سوق المنتجات العضوية في بكين


عندما انطلقت سوق المزارعين في بكين، منذ سبع سنوات، كانت موضة جديدة تقودها مجموعة صغيرة من المستهلكين المهتمين بقضايا الزراعة والمناطق الريفية والفلاحين. فقد نظمت هذه السوق أكثر من خمسمائة معرض لتشجيع المستهلكين على شراء الأغذية مباشرة من المزارعين الموثوق بهم. وأخذ مفهوم "الثقة والمساعدة المتبادلة" يجذب المزيد والمزيد من البائعين والمستهلكين.

 ولادة السوق

أقيمت الدورة الأخيرة لسوق المزارعين فى بكين في ساحة بتجمع لهتشونفانغ السكني بالمدينة، حيث يمكن للمستهلكين شراء الأغذية الطازجة كالذرة والجزر والفلفل الحار والباذنجان وأصابع الزعرور المحضرة في المنزل (وهي وجبة خفيفة محلية مصنوعة من ثمار الزعرور الصينية) وجبن فول الصويا (دوفو) والبيض البلدي والفطر، فضلا عن المناديل والجوارب والأوشحة المصبوغة بالأصباغ الطبيعية.

في بداية الأمر كانت سوق المزارعين في بكين نوعا من فنون العرض. وفي سبتمبر من عام 2010، أطلقت إيمي أونيمورا، وهي فتاة يابانية تعيش في بكين، الدورة الأولى لسوق المزارعين في بكين، مما أتاح فرصة لصغار المزارعين العاملين في الزراعة العضوية التواصل المباشر مع المستهلكين، وقد اجتذبت السوق بعض الفنانين وعلماء الأنثروبولوجيا الأجانب، لمناقشة واستكشاف العلاقة بين الغذاء والمجتمع وبين المناطق الحضرية والريفية.

في ذلك الوقت، كان عدد قليل جدا من المزارع في بكين ينتج المنتجات العضوية. مزرعة "الحمار الصغير"، التي حققت بعضا من الشهرة حاليا، كانت في بداية انطلاقها. عمل المتطوعون على إيجاد ساحة للسوق، سعيا منهم لتحقيق التنمية المستدامة للسوق. شي يان، مؤسس مزرعة "الحمار الصغير"، دعا خمس إلى ست مزارع عضوية صغيرة ومتوسطة الحجم مستقلة وموثوقة، لتشارك في السوق، ونظم بعض المستهلكين في مناقشات جماعية مع المزارعين. وهكذا أخذت السوق تتطور.

كانت تشانغ تيان له صحفية تعمل بصحيفة ((تشينا ديلي)) الصينية. بعد أن تركت وظيفتها، عملت في مجال التدريس في لاوس، وعملت لدى شركة غلوبال 500 ودرست في الولايات المتحدة الأمريكية. بعد عودتها إلى الصين، شاركت في تأسيس سوق المزارعين في بكين.

مع انضمام أعداد متزايدة من الباعة والمستهلكين، أصبحت نشاطات السوق منتظمة، مثل زيارة المزارع وعقد اجتماعات تبادل الأفكار، بالإضافة الى ممارسة تجربة الزراعة. ارتفع عدد البائعين في السوق من خمسة إلى حوالي خمسين، وارتفع عدد زوارها إلى أكثر من 4000 فرد/ مرة بعد أن كان حوالي 100 فرد/ مرة. وقد شهدت السوق 800 ألف زيارة فردية منذ افتتاحها. انتقلت أماكن إقامة دورات السوق من المراكز الفنية في البداية إلى التجمعات السكنية ذات الكثافة العالية واالمواصلات السهلة.

يشمل المتطوعون فنانين وذوي ياقات بيضاء ومعلمين في الكليات والجامعات. أحد هؤلاء المتطوعين يعمل كمدير عمليات الاستثمار لدى مؤسسة مملوكة للدولة، حيث يتعامل مع عقود ذات أرقام ضخمة، ولكن في عطلة نهاية الأسبوع، يجد متعة في جمع عشرة أو عشرين يوانا للمزارعين.

اليوم، يتم تشغيل السوق من قبل أكثر من 20 موظفا اتخذوا من إدارة السوق كعمل بدوام كامل. وهم يكسبون المال عن طريق فرض رسوم على البائعين.

يعتقد المشغلون أن السوق يجب أن تدار على طريقة التعهدات الاجتماعية. السوق مفتوحة فقط للمزارع الصغيرة والمتوسطة الحجم المملوكة للأفراد والتي يمكن أن تلبي عددا قليلا من الطلبات البسيطة. على سبيل المثال، يجب أن تلتزم هذه المزارع بالزراعة العضوية فقط، فلا تستخدم المبيدات الحشرية أو الأسمدة الكيماوية، ولا تستخدم الأعلاف المحتوية على مضادات حيوية أو هرمونات في إطعام الحيوانات. وفضلا عن ذلك، ينبغي أن تكون عملية الإنتاج، بما في ذلك مصادر البذور والأسمدة والأعلاف وأساليب الوقاية من الآفات والأمراض، معلنة وشفافة. ولضمان ذلك، تم إنشاء آلية للإشراف والمراقبة.

تنظم السوق العديد من أنشطة "زيارة المزارع" كل شهر، يقوم خلالها المدعوون من المنتجين والمستهلكين والخبراء التقنيين والصحفيين من وسائل الإعلام وموظفي المنظمات غير الحكومية المعنية، بزيارة تلك المزارع بهدف الإشراف على إنتاجها ومساعدتها على تحسين قدراتها في مجال الإدارة والتطور التكنولوجي.

قال تشانغ تيان له: "تهدف السوق إلى بناء مجتمع غذائي مستدام يتيح المزيد من الاستقلالية والخيارات لكل من المستهلكين والمنتجين، فالطريقة الوحيدة لجعله مستداما وصحيا هي ربط المنتجين بالمستهلكين والسماح لهم بدعم بعضهم البعض."

أحلام المزارعين الجدد

تخرجت ليو هوي بينغ، وهي من مواليد تسعينات القرن العشرين، في جامعة شيآن للعلوم المالية والاقتصاد. هذه الفتاة ذات الوجه الطفولي المستدير المحبة للضحك، مسؤولة حاليا عن مبيعات مزرعة تشيمين المملوكة لزوجها وو يون لونغ، المولود في عام 1988. بدأ وو استكشاف تقنيات الزراعة عندما كان يدرس في جامعة بكين للغابات.

جميع الخبراء الشباب في مزرعة تشيمين من خريجي جامعات معروفة وشغلوا وظائف محترمة. الآن لديهم حلم مشترك لبناء مزرعة لتزويد المستهلكين بمنتجات ذات جودة عالية وصحية بأسعار معقولة، للحفاظ على تقاليد حكمة الزراعة الصينية ونقلها إلى الأجيال الجديدة.

قادت د. تشياو يوي هوي، الأستاذة بكلية الموارد والعلوم البيئية في جامعة الصين الزراعية، فريقها لإجراء اختبار جودة التربة في مزرعة تشيمين قبل بضعة أشهر. قام وو يون لونغ بمرافقة الفريق لزيارة 38 دفيئة بلاستيكية وحظائر الدجاج وغيرها من أماكن زراعة الشتلات. أقرت لي سان، الباحثة في الفريق، بأن إدارة المزرعة أكثر صرامة مما كانت تتوقعه. تقوم المزرعة بإنتاج أكوام من مزيج السماد لصناعة الأسمدة العضوية الخاصة بها وتعتمد على الأسمدة الحيوية الميكروبية. جميع أفرشة التربة قابلة للتحلل، لذلك تكلفتها حوالي خمسة إلى عشرة أضعاف الأفرشة العادية.

السيد وو قال إن مزرعته يمكن أن تنتج أكثر من 150 صنفا من الخضراوات سنويا، مع أكثر من 20 نوعا من الطماطم. ويتم اختيار الأنواع غير المعدلة وراثيا والأصناف الهجينة التي تتميز بطعم أفضل، كما تُستخدم الأسمدة العضوية ويتم تلقيح المزروعات بالطائرات دون طيار لتحسين الإنتاج. ويُستفاد من فرس النبي والخنافس لمنع انتشار الحشرات الضارة بالمزروعات. قال وو: "الآن، أصبحت الطماطم منتجنا المميز المشهور."

وقالت لي سان: "هؤلاء المزارعون الشباب، الذين يحلمون بحماية البيئة وتنمية المناطق الريفية في الصين، بالإضافة إلى تمتعهم بالخبرة في التقنيات والمهارات الإدارية، أعادوا الأمل بإحياء هذه القطعة من الأرض التي كانت تعاني من تصلب التربة وآفاتها." وقالت إنها تحب هؤلاء الحالمين الشباب بسبب تمسكهم بمعتقداتهم واتخاذ ما يقومون به على محمل الجد.

وقالت ليو هوي بينغ "نريد زراعة الخضراوات والفواكه اللذيذة، ولكن سلامة الغذاء هي الأولوية."

من وجهة نظر السيدة ليو، في ظل سعي الصين الحثيث للتنمية الاقتصادية، تحتاج البلاد أيضا إلى المزيد من الشباب الذين يتمتعون بالحماسة لتطوير الزراعة العضوية. وهي تتوقع من المستهلكين أن ينفقوا أكثر على ما يأكلونه لحماية بيئتنا ولمصلحة الأجيال القادمة.

هناك العديد من الأشخاص المثيرين للاهتمام والمميزين في السوق. هم مزارعون عاديون، ولكن لديهم حلم ولديهم الشجاعة لمتابعة ذلك الحلم.

ليو يويه مينغ، وهي من مواليد سبعينيات القرن العشرين، درست في تخصص البيولوجيا بجامعة بكين للمعلمين، وعملت كمحررة في بكين. محبتها الجارفة للنباتات جعلتها تعود إلى مسقط رأسها في منطقة شونيي في ضاحية بكين الشرقية، حيث أطلقت هناك مزرعة ميتيان يانغقوانغ مع أفراد عائلتها. بعد سبع سنوات، إلى جانب إدارة المزرعة، نشرت أيضا كتابا تحت عنوان "لدي مزرعة".

ليو شو ابنة مدينة هاربين في مقاطعة هيلونغجيانغ بشمال شرق الصين، من مواليد ثمانينيات القرن العشرين. بعد أن انتقل والداها إلى بلدة قويوان، في ولاية داشينغآنلينغ في المقاطعة، وهو مكان محاط بالغابات، بدأت ليو شو تبدي اهتماما بتعزيز المنتجات الجبلية، وتبحث عن السوق لللمنتجات الجبلية، جنبا إلى جنب مع زوجها جين بنغ، المغرم بتسجيل ما يرونه معا من خلال التقاط الصور وكتابة المقالات، ما يجعل منه شاعرا ومصورا يجول في البرية.

تشانغ تشي مين صاحبة مزرعة تيانفويوان، كانت تعمل كمديرة رفيعة المستوى بإحدى المؤسسات المملوكة للدولة. تتحدث عدة لغات، وعملت في مجال التجارة الدولية للمنتجات الزراعية أكثر من 20 عاما. في الأربعينات من عمرها، قررت أن تخوض تجربة الزراعة العضوية، وهي الآن تعمل في هذا القطاع منذ أكثر من 20 عاما.

 عمل تشنغ بنغ فيّْ، الذي ولد في ستينيات القرن الماضي، كمسؤول حكومي في مصلحة الحد من الفقر، كما كان مسؤولا لدى منظمة دولية للخدمات العامة. في النهاية، قرر العودة إلى مسقط رأسه في المنطقة الريفية لمدينة تشانغجياكو بمقاطعة خبي وقام بتأسيس مزرعة مع زملائه القرويين. يحب جمع البذور ويهوى الآلات الزراعية المختلفة. هوايته هي تطوير أنواع مختلفة من المعدات التي يمكن أن تجعل العمل الزراعي أكثر كفاءة.

تقريب الناس من بعضهم البعض

كارين، معلمة جامعية، وإحدى المتطوعات في السوق. صادفت لأول مرة سوقا للمزارعين عندما كانت تعمل كباحثة زائرة في جامعة ولاية كارولينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية. عندما سمعت معلمها يذكر سوق المزارعين المحليين، سألت: "لماذا ينحو الناس لشراء الأغذية من سوق المزارعين برغم أن أسعار المنتجات فيها أعلى من المنتجات في المتاجر؟" لم يرد عليها المعلم، لكن سألها: "ألا تعتقدين أن هناك شيئا مفقودا في المتاجر؟" من وجهة نظره، الصلة والعواطف بين الناس مفقودة. المتاجر الحديثة أماكن تهدف لكسب المال، وتفصل تماما بين المنتجين والمستهلكين كما لو أنه لا علاقة لهم ببعضهم البعض. وهناك سبب آخر، هو أن المزارعين الذين يعملون بجد لا يحصلون إلا على 10% إلى 20% من السعر كمكسب، وهو برأيه غير منصف بحقهم.

أوضح المعلم أنه عندما ترى المنتجات مصفوفة على الرفوف، لا يتسنى لك أن تدرك الجهد الكبير الذي بذله المزارعون لتحويل البذور إلى خضار وفواكه طازجة. العمليات التجارية تتمحور حول ما يخص المال فقط، وهو أمر ممل ومضجر وفارغ، وتقطع الصلة الوثيقة بين الناس.

كان لإجابته تأثير على كارين، التي كانت عادة ما تولي اهتمامها فقط بالأسعار. عندما تجولت في السوق للمرة الأولى، استمتعت بالجو العام هناك حيث تسنى لها رؤية وجوه الناس الباسمة والتحدث معهم لفهم طبيعة حياتهم وعملهم. قالت إنها تستطيع أن تلمس في السوق الطريقة الطبيعية التي يتعايش الناس بها، ليس فقط مع بعضهم البعض، ولكن أيضا مع الطبيعة. ولذلك أصبحت متطوعة في سوق المزارعين في بكين بعد أن عادت إلى الصين.

الثقة والمساعدة المتبادلة هي حجر الزاوية في تطوير السوق. وبما أن تكلفة الزراعة العضوية والحصول على الشهادات العضوية عالية، لم يتقدم بعض المزارع بطلب الحصول على شهادة المنتجات العضوية، مما أثار بعض الشكوك في السوق. والحل لذلك يكمن في الثقة المتبادلة، بالإضافة الى مشاركة نظام الضمان، فالثقة المتبادلة أكثر فاعلية وأكثر مغزى من الشهادة.

قالت تشانغ تيان له: "يظن البعض أن ممارسة الإنتاج العضوي تستلزم الحصول أولا على شهادة لإثبات أن المنتج قد حقق معايير معينة، ولكننا نعتقد أن الزراعة العضوية مفهوم يعني بناء زراعة مستدامة والحد من التأثير على بيئتنا." من وجهة نظر مشغلي السوق، الزراعة العضوية لم تكن أبدا مجرد الحصول على شهادة المنتج العضوي والتخلي عن حياة المدينة للعودة إلى الريف والأسعار الباهظة، ولكن هي نمط حياة أكثر إنصافا وصحة واستدامة.

 التعايش مع الطبيعة واستهلاك الموارد الطبيعية دون الإضرار ببيئتنا، فضلا عن السماح للمزارعين والمستهلكين بتحمل المسؤولية وتقاسم الثمار معا، هو الأساس في عملية الإدارة السلسة لسوق المزارعين في بكين.

--

شي شون، كاتب حر.