بورجين ليست على الحدود وحدها

لي يوان

تقع محافظة بورجين في شمالي منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم. وإذا شبّهنا خريطة الصين بأنها تشبه ديكاً كبيرا، فإن بورجين تقع في أعلى نقطة لذيل ذلك الديك. تتاخم محافظة بورجين روسيا وكازاخستان من الشمال الغربي ومنغوليا من الشرق. وهي المحافظة الوحيدة في الصين التي تتاخم أربع دول. يعيش فيها أبناء إحدى وعشرين قومية، منها قازاق وهان وهوي ومنغوليا وروسيا.

كانت بورجين قديما ميناء شحن نهري هاما بين الصين والاتحاد السوفياتي السابق، حيث كان يتم تبادل المنتجات والبضائع بين البلدين عبر نهر إرتيش. البناية الخضراء ذات الطراز المعماري الروسي والتي كانت مقر قنصلية روسيا في بورجين تحولت الآن إلى متحف تذكاري للشحن النهري بين الصين وروسيا. هذه البناية المطلة على النهر تشهد على تاريخ وتغير العالم في مدينة تولد فيها كل يوم قصص جديدة.

"الكفاس" المشهور

ينصح أهل بورجين زوار مدينتهم دائما بتذوق مشروبهم الشهير الذي يباع في السوق الليلية بالقرب من سد النهر. "الكفاس" مشروب كان شائعا في روسيا وأوكرانيا وغيرهما من دول أوروبا الشرقية، يصنع من الخبز الجاف، ومذاقه حلو حامض.

أخبرني أهل المدينة أن أفضل "الكفاس" تبيعه عجوز في السوق الليلية. وقد سجلت هذه العجوز علامة تجارية باسم "العجوز الروسية" لمشروب "الكفاس". قابلت العجوز وتعرفت عليها وعرفت أن اسمها جينا، وعمرها سبع وسبعون سنة، وأنها ولدت في أسرة أرستقراطية في روسيا. في سنة 1973، لجأت جينا مع أسرتها، لأسباب سياسية، إلى مدينة هباه في منطقة ألتاي في شينجيانغ، ثم انتقلت إلى بورجين. كانت جينا في شبابها فتاة جميلة ذات ضفيرتين طويلتين. وهي تتكلم الروسية والصينية والقازاقية. عملت مترجمة وبائعة، وشهدت حياتها في بورجين صعودا وهبوطا.

سعى كثير من الشباب للزواج من جينا، ولكنها اختارت شابا وسيما طيب القلب. كان زوجها يعمل سائقا في شركة معادن. قالت جينا إن زوجها كان يحب "الكفاس" من يديها. وأضافت: "في هذا المشروب ماضينا ومستقبلنا."

قضت جينا وزوجها خمسين سنة سعيدة معا. بعد وفاة زوجها، صارت جينا تكسب رزقها، وتمضي وقتها في صنع وبيع "الكفاس". قالت: "أشعر أنني بذلك أطيل الأيام التي أعيش فيها مع زوجي." تبيع جينا في الليلة الواحدة أكثر من مائة زجاجة "الكفاس"، وقد أصبحت جينا ومشروبها من معالم بورجين الجاذبة للسائحين. بالإضافة إلى "الكفاس"، تعد دينا لبن "العجوز الروسية" الذي يحظي بإقبال واسع من الناس أيضا.

كل صباح، تساعد جينا زوجة ابنها في غسل الزجاجات وإعداد "الكفاس" واللبن، وفي الساعة السابعة بعد الظهر، تنقل جينا وزوجة ابنها "الكفاس" واللبن إلى السوق. قالت جينا: "لكل واحد من ولديّ عمل ولا أقلق على حياتهما. أشعر ببهجة وسرور عندما أجلس في السوق وأرى الناس تأتي وتروح."

بساط لينا خان

لينا خان التي تبلغ من العمر ثلاثة وخمسين عاما تنتمي لقومية القازاق في شينجيانغ. تعلمت لينا نسج البساط واللحاف، وهي مهنة تدر عليها ربحا وفيرا، حتى صارت من أثرياء بورجين، وتقود النساء من قوميتها على طريق الثراء.

البساط الملون من الحرف اليدوية الأكثر انتشارا بين أبناء القازاق في شينجيانغ. يتميز البساط القازاقي بتنوع أسلوب نسجه وجمال الصور عليه وجودته العالية. بدأت لينا وهي في سن الخامسة تعلم نسج البساط من أمها. كانت أمها تنسج البُسط للزينة في بيتها فقط، وكانت تقول لها دائما: "لا ينبغي أن نهمل حرفنا التقليدية." لم تكن لينا تدري، آنذاك، أن تلك الحرفة سوف تغير حياتها.

بعد تخرجها في المدرسة الثانوية، خرجت لينا إلى الحياة العملية، وعملت بائعة في متجر. في سنة 1993، فقدت لينا عملها نتيجة إجراءات إصلاحية اتخذها المتجر، فبدأت تنسج البُسط في بيتها. وبفضل جودة منتجاتها وأشكالها الجميلة، صارت تسوق على نطاق واسع، وصار بيتها مقصدا للسائحين لشراء الهدايا التذكارية من بُسطها.

في سنة 2007، اقترضت لينا عشرة آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات) من البنك وأنشأت شركة صغيرة تضم أربع نساء قازاقيات، كما سجلت علامة تجارية باسم "يد الأم". تقوم شركتها بتصنيع البساط واللحاف وغيرهما من الأشغال اليدوية. في سنة 2009، وسعت لينا شركتها وأنشأت جمعية تعاونية. بالإضافة إلى صنع البُسط، تقدم الجمعية التعاونية تدريبات مجانية للنساء، وبعد التدريبات، قد تجد النساء فرصة عمل في شركتها. في سنة 2010، قدمت حكومة بورجين لشركة لينا وحدة مساحتها 150 مترا مربعا من أجل دعمها، وأعفتها من نفقات المياه والكهرباء والضرائب. بفضل هذه الإجراءات التفضيلية من الحكومة، أصبحت شركتها قاعدة للتدريب والإنتاج والتسويق. يعمل حاليا في شركتها عشرون فردا، ويتدرب في الجمعية التعاونية 272 متدربة.

تحظى منتجات شركة لينا بإقبال واسع في منطقة شينجيانغ، وعرفت طريقها إلى أسواق بكين وشانغهاي وغيرهما من المدن الكبيرة في الصين. الأكثر منذ ذلك أن منتجاتها تباع حاليا في بعض الدول المجاورة مثل كازاخستان. في سنة 2011، وصل حجم إنتاج الجمعية ثلاثمائة ألف يوان.

قبل تنمية قطاع السياحة في بورجين كانت النساء هنا يعتمدن على أزواجهن، ولا يمكن لهن أن يحصلن على عمل إلا بالذهاب إلى المدن الكبيرة. الآن، تعمل النساء في مجالات مختلفة حسب قدراتهن. يشارك أكثر من ألف ومائتين من النساء في صناعة النسيج والحياكة.

أسرة في المروج

التنمية السياحية لم توفر فرص عمل لنسوة بورجين فحسب، وإنما أيضا أتت بفرص تجارية للشاب القازاقي يارميك. تعرفت على يارميك في مرج بمنطقة بحيرة قاناس السياحية، حيث يقوم بتأجير الخيام والخيل.

الخيمة هي المأوى التقليدي لأبناء القازاق. تصنع الخيمة القازاقية من أغطية نسيجية أو أغطية أخرى، وتنصب على أعمدة وتشد وتثبت بأحبال في أوتاد. تتميز الخيمة بسهولة نقلها وقدرتها على مقاومة التمزق، فتستمر جيلا بعد جيل.

يبلغ يارميك من العمر اثنتين وعشرين سنة، وهو راع له سبعة أخوة. بدأ يعمل في تأجير الخيام والخيل في سنة 2009. في كل سنة، تنتقل أسرته إلى المرج في الفترة من شهر يونيو إلى شهر أكتوبر، وتنصب خيمتين، إحداهما لها والأخرى تؤجرها للسائحين. يمكن أن تسستوعب الخيمة الواحدة عشرة أفراد، وقيمتها الإيجارية بين 200 و300 يوان. وتقدم أسرة يارميك الأطعمة التقليدية للسائحين.

يتجول يارميك في المرج للترويج لخيمته وخيوله بين السائحين. قال يارميك إنه كان قبل سنوات يربح في السنة حوالي ثلاثين ألف يوان. ولكن في السنوات الأخيرة اتجهت مزيد من الأسر القازاقية إلى تأجير الخيام والخيل. يوجد حاليا في منطقة بحيرة كاناس السياحية مائة وأربعون أسرة تؤجر كل منها خيمتين في المرج.

في الشتاء، تعود أسرة يارميك إلى محافظة بورجين، حيث تقيم في مسكن بنته حكومة المحافظة للرعاة لقضاء الشتاء. في هذه السنوات، أصبح لدى أسرة يارميك مدخرات مالية. يحب يارميك السياحة في الأماكن المختلفة للتمتع بأساليب حياة الآخرين. يرغب هذا الشاب في فتح متجر، ويسعى إلى تحقيق هدفه وإبداع مستقبله.