مكافحة الفقر في الصين
مقابلة مع رئيس مكتب الصين لمجموعة البنك الدولي
تشانغ هوا
احتفل العالم في السابع عشر من أكتوبر سنة 2012 باليوم العالمي لمكافحة الفقر. وفي مقابلة خاصة مع ((الصين اليوم)) قال كلاوس رولاند، رئيس مكتب الصين لمجموعة البنك الدولي، إن إنجازات الصين في مكافحة الفقر غير مسبوقة في العالم، مشيرا إلى أن الصين قدمت مساهمات فعالة لتخفيف الفقر بالعالم، ومن غير إنجازاتها في هذا المجال يصعب على الأمم المتحدة تحقيقالأهداف الإنمائية للألفية.
أعرب رولاند عن أمله في أن يكون اليوم العالمي لمكافحة الفقر تنبيها لكل فرد في هذا العالم، أياً كان مكانه للاهتمام بالفئات الضعيفة لتحقيق التنمية المشتركة. تفاصيل الحوار فيما يلي:
الصين اليوم: ما تقييمكم لجهود الصين في مكافحة الفقر خلال الثلاثين سنة الماضية؟
رولاند: تجاوزت الإنجازات التي حققتها الصين في تقليل الفقر إنجازات أي دولة أخرى. لقد تخلص ستمائة مليون صيني من الفقر في الفترة من سنة 1981 إلى سنة 2012. هذا إنجاز غير مسبوق، يستحق منها أن نهنئ الصين، قادة وشعبا عليه. لقد حقق الصينيون بجهودهم هذا الهدف العظيم في الثلاثين سنة الماضية. من المعروف أن المجتمع الدولي اتفق على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وفي مقدمتها القضاء على الفقر المدقع والجوع بحلول سنة 2015، ومن الصعب تحقيق هذا الهدف من غير جهود الصين في مكافحة الفقر.
الصين اليوم: إذا كان أن تقيموا تقدم الصين في مكافحة الفقر، فكم درجة تعطيها؟
رولاند: 95 درجة. في الحقيقة، أتمنى أن أمنحها مائة درجة لأن إنجازات الصين في مكافة الفقر لا مثيل لها، غير أنني أعتقد أن الصين ستشهد تقدما أكثر في هذا المجال.
الصين اليوم: كيف ترون مشكلة الفقر في الصين بشكل عام؟
رولاند: يتركز فقراء الصين في المناطق الريفية عموما، حيث يعيش أكثر من 80% الفقراء الصينيين في الريف. ولكن، إذا رأيت الأرياف الصينية حاليا ستلاحظ أنها شهدت تقدما كبيرا في مجال البنية الأساسية والخدمات التعليمية والصحية وغيرها من الخدمات الاجتماعية، وهذا بفضل استراتيجية الصين الشاملة لمكافحة الفقر. مكافحة الفقر عمل يتطلب مشاركة وتعاون هيئات مختلفة، فلا يكفي بناء الطرق وتطوير التعليم في الأرياف، وإنما لا بد من التنسيق بين موارد متنوعة وتنفيذ إجراءات شاملة، وأن نهتم بمشاكل المسنين والنساء والأطفال الذين يعيشون في الريف بعيدا عن آبائهم الذين يعملون خارج مواطنهم.
الصين اليوم: حد الفقر الذي وضعته الصين في سنة 2011، هو أن لا يقل الدخل الصافي للفرد في المناطق الريفية عن 2300 يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات). وحسب هذا المعيار، ارتفع عدد الريفيين تحت خط الفقر من 88ر26 مليون نسمة إلى 128مليون نسمة. ما تقييمكم للمعيار الجديد؟
رولاند: تحدد كل دولة خط الفقر الخاص بها، وتحدد الحكومة المناطق الفقيرة والفقراء الذين يحتاجون إلى المساعدة وفقا لدخلهم. كان خط الفقر السابق في الصين هو أن يقل الدخل السنوي للفرد عن 780 يوانا، وكان هذا الخط أقل من المعيار العالمي ولكنه كان يتفق مع أحوال الصين، حيث كان عدد الفقراء المدقعين في الصين في تلك الفترة كبير، وقد سعت الحكومة إلى حل مشكلة فقرهم. بحلول سنة 2012، حلت الصين مشكلة الغذاء والكساء، فكان من الضروري رفع حد الفقر لتقديم مساعدات أكثر للأقل فقرا. كما أن خط الفقر الجديد (2300 يوان) يعادل دولارا أمريكيا واحدا في اليوم، أي أنه يقترب من خط الفقر العالمي (25ر1 دولار أمريكي). لهذا، حظي تعديل خط الفقر الصيني بترحيب عالمي. في الحقيقة، لم يغير هذا التعديل عدد الفقراء في الصين وإنما هو إجراء جيد لتقديم مزيد من المساعدات للفقراء.
الصين اليوم: يهتم البنك الدولي بمشكلة الفقر في المناطق الريفية، فهل يهتم أيضا بمشكلة الفقر في المدن والمحافظات؟
رولاند: بالطبع. مع التطور والتقدم المستمر للدولة، لا بد أن نغير مفهوم واستراتيجية مكافحة الفقر ونهتم بمشكلة الاكتفاء من الغذاء والكساء وغيرها من المشاكل المتنوعة. واجهت المدن الصينية مشكلة عدم المساواة في العشرين أو الثلاثين سنة الماضية، حيث يصعب على العمال الفلاحين التمتع بفرص العلاج الصحي والتعليم المناسب والحصول على معاش التقاعد في المدن التي يعملون بها، فيجب أن تضاف مثل هذه المشاكل لاستراتيجية مكافحة الفقر الصينية، ولا بد أن تهتم الصين بمكافحة الفقر على أساس المساواة.
الصين اليوم: في ظل وجود عدد كبير من الفقراء في الصين، في رأيكم، ما هي الجهود التي يمكن أن تبذلها في تخفيف الفقر، وما هي التحديات التي تواجهها الصين في هذا المجال؟ وكيف تواجهها؟
رولاند: أعتقد أنه على استراتيجية مكافحة الفقر الصينية أن تهتم بالمجالين التاليين: الأول، مواصلة الاهتمام بالفقراء فقرا مدقعا. ما زال في الصين 125 مليون فقير مطلق، يعيشون في المناطق الريفية بوسط وغربي وجنوب غربي الصين عموما. لا بد أن نهتم بالقرى لتخفيف الفقر ونناقش سكان القرى لمعرفة احتياجات الفقراء ورؤيتهم حول تحسين معيشتهم، ثم نضع استراتيجية لمكافحة الفقر بقيادة ومشاركة من التجمعات السكنية، وهذا هو النمط الأكثر فعالية في العالم. الآن، نتعاون مع الهيئات المعنية في الصين لنشر هذا النمط لمكافحة الفقر في جنوب غربي وغربي الصين.
الثاني، مشكلة الفقر في مدن الصين هي مشكلة العمال- الفلاحين المتنقلين. يجب على الحكومة أن تفكر في إلغاء نظام الإقامة الدائمة المسجلة (هوكو) حتى يتاح للعمال- الفلاحين التمتع بالخدمات الاجتماعية المتنوعة في المدن. من المتوقع أن يكون عدد العمال- الفلاحين الذين يتنقلون بين مدن الصين حتى سنة 2030 نحو ثلاثمائة إلى ثلاثمائة وخمسين مليون فرد. هؤلاء يحتاجون إلى خدمات اجتماعية كثيرة، منها التعليم والصحة والمعاشات. هذا التغير يعتبر تحديا ضخما للصين ومدنها.
أرى أن تطبق استراتيجية مكافحة الفقر في المجالين التاليين: الأول، الاهتمام بالمناطق الريفية وضمان مساعدة كل الفلاحين. الثاني، الاهتمام بالمدن الصينية، فالعمال- الفلاحون المتنقلون الذين يساهمون في تطوير المدن من حقهم أن يعيشوا حياة كريمة.
الصين اليوم: هل يمكن أن تلقي الضوء على أسلوب البنك الدولي في مساعدة الصين في تخفيف الفقر والتجارب الناجحة في هذا المجال؟.
رولاند: شارك البنك الدولي في أعمال تخفيف الفقر بالصين على أساس الالتزام بطلبات الهيئات الحكومية ووزارة المالية ولجنة الدولة للتنمية والإصلاح في الصين، ونفذ مشروعات لمكافحة الفقر في غربي وجنوب غربي الصين. اتخذنا أسلوب مشاركة الفلاحين في مكافحة الفقر، بمعنى أن يشارك الفلاحون في مشروعات مكافحة الفقر ويتحملون المسؤولية عن مستقبلهم. هذا الأسلوب الذي يسمى بأسلوب قيادة التجمعات السكنية، طبقته الحكومة الصينية في بعض مشروعات مكافحة الفقر.
أسلوب مشاركة التجمعات السكنية يعني أن يكون الإنسان هو محور أعمال مكافحة الفقر، من خلال التعرف على أمنيات ورغبات الفقراء وما يحتاجونه من هذه الأعمال. كما نهتم بالمكافحة الشاملة للفقر من خلال تقديم سلسلة من الخدمات اللازمة للفقراء، وتنمية الزراعة لتعليم الفقراء أسلوبا لكسب الرزق حتى يغيروا مصيرهم بأيديهم.
تخفيف الفقر يتعلق بالحياة الكريمة للإنسان. ومساعدة الفقراء في إعادة بناء الثقة والكرامة والأمل في المستقبل على أساس "وضع الإنسان في المقام الأول" استراتيجية هامة للمكافحة الشاملة للفقر.الهدف الرئيسي لأعمال تخفيف الفقر هو أن يستعيد الإنسان ثقته بنفسه وفخره واحترامه لذاته. تخفيف الفقر يسعى إلى تحقيق تبادل المساعدات وتحمل كل فرد في الصين لمسؤوليته.
الصين اليوم: ما هي المشروعات التعاونية التي ينفذها البنك الدولي في الصين حاليا؟
رولاند: نفذ البنك الدولي مشروعات عديدة لمكافحة الفقر في الصين خلال أكثر من عشرين سنة مضت. قمنا بتعديل استراتيجية مكافحة الفقر في جنوب غربي الصين، واتخذنا نمط المكافحة الشاملة للفقر. حاليا، ننفذ تجريبيا نمط قيادة التجمعات السكنية لمكافحة الفقر. بالمقارنة مع الدول الأخرى، تعتبر مشروعات مكافحة الفقر في الصين ناجحة جدا، ونحن سعداء أننا شاركنا في هذه المشروعات العظيمة. بالطبع، يعتمد نجاح هذه المشروعات على جهود الشعب الصيني.
الصين اليوم: ما الدور الذي يلعبه البنك الدولي في تطور الصين في المستقبل؟
رولاند: الصين تواجه تحديات تختلف عن التحديات في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وبداية القرن الجديد، مما يتطلب تعديل نمط التنمية وفقا للتحديات الجديدة. تشمل المشاكل الجديدة التي ظهرت في الصين كيفية بناء نظام حديث للتعليم، كيفية ضمان رفع جودة الوقاية والعلاج في ظل توسع نظام الخدمات الصحية، وضع السياسات لدعم الإبداع في المؤسسات، بناء نظام التعليم الحديث والنظام الطبي والصحي ونظام الضمان الاجتماعي واتخاذ سلسلة من الإجراءات لضمان تحقيق بناء المجتمع الحديث، مواجهة التحديات القرن الحادي والعشرين وتحقيق بناء المجتمع المتناغم: التناغم بين الناس وبين الإنسان والطبيعة وبين الصين والعالم.
الوضع العالمي في القرن الحادي والعشرين يدل على أن الصين تحتاج إلى العالم، بينما يحتاج العالم إلى الصين. هناك اعتماد متبادل بين الصين والعالم، وتنمية الصين تفيد الشعب الصيني وشعوب العالم.