عبد الله محمد: حلم الطفولة يتحقق في السماء

 

لكل شخص حلم، ولكن كم من الوقت يستطيع الإنسان المثابرة على الكفاح من أجل تحقيق حلمه؟ قال عبد الله محمد، وهو صيني مسلم من قومية الويغور: " إن عمر الإنسان قصير، لا يزيد في العادة عن ثلاثين ألف يوم، فينبغي له ، فيما أعتقد، أن يختار لنفسه طريق الحياة مرة واحدة." في عام 2002، حين بلغ عبد الله الثلاثين من عمره، قرر أن يتخلى عن الحياة المريحة، وأن يختار بنفسه لنفسه مرة واحدة. اختار الحلم الذي تاقت إليه نفسه منذ الصغر. وأصبح مؤسسا للنادي الأول والوحيد للطيران في مدينة قوانغتشو، ليساعد الآخرين على أحلامهم بالتحليق في السماء.

حلم في القلب منذ الصغر

وُلد عبد الله محمد في أسرة مسلمة بحاضرة محافظة باتشو الصغيرة التابعة لمدينة كاشغر في منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم. لم يكن في المحافظة، المحاطة بمساحات شاسعة خالية، بناية عالية أو ضخمة. كان عبد الله يرى السماء الزرقاء والصحراء ولكنه لم ير بحرا قط. كان كلما رفع رأسه نحو السماء، يتمنى أن يطير. طالما رأى في نومه أنه يطير وحيدا، وأراد أن يستمر هذا الحلم.

بعد أن التحق عبد الله بالمدرسة الإعدادية، تم اختياره للمدرسة الفنية في كاشغر، وبعد أقل من سنة، تم اختياره لقسم الموسيقى والرقص بالجامعة المركزية للقوميات في بكين، وبعد تخرجه وقع عليه الاختيار للانضمام لفرقة القوميات المركزية للغناء والرقص. وبعد أن عمل أكثر من شهرين بتلك الفرقة، تم اختياره للالتحاق بفرقة الغناء والرقص التابعة للفريق العام لقوات حرس الحدود المسلحة في قوانغتشو. كان سلبيا تجاه عمله، إذ قرر مصيره آخرون، لا هو بنفسه، رغم أنه قد حقق ما يصعب على الآخرين أن يحققوا، مثل العمل المستقر والمعيشة المطمئنة والشقة والسيارة... ظل يؤدي عملا لا يحبه.

ذات مرة، وبينما كان عبد الله يلعب مع رفيقه على شاطئ البحر، رأى طائرة شراعية مزودة بمحرك تطير في السماء. هذا المشهد أشعل في نفسه حلم الطيران الذي احتضنه قلبه منذ الصغر. بعد عودته، بدأ يبحث عن معلومات حول دراسة الطيران، مثل مكان الدراسة ومواد الدراسة ومدة الدراسة والأعمال بعد الدراسة ومكان تأسيس أندية الطيران، وغيرها. أمضى وقتا طويلا في وضع خطة كاملة تراعي حالته المادية. وبعد ذلك، اتخذ قرارا حازما بأن يترك القوات المسلحة.

تأسيس ناد للطيران

سافر عبد الله إلى مدينة بينغدينغشان بمقاطعة خنان، حيث كان يوجد بها أول مدرب للطائرات الشراعية في الصين. سأله المدرب، في أول لقاء بينهما، عن السبب الذي أتى به من شينجيانغ البعيدة إلى هنا للتعلم. أخبره عبد الله عن تجربته وحلمه، فسعد المدرب بذلك وقبله طالبا عنده. كان متأثرا عندما اقترب من الطائرة الشراعية ولمس حزام المقاومة لأول مرة، حتى ارتعشت يده، وشعر أنه يلمس حلمه بيديه ويراه أمام عينه. بعد أن تعلم عبد الله في خنان لمدة شهر تقريبا، انتقل إلى كونمينغ بمقاطعة يوننان لتعلم تقنيات الطائرة الشراعية المزودة بمحرك، لمدة أكثر من أربعة شهور. ورغم أن التمرينات شاقة، كان سعيدا بها. قال: "تعلمت أن أحرص على أجهزة الطيران، وأن أحترم هذا العمل باعتباري متخصصا فيه. هذه أول مرة في حياتي أختار طريقي بنفسي وأبادر بالخطوة الأولى. لمست حلمي واندمجت فيه وظللت أستعرض التجارب في ذلك الوقت لتشجيع نفسي، وأقول إنها المرة الأولى التي أقرر فيها مصيري بنفسي، وعلى أي حال، سأواصل السير على هذا الطريق بلا شكوى ولا ندم."

بعد ستة شهور من تعلم الطيران، ووفقا للخطة الأصلية، عاد عبد الله إلى قوانغتشو ليقيم ناديا للطيران. فبدأ التحضير لإقامة ناد للطيران في عام 2004، وبدأ أعمال النادي رسميا في عام 2005. لم يكن أحد قد فتح ناديا للطيران في قوانغتشو حينذاك، فذهب إلى جهات إدارية كثيرة لترتيب إجراءات إقامة النادي، وأخيرا أتم الإجراءات.

في الشهور الستة الأولى لإقامة النادي لم يكن لدى عبد الله طالب واحد، بسبب نقص تجارب الترويج والإعلام. ولكن بعد مقابلة صحفية قصيرة بين وسيلة إعلام وعبد الله، عرف الناس أن هناك ناديا في قوانغتشو يعلم الطيران، فأقبل كثيرون عليه يطلبون تسجيل أسمائهم في النادي وازداد عدد الطلاب. وبعد ذلك، شهد النادي تطورا سريعا.

الطيران ليس مهارة يجيدها الإنسان منذ ولادته، بل يطير إلى السماء اعتمادا على الأجهزة والمعلومات العلمية. الطيران لعبة رياضية الخطأ فيها غير مسموح. قام عبد الله بأعمال التدريب والترويج بضع عشرة سنة، وتعرض خلالها لضغوط نفسية كبيرة. وحينما يطير المتدرب في السماء بارتياح، يكون مدربه على الأرض تحت ضغط نفسي كبير. ولكن هذا المجال فيه أشياء يعتز عبد الله بها وتسعده، حيث المتدرب يبدأ من الصفر، ولا يعرف أي شيء عن الطيران، ثم يطلب تسجيل اسمه في النادي، حتى يجيد الطيران ويهبط بسلامة. هذه العملية تشعر المدرب بسعادة لا توصف.

كلما يرتب عبد الله نشاطا للطيران، يراجع نشرة الأحوال الجوية أولا، ثم ينظم ويفحص أجهزة الطيران، ويرتب مهمة الطيار. وفي المجال الجوي الواحد، يحمل كل شخص جهاز اتصال لاسلكي ذا طرفين في نفس مدى التردد لتقرير السلامة بعد كل مرة من الهبوط، ثم يجتمع المتدربون والمدربون ويغادرون موقع الطيران ويعودون معا. يبدو أن الطيران لعبة رياضية مريحة، ولكنها تحتاج إلى دقة وتعقل وحذر وانتباه. قال عبد الله: "حلمي هو أن أواصل الطيران حتى يبلغ عمري ثمانين سنة، وأن لا أرتكب أي خطأ حتى ولو كان بسيطا. لا يوجد شيء بسيط في الطيران. أرى أن كل لعبة رياضية لها جانب خطر، رغم أنني صادفت كثيرا من النكسات مثل عنصر الأمان أو صعوبة تطوير النادي، لم أفكر في التخلي عن حلمي، بل ألخص التجارب لأطير بأمان أكثر ويتطور النادي بشكل أفضل."

حلم أكبر في المستقبل

قال عبد الله إن حبه للطيران الشراعي يختلف عن شعوره بالرقص في السابق، لأن الرقص لم يكن اختياره، أما حبه للطيران، فيجعله يشعر بأن ثمة قوة تتدفق في شرايينه بلا انقطاع، ولا يشعر بالتعب. وأضاف قائلا: "رغم أنني مرهق، لكن الحب في قلبي يصدر طاقة تدفعني لعدم التخلي عن الطيران، وإنما مواصلة الطريق".

حلّق عبد الله في كل أنحاء مقاطعة قوانغدونغ، وبالإضافة إلى حلمه في الطيران بسلامة حتى الثمانين من عمره، لديه حلم آخر وهو أن يطير في أنحاء الصين، وخاصة في شينجيانغ، وتحديدا في منطقة قاناس بمحافظة باتشو في مدينة كاشغر، حيث موطنه الذي أعطاه حلمه الأول، وهو المكان الذي يتطلع إليه. خلال سنوات من السعي في سبيل العيش خارج الموطن، لم تكن لديه فرص كثيرة لزيارة أفراد الأسرة في موطنه. والداه لا يتعودان على الأطعمة والثقافة في قوانغتشو، ويصعب عليه أن يوازن بين العمل وأفراد الأسرة.

قال عبد الله، "كلما أطير في السماء وأغلق عيني، أتذكر أنني كنت في موطني أركض في الصحراء الشاسعة تحت السماء الزرقاء، وأتذكر حلمي بالطيران في السماء." الآن، تغير موطنه كثيرا، ورغم أن مناظر الموطن الجميلة باقية في الحلم فقط، فإنه حقق حلم طفولته في الواقع وفي السماء. ويحرص على ما يتمتع به، ويجتهد في مساعدة الآخرين على تحقيق أحلامهم ورفع مستوى حياتهم، باعتباره مدرب طيران. نسأل الله أن يحفظ هذا الشاب المسلم الشجاع ويسعده ويوفقه للخير وييسر كل أموره.