الصين في ملتقى آثار المملكة العربية السعودية


عقد في العاصمة السعودية، الرياض، في الفترة من السابع إلى التاسع من نوفمبر 2017، الملتقى الدولي الأول لآثار المملكة العربية السعودية، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. وقد كانت الصين حاضرة في هذا الملتقى بورقة بحثية قدمها الدكتور أسامة منصور الأستاذ بجامعة القوميات في منطقة نينغشيا بعنوان "مكة المكرمة والمدينة المنورة في المصادر والسجلات الصينية"، استعرض فيها تاريخ العلاقات بين الصين وبلاد العرب منذ ما قبل الميلاد، ثم تطور هذه العلاقات بعد ظهور الإسلام وتأسيس الدولة العربية الإسلامية والذي عاصر عهد أسرة تانغ (618-709م) وكيف كان للتجارة الدور الفاعل في ازدهار هذه العلاقات، حيث كانت الطرق مفتوحة بين بلاد العرب والصين، واهتمام البلاط الإمبراطوري الصيني بمعرفة أحوال بلاد العرب، بل كان هناك تبادل دبلوماسي يتم بين الحين والآخر بين الصينيين والعرب.

ثم انتقل للحديث عن مكة والمدينة في المصادر والسجلات الصينية، حيث تناول عددا من الكتب والسجلات الأصيلة في تاريخ الصين والتي عرضت مكة والمدينة باعتبار أن لهما مكانة كبيرة وعظيمة عند العرب والمسلمين.

وعرض الباحث كتاب "تانغ شو" وهو أول عمل تاريخي كلاسيكي حول أسرة تانغ، وأحد الكتب الأربعة والعشرين الكبرى في تاريخ الصين. وقد ورد أول ذكر للدولة العربية الإسلامية في الكتاب، وكان بمثابة المعرفة الأولى لأسرة تانغ بالدولة الجديدة الناشئة في بلاد العرب. وقد ورد في الكتاب :" في سنة 651 قام ملك "داشي Dashi" (يقصد العرب) ولأول مرة بإرسال مبعوث محمل بالهدايا إلى بلاد الصين؛ معلنا أن العرب قد انتظموا تحت إمرة ملك واحد قبل 34 سنة تعاقب خلالها ثلاثة ملوك، وأن ملكهم يلقب بـ: " Damimumuni" (وهو تحريف للفظ أمير المؤمنين).

أما الكتاب الثاني فهو كتاب "مذكرات في ديار الغربة " للأديب الصيني دو هوان. كان مؤلفه مرافقا للجيش الصيني في المعركة التي دارت بينه وبين جيش العرب فيما عُرف بمعركة "تالاس" عام 751م، وهي المعركة الأولى والوحيدة بين العرب والصينيين- والتي انتصر فيها العرب ووقع الكثير من الصينيين في الأسر.

وكان في رفقة الجيش الصيني في هذه الحرب عدد من الكُتّاب والأدباء، كان من بينهم الأديب " دو هوان " الذي وقع في الأسر، لكنه عومل معاملة طيبة، حيث سُمح له بأن يجوب بلاد العرب ويكتب عنها وعن أحوالها وعن عادات المسلمين وشرائع الإسلام. ورغم أن هذا الكتاب فُقد، فإن بعض نصوصه تم تسجيلها في كتاب "موسوعة الأنظمة" الذي كتبه دو يو، وهو عم دو هوان.

في فترة أسرة سونغ (907-1271م)، أدرك أباطرة سونغ منذ البداية أن التجارة هي العامل الأقوى في رفع اقتصاد الصين ودعم استقرارها. لذا، وضعوا سياسة تقضي بإعطاء امتيازات للتجار الأجانب وحماية ورعاية الجاليات الأجنبية التي تقيم في موانئ ومدن الصين؛ فشهد عهد هذه الأسرة ازدهارا تجاريا، كما ازدهرت العديد من الموانئ وخاصة ميناء تشيوانتشو، الذي أصبح في ذلك الوقت أكبر وأشهر ميناء في الصين للتجارة الخارجية.

وقد تناول البحث كتابين من أهم الكتب التي ظهرت في فترة أسرة سونغ؛ الأول هو كتاب "دليل ما وراء الجبال الجنوبية"، الذي يتناول العادات والتقاليد والطبيعة والإنتاج في الأقطار العربية وغيرها من الأقطار. أما الثاني فهو كتاب "أحوال البلدان الأجنبية"، الذي يُعد من الوثائق الهامة التي تشهد على تاريخ العلاقات العربية- الصينية. مؤلفه، تشاو رو كوه، كان يشغل منصب "مراقب التجارة البحرية" في ميناء تشيوانتشو. أتاح له منصبه الحصول على معلومات وافرة عن البلدان التي كانت تتاجر مع الصين وعن البضائع الصادرة والواردة. استقى المؤلف معلوماته من التجار الذين كانوا يصلون إلى ميناء تشيوانتشو، حيث كان عليهم فور وصولهم تسجيل أسمائهم وأسماء بلادهم وما يحملون من بضائع، وكان على التجار الانتظار حتى تصل آخر السفن في الموسم التجاري المعين. لذا، كان لدى المؤلف الوقت الكافي للقاء التجار والحديث معهم وتسجيل ما يحتاجه من معلومات. يقع هذا الكتاب في قسمين، يتناول أولهما الأقطار والشعوب التي كانت تتاجر مع الصين وتصل سفنها إلى ميناء تشيوانتشو. وقد بدأ بالأقطار القريبة من الصين فذكر كمبوديا والملايو وسيلان والهند، ثم انتقل إلى البلاد العربية فذكر أشهر الموانئ فيها وأهم المدن مثل صحار وعمان ومخا وبغداد ومكة المكرمة والبصرة ومصر (يقصد القاهرة) والإسكندرية والمغرب الأقصى وبعض مناطق البحر المتوسط وجزره، ويختم القسم بفصول عن جزر الفلبين وكوريا واليابان.أما القسم الثاني، فعرض فيه المؤلف البضائع والسلع التي كانت تُنقل إلى الصين مع ذكر خصائصها ومنافعها وأوجه استخدامها.

في فترة أسرة يوان (1271-1368م) صدر كتاب "لمحة عن البلدان والجزر" للرحالة وانغ دا يوان، الملقب بـ"هوانغ تشانغ". زار وانغ دا يوان بلادا كثيرة فترك آثار قدميه في نصف الدنيا. حيث ركب البحر في رحلتين بحريتين ما بين عام 1330 إلى 1334م، وما بين 1337إلى 1339م جاب خلالهما مناطق كثيرة في آسيا وسواحل المحيط الهندي في إفريقيا. وزار مكة المكرمة والبصرة ودمياط وغيرها من المرافئ العربية، حتى وصل إلى طنجة على ساحل المحيط الأطلسي. لذا، يعتبر الصينيون رحلته تضاهي رحلة ابن بطوطة التي بدأها من طنجة وانتهى بها في أقصى الشرق في بلاد الصين، في سعة معارفها وعدد البلاد التي زارها، بيد أنها أسبق من رحلة ابن بطوطة بثمانية أعوام.

في عام 1349م، قدم وانغ دا يوان كتابه "لمحة عن البلدان والجزر"، الذي تناول فيه أكثر من 220 دولة ومنطقة، وقال في ذيل الكتاب: "إن ما ورد في هذا الكتاب هو ما شاهدته بأم عيني في الأماكن التي وصلت إليها بنفسي، أما ما ترامى إلى مسامعي فلم أترك له مجالا." أما ما ورد عن مكة فقد سماها "تيانتانغ"، أي "الجنة أو الفردوس" وإليك النص: "إن الجنة تكثر فيها الحقول إلى جانب المفاوز. وهي خصبة غنية بإنتاج الأرز، وسكانها يعملون براحة، ومناخها حار، وتعم فيها الأعمال الصالحة، والقوم رجالا ونساء يربون الضفائر ويرتدون الجلباب من القماش الناعم. ويضعون حزاما من القماش الناعم أيضا، وتُربى فيها الخيل التي ترتفع ثلاثة أمتار."

شهدت فترة أسرة مينغ (1368-1644م)، حدثا عظيما في تاريخ الصين وهو رحلات البحار تشنغ خه إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر وساحل إفريقيا الشرقي. خرج تشنغ خه بتكليف من البلاط الإمبراطوري في سبع رحلات بحرية بدأت عام 1405 وانتهت عام 1433. كانت بهدف دفع الدبلوماسية السلمية وتوسيع التجارة مع البلدان الأجنبية.