دالي القديمة تزين جبالها بالزهور

 

دالي القديمة حي سكني له تاريخ عريق في مدينة دالي، حاضرة ولاية دالي الذاتية الحكم لقومية باي. كانت دالي القديمة عاصمة لمملكة نانتشاو القديمة ومملكة دالي القديمة، وظلت على مدى أكثر من خمسة قرون، المركز السياسي والاقتصادي والثقافي لمنطقة يوننان في غابر الزمان.

تحتضن مدينة دالي العديد من أبناء الأقليات القومية، وفي مقدمتهم أبناء قومية باي التي تعد الأقلية القومية الرئيسية في هذه المدينة وتأتي في المرتبة الخامسة عشرة من بين أكبر الأقليات القومية في الصين. يشكل أبناء قومية باي أكثر من نصف عدد سكان مدينة دالي. تتميز قومية باي بسمات قومية كثيرة في مجالات العمارة والنحت والرسم، بجانب تقاليدها وعاداتها وتراثها.

تُعرف دالي بجمال مناظرها الساحرة الأربعة: "النسيم في شياقوان والزهور في شانغقوان والثلوج على جبال تسانغشان وصورة القمر في مياه بحيرة أرهاي".

دالي القديمة في كتابات لويس تشا

تناول الروائي الصيني لويس تشا، مملكة دالي القديمة في روايته ((تيان لونغ با بو)) (أنصاف الآلهة وأشباه الشياطين). البطل الرئيسي في هذه الرواية هو دوان يوي الذي كان أميرا من مملكة دالي القديمة، ثم أصبح ملكا لها. الحقيقة أن دالي حكمها في التاريخ ملك اسمه دوان يوي.

يرجع تاريخ مملكة دالي القديمة إلى عام 937، حين أنشأت أسرة دوان مملكة دالي القديمة، التي تناوب على عرشها اثنان وعشرون ملكا خلال ثلاثمائة وست عشرة سنة. في سنة 1253، شهدت دالي منعطفا هاما في تاريخها، فقد استولت عليها قوات قوبلاي خان، لتفقد دالي مكانتها كمركز للسياسة والاقتصاد والثقافة في منطقة يوننان. منذ ذلك، انتقل مركز يوننان السياسي إلى مدينة كونمينغ.

معبد تيانلونغ وزهور الكاميليا في رواية ((تيان لونغ با بو))، من المشاهد التي تترك انطباعات عميقة لدى قراء الرواية. معبد تيانلونغ، وهو حسب الرواية، معبد ملكي، ترهبن فيه بعض ملوك دالي بعد سقوط عروشهم، ومارسوا ألعاب الووشو. وقد أوضحت الرواية أن معبد تيانلونغ، اسمه الرسمي معبد تشونغشنغ، الذي يقع في شمال قمة تشونغيويه بجبال ديانتسانغشان خارج مدينة دالي.

مقاطعة يوننان قريبة جغرافيا من دول جنوب شرقي آسيا. كان أبناء مملكة دالي القديمة يعتنقون البوذية. مازال في يوننان كثير من المعابد والباغودات البوذية وتماثيل بوذا. في ذلك الزمان، كان معبد تيانلونغ هو مركز الأنشطة البوذية، وقد لاذ به تسعة من ملوك دالي القديمة وصاروا رهبانا. في هذا المعبد، تسلم ملك بورما (ميانمار حاليا) الذخيرة المقدسة لأسنان بوذا مرتين. لسوء الحظ، تعرض المعبد في منتصف القرن التاسع عشر لحريق هائل لم تبق بعده سوى ثلاث باغودات بوذية فقط.

دوان يوي، بطل رواية ((تيان لونغ با بو))، عاشق ولهان لزهور الكاميليا المنتشرة في دالي. لا ندري ما إذا كان ألكسندر دوما (الابن) مؤلف رواية ((غادة الكاميليا))، يعرف أن الصين هي منشأ زهور الكاميليا.

الصين هي موطن الكاميليا، ودالي واحدة من مدن الصين المشهورة بجمال الزهور. بدأ أبناء دالي زراعة زهور الكاميليا قبل ألف وخمسمائة سنة، وفي عصر مملكة دالي القديمة، كانت هناك هيئة حكومية ملكية معنية بتربيتها والعناية بها، إذ كانت تُعد "الزهرة الملكية". في القرن السابع، انتقلت الكاميليا إلى الدول المجاورة للصين، قبل أن تصل في القرن الثامن عشر إلى أوروبا وأمريكا. مازال أبناء مدينة دالي عاشقين للكاميليا، التي تراها في كل بيت بالمدينة. في فصل الربيع، تضفي زهور الكاميليا عالما من الألوان والسحر على الطبيعة وتثير إعجاب الناس.

لمعلوماتك:

دالي القديمة: هي المقر القديم لعاصمة مملكة دالي القديمة، بناياتها التي مازالت موجودة ترجع إلى نهاية القرن الرابع عشر. تمتد المدينة على مساحة ثلاثة كيلومترات مربعة تقريبا. المدينة المحاطة بخندق مائي، لها أربع بوابات في الاتجاهات الأربعة، على كل منها برج، وفي كل زاوية من زوايا المدينة الأربع برج حراسة. هيكل المدينة على شكل رقعة الشطرنج، وبناياتها بطرازمعماري واحد. تمر جداول الماء في المدينة القديمة التي تحتضن كثيرا من الآثارالعريقة. على جانبي الشوارع، بيوت مشيدة بطراز عمارة أبناء قومية باي، ما يجعل زائرها يتمتع بتجربة حقيقية للتقاليد والعادات المحلية. في المساء، يتبدل حال المدينة الهادئة، إذ ترتفع أصوات الغناء ويتعالى زعيق الباعة والتجار، وتبدو المدينة وكأنها قد أفاقت من سبات.

المواصلات: الحافلة العامة رقم 4 ورقم 8 إلى محطة مدينة دالي القديمة.

حديقة أسرة تشانغ: هذه الحديقة هي البستان الرئيسي لزهور الكاميليا، إذ تضم سبعة وثمانين نوعا من الكاميليا التي منشأها في يوننان، ومائة وثمانية وعشرين نوعا من زهور الكاميليا التي منشأها في شرقي الصين، ومائة وتسعين نوعا منشأها خارج الصين. الحديقة بها نحو عشرة آلاف إصيص، تشكل جبلا من الزهور. في موسم الإزهار، يتم جني زهور الكاميليا كل ثلاثة أيام ووضعها في الماء في أوان متنوعة، فتبهج الزوار وتثير إعجابهم. بنايات الحديقة مشيدة بأسلوب عمارة قومية باي. وفي هذا المكان، يتمتع السياح بارتشاف شاي سانداو المميز لقومية باي، وبمشاهدة جمال وسحر زهور الكاميليا.

المواصلات: الحافلة العامة رقم 4 إلى محطة قوانينتانغ.

عادات وتقاليد قومية باي

يعبد أبناء قومية باي آلهة محليين، ويقدسون اللون الأبيض كثيرا، اعتقادا منهم بأنه رمز للشرف. الأبيض هو اللون الرئيسي لملابسهم، إضافة إلى استخدامهم لألوان أخرى أيضا حسب الجنس والسن والقامة، الأمر الذي يترك انطباعا وشعورا عميقا لدى الآخرين.

يحب الرجل من قومية باي في منطقة دالي ارتداء سترة بيضاء مفتوحة من الأمام مع صدرية سوداء حوافها مطرزة، وسروال فضفاض أبيض أو أزرق، مع منديل رأس أبيض. وفي بعض المناطق، يحمل بعض الرجال محفظة مطرزة صغيرة، تكون غالبا هدية من الزوجة الحبيبة، ورمزا لحبهما.

تلبس المرأة من قومية باي في دالي، سترة بيضاء وصدرية حمراء ووزرة قصيرة وسروالا فضفاضا أزرق و"حذاء بايجيا". غطاء الرأس لها مميز، له دلالة خاصة: قبل الزواج، تمشط الفتاة شعرها على شكل ضفيرة واحدة مع شريط حريري أبيض في جانبها الأيسر وتحتها منديل؛ وبعد الزواج، تربط المرأة شعرها على شكل كعكة الشعر وعليها منديل أزرق من قماش الباتيك المطبوع بالشمع مع شريط بلون بسيط.

أزياء ابناء قومية باي في أنحاء الصين ليست واحدة، ولكنها تتمتع بنفس الخصائص: الألوان الزاهية والأناقة الكلاسيكية القديمة والأشغال اليدوية الرائعة.

يتميز أبناء قومية باي بالحماسة وكرم الضيافة، ويقدمون غالبا لضيوفهم شاي سانداو. إذا أردت أن تشكرهم على حسن ضيافتهم، عليك أن تقول: نوويني (شكرا).

لمعلوماتك:

عيد "سانيوه"، أي عيد الشهر الثالث: اسمه الآخر هو "قوانينشي"، وهو عيد تقليدي هام لقومية باي، يُحتفَل بهذا العيد خلال الفترة ما بين اليوم الخامس عشر واليوم الحادي والعشرين من الشهر الثالث في التقويم القمري الصيني، على سفح جبال ديانتسانغ التي تقع في غربي مدينة دالي. في البداية كان عيدا تقليديا ثم تطور إلى حدث هام لتبادل المواد وإقامة النشاطات الثقافية والترفيهية. يجتمع كثير من الباعة والزبائن لتبادل أنواع من السلع. ومن العادة أن تكون التجارة والبيع نهارا، وأن تقام النشاطات الترفيهية في المساء، فيرقصون ويغنون، بجانب عروض فنية متنوعة وألعاب الرماية وركوب الخيل وأنشطة ألعاب الكرة.

شاي سانداو: هناك طريقة خاصة لإعداد هذا الشاي وتقديمه للضيوف، إذ يقدم على ثلاث مرات؛ في الأولى يكون مذاقه مرا، وفي الثانية يكون مذاقه حلوا، والمرة الثالثة تكون لتذوق طعمه أكثر. أما الخطوة الأولى في إعداد شاي سانداو فهي وضع إناء فخاري على نار هادئة وإضافة أوراق الشاي إليه مع تحريكها باستمرار حتى يصفر لونها، قبل أن يصب فيه الماء المغلي ليكون جاهزا للتقديم. عبق الشاي ينعش الأنوف، ولكن مذاقه يكون مرا. ويكون على الضيف أن يحتسي فنجانه، الذي يقدمه له المضيف بيديه، حتى آخر رشفة. في الخطوة الثانية، تجرى نفس عملية الخطوة الأولى، مع إضافة قليل من السكر البني ولحاء القرفة الصينية وغيرهما من المشهيات إلى الشاي، ليكون مذاقه حلوا. وفي الخطوة الثالثة، تجرى نفس عملية المرحلة الأولى، مع إضافة قليل من عسل النحل والأرز المنفوش والديش الصيني ولب الجوز، لتصبح رائحة ومذاق الشاي تجمع بين رائحة الحلو والحامض والمر والحار في آن واحد، قيل إن المذاقات المختلفة في المرات الثلاث تحمل دلالات فلسفية لحياة الإنسان، وهي المرارة والحلاوة وإعادة التفكير في التجارب الشخصية الماضية.

جبال تسانغشان وبحيرة أرهاي

تتمتع دالي، بجانب حضارتها العريقة، بمناظر طبيعية ساحرة تجذب كثيرا من السياح الصينيين والأجانب. وقد أصبحت جبال تسانغشان وبحيرة أرهاي من المعالم المشهورة لمدينة دالي.

جبال تشانغشان، التي تحمل ايضا اسم "جبال ديانتسانغشان"، تتكون من تسع عشرة قمة من الشمال إلى الجنوب، وبين كل قمتين جدول ماء يصل إلى بحيرة أرهاي. هذا المنظر السياحي المشهور يعرف باسم "الثمانية عشر جدولا في جبال تسانغشان". تقع بحيرة أرهاي في شرقي جبال تسانغشان، وقد أخذت هذا الاسم من شكلها الذي يشبه أذن الإنسان، وهي ثاني أكبر بحيرة في منطقة يوننان. الثمانية عشر جدولا الجارية المتدفقة، تشكل سهلا من الطمي على هيئة مروحة اليد، تقع عليه مدينة دالي.

تقع جبال تشانغشان على خط عرض منخفض، وعلى قممها العديد من البحيرات الثلجية، وتحيط بها غابات عذراء كثيفة الأشجار. على ارتفاعات مختلفة تقع وتنتشر نباتات متنوعة ومختلفة، تشكل مناظر طبيعية خلابة متباينة ومتنوعة. إضافة إلى الكاميليا، تنتشر زهور المغنولية والزنبق والأزاليا وغيرها. يوجد واحد وأربعون نوعا من زهور الأزاليا، تمتد من سفح الجبال إلى قمم ارتفاعها أربعة آلاف متر عن سطح البحر. في موسم الإزهار، تتحول المنطقة إلى بحر من الزهور. تغطي الثلوج القمم طوال السنة، ومع أشعة الشمس، تزداد المنطقة سحرا وجمالا وتألقا.

على جبال تسانغشان ثلاث محطات لعربات الكابل (التلفريك)، منها اثنتان صغيرتان فوق مضمار بالقرب من معبد قانتونغ، وواحدة كبيرة فوق بحيرة شيماتانغ (بحيرة غسيل الخيل). ويبلغ طول كابل المحطة الكبيرة 5ر5 كيلومترات ويصل إلى قمة الجبال. يبلغ عرض بحيرة شيماتانغ حوالي مائة متر، وعمقها 7ر1 متر. بعد أن استولى قوبلاي خان على دالي القديمة، غسل جواده في هذه البحيرة، فاتخذت اسمها الحالي. تحيط زهور الأزاليا بالبحيرة ذات المياه الصافية، والتي تمتد على طول شواطئها طبقة من الحجر الأزرق الطبيعي، ما يجعلها صافية ذات منظر طبيعي رائع.

مياه بحيرة أرهاي الصافية النقية الشفافة، ينعكس عليها ضوء القمر بشكل بديع. ومن عادة أبناء قومية باي ركوب القوارب والتجديف أثناء الليل للتمتع بمنظر القمر الفضي في بحيرة أرهاي في عيد ليلة منتصف الخريف. في هذا التوقيت من العام، يشكل منظر القمر والسحب والمياه صورة ساحرة بديعة يندر وجودها في مكان آخر.

يمر ببحيرة أرهاي الخط السياحي للمناظر الطبيعية، الذي يبلغ طوله مائة وخمسة عشر كيلومترا، حيث يمكن للسائح التمتع بمناظر البحيرة عبر ركوب الدراجة الهوائية أو الدراجات الكهربائية، وتمتد على جانبي الطريق بيوت أبناء قومية باي ذات الجدران البيضاء والقراميد الكحلية اللون. ويمكن للسائح، من داخل الفندق الذي ينزل به، التمتع بمشهد شروق الشمس، والسحب الوردية في المساء، والاسترخاء، والتمتع باحتساء الشاي في بيئة مريحة هادئة.

لمعلوماتك:

الباغودات الثلاث في معبد تشونغشنغ: من المعالم الهامة لمدينة دالي، وتقع على مسافة نحو 5ر1 كيلو متر من شمال غرب المدينة، بالقرب من بحيرة أرهاي. وهي تتكون من باغودة كبيرة وباغودتين صغيرتين. الباغودة الكبيرة، وهي باغودة "تشيانشيون"، تحمل أيضا اسم "ونبي" ويبلغ ارتفاعها 13ر69 مترا. تتكون من ستة عشر طابقا، وفيها سلم خشبي دائري. وهي مشيدة بأسلوب عمارة أسرة تانغ (618- 917). الباغودتان الأخريان يبلغ ارتفاع كل منهما 19ر42 مترا، ومشيدتان بالقرميد وفي كل منهما عشرة طوابق وعلى هيكلهما نقوش نافرة بارزة لبوذا وزهور اللوتس. هذه الباغودات الثلاث لها أهمية وقيمة تاريخية وثقافية ومعمارية عالية.

المواصلات: الانطلاق من مدينة دالي القديمة إلى شمالها سيرا على القدم لمسافة 1500 متر تقريبا.

جزيرة نانتشاو: واحدة من ثلاث جزر في بحيرة أرهاي، وفيها موارد سياحية كثيرة. يمكن للسائح الوصول إليها بالعبّارة بعد شراء تذكرة ركوبها من مرفأ شوانغلانغتسون. كما يمكن أيضا الذهاب إليها بسفينة كبيرة من رصيف أرهاي. في هذه الجزيرة الساحرة، يتمتع السائح بمناظر جبال تسانغشان وبحيرة أرهاي، ويعيش تجربة مميزة ومشوقة ومختلفة.