم، أولى الحزب أهمية كبرى للبناء الاجتماعي وتحسين حياة المواطنين. وقد تغلغل مفهوم "المواطن في المقام الأول" بشكل عميق في كافة المستويات الحكومية، وظهر جليا في تحسن مستوى حياة الناس. لقد ازدادت عوائد كل من سكان المدن والأرياف، وارتفع مستوى الرعاية الطبية والصحية وامتدت مظلة التأمين الطبي والاجتماعي، وتعززت المساواة في فرص الحصول على التعليم، وتطورت كافة القطاعات، ومنها على سبيل المثال المجال الرياضي الذي تمكن الرياضيون الصينيون من خلاله تحقيق العديد من الإنجازات المرموقة، وحصد العديد من ميداليات وأوسمة التكريم. لقد حققت استضافة الصين للألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، نجاحا كبيرا، وساهمت في تعزيز دور وتأثير الصين على الصعيد الدولي.

وخلال السنوات العشر الماضية، طرحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وتبنت مفهوما جديدا لبناء مجتمع يحافظ على الموارد وصديق للبيئة. وشهدت البيئة الإيكولوجية للصين تطورا مطردا بفضل الجهود المبذولة في هذا المجال، خاصة ما يتعلق بالحفاظ على الموارد وخفض الانبعاثات. ونجم عن هذا التطور الكثير من النتائج الإيجابية، منها على سبيل المثال لا الحصر تحسن نوعية المياه وجودة الهواء.

وشهد العقد الماضي أيضا استضافة الصين بشكل موفق لأحداث عالمية كبيرة، ومواجهتها بشكل مناسب للعديد من التحديات. وخلال فترة انعقاد معرض إكسبو شانغهاي العالمي لعام 2010، زاره أكثر من سبعين مليون شخص، وهو رقم قياسي غير مسبوق. وحظي التنظيم الناجح وحفاوة الاستقبال بإشادة كبيرة محليا وعالميا. لقد أظهر الحزب الشيوعي الصيني حكمة وجدارة في شحذ همة المواطنين، بكافة شرائحهم، وتعبئتهم لمواجهة العديد من الكوارث الطبيعية التي وقعت بأماكن متفرقة من البلاد، مثل زلزال ونتشوان والانهيارات الطينية في تشوتشيوي وزلزال يويشو، وكذلك مشاكل الفيضانات وتساقط الثلوج والجفاف، وغيرها. وتحت قيادة الحزب، نجحت الحكومة الصينية في مواجهة التدخلات الخارجية الشريرة، وحافظت على أمن وسلام واستقرار المواطنين في مختلف أنحاء البلاد، وكبحت وفقا لقانون البلاد، محاولات الفتنة في لاسا، حاضرة منطقة التبت الذاتية الحكم، وفي أورومتشي، حاضرة منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم. وبفضل السياسات الحكومية المواتية، يعيش أبناء البلاد بمختلف قومياتهم، في انسجام ووئام، محققين إنجازات رائعة في كافة المجالات.

لقد تابع العالم بإعجاب الإنجازات العلمية التي حققتها الصين في العلوم والتكنولوجيا، لا سيما نجاحها في إطلاق مركبات فضائية مأهولة، ومشروع استكشاف القمر، وتطوير واختبار غواصة المياه العميقة جياولونغ.

وحققت مشاريع كبرى مثل المضايق الثلاثة وسكة حديد تشينغهاي- التبت ومشروع نقل المياه من الجنوب إلى الشمال، نتائج مشجعة.

وقد تعزز دور الصين وتأثيرها على الساحة الدولية، وساهم تعزز وازدياد قوة البلاد الشاملة في رغبة واضحة لدى العديد من الدول لتقوية علاقاتها الثنائية مع الصين. ومن خلال تمسكها بالتنمية السلمية، تمكنت الصين من بناء نوع جديد من العلاقات مع الدول الكبرى، وعمقت الاتصالات مع الدول المجاورة، ووطدت العلاقات مع الدول النامية. وعلى الصعيد الدولي، عززت الصين تمسكها بالحفاظ على سلطة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وحافظت على التزام فعال في تأدية التزاماتها الدولية. وساهمت أيضا في بناء وإصلاح الآليات المتعددة الأطراف، من خلال حرصها على المشاركة في لقاءات دولية مثل اجتماعات مجموعة العشرين، وقمم منظمة شانغهاي للتعاون. وأكدت الصين حرصها على الإسهام الفعال والبناء في بحث ومعالجة القضايا الساخنة إقليميا ودوليا. ومن خلال تمسكها بالمبدأ الأساسي للحفاظ على السيادة والأمن والتنمية الوطنية، ساهمت الصين أيضا في تأسيس نظام عالمي جديد أكثر انسجاما وأكثر عدالة في توزيع الفرص، وأكثر مساواة في توزيع القوة. وخلال السنوات العشر المنصرمة، تعزز بناء الحزب الشيوعي الصيني، كحزب حاكم، ليجسد ويؤكد طبيعته التقدمية وحرصه على تطوير إمكانياته في الحكم. وخلال تلك الفترة، ظهر الدور الفعال والمنافع الملموسة لنظريات الحزب وسياساته وتنظيماته وأنظمته، خاصة تلك التي لها ارتباط وثيق بحياة المواطنين. لقد أسس الحزب وطور نظامه الخاص بالوقاية من الفساد ومعاقبة المفسدين، وعزز آلياته ولوائحه في مجال المتابعة والمراقبة لممارسة السلطة. ولعبت وسائل الإعلام دورا متزايد الأهمية في متابعة ومراقبة أعمال الحزب، مما أسهم في تعزيز الجهود لمعاقبة الفساد والمفسدين، والظواهر الشاذة الأخرى. لقد تحقق تقدم ملموس في المجتمع الصيني خلال العقد الماضي، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. والسر وراء هذه الإنجازات الرائعة هو تمسك الحزب بنهج الماركسية اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ، والفكر الهام للتمثيلات الثلاثة، والإبداعات النظرية المستندة على التطبيق. أما مفهوم نظرة التنمية العلمية، وهو نتيجة للإبداعات النظرية، فقد وفر إرشادا فعالا لبناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وفي مجال الإسراع بخطى التحديث الاشتراكي.

ونحن نتطلع إلى المستقبل، نرى أننا نواجه فرصا وتحديات، وندرك أن التطبيق الحقيقي لنظرة التنمية العلمية، يبقى مهمة شاقة على المدى الطويل. 

 

 

شن تشوان ليانغ: أستاذ مساعد في مدرسة الحزب التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.