التنمية السلمية للصين تتيح مزيدا من الفرص للعالم

 

الزمن يمر دون أن نشعر به، فها نحن نستقبل عام 2018. بمناسبة وصول السنة الجديدة، يسعدني أن أقدم التهنئة للأصدقاء قراء مجلة ((الصين اليوم))!

خلال التبادلات بيني وبعض الأصدقاء العرب في الأيام الأخيرة، وجدت أن المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي اُختتم قبل أكثر من شهرين ما زال الموضوع المركزي للحديث. ولاحظت أن الناس لا يهتمون باتجاه تنمية الصين بعد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب فحسب، بل يهتمون بتأثير تنمية الصين على العالم اهتماما أكثر. أعتقد أن المؤتمر الوطني التاسع عشر قد أوضح أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت العصر الجديد، وقام بالتخطيط العام لبدء الصين للمسيرة الجديدة لتحقيق انتصار حاسم في إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل وبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، ويتحلى بمغزى تاريخي هام للصين، وسوف يؤثر على العالم تأثيرا إيجابيا عميقا، ولا بد أن يجلب قوة دافعة أكبر للتطور العميق لعلاقات التعاون المتبادل المنفعة بين الصين والدول العربية.

أولا،

حدد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب أن الصين ستتمسك بخطة التنمية الاقتصادية التي تتفق مع الظروف الخاصة للصين. ستتمسك الصين بتعميق الإصلاح على نحو شامل وتطبيق مفاهيم التنمية الجديدة المتمثلة في "الابتكار والتناسق والخضرة والانفتاح والتمتع المشترك بثمار التنمية"، ودفع تنمية الاقتصاد بشكل مطرد وسليم، وبناء نظام اقتصادي حديث. وقد انتقل اقتصاد الصين من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية العالية الجودة، فلا بد من دفع تغيير التنمية الاقتصادية من حيث الجودة والفعالية والقوة المحركة، باتخاذ الإصلاح الهيكلي لجانب العرض خطا رئيسيا، وتكثيف الجهود لتعجيل إقامة منظومة صناعات تقوم على التنمية التعاونية بين الاقتصاد الحقيقي والابتكار العلمي والتكنولوجي والأعمال المصرفية الحديثة والموارد البشرية؛ وتعجيل تطوير قطاع التصنيع المتقدم، لدفع الاندماج العميق بين شبكة الإنترنت والبيانات الكبرى والذكاء الاصطناعي وبين الاقتصاد الحقيقي؛ ودفع التنمية الخضراء، بحيث تركيز الجهود على تسوية المشكلات البيئية البارزة، وزيادة قوة حماية النظام الإيكولوجي، وإصلاح نظام مراقبة وإدارة البيئة الإيكولوجية، والدعوة إلى أسلوب الإنتاج والحياة الأخضر والمنخفض الكربون والدائري والمستدام، بحثا عن طريق التنمية المستدامة.

نجحت الصين في تسوية مشكلة الغذاء والكساء بعد نحو أربعين سنة من الجهود، حيث ازداد متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 156 دولارا أمريكيا في عام 1978 إلى أكثر من ثمانية آلاف دولار أمريكي في عام 2016، وأصبحت القدرة الإنتاجية الاجتماعية الصينية في مقدمة العالم في جوانب متعددة، وتحتل قدرتها الإنتاجية المرتبة الأولى في العالم في إنتاج أكثر من 220 نوعا من المنتجات الصناعية والزراعية الرئيسية. ومع ارتفاع مستوى معيشة الشعب باستمرار، أصبحت حاجة جماهير الشعب متنوعة ومتعددة المستويات والجوانب، وتزداد المطالب المتعلقة بالديمقراطية وحكم القانون والإنصاف والعدالة والأمن والبيئة وغيرها من المجالات، وتصبح مشكلة عدم توازن وعدم كفاية التنمية بارزة على نحو متزايد.

على هذا الأساس، أشار المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب إلى أن التناقض الاجتماعي الرئيسي في الصين قد تحول إلى التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة والتنمية غير المتوازنة وغير الكافية، وأن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية قد دخلت إلى عصر جديد. كما دعا المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب إلى بناء رابطة المصير المشترك للبشرية وقام بالشرح الواضح لفحواها العميق، أي بناء "عالم نظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والازدهار المشترك وكذلك الانفتاح مع الشمول".

وبناء على مفهوم "بناء رابطة المصير المشترك للبشرية" المشار إليه، سوف تقدم دبلوماسية الصين مساهمات تاريخية جديدة في الجوانب التالية في العصر الجديد: أولا، الحفاظ على السلام الدائم، وإيجاد وصون بيئة سلمية جيدة لتوجّه الدول النامية نحو التحديث وتسوية المشكلات العالمية؛ ثانيا، دفع الأمن الشامل، من أجل ضمان سلامة التواصل السياسي الدولي والتبادلات الاقتصادية والتجارية والتبادلات الاجتماعية الدولية؛ ثالثا، تعزيز الازدهار المشترك، ودفع التعاون المتبادل المنفعة والتنمية المشتركة بين الدول المختلفة من خلال مبادرة "الحزام والطريق" وغيرها من منصات التعاون الدولية؛ رابعا، مواصلة الانفتاح والشمول، وتقديم مساهمات في تعميق الاستفادة المتبادلة في مجال الحضارة والاتصالات الودية على المستوى الدولي؛ خامسا، بناء عالم نظيف وجميل، من حيث تطوير النظام الاقتصادي الأخضر المنخفض الكربون، ودفع التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، وتقديم مساهمات إيجابية في بناء الحضارة الإيكولوجية العالمية.

ثانيا،

أشار الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، إلى أن الابتكار أهم القوى الدافعة لقيادة التنمية، وسند إستراتيجي لبناء المنظومة الاقتصادية الحديثة. تحت إرشاد مفاهيم التنمية المتمثلة في "الابتكار والتناسق والخضرة والانفتاح والتمتع المشترك بثمار التنمية"، ستواصل الصين قيادة الابتكار الشامل عن طريق الابتكار العلمي والتكنولوجي، وتحفيز القوة الحيوية للابتكار من خلال إصلاح النظام والآلية، وتعزيز البحوث الأساسية التطبيقية، وتوسيع تنفيذ المشروعات العلمية والتكنولوجية الوطنية الكبرى، وإقامة دعائم قوية لبناء دولة قوية من حيث العلوم والتكنولوجيا والجودة والطيران الفضائي والخدمات السيبرانية والمواصلات، إضافة إلى بناء الصين الرقمية والمجتمع الذكي. في عام 2016، ارتفعت نسبة مساهمة التقدم العلمي والتكنولوجي في التنمية الاقتصادية إلى 2ر56%. سيقدم الابتكار قوة محركة جبارة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للصين، وسيقدم للعالم بالضرورة مزيدا من الدعم والفرص.

ثالثا،

سوف تعمل الصين لتشكيل الهيكل الجديد للانفتاح الشامل، بحيث تثابر على بنائها من خلال فتح بوابة البلاد وتسعى إلى الفوز المشترك من خلال الخروج من بوابتها. تعمل الصين على إنشاء رابطة المصير المشترك للبشرية، من أجل بناء عالم نظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والازدهار المشترك، وكذلك الانفتاح مع الشمول. سوف يتجسد هذا المفهوم الصيني في الجوانب التالية بشكل أوضح: أولا، التمسك بتبادل الاحترام والتشاور المتكافئ، انتهاج طريق جديد للتواصل بين الدول، يتمثل في "الحوار بدلا من المجابهة والشراكة بدلا من التحالف"؛ ثانيا، التمسك بحل النزاعات عبر الحوار وتسوية الخلافات عبر التشاور، والتخطيط الشامل لمواجهة التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية؛ ثالثا، التمسك بالوحدة خلال الأزمات لتعزيز عملية تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار، ودفع تطور العولمة الاقتصادية نحو اتجاه أكثر انفتاحا وشمولا ومنفعة عامة وتوازنا وفوزا مشتركا؛ رابعا، احترام تنوع حضارات العالم، والتمسك بالتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة بين مختلف الحضارات والثقافات والتنمية الشاملة لها؛ خامسا، التمسك ببناء مجتمع صديق للبيئة في المجال الإيكولوجي، والتعاون بين الدول المختلفة في مواجهة التغير المناخي وحماية الكرة الأرضية التي تعتمد عليها حياة البشرية. وأثق بأن الصين ترغب في تقديم مزيد من حكمة الصين ومشروع الصين وتجارب الصين، وتقديم مزيد من الطاقة الإيجابية للمجتمع الدولي، وإتاحة مزيد من الفرص الجديدة لتنمية مختلف الدول، مع اقتراب الصين من مركز المسرح العالمي على نحو متزايد.

إن الخبرة الهامة لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد هي الانطلاق من الظروف الخاصة للصين والتمسك بالسير في طريقها الخاص. إن بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هو مسيرة الإصلاح والتجديد والتقدم مع الزمن. لا نهاية لإبداعات الصين ولا حدود لإصلاح الصين ولا نقطة نهائية لتنمية الصين. أعلن المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني أن الصين سوف تنفذ "مفاهيم التنمية الجديدة" وتسير بثبات لا يتزعزع في طريق التنمية المتمثل في مفهوم "الابتكار والتناسق والخضرة والانفتاح والتمتع المشترك بثمار التنمية"، وتسرع في بناء دولة منفتحة ومبتكرة. يجب التنفيذ الشامل لنظام إدارة المعاملة الوطنية قبل السماح بالنفاذ إلى السوق، ونظام القائمة السلبية، وتخفيف السيطرة بشكل ملموس على السماح بالنفاذ إلى السوق، وتوسيع انفتاح قطاع الخدمات على الخارج، وحماية الحقوق والمصالح المشروعة لرجال الأعمال الأجانب في مجال الاستثمار. الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتجاوزت نسبة مساهمتها في نمو الاقتصاد العالمي 30%. مع إسراع الصين في التنمية وانفتاحها على الخارج، سيرتفع دور الصين باعتبارها المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي بشكل مطرد. في السنوات الخمس المقبلة، سوف تستورد الصين بضائع قيمتها ثمانية تريليونات دولار أمريكي، وستجذب استثمارات أجنبية قيمتها ستمائة مليار دولار أمريكي، وسيبلغ إجمالي حجم الاستثمارات الصينية في الخارج سبعمائة وخمسين مليار دولار أمريكي، وسيبلغ عدد السياح الصينيين في الخارج سبعمائة مليون شخص/ مرة. سيكون لتنمية الصين مزيد من التأثيرات الممتدة. في الخمس عشرة سنة المقبلة، من المتوقع أن تستورد الصين بضائع قيمتها أربعة وعشرون تريليون دولار أمريكي، وتجذب استثمارات أجنبية قيمتها تريليونا دولار أمريكي، وأن يبلغ حجم الاستثمارات الصينية في الخارج تريليوني دولار أمريكي. تثبت كل هذه الأرقام أن تنمية الصين سوف تقدم لدول العالم سوقا أوسع ورأسمالا أوفر ومنتجات أكثر تنوعا وفرص تعاون أثمن. في المستقبل، ستتبنى الصين مزيدا من الإجراءات الهادفة إلى تحسين مستوى معيشة الشعب ودفع تنمية البلاد، مما يوفر مزيدا من الفرص لتعميق التعاون المتبادل المنفعة بين دول العالم، بما فيها الدول العربية بالتأكيد.

ستعمل الصين، بثبات لا يتزعزع، على تحقيق التواصل في السياسات، وترابط المنشآت، وتيسير التجارة، وتيسير التمويل، والترابط بين قلوب الشعوب، وتشكيل نمط انفتاح يتميز بالارتباط الداخلي والخارجي برا وبحرا والتآزر الثنائي الاتجاه شرقا وغربا، من خلال التعاون الدولي لـ"الحزام والطريق"، والمثابرة على وضع "الاستقدام من الخارج" و"التوجه نحو الخارج" على قدم المساواة، وتطوير التجارة الخارجية، وابتكار نمط الاستثمار بالخارج، وبناء منصات جديدة للتعاون الاقتصادي الدولي، وتطوير القوة المحركة الجديدة بجهود مشتركة. ستنعقد الدروة الأولى لمعرض الصين للاستيراد الدولي في الفترة من الخامس إلى العاشر من نوفمبر عام 2018 في شانغهاي، ومن المتوقع أن تشارك في هذه الدورة مؤسسات من أكثر من مائة دولة ومنطقة. إن إقامة معرض الصين للاستيراد الدولي إجراء لتنفيذ دورة جديدة من الانفتاح المرتفع المستوى على الخارج للصين، كما يعد وسيلة تعرض الصين من خلالها أمام العالم، رغبتها في المنفعة المتبادلة والفوز المشترك والتمتع المشترك بالفرص.

كما نعرف، ما زالت الصين وسوف تظل لفترة طويلة في المرحلة الأولية للاشتراكية، فما زالت التنمية الاقتصادية والاجتماعية للصين تواجهها صعوبات وتحديات جمة، وهناك طريق طويل شاق أمام تحقيق تطلعات الشعب إلى حياة جميلة. وكل ذلك، يتطلب جهودا وكفاحا بلا كلل أو ملل. وفي الوقت نفسه، تحدونا ثقة تامة في تنمية الصين في المستقبل وتحقيق الهدف العظيم المتمثل في نهضة الأمة الصينية. وقد رأينا أن تنمية الصين ما زالت لديها قوة كامنة كبيرة ومجال كبير. وفي المستقبل، لن تتوقف الصين عن خطوات انفتاحها على الخارج، بل سوف تعمق الصين هيكل الانفتاح على الخارج على المستويات الشاملة، وتجمع بين دفع بناء "الحزام والطريق" وإنشاء رابطة المصير المشترك للبشرية وتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بشكل أوثق، لبناء منصات جديدة للتعاون الدولي، وإضافة قوة محركة جديدة للتنمية المشتركة، وتحقيق السعادة للشعب الصيني وشعوب العالم بجهود مشتركة.