آفاق العلاقات الصينية- المصرية في منتدى بالقاهرة
أقيم في الثامن عشر من نوفمبر 2017 بالقاهرة، منتدى بعنوان "سمينار حول آفاق العلاقات المصرية- الصينية: بين الحاضر والمستقبل." ناقش المنتدى، الذي نظمه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري بالتعاون مع سفارة جمهورية الصين الشعبية لدى مصر، سبل تعزيز العلاقات المصرية- الصينية على ضوء ما شهدته مؤخرا من تطور ملحوظ في المجالات التجارية والاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى التعرف على مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحتها الحكومة الصينية، والتعرف على تجربة الصين الرائدة في التنمية الاقتصادية.
حضر الندوة سفير الصين لدى مصر سونغ آي قوه، ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري حسام الجمل، ولفيف من المسؤولين والخبراء من الجانبين الصيني والمصري.
في كلمته أمام المنتدى، قال السفير سونغ آي قوه إن العلاقات بين الصين ومصر شهدت تطورا غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية. وأشار إلى أن المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني أكد على التعاون بين الصين وغيرها من الدول، وأن هناك الكثير من الفرص المتاحة في ظل العولمة الجارية حاليا، ما يجعل فرص الصين تتعاظم وتشمل التعاون مع غيرها من الدول، وفي مقدمتها مصر. وأوضح السفير أن مؤتمر الحزب الشيوعي أكد على بناء مجتمع شامل يتسم بالجمال والسلام، مشيرا إلى أن هذا ليس فقط الهدف الأسمى الذي تسعى إليه الصين، وإنما أيضا الاتجاه العام الذي تلزم الصين نفسها به.
وقال السيد سونغ إن الاقتصاد المصري شهد حيوية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي وتحسن مستوى المعيشة، بعد خطوات الإصلاح الاقتصادي، مشيرا إلى أن الصين مستعدة لتبادل الخبرات مع مصر في مجالي الحوكمة والتكنولوجيا. وأضاف: "الدبلوماسية الصينية في عهدها الجديد تسعى لإيجاد سبل جديدة في التعاون بينها وبين الدول الأخرى، واحترام النظام الاجتماعي لكل دولة، وتنحية كل أوجه الاختلاف جانبا، وتوسيع مجال المكاسب التي تحققها الدولة." وأضاف: "الصين تسعى لتكون اللبنة الأساسية في السلام، وأن تكون شريكا في بناء علاقات دولية جديدة وبناء مجتمعات لتبادل المكاسب لصالح البشرية، وهذا هو الغرض من مبادرة الحزام والطريق."
ومن جانبه قال حسام الجمل، إن العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين شهدت تطورا منذ عام 1956، مشيرا إلى أن مصر هي أول دولة عربية أنشأت علاقات دبلوماسية مع الصين. وقال إن مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تعاظمت شراكتها مع الصين، باعتبارها أحد أهم الحلفاء الإستراتيجيين لها في المجال الصناعي، وهذا ما يمثل مصلحة كبيرة للجانبين.
وقد عُقدت في إطار المنتدى ثلاث جلسات، ناقش فيها خبراء من الصين ومصر العديد من القضايا؛ الجلسة الأولى تحت عنوان "العلاقات المصرية- الصينية الإنجازات الرئيسية"، حيث تناولت مناقشة التطور الإيجابي المتزايد في العلاقات الصينية- المصرية خلال السنوات الثلاث الماضية، فيما تناولت الجلسة الثانية موضوع "مبادرة الحزام والطريق- الفرص والآفاق"، تم خلالها التعرف على كل أبعاد مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس شي جين بينغ، أما الجلسة الثالثة فركزت على موضوع "التنمية الاقتصادية الصينية والإصلاح- الخبرات والتوقعات"، حيث تناولت الأبعاد المختلفة لتجربة الصين ونجاحها في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة أدت للنهوض بالمجتمع الصيني، واستطاعت تحقيق قفزات تنموية متعددة وتعزيز التطور العلمي والتكنولوجي في مجالي التعليم والتصنيع، بالإضافة إلى مناقشة إيجابيات السياسات الاقتصادية بالصين.
وقد شارك الرئيس التنفيذي لفرع ((الصين اليوم)) بالشرق الأوسط حسين إسماعيل في الجلسة الأولى للمنتدى، بورقة رصد فيها أبرز ملامح إنجازات العلاقات الصينية- المصرية، في السنوات الأخيرة، وهي: أولا، على مستوى العلاقات السياسية. شهدت السنوات الأربع الماضية تبادلا سياسيا مكثفا بين الجانبين، فقد زار الرئيس عبد الفتاح السيسي الصين أربع مرات منذ زيارته الأولى لبكين في ديسمبر 2014، والتي تم خلالها الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، ثم زارها في سبتمبر 2015 لحضور احتفالات الصين بالذكرى السنوية السبعين للانتصار في الحرب العالمية الثانية، وفي سبتمبر 2016 للمشاركة في قمة مجموعة العشرين، وفي سبتمبر 2017 للمشاركة في قمة مجموعة بريكس. كما زار الرئيس شي جين بينغ مصر في يناير 2016، وأطلق مع الرئيس السيسي من مدينة الأقصر العام الثقافي المصري- الصيني بمناسبة الذكرى السنوية الستين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وقد تجلى التنسيق بين البلدين في مناسبات عديدة. ثانيا: على المستوى الاقتصادي. وفقا لمصلحة الجمارك الصينية، بلغ حجم التجارة السلعية بين الصين ومصر حوالي سبعة مليارات دولار أمريكي في الفترة من يناير إلى أغسطس 2017، بانخفاض بلغت نسبته 47ر11%، بالمقارنة مع نفس الفترة من العام السابق. وحسب البيانات، فإن حجم واردات الصين السلعية من مصر بلغ 859 مليون دولار أمريكي في الفترة ذاتها، بارتفاع بلغت نسبته 52ر232% بالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2016، وبلغ حجم صادرات الصين السلعية إلى مصر 139ر6 مليارات دولار أمريكي، بانخفاض بلغت نسبته 71ر19%. وعلى الرغم من أن الهوة لا تزال شاسعة بين حجم صادرات الصين إلى مصر وحجم واردات مصر من الصين، فإنه إذا استمر هذا التوجه بزيادة الصادرات المصرية إلى الصين وتراجع حجم واردات مصر من الصين بنسب مقاربة لما تحقق في الشهور الثمانية الأولى لعام 2017، فمن المتوقع أن يحدث نوع من التوازن في حجم التبادل التجاري بين البلدين في غضون الخمس سنوات المقبلة. وسوف يعزز هذا التوجه تنامي حجم الاستثمارات الصينية في مصر بوتيرة سريعة، فضلا عن تزايد تدفق السياح الصينيين إلى مصر. وقال إن ما تقوم به مصر منذ منتصف عام 2013، يجعلها أقرب إلى الحالة الصينية الممتدة منذ تبني بكين لسياسة الإصلاح والانفتاح في عهد دنغ شياو بينغ وصولا إلى التحولات الهيكلية التي يقودها حاليا الرئيس شي جين بينغ. وبرغم اختلاف حجم ونمط التحديات التي تواجه الدولة المصرية عن تلك التي واجهت الصين في بداية مسيرة إصلاحها الاقتصادي والسياسي، تتطور الحالة المصرية بوتيرة سريعة نسبيا. كانت نقطة الانطلاق للبلدين هي تثبيت أركان الدولة؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، فالتحديات التي واجهتها مصر بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013، تتشابه كثيرا مع التحديات التي واجهتها الصين بعد انتهاء الثورة الثقافية التي استمرت من سنة 1966 حتى سنة 1976. ومثلما آمنت القيادة الصينية بأن بناء الاقتصاد هو الخطوة الأولى لإعادة بناء الدولة وأن ذلك يتطلب سياسات جريئة وتحريرا للفكر، سيكون لهما ثمن اجتماعي مرحلي بالتأكيد، اتخذت الدولة المصرية خطوات خارج السياق التقليدي وأقدمت على إصلاحات اقتصادية غير مسبوقة، وتبنت رؤية "بناء" الطرق والمدن الجديدة ومحطات الكهرباء والمياه، وغيرها من مشروعات البنى التحتية، مع بناء الإنسان من خلال تعزيز التطور في مجالات الصحة والسكن والتعليم والرعاية الاجتماعية.
وأوضح إسماعيل أن هناك اهتماما خاصا في البلدين بالشباب ودورهم في بناء المستقبل. في المؤتمر الرابع للشباب المصري بالإسكندرية في يوليو 2017، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي: "إن زراعة الأمل في نفوس الشباب المتحمس الواعد هو في الحقيقة استثمار في الحاضر والمستقبل". وفي التقرير الذي ألقاه الرئيس شي جين بينغ أمام المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، قال: إذا نهض الشباب نهضت الدولة، وإذا قوي الشباب قويت الدولة. وما دامت لدى جيل الشباب المثل العليا والكفاءة وروح تحمل المسؤولية، فسيكون للبلاد مستقبل واعد، وللأمة أمل." وهناك ثقة من قادة البلدين بقدرة بلديهما. الرئيس السيسي أكد أن مصر أمة عظيمة لديها قدرة لا حدود لها على التفاهم والتضحية. والرئيس شي قال إن الصين أمة عظيمة تتسم بعزيمة صلبة وجابهت الكثير من المتاعب والمحن. كلا البلدين يتجهان نحو المستقبل. ولا أظن أنه من قبيل المصادفة أن يجري العمل في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بمصر وفي منطقة شيونغآن الجديدة في الصين بنفس المفاهيم ولنفس الأغراض تقريبا في نفس الوقت.
إن نظرة سريعة على القضايا الساخنة في مصر والصين تكشف عن التشابه الذي يصل إلى حد التطابق أحيانا، فمنذ أن تولى الرئيس شي جين بينغ منصب أمين عام الحزب الشيوعي الصيني، ومنذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤولية الحكم في مصر، شرع البلدان في مكافحة الفساد من جذوره، ذبابه ونموره، حسب التعبير الصيني، وتبنى البلدان نهج تنمية جديدا يقوم على الإبداع والابتكار وإدماج الشباب في العملية السياسية وريادة الأعمال، وغيرها من الإجراءات التي من شأنها تحقيق الحلمين الصيني والمصري. لم يكن من قبيل المصادفة أن تدعو الصين رئيس مصر للمشاركة في ثلاث مناسبات أقامتها خلال السنوات الثلاث الماضية وأن تكون مصر من أولى الدول الداعمة لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والمشاركة في تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي اقترحته الصين.
لقد اعتمد الاقتصاد الصيني بشكل رئيسي في بداية انطلاقه على الاستثمارات الخارجية والتصدير والميزة التنافسية للعامل الديمغرافي، وهذا ما تسعى إليه مصر حاليا. وعلى الرغم من الإشادات الدولية بالتنمية في الصين، واجهت بكين، ومازالت تواجه، تشكيكا غربيا في سياساتها وصل إلى الحد التنبؤ في فترات مختلفة بانهيار الصين، ونالت بكين الحظ الأوفر من التقارير السلبية لما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان، وهذا ما يحدث مع مصر حاليا. وبمراجعة بعض التقارير الإعلامية الغربية حول مصر خلال السنوات الأربع الماضية، يكفي أن تضع اسم الصين مكان مصر لتدرك أنك تقرأ نفس الشئّ!
يقول العرب "التمسوا الرفيق قبل الطريق"، ويقول الصينيون "إن الناس عندما يسيرون معا يشقون دربا جديدا". وأحسب أن المصريين والصينيين قد أحسنوا اختيار رفقاء الطريق وأن سَيرَهم معا يشق دروب الخير لكل منهما.