الاقتصاد الصيني بعيون خبراء دافوس

لي يوان

استضافت مدينة تيانجين المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس الصيفي) الذي اختتم في الثالث عشر من سبتمبر سنة 2012، في أجواء خيمت عليها تعثر النمو الاقتصادي وأزمة الديون الأوروبية والاضطرابات المستمرة لسوق المال الدولي وتراجع معدل نمو التجارة الدولية. ناقش المشاركون خلال ثلاثة أيام نمط التنمية الاقتصادية في المستقبل، والدور الذي لعبه اقتصاد الصين في العالم.

مستقبل مشرق

يشهد الاقتصاد الصيني منذ بداية سنة 2012 تراجعا في معدل نموه، وهو تراجع مرشح للاستمرار. وقد صادف انعقاد منتدى "دافوس الصيفي" صدور تقرير لمجموعة بوستون للاستشارات، جاء فيه أن مرحلة النمو السريع للاقتصاد الصيني قد انتهت بسبب انخفاض الطلب المحلي والخارجي والتنافس العالمي المتزايد. وجاء في ((تقرير القدرة التنافسية العالمية)) أن القدرة التنافسية للصين تراجعت من المرتبة الثالثة في سنة 2011 إلى المرتبة التاسعة والعشرين في سنة 2012.

وقال تشو مين، نائب رئيس صندوق النقد الدولي، إن تراجع معدل نمو الاقتصاد الصيني يتطلب منا أن نهتم بتثبيت معدل النمو. وأثنى السيد تشو على سياسات الحكومة الصينية الهادفة إلى تثبيت معدل النمو. وأضاف تشو مين: "لا شك أن تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي وانخفاض التسويق الخارجي يؤثر على الاقتصاد الصيني، وأعتقد أن وصول معدل الزيادة إلى 8% مناسب."

يعزو الخبير الاقتصادي الصيني لين يي فو، الأستاذ في جامعة بكين، تراجع معدل نمو الاقتصاد الصيني إلى سببين: الأول، ضعف سوق الصادرات بسبب انخفاض طلب الدول الأوروبية؛ الثاني، وصول مشروعات خطة التحفيز الصينية (باستثمارات أربعة تريلوينات يوان) التي أطلقتها في سنة 2008 إلى مراحلها النهائية وصارت تحتاج إلى استثمارات قليلة. وأعرب لين يي فو عن تفاؤله بمستقبل نمو الاقتصاد الصيني قائلا: "الشروط المناسبة لنمو الاقتصاد الصيني مازالت موجودة، فمن المتوقع أن يستمر معدل نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 8% سنويا لمدة عشرين سنة."

وقال جيمس تورلي رئيس مجلس إدارة شركة إرنست آند يونغ إن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين تجاوز خمسة آلاف دولار أمريكي، ومن ثم فإنه يثق بأن الصين ستواصل تحقيق نموها الاقتصادي. وأشار إلى أن تعديل الاقتصاد الصيني يتطلب التعاون بين الشركات والحكومة والجامعات ومؤسسات البحث العلمي، خاصة في مرحلة البحث والإبداع. وقال إن قدرة البحث العلمي في الصين عالية، لكن تسويق نتائج البحث العلمي مازال ضعيفا.

وقال سو مينغ تيان، الرئيس التنفيذي لشركة WPP: "يبدو أن معدل نمو الاقتصاد الصيني شهد تراجعا إذا نظرنا إليه من الزاوية العددية، إلا أن الاقتصاد يسعى إلى تحقيق نمو عالي الجودة بدافع من الاستهلاك. تنمية الصين، التي خلصت آلاف الصينيين من الفقر، أعجوبة حقيقية." وعبر هانز بول بركنر، الرئيس التنفيذي لمجموعة بوستون للاستشارات، عن ثقته بمستقبل الاقتصاد الصيني قائلا: "برغم تراجع معدل نمو الاقتصاد الصيني، لا نشعر بالتشاؤم. إن ضمان النمو الاقتصادي المستدام يعتبر تحديا لكل دولة، لذا نثق بالاقتصاد الصيني خاصة الاقتصاد غير الحكومي."

التقدم بعد الإصلاح

يرتبط النمو السريع للاقتصاد الصيني بإصلاح نظم: إصلاح ملكية الأرض وتأسيس نظام اقتصاد السوق والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وقد أعرب المشاركون في المنتدى عن اعتقادهم بأن الدورة الجديدة من الإصلاح في الصين ستطلق طاقة للتنمية الاقتصادية الصينية الطويلة المدى.

قال لي داو كوي، مدير مركز بحوث اقتصاد الصين والعالم: "في ظل كساد الاقتصاد العالمي، يولي العالم اهتماما كبيرا للرقم الذي يحققه الناتج المحلي الإجمالي للصين. وسوف تكون الفترة من الثلاث إلى الخمس سنوات القادمة أهم مرحلة لاقتصاد الصين في العشرين سنة المقبلة. الآليات والنظم الحالية لا تصلح لكسر "عنق الزجاجة" للتنمية الاقتصادية الصينية، لذا تحتاج الصين إلى دورة جديدة من الإصلاح. سيزيد الإصلاح ثقتنا، وسوف يضع تنفيذ الإجراءات الجذرية أساسا لاقتصاد الصين في المستقبل ويدفع الصين إلى دخول مرحلة جديدة من التنمية." ويطالب السيد لي بأن تؤسس الصين قاعدة قانونية لاقتصاد السوق لحل المسائل المتعلقة بهدم البنايات القديمة وتجارة حقوق الأسهم وجرائم الإنترنت وغيرها من المشاكل في مجالي الإدارة الاجتماعية والاقتصاد في مرحلة التحويل.

يعتقد تشانغ وي ينغ، الأستاذ من معهد قوانغهوا للإدارة بجامعة بكين، أن العشر سنوات الماضية كانت سنوات نجاح لاقتصاد الصين، ولكنها كانت سيئة بالنسبة للمجتمع الصيني، وسنوات ضائعة لعملية الإصلاح، لذا يجب على الصين إعادة تأكيد اتجاه الإصلاح الاقتصادي بدلا من الاعتماد على قطاع المال والطاقة وغيرهما من القطاعات الاحتكارية لدفع النمو الاقتصادي.

أشار أرفند سبرامانيان، المبعوث في معهد بيترسون لبحوث الاقتصاد الدولي، إلى أن الصين ستدخل مرحلة تنمية جديدة في العشر سنوات القادمة. وقال إن تراجع معدل نمو الاقتصاد الدولي دليل على أن نظام الاقتصاد الصيني القديم ليس مستداما، وسيكون الإصلاح اختيارا حتميا لإعادة تسوية الهياكل الاقتصادية المحلية ودفع الاستهلاك وتوسيع السوق المحلية. وتوقع سبرامانيان في كتابه ((ECLIPSE))" أنه في سنة 2030، سيصل حجم التجارة الخارجية الصينية إلى ضعفي حجم التجارة الخارجية الأمريكية، وأن يحتل الناتج المحلي الإجمالي للصين ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما سيكون نصيب الولايات المتحدة الأمريكية 12% فقط.

قال كلوس كرانفيلد، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة الألمنيوم الأمريكية، إن الخطة الخمسية الثانية عشر تسعى إلى تحويل اقتصاد الصين القديم إلى اقتصاد عالي القيمة المضافة ويهتم بحماية البيئة. أشار كرانفيلد إلى أن 40% من الطلب العالمي على الألمنيوم العالمي يأتي من أسواق الصين. ورغم أن الصين وضعت خطة تحويل طويلة المدى في الثلاثين سنة القادمة، إلا أنه متفاءل بقدرة الصين على تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة على أساس الإصلاح المناسب.

قال كيفن رود، رئيس وزراء أستراليا السابق إن الصين وضعت خطة للخمس سنوات القادمة لإصلاح نمط الاقتصاد، رغم أن هذا الإصلاح معقد ويفرز عوامل غير مستقرة ويستغرق وقتا طويلا، إلا أن الإصلاح يظل مطلوبا.

اكتشاف صناعات ركيزة

اكتشاف الصناعات الركيزة من الموضوعات التي ناقشها المشاركون في المنتدى، الذين أعربوا عن اعتقادهم بأن الصناعات الناشئة ستكون قوة هامة لدفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل.

أكدت الحكومة الصينية في الخطة الخمسية الثانية عشرة على دعم "توفير الطاقة وحماية البيئة" و"الجيل الجديد من تكنولوجيا المعلومات" و"البيولوجيا" و"تصنيع التجهيزات العالية المستوى" و"الطاقة الجديدة" و"المواد الجديدة" و"السيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة وغيرها من الصناعات الاستراتيجية الناشئة" لتصبح صناعات ركيزة وصناعات إرشادية للاقتصاد الوطني.

قال ليو تشانغ له، مدير محطة قناة فينيكس التلفزيونية بهونغ كونغ، إن نقاط النمو الجديدة للاقتصاد في المستقبل ستكون في سبع صناعات استراتيجية ناشئة، ستساهم في دفع التطور الاقتصادي. ينبغي للدولة أن تهتم باتجاه وسرعة الاستثمار لتجنب الاستثمار الأعمى والمبالغة في الاستثمار.

مع تنمية الصناعات الناشئة بنشاط، لا يجوز أن نتجاهل دور قطاع التصنيع التقليدي في دفع النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل. الإبداع التكنولوجي وبناء الماركات سيصبحان قوتين هامتين لدفع تحول قطاع التصنيع.

وقال كارلوس غضن، رئيس مجلس إدارة شركة رينو- نيسان موتورز، إن خفض عدد العاملين سيدفع تحول قطاع التصنيع الصيني، وستتحول الصين من مركز لإنتاج الأجهزة إلى مركز للإبداع.

قال شيوي خه يي، رئيس مجلس إدارة مجموعة بكين للسيارات، إن الأزمة التي يواجهها قطاع التصنيع الصيني ظهرت بسبب نقص التكنولوجيا والافتقار إلى الماركات. لذا، إضافة إلى رفع قدرة الإبداع الذاتي لقطاع التصنيع، لا بد أن تضع الشركات في أسرع وقت ممكن، استراتيجية متوسطة وطويلة المدى لتطوير ماركات لها. في المستقبل، لن نقدم للمستهلك منتجات فقط، وإنما ينبغي أن نقدم له خدمات وتجارب شخصية ممتازة. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن نهتم بتوسيع الأسواق الدولية على أساس إجادة السوق.