ما الذي يقف وراء المعاملة غير العادلة للشركات الصينية

دياو دا مينغ

في 8 أكتوبر عام 2012، أصدرت لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي تقريرا حول نتائج تحقيق استمر قرابة عامين بشأن المخاطر الأمنية المزعومة من كل من شركة هواوي للتكنولوجيا وشركة (زد تي إي) ZTE الصينيتين. ويشير التقرير إلى أنه "وفقا للمعلومات السرية وغير السرية المتاحة لدينا، لا يمكن الوثوق في تحرر شركتي هواوي وزد تي إي، من تأثير أو نفوذ دولة أجنبية، وبالتالي فهما تشكلان تهديدا أمنيا للولايات المتحدة ولشبكات الاتصالات لدينا." ويقترح التقرير تجنب التعامل مع شركتي هواوي وزد تي إي، خشية احتمال أن تؤدي معداتهما إلى فتح الباب أمام عمليات تجسس. كما يعتقد التقرير أن السماح لشركة هواوي بصنع وصيانة أجزاء كبيرة من البنية الأساسية للاتصالات الأمريكية، سيفتح الطريق أمام احتمال أن تقوم الحكومة الصينية بالتجسس على الحكومة الأمريكية والقيام بعمليات تجسس صناعي.

جاء ذلك التقرير الجديد في خضم حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي أصبحت الصين فيها موضوعا سياسيا ساخنا، ويمكن أن يستشف المرء من خلاله عوامل عدم ثقة لدى الولايات المتحدة تجاه العلاقات الصينية الأمريكية على المدى الطويل. وبعد عشرة أيام من إصدار ذلك التقرير، رفعت مجموعة صينية أخرى هي مجموعة ساندي الصينية، دعوى قضائية ضد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولجنة الاستثمار الأجنبي،متهمة الحكومة الأمريكية بتجاوز صلاحياتها. كل هذه الأمور تدعو المهتمين بالصين إلى رفع مستوى النقاش أكثر حول سياسة "خروج" الشركات الصينية إلى العالمية.

دوافع سياسية

تأسست شركتا هواوي وزد تي إي في ثمانينات القرن الماضي. وكانت هواوي ثاني أكبر شركة في العالم لصناعة أجهزة التوجيه(الروتر) والتحويل(السويتش) وأجهزة الاتصال الأخرى، بعد شركة اريكسون السويدية. وفي النصف الأول من عام 2012، جاوز دخل شركة هواوي  الإجمالي شركة اريكسون بـ7ر102 مليار يوان(الدولار الأمريكي الواحد يساوي 3ر6 يوانات) لتتبوأ المرتبة الأولى بين شركات الاتصال في العالم. أما شركة زد تي إي، فاحتلت المركز الخامس.

لقد انتقدت مسودة التقرير هاتين الشركتين لعدم تقديمهما معلومات كافية لإزالة مخاوف اللجنة، ومن بينها تقديم معلومات تفصيلية بشأن العلاقات الرسمية أو التفاعل التنظيمي مع السلطات الصينية. في عام 2011، جاء 68% من دخل شركة هواوي الإجمالي، الذي وصل حجمه إلى 9ر203 مليار يوان، من الأسواق الخارجية، كما جاءت 21ر54% من عوائد شركة زد تي إي من الخارج. ويمكن القول إن شركة هواوي وزد تي إي، تعكسان تجارب التنمية الاقتصادية الصينية خلال أكثر من 30 سنة.

لقد مرّ العالم بثلاثة أعوام بعد الأزمة المالية، وما زالت المعادلة العالمية في طور إعادة التشكيل، ومن أهم علامات المعادلة هي علاقة التوازن بين الصين والولايات المتحدة. وخوفا من تدني مكانتها الدولية، تعمل الولايات المتحدة على الحفاظ على مكانتها القيادية في العالم، وتسعى إلى تشكيل شبكة "العودة إلى آسيا- الباسيفيك" عن طريق التعاون مع الدول المجاورة للصين من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، تسعى إلى الافتراء على تجارب الصين في مجالات التنمية، محاولة الحد مما تسميه"التهديد" من التجارب الصينية الناجحة. إن صيحات ومزاعم المحافظين في الولايات المتحدة تتزايد حول القضايا المتعلقة بالصين، كما تصطبغ السياسات الأمريكية بشأن الصين بلون أيديولوجي. إن هذا التقرير الذي يزعم أن شركتي هواوي وزد تي إي"لا تتمتعان بمزايا اقتصاد السوق"، ناجم عن أسلوب التفكير هذا. في الوقت ذاته، تعاني الشركات الصينية من هجمات الشركات العملاقة الأجنبية في الأسواق العالمية، إذ أن الكثير من الشركات الأجنبية، التي لا تملك القدرة التنافسية، تلجأ إلى تسييس النزاعات التجارية، وتزيد من تأثيراتها على الساسة والحكومات.

يجب على الصين تعلم قواعد اللعبة

 في هذا التقرير، يظهر قلق الولايات المتحدة تجاه الصين بشكل واضح من الناحية السياسية والاقتصادية، وأسهمت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2012 بزيادة هذا النوع من القلق. لقد تعهد كل من الرئيس باراك أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، بزيادة الضغط على الصين بشأن قضايا تتعلق بسياسة العملة الصينية، وكذلك بدعم الدولة للشركات الصينية. وفي وقت سابق، وقع أوباما أمرا بحظر صفقة تخص شركة رالز كورب الصينية، وتتعلق الصفقة بالحصول على أربعة مشاريع في مجال توليد الطاقة من الرياح بالقرب من منشأة تابعة للبحرية الأمريكية في ولاية أوريغون. لقد أصدرت اللجنة هذا التقرير في هذا التوقيت بالذات بهدف جذب أنظار وسائل الإعلام من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، تروّج إلى أن هذا التقرير لا يضر كثيرا بالتبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة. من الجدير بالذكر، أن 435 من المناطق الانتخابية لمجلس النواب الأمريكي تحقق ربحا من التجارة الصينية الأمريكية، حسب معلومات من لجنة التجارة الأمريكية الصينية، لكن هذا الربح لم يغير موقف مجلس النواب تجاه الصين. ولمّا خفتت حماسة الناس للتحدث عن مكافحة الإرهاب، أصبحت القضايا المتعلقة بالصين موضوعا ساخنة لدى السياسيين.

ولمواجهة هذه الهجمات الأمريكية، ينبغي على الصين أن لا تعجّل في رفض مضمون التقرير حول العلاقة بين الشركتين والحكومة الصينية، ولا تتخذ إجراءات انتقامية، بل يتعين على الحكومة الصينية أن تفكر في تأسيس عتبة دخول أكثر تنظيما للاستثمار الأجنبي، من أجل إظهار المعادلة بين الصين والولايات المتحدة من حيث الاستثمار والتمويل. وفي نفس الوقت، على شركتي هواوي وزد تي إي، تعزيز دور العلاقات العامة من أجل المزيد من إدراك وفهم تأثيرات دورة الانتخابات الرئاسية الأمريكية على التجارة والاقتصاد، كما يتعين عليهما تعلم قواعد اللعبة للسياسة الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، على الشركات الصينية أن تقرر إستراتيجياتها على المستوى الدولي، وخاصة في أسواق إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرهما من الأسواق الناشئة، لتكون المنافسة أكثر عدلا مع الشركات الغربية. تجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن بريطانيا قد أعلنت إجراء تحقيق تجاه شركة هواوي بعد أسبوع من صدور تقرير لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي. وقبل ذلك، حاولت أستونيا والهند عرقلة دخول شركة هواوي لأسواقهما. هذه الأمور تبعث إشارة تحذير بوجود تأثير مشابه لـ"تأثير الدومينو"، الأمر الذي يطرح مطلبا جديدا أمام الصين، لا سيّما ما يتعلق بسياستها حول "خروج الشركات" وتعزيز قدراتها التنافسية بالعالم. لقد أصبح العالم كيانا اقتصاديا يتكامل مع بعضه البعض، ولكن المشكلة الآن هي كيف يتشاطر هذا العالم الإنجازات بشكل عادل وتعاوني، الأمر الذي تضعه الصين على رأس اهتماماتها، خاصة في مرحلة ما بعد الأزمة المالية.

(دياو دا مينغ: مساعد باحث في مكتب البحوث بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية)