اجتماع حوار الأحزاب السياسية العالمية
ماذا قال الحزب الشيوعي الصيني للعالم؟

 

في الفترة من الثلاثين من نوفمبر حتى الثالث من ديسمبر سنة 2017، عقد اجتماع الحوار الرفيع المستوى بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية العالمية في بكين. يعد هذا الاجتماع المتسم بالشكل الجديد والحجم الكبير أول فعالية دبلوماسية منذ اختتام المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي تم خلاله تحديد دخول الصين إلى العصر الجديد للاشتراكية ذات الخصائص الصينية. حضر الحوار زعماء نحو ثلاثمائة حزب سياسي ومؤسسة سياسية من مائة وعشرين دولة، وناقشوا موضوع "مسؤولية الحزب السياسي: بناء رابطة المصير المشترك للبشرية والمشاركة في بناء العالم الجميل".

هذا الاجتماع يعد ظاهرة سياسية جديدة في الوقت الراهن، ويعكس الوضع السياسي الدولي الحالي واتجاه التنمية الجديد للعالم في المستقبل.

ما أهمية الاجتماع؟

الحزب الشيوعي الصيني أحد الأحزاب السياسية في العالم، فلماذا اهتم العالم بهذا الاجتماع وشارك فيه؟ لماذا حضر زعماء الأحزاب والخبراء من شتى المجالات من دول في قارات مختلفة وأصحاب ديانات متعددة ونظم سياسية مختلفة ومراحلة تنمية متباينة؟ ولماذا استطاع المشاركون التوصل إلى توافق نادر رغم أن الظروف مختلفة بينهم؟

لا ريب أن السبب الرئيسي في ذلك هو المعجزة الاقتصادية في تاريخ البشرية التي حققتها الصين تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وليس هناك دولة أخرى غير الصين حققت مثل هذه التنمية الناجحة بشكل سلمي وفي فترة قصيرة وبعدد سكان أكثر من مليار نسمة.

اليوم، أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ويقترب متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي من عشرة آلاف دولار أمريكي. أمام الصين خطوة واحدة لتجاوز "فخ الدخل المتوسط"، والأهم من ذلك، أن الدول الغربية لم تواجه تحديات مماثلة للتحديات التي تواجهها الصين، ومنها التنافس الشديد الذي تواجهه الصين من دول متقدمة ودول متخلفة في نفس الوقت. في هذا السياق، تواجه الصين صعوبات أكبر من الدول الغربية، بيد أن سرعة تنمية الصين أعلى من تلك الدول وتكلفتها أقل.

برغم أهميته، ليس حجم اقتصاد الصين الضخم وتأثيره في العالم السبب الوحيد لاهتمام العالم باجتماع الحوار، فالحزب الشيوعي الصيني نفسه يعد سببا آخر. منذ العصر الحديث، يتجه العالم إلى السياسة الحزبية. لكن، لماذا يتمتع الحزب الشيوعي الصيني بمثل هذه القوة الحيوية وقوة التماسك؟ وكيف يُعد الحزب وفرة من الأكفاء الممتازين؟ لا تجد الدول الغربية إجابة عن هذه الأسئلة.

اليوم، تتجه السياسة الحزبية في الدول الغربية إلى الإفراط في الاهتمام بالمال وظهور تيار الشعبوية وضعف القيادة الجوهرية وتفكك الهيكل النظامي. أصبحت السياسة في وضع متحجر بل تتقوقع الدولة في مكانها بدون تقدم. يريد العالم، وخاصة الدول الغربية، أن يعرف كيف يتغلب الحزب الشيوعي الصيني على الشعبوية وكيف يتخلص من ضغوط رأس المال؟ ومن ناحية السياسات، يستطيع الحزب الشيوعي الصيني تنفيذ الإصلاحات المعقدة والضرورية، ووضع الخطط الطويلة الأمد وإقرار وتطبيق السياسات بسرعة. على سبيل المثال، بدأت الصين بناء السكة الحديدية الفائقة السرعة منذ عام 2004، وهي حاليا أكبر دولة في هذا المجال.

في السنوات الخمس الأخيرة، قام هذا الجيل من قادة الحزب الشيوعي الصيني ونواته شي جين بينغ، بمعالجة المشكلات المتراكمة في الصين منذ سياسة الإصلاح والانفتاح والناجمة عن الإفراط في الاهتمام بالتنمية والفعالية وتنمية اقتصاد السوق، وغيرها من المشكلات الواقعية بشكل كامل وشامل. لذا، حققت الصين تغيرات وإنجازات مرموقة.

تريد الدول الغربية والعالم معرفة الجواب، فكان الحوار المباشر مع الحزب الشيوعي الصيني أمرا طبيعيا.

لماذا عقدت الصين اجتماع الحوار؟

أولا، يعكس اجتماع الحوار، روح التقدم والاستكشاف للجيل الجديد من قادة الحزب الشيوعي الصيني، القائمة على أساس الثقة بالنفس، إذ تتمتع الصين اليوم بقدرة الحوار مع العالم. الصين حاليا مصدرة ومستوردة للمنتجات والأفكار.

بشكل عام، استهدف اجتماع الحوار مشاطرة سبل حوكمة وإدارة الحزب الشيوعي الصيني وخبراته مع العالم والاستماع إلى الآراء من الدول الأخرى. تتقدم الصين إلى قلب منصة العالم بشكل غير مسبوق وتؤثر في العالم وتغير العالم بشكل غير مسبوق.

الهدف الثاني هو عرض انفتاح الصين أمام العالم.

منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، ظهرت الشعبوية وتيار مناهضة العولمة والتجارة الحرة في الدول الغربية. تصبح الدول الغربية منغلقة على نحو متزايد، ومتمحورة حول ذاتها. في هذا السياق، تتطور الحمائية في هذه الدول. الصين، وهي دولة كبيرة، تعتبر الدولة الرئيسية التي تدفع اتجاه تقدم العصر. لذلك، قام الحزب الشيوعي الصيني بتنظيم الاجتماع لإجراء التبادلات الصريحة والشفافة مع العالم لإطلاق إشارة انفتاح الصين أكثر إلى العالم.

تجلى انفتاح الصين في جدول أعمال الاجتماع. نظم الحزب الشيوعي الصيني ثلاث دورات من اجتماع الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والعالم سابقا، حيث تبادل المشاركون مع قادة الحزب الشيوعي الصيني لمعرفة مفاهيمه في الحوكمة. فضلا عن ذلك، شاهدوا ممارسات الحكومة في الحوكمة المحلية. زاروا اللجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعي، التي تساهم في مكافحة الفساد، ومركز الإبلاغ للجنة على الإنترنت، والمحكمة المحلية ببكين وبعض القرى في مقاطعتي شاندونغ وتشجيانغ. وقد واصلت الدورة الأولى لاجتماع الحوار الرفيع المستوى بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية العالمية هذا النوع من الفعاليات، حيث حضر رئيس الصين شي جين بينغ تلك الدورة، وزار المشاركون مدرسة الحزب للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومعرض إنجازات الصين في السنوات الخمس السابقة. استطاع المشاركون في الاجتماع معرفة الصين بكل التفاصيل.هذا يعكس انفتاح الصين على العالم. خلال زيارة المشاركين إلى مدرسة الحزب، أثنى الممثل الأمريكي على آلية التدريب في المدرسة.

الهدف الثالث هو إظهار مسؤولية الصين

بدون أي شك، يقف العالم في الوقت الراهن في أخطر فترة تاريخية منذ انتهاء الحرب الباردة. تسعى كل دولة إلى مواجهة تحديات مختلفة. الصين، باعتبارها دولة عريقة، حققت إنجازات كبيرة لمواجهة الاضطرابات في العالم وترغب في مشاطرة خبراتها الناجحة مع العالم بأسره.

بالإضافة إلى ذلك، السبب الآخر لاهتمام العالم بهذه الدورة من الاجتماع هو تحديد أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية كالأفكار الإرشادية للحزب الشيوعي الصيني على المدى الطويل، أثناء المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني. هذا يؤثر في الصين، وفي العالم أيضا. قال نائب رئيس دائرة الاتصالات الخارجية للحزب الشيوعي الصيني قوه يه تشو: "أحزاب سياسية كثيرة من دول مختلفة أبدت رغبتها في معرفة المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، وخاصة أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وأفكار الحزب الشيوعي الصيني في بناء رابطة المصير المشترك للبشرية ومبادرة المشاركة في بناء عالم جميل."

يمكننا أن نقول إن عرض الصين الواثقة والمنفتحة والمسؤولة وسعيها للعمل مع العالم للتغلب على التحديات العالمية وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية، التي أدرجتها الأمم المتحدة في قرار لها، هي الأسباب الرئيسية والأهداف العامة لإجراء اجتماع الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والعالم.

يعمل الحزب الشيوعي الصيني لبناء منصة تبادل سياسي رفيعة المستوى من خلال تنظيم اجتماع الحوار، يساعد على التبادل والحوار بين الأحزاب السياسية وتحسين قدرة حوكمة الدولة وتعزيز الحوكمة العالمية ودفع تبادل الآراء بين الأحزاب السياسية بشكل شامل وعميق.

ما الذي شاطرته الصين مع العالم؟

الجزء الأهم لاجتماع الحوار هو حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ للاجتماع، وألقى الكلمة الرئيسية في مراسم الافتتاح، وهي الكلمة التي صفق لها الحاضرون سبع عشرة مرة خلال أربعين دقيقة.

ألقى شي جين بينغ كلمة تحت عنوان "العمل لبناء عالم أجمل". أكد على أهمية بناء رابطة المصير المشترك للبشرية، وكرر هذه العبارة خمس عشرة مرة، فقوبلت بتصفيق حار. طرح شي جين بينغ هذه العبارة في عام 2013 لأول مرة، وذكرها أكثر من مائة مرة في المناسبات المختلفة في السنوات الخمس السابقة. تحول العالم من موقف المتفرج على المبادرة، بل والمتشكك فيها، في بداية الأمر، إلى الترحيب بها والانضمام إليها. في هذا السياق، اقترح شي جين بينغ العمل من أجل البناءات الأربعة، وهي: بناء عالم آمن بشكل عام حتى يمكن لكل شخص أن يتمتع بالسلام والأمن؛ بناء عالم مزدهر مشترك لا فقر فيه؛ بناء عالم منفتح ومتسامح ليس فيه دولة منغلقة؛ وبناء عالم نظيف وجميل.

حقيقة الأمر أن مفهوم "رابطة المصير المشترك للبشرية" يتجاوز الاختلافات في الحضارات والديانات والنظم ومفهوم القيمة، ويؤكد على المساواة والاحترام المتبادل، لتتحمل كل دولة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مسؤولية مشتركة، ويحق لكل دولة أن تختار طريق التنمية المناسب لها. لقد أصبح بناء رابطة المصير المشترك للبشرية أهم المساهمات التي تقدمها الصين في الحوكمة العالمية. قال الرئيس شي جين بينغ في كلمته إن الصين لا تستورد نماذج تنمية من الدول الأخرى ولا تصدر نموذجها إلى الدول الأخرى. لا تطلب الصين من أي دولة أخرى أن تنتهج طريقها.

أما عن مسؤولية الصين، فقال الرئيس شي جين بينغ: "ينبغي لنا أن نحسن أعمالنا، وذلك يعتبر مساهمة في بناء رابطة المصير المشترك للبشرية. يسعى الحزب الشيوعي الصيني إلى إسعاد الشعب الصيني وتحقيق نهضة الأمة الصينية والسلام والتنمية للبشرية." ودعا الرئيس إلى التمسك على الدوام بثلاث نقاط، هي: تقديم المساهمات في حفظ سلام العالم وأمنه؛ وتقديم المساهمات في تنمية العالم المشتركة؛ وتقديم المساهمات في التبادل والبناء الحضاري. في السنوات الخمس المقبلة، ستوفر الصين خمسة عشر ألف فرصة زيارة إلى الصين للأحزاب السياسية العالمية.

أعلن شي جين بينغ أن اجتماع الحوار الرفيع المستوى بين الأحزاب السياسية العالمية سيكتسي طابعا مؤسسيا، ليكون منصة حوار سياسي ذات تأثير دولي وقدرة تمثيل شاملة.

حظيت كلمة الرئيس شي جين بينغ بتوافق عام من المشاركين. في الدورة الأولى للجلسة الكاملة بعد اجتماع الحوار، قدر رئيس وزراء كمبوديا هون سين تقديرا عاليا سياسة الرئيس شي جين بينغ ونظرته البعيدة. وشكر نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية ونائب رئيس وزراء أثيوبيا ديميك ميكونين الصين على المشاركة في هذه الخبرات الناجحة. تحدثت مع بعض المشاركين من الدول الغربية فلاحظت أن آراءهم متشابهة وتغير موقفهم، وهم أثنوا على هذا الاجتماع. هذا بسبب تغير البيئة الدولية العامة. عشت في فرنسا لأكثر من سبع عشرة سنة وتعودت على موقف التدقيق الشديد من الدول الغربية في الصين. لكن في هذه المرة، آراء التقدير للصين أكثر مما سمعت في السبع عشرة سنة الماضية.

إن اجتماع حوار الأحزاب السياسية العالمية أول فعالية دبلوماسية صينية بعد اختتام المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، حيث عرض ثقة الصين بنفسها من خلال إجراء التبادل مع الدول الغربية وحتى العالم كله بشكل متساو، وانفتاح الصين من خلال إجراء الحوار مع العالم بشكل مباشر وشفاف، وصدر الصين الرحب من خلال مشاطرة الخبرات مع العالم بدون أي تحفظ.

--

سونغ لو تشنغ، باحث في معهد دراسات الصين بجامعة فودان في شانغهاي.