استراتيجية الصين الدبلوماسية وعلاقتها الخارجية
تشو شو لونغ
قبل أن ندرس موضوع استراتيجية الصين الدبلوماسية وعلاقتها الخارجية، علينا أن نعرف جيدا عن المسألة "من نحن الصين؟"، أي كيف تكون الصين وقوتها حاضرا ومستقبلا، كل شأن عن استراتيجية الصين الدبلوماسية وعلاقتها الخارجية يتعلق على الإجابة عن سؤالنا المذكور، "من نحن الصين؟".
لا تطمع الصين في سيطرة العالم
هناك الأملان المتناقضان للصين في مائدة دول العالم، واحد هو الاعتراف بأن الصين هي دولة عالمية كبيرة، وهي قد استفدت كثيرا من نظام العالم، لذا عليها أن يحمل واجبها الأكبر مما كان عليها، سواء أكان في مواجهة تغير المناخ أو في أزمة الديون الأوروبية. ومن جهة أخرى، أن دول الغرب تشخي على الصين أن تكون تهديدا لهم في تنمية آسيا والعالم. بعد أن حملت الصين واجبها المتزايد، طلعت نظرية التهديد الصيني. هكذا ظل منطق الغرب المتناقض منذ زمان.
دائما ما نسمع من رؤساء الصين أن يقولوا إن الصين "دولة كبيرة"، لكن أري للكلمة "كبيرة" معاني كثيرة، علينا أن نوضحها قبل أن نعتقد عليها.
إن كبر الصين كان مقياسا بالكمية والحجم والعدد. كمثل نقول إن الصين دولة كبيرة جغرافيا وسكانيا حتى تاريخيا، إن الصين دولة كبيرة عددا عسكريا، إذ نملك الجيوش الرسمي ب3ر2 مليون جيش، ولها ثان أكبر كلفة عسكرية، إضافة إلى أننا الصين ثان أكبر اقتصاد في العالم. لو كان نقيس بهذه المعلومات الهادئة، فإن الصين دولة كبيرة بلا شكة.
لكن، أري إن أثر دولة في الأمن السياسي الدولي ليس يربط بقدرتها فحسب، بل بنيتها أو نقول باستراتيجيتها. كيف قدرتها في هذا الأثر؟ وهل تريد أن تكون دولة كبيرة تأثر شؤون العالم تأثيرا عميقا؟ فاختيار استراتيجي من هاتين الجهتين كان يمثل تحديا شديدا لكل دولة من دول العالم.
دائما ما أن أسمع في المناسبات المختلفة من بعض الناس أن يقول إن الصين ليست لديها استراتيجية دبلوماسية. لا أظن كذلك. إن الصين تقوم بالتفكير الجاد أولا، ثم تقرر اتخاذ عمل أم لا. هذا بنفسه هو استراتيجية. الدولة العالمية الكبيرة الحقيقية بمعني ستدير شؤون العالم، حتى تكون رائد هذا العالم وتتولى القيادة فيه كبوليس العالم. الصين لم ولن ترد تسيطر العالم أبدا منذ تاريخها الطويل، مهما كانت قوتها تتغير مع الأيام، لكن محال أن تكون الصين رئيس العالم بقوتها المحدودة وفكرتها الوسطية.
يخشى الغرب على الصين الهيمنة على العالم، ومتنافسة مع أمريكا في قيادة العالم، لا سبب لهذا القلق إلا أن هؤلاء لا يعرفون ثقافة الصين من أصلها.
الصين لا تقلد طريقة الغرب القديمة
في عام 2002م، طرحت الصين بأن العقدين الأولين للقرن الحادي والعشرين هي فترة مهمة لفرص الصين الاستراتيجية، وعليها أن يتمسك بها ويشتغل بها اشتغالا تاما. هذا القرار صحيح مائة في المائة.
مهما كانت الصين لم تقدر وضع العالم صحيحا تاما بعد تأسيسها في 1949م، ولكن منذ بداية الثمانينات للقرن الماضي، قد رأي رئيس دنغ أن موضوعي العالم الرئيسين هما السلام والتنمية، مما أمسكت الصين بفرصة التنمية لمدة ثلاثين عام منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح. منذ ذلك اليوم، تأكد الصين سياستها الخارجية السلمية المستقلة كل سنة في تقرير أعمال الحكومة. وبعد الدخول إلى القرن الجديد، فإن هدف سياسة الصين الخارجية هو حماية السلام العالمي وسعي إلى التنمية المشتركة.
طالما اتخذت الصين سياسة التنمية السلمية، فلا تقلد طريقة الغرب في التاريخ المعاصر، إذ كانت دول الغرب تمت انتقالها بالفتوحات الاستعمارية للدول الأخرى. أري أن معنى السير على طريق التنمية السلمية هو الانضمام إلى النظام الدولي الحالي، بدون التحدي عليه. هذا هو المعنى الأول للتنمية السلمية.
والمعنى الثاني هو على الأعضاء في هذا النظام ألا تتحدي بينهم. وأن التنافس المركزي بين الأعضاء الدولية هو القوة الاقتصادية. منذ عام 1978م، أصبحت قوة الاقتصاد مصلحا مركزيا للصين، وأن ثمرتها الاقتصادية منذ ثلاثين عام، يرجع فضلها في حد كبير إلى تبادلها مع الغرب.
كدولة ذات حضارة قديمة، إن هدف الصين المطروح هو إنشاء العالم المتناغم، لذا السلام والتنمية والتعاون، تظل ثلاث موضوعات لدبلوماسية الصين، إلى جانب المبادئ التقليدية، علينا أن نجعل مبدأ العدالة كعلم من أعلامنا الدبلوماسية.
تحت إرشاد هذه المبادئ، كانت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول الأخرى تجري بشكل جيد، وقد أنشأت الصين العلاقة الدبلوماسية مع 175 دولة من 199 دولة في العالم.
إن العلاقة الدبلوماسية بين الصين وأمريكا كانت من أهم علاقات الصين مع الخارج. مهما كانت هناك يوجد بعض الخلافات بينهما، لكن العلاقة بينهما تسير بشكل تعاون متمسك. أما الخلافات الواضحة بينهما كمثل قضية النظام الاجتماعي وحقوق الإنسان، فعلى الصين أن تركز قوتها في تنمية نفسه متزامنا مع حل هذه الخلافات والضجيج.
ما زالت الصين دولة متنامية
إن الصين دولة متنامية، لكن هذا الكلام قد أصبح مشكوكا تدريجيا في العالم، حتى كثير من الحكومات والمنظمات الدولية والأوساط العلمية تدعو حكومة الصين ترك كلامها في أنها "دولة متنامية". لكن وفقا الإحصائيات التي نشرها صندوق النقد الدولي(IMF)، في عام 2011م، إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الصيني كان يمثل 5414 دولار أمريكي، وكانت مرتبتها في ال89 من 199 دولة، من هذه الجهة، إن الصين دولة متنامية بكل معنى الكلمة.
الاجتماع الدولي دائما يقول إن الصين محرك التنمية في آسيا حتى العالم، ووفقا التقدير بغولدمان ساكس (GOLDMAN SACHS)، إن الاقتصاد الكلي الصيني سيتجاوز على أمريكا في عام 2020م، لو كانت الحقيقة ستكون مثل التقدير، ما زالت هناك فجوة واسعة بين الصين والدول المتقدمة في جوانب القوة الشاملة الوطنية، خاصة في تقنية وتكنولوجيا. ربما سيستمر هذه الحال إلى أكثر من عشرين أو ثلاثين عام.
مع أن كل صيني يفتخر بثقافته الصينية، لكن كما قال السياسي السنغافوري المشهور لي كوان يو أثناء مقابلة مع الإعلام الأمريكي، إذ قال :"إن الثقافة الصينية تنقصه القوة الجاذبة لمن خارج دائرتها، خاصة للشباب." مع العكس، إن الأطعمة السريعة الأمريكية محبوبة في أنحاء الصين والعالم، والفيلم الأمريكي يجذب كل مشاهدين العالم. مع أن أسلوب الحياة الأمريكية له مشاكل كثيرة، لكن يرحب به العالم. بعد هذه المقارنة، نجد أن هناك طريق طويل أمام الصين في ارتفاع قوتها الثقافية الناعمة، وهي من أهم الأسس لتحسين دولة في العلاقات الخارجية ووضعها وصورتها الدولية.
(كاتب المقالة: تشو شو لونغ الأستاذ في معهد الإدارة العامة بجامعة تشينغهوا، ونائب رئيس مركز دراسات التنمية والاستراتيجية الدولية)