شاليتاناتي وحلم التحليق فوق تيانشان


        طائرات الركاب الضخمة، التي توصف بأنها "زهرة الصناعة الحديثة" و"جوهرة التصنيع الحديث"، تجسد القوة الشاملة للدولة، من حيث مستوى الصناعة والعلوم والتكنولوجيا. شاليتاناتي باولاتي، شاب صيني مسلم من قومية القازاق، ربط حياته بحلم الصين في تصنيع طائرات الركاب الضخمة، منذ أن عمل في معهد أبحاث تصميم الطائرات بشانغهاي التابع لشركة الصين المحدودة للطائرات التجارية.

 

العواصف والأمطار تقوي الجناحين

وُلد شاليتاناتي في أغسطس عام 1987 في مدينة كويتون بمنطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم. نشأ طفلا مشاكسا بسفوح جبال تيانشان، فكان يرى دائما النسور تحلق في السماء، وكثيرا ما هرع محاولا الوصول إلى السحاب كلما رأى طائرة تحلق فوق جبال تيانشان. هنا تحديدا، نبت في قلبه عشق الطيران، فحلم بأن يصبح نسرا يرفرف بجناحيه فوق جبال تيانشان ويطير إلى أنحاء البلاد.

بعد تخرجه في جامعة بكين للطيران والملاحة الفضائية سنة 2007، التحق بجامعة تشينغهوا للحصول على درجة الماجستير في اختصاص هندسة الطيران. بعد تخرجه في عام 2011 وحصوله على الماجستير، التحق بعمل في معهد أبحاث تصميم الطائرات بشانغهاي التابع لشركة الصين المحدودة للطائرات التجارية.

قال شاليتاناتي: "عندما تخرجت في الجامعة، أتيحت لي فرصة السفر إلى اليابان لإكمال الدراسة، ولكن قضية تصنيع طائرة ركاب صينية ضخمة جذبتني. ما سعدني هو أنني شهدت تطور تصنيع طائرة ركاب صينية ضخمة. درست كثيرا من المعلومات، واكتسبت كثيرا من الخبرة في شركتنا، واستفدت منها كثيرا."

بعد شهرين من عمله، كانت قاعدة الطيران التجريبي للطائرة من طراز ARJ21-700 الواقعة في حي يانليانغ بمدينة شيآن في مقاطعة شنشي، حاملة لقب "مدينة الطيران في الصين"، تحتاج إلى مزيد من الأكفاء، فطلب شاليتاناتي من المسؤول أن يرسله إلى تلك القاعدة ذات ظروف العمل والحياة الشاقة.

جناحا النسر الصغير ضعيفان، وتقويتهما تكون من خلال مصارعة العواصف والأمطار. أمام المعلومات والبيانات المعقدة، ذهل شاليتاناتي الذي وصل إلى قاعدة الطيران التجريبي في شيآن. قال: "لم أكن أعرف كيفية كتابة التقارير التي يعدها المهندسون أصحاب الخبرة، ومنها التقارير التحليلية لمواصفات الإقلاع، والتقارير حول زيادة سرعة الطائرة وتوقفها. عقدت العزم على أن أبدأ دراسة كتابة التقارير من الصفر. كنت أقف إلى جوار الزملاء لأتعلم منهم، وأسأل أعضاء فرقة مشروع الطيران التجريبي إذا واجهتني مشكلة، وثابرت على دراسة بحوث البيانات، فلم أكن أنام في اليوم إلا ثلاث ساعات فقط." بعد أسبوعين، قدم شاليتاناتي تقريره إلى المسؤول، ونال تقديرا منه، بل أصبح تقريره نموذجا للتقارير المعنية الأخرى. وبعد شهر واحد من ذلك، أصبح شاليتاناتي مؤهلا للعمل بمفرده، وتحمل المسؤولية عن معالجة بيانات الطيران التجريبي؛ مثل مواصفات الإقلاع وأكبر سرعة لرفع العجلة الأمامية للطائرة. وحيث أن معظم حوادث الطائرات تقع أثناء الإقلاع والهبوط، أدرك أن معالجة هذه البيانات المعقدة أمر بالغ الأهمية، ولا يجوز التهاون فيه.


طائرة وحبيبة

في سبتمبر عام 2012، أجريت تجربة التوقف المفاجئ للطائرة ARJ21-700. من المعروف أن مخاطر جمة تكتنف هذه التجربة. من أجل الحصول على بيانات التجربة مبكرا وتحليل البيانات بدقة بالغة، طلب شاليتاناتي وأحد زملائه أن يكونا على متن الطائرة أثناء التجربة. قال شاليتاناتي: "أعلم مخاطر تجربة التوقف المفاجي للطائرة، ولكنني قررت أن أكون على متنها لأشعر بالتوقف المفاجئ للطائرة بنفسي، فذلك مفيد لتحليل بيانات التوقف المفاجئ للطائرة في الاختبار، بالإضافة إلى ذلك، كنت واثقا من سلامة طائرتنا بطراز ARJ21-700."

تجربة التوقف المفاجئ للطائرة، هي عملية اختبار للحد الأقصى لسلامة وقوة الصحة البدنية للركاب. بعد دخول الطائرة وضع التوقف المفاجئ، بدا شاليتاناتي داخل الطائرة وكأنه ينساب في الفضاء، وشعر بحركة جياشة لا تقاوم داخل معدته، من دون سند يعتمد إليه. شعر بالدوار وصار وجهه شاحبا. قال شاليتاناتي: "ذات مرة، سقطت الطائرة لمسافة ألف متر فجأة، ورأيت كوبا من الماء ينساب في الهواء. كان من الممكن أن أنساب أنا أيضا مثل الكوب إذا لم أربط حزام الأمان." كان شاليتاناتي يركب الطائرة مرتين أو ثلاث مرات كل يوم، ويستغرق الاختبار ثلاث ساعات كل مرة، يثابر خلالها على تسجيل البيانات داخل الطائرة. وبعد أكثر من سبعين ساعة من التجارب، تم الاختبار بنجاح. بعد أن ترجل شاليتاناتي من الطائرة مع زميله، التفت إليها وقال: "أشعر بأنني وهذه الطائرة نحيا معا ونموت معا." وبعد الحصول على البيانات الثمينة، لم يسترح، بل بدأ في معالجة البيانات فورا. في الثلاثين من ديسمبر عام 2014، حصلت الطائرة بطراز ARJ21-700 باعتبارها أول طائرة محلية صينية الصنع على شهادة صلاحية الطيران من المصلحة الصينية العامة للطيران المدني. وفي الثالث والعشرين من يونيو عام 2016، أقلعت أول طائرة صينية الصنع بطراز ARJ21-700 في أول رحلة تجارية لها، من مطار تشنغدو إلى شانغهاي، ما يعني أن الطائرات المحلية الصينية الصنع قد اتخذت من تشنغدو كقاعدة للدخول إلى أعمال الطيران، وأصبحت الصين، من الدول القليلة المصنعة لطائرات الخطوط الفرعية الكبيرة الحجم. إن نجاح الطائرات المدنية التجارية لا ينفصل عن أدائها الممتاز، ولا عن المهندسين الممتازين.

لم يستفد شاليتاناتي كثيرا من المعلومات والتجارب التي اكتسبها من عمله في قاعدة الطيران التجريبي للطائرة ARJ21-700 فحسب، وإنما أيضا صادف حبه، بعد أن تعرف بفتاة مسلمة من قومية القازاق خلال العمل، وتزوجها. بسبب المشاغل الكثيرة لمهمات الطيران التجريبي، كان من الصعب على شاليتاناتي أن يلتقي بزوجته التي تعمل في مصنع إنتاج الطائرات بمدينة شانغهاي التابع لشركة الصين المحدودة للطائرات التجارية، فاتفقا على أن تكون قاعدة الطيران التجريبي في شيآن مكان لقائهما. قالت آرييقولي محمد، زوجة شاليتاناتي، إن حلم طائرة الركاب الضخمة الصينية الصنع أصبح حلمهما المشترك.


التحليق فوق تيانشان

كلما عاد شاليتاناتي إلى موطنه في منطقة شينجيانغ، سأله الأقرباء: "متى نستطيع أن نركب الطائرات التي تصممها؟" في الحقيقة، هذا أيضا حلم شاليتاناتي. قال: "مبادرة الحزام والطريق وفرت فرصا كثيرة لتنمية شينجيانغ، وسوف تشهد سوق الطيران المدني تطورا سريعا. في الحقيقة، كثير من خطوط الطيران المحلية في شينجيانغ تناسب الطائرة ARJ21-700. أملي هو أن تحلق طائرة الركاب الضخمة التي شاركت في تصميمها، فوق جبال تيانشان في المستقبل القريب."

يبدو أن رواتب مهندسي الطيران ليست مرتفعة كما يظن الناس، ومن الطبيعي أن يتأثر بها شاليتاناتي، الذي يعيش في مدينة شانغهاي الحديثة والكبيرة، ولكن إرادته راسخة. قال: "عندما سمعت خبر تضحية الأستاذ لوه يانغ القائد العام لبحوث وإنتاج الطائرة المقاتلة بطراز 15-J بحياته، شعرت بالحزن الشديد، بينما استلهمت منه تشجيعا جبارا. أعتقد أننا الجيل الجديد للمهندسين الصينيين في قطاع الطيران المدني، علينا أن نطور هذه الروح من الإسهام والتضحية، ونتذكر رسالتنا على الدوام. لن أتخلى عن حلمي، وسيظل المهندسون المتقدمون الذين يعملون في المجالات التي يحبونها ولا يحسبون حسابا للأمور المادية نموذجا لي."

حصل شاليتاناتي على جوائز عديدة في مجال تقنيات الطيران. حاليا، يقرأ شاليتاناتي كتبا في علم الاقتصاد وعلم النفس ليدرس بنفسه هذين المجالين في وقت الفراغ. قال: "أود أن أصبح كبير مهندسين، وهذا يتطلب أن يكون لدي مفهوم التخطيط الشامل الاقتصادي. قراءة كتب علم النفس تساعدني أن أفكر من زاوية قائد الطائرة والركاب لأحسن تصميمي للطائرة." بالإضافة إلى ذلك، يشارك شاليتاناتي في أنشطة اجتماعية، وهو عضو اتحاد الشباب وعضو اتحاد الأقليات القومية بمدينة شانغهاي. في عام 2014، حضر شاليتاناتي المؤتمر الوطني السابع عشر لعصبة الشبيبة الشيوعية الصينية، كممثل للشباب الذين يعملون في مجال تصنيع طائرات الركاب الضخمة وشباب شركة الصين المحدودة للطائرات التجارية وشباب شانغهاي. قال شاليتاناتي: "ذلك شرف ومسؤولية، وثقة تدفعني لأكون متشددا مع نفسي بشكل أكثر صرامة." أضاف: "مشروع طائرة الركاب الضخمة مشروع وطني هام، وشركة الصين المحدودة للطائرات التجارية، هي رائدة في قطاع الطائرات المدنية بالصين. ويشرفني أن أكون واحدا من الذين يساهمون في تطوير طائرات الركاب الضخمة الصينية الصنع. وقد قال الأمين العام شي جين بينغ، إن حلم طائرة الركاب الضخمة جزء من حلم الصين. من حسن حظي أن أستطيع مزج حلمي بحلم الصين. تحقيق حلم طائرة الركاب الضخمة يدفع تحقيق حلم الصين، فأحقق قيمتي الشخصية بينما أحقق قيمتي الاجتماعية."

رغم أن شاليتاناتي يواجه ضغوطا كثيرة في العمل، يثق بأن حلمه سوف يتحقق بكل تأكيد. قال: "لست وحدي في هذا النضال، فأنا أكافح مع زملائي الشباب. تطوير قطاع الطيران المدني يحتاج إلى جهود جيل بعد جيل ليصبح قادرا على التنافس الدولي. نحن، شباب الصين، القوة المحورية لتحقيق هذا الهدف، ومستعدون للعمل الصعب من أجل تحقيق حلم طائرة الركاب الضخمة الصينية الصنع."