دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية تطلق عصرا تاريخيا جديدا


عقدت الدورة الخامسة لمؤتمر الصداقة الصينية- العربية في بكين مؤخرا، بمشاركة عشرات الضيوف من سبع عشرة دولة عربية ومندوبين من مقاطعات ومدن صينية عديدة. ناقش المشاركون موضوعات متعلقة بتعزيز التعاون بين الصين والدول العربية، تدور محتوياتها حول المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في أكتوبر 2017، وقد أجمعوا على أنه مؤتمر تاريخي ذو مغزى عميق. هذا يعكس اهتمام الناس بمعرفة كيف تحقق الصين إنجازاتها البارزة، وكيف ستتطور في المستقبل، وما هو تأثير الصين في العالم.

أولا

تعد السنوات الخمس الماضية، منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني فترة متميزة للغاية. تحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ونواتها الرئيس شي جين بينغ، أنجزت الصين التخطيط الشامل لدفع الترتيب الشامل للتكامل الخماسي الذي يتمثل في البناء الاقتصادي والبناء السياسي والبناء الثقافي والبناء الاجتماعي والبناء الحضاري الإيكولوجي والدفع المتناسق للتخطيطات الإستراتيجية المتمثلة في "الشوامل الأربعة"، وهي: إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وتعميق الإصلاح على نحو شامل، ودفع حوكمة الدولة وفقا للقانون على نحو شامل، وإدارة الحزب بانضباط صارم على نحو شامل. طبقت الصين فكرا تنمويا يتسم بخمس سمات، هي: الابتكار والتناسق والخضرة والانفتاح والتمتع المشترك. لذا، حققت الصين إنجازات اجتماعية واقتصادية ضخمة، فقدمت مساهمات مرموقة للعالم.

خلال السنوات الخمس الماضية، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الصيني من 2ر8 تريليونات دولار أمريكي (الدولار يساوي 6ر6 يوانات) إلى 12 تريليون دولار أمريكي، وتجاوزت نسبة مساهمة الصين في نمو الاقتصاد العالمي 30%. وتحتل الصين مرتبة متقدمة في العالم من حيث الاستثمار الخارجي والتجارة الخارجية واحتياطي العملة الصعبة. تخلص أكثر من ستين مليون صيني من الفقر، وواصلت الحكومة الجهود لتوسيع الفئات ذات الدخل المتوسط. تؤثر إنجازات الصين في التخلص من الفقر في أعمال تنمية الاقتصاد العالمي وتقدم نموذجا جيدا للعالم. يمكن أن نقول إن الصين تتمتع بخبرات وافرة في التخلص من الفقر. الآن، صار نظام الحوكمة الاجتماعية الصيني أكثر تكاملا، وأصبحت قوتها الحيوية للابتكار أقوى. فضلا عن ذلك، شهد الهيكل الاقتصادي الصيني تحسنا مطردا أيضا. تمثل صناعة الخدمات حوالي نصف الاقتصاد الوطني، وأصبح الاستهلاك قوة رئيسية لدفع التنمية الاقتصادية. استمر تقلص الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الصين. يتعزز دعم الصين للابتكار التكنولوجي، وتسعى لإصلاح الحلقات الضعيفة المتعلقة بالبيئة الإيكولوجية. تتقدم الصين بثبات على طريق بناء دولة قوية ثقافيا. يرتفع مستوى الخدمات الثقافية العامة في الصين، وتشهد قطاعات الثقافة والصناعات الثقافية تطورا مزدهرا.

في السنوات الخمس الماضية، شهدت الدبلوماسية الصينية تطورا كبيرا في ظل الوضع العالمي المتميز بالتطور والإصلاح والتعديل الكبير. طرحت الصين "بناء رابطة المصير المشترك للبشرية"، وحققت مبادرة الحزام والطريق إنجازات أولية، وتم دفع دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية على نحو شامل. ارتفعت قوة تأثير الصين في العالم. لقد أثبتت الحقائق أن الصين توسع للدول النامية مسارات التحديث وتقدم حكمة الصين ومشروعها في معالجة مشكلات البشرية.

في ظل الأزمة المالية العالمية وتداعياتها المدمرة على الاقتصاد العالمي، وتباطؤ انتعاش الاقتصاد العالمي، تواصل الصين الحفاظ على معدل بين متوسط ومرتفع. يُعزى نجاح الصين إلى مسايرة نظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لتطورات العصر. يعد هذا النظام ضمانا أساسيا لتحقيق تقدم وتطور الصين إذ أنه يتمتع بخصائص صينية ومزايا بارزة وقدرة تكامل قوية. لا يوجد نظام سياسي يصلح لمختلف الدول، ولا يوجد طريق تنمية يتفق مع كافة الدول. يتعين على كل دولة أن تتخذ النظام السياسي وطريق التنمية اللذين يتفقان مع ظروفها وطبيعتها. نظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية يتفق مع ظروف الصين ويتميز بالشمول والتكامل. تم إصلاح النظم غير المناسبة من أجل تحقيق تنمية اقتصاد ومجتمع الصين، ومواجهة التحديات الجديدة. حقق النظام الصيني تحسنا وتكاملا في السنوات الماضية.

ثانيا

حدد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت إلى العصر الجديد، وطرح السياسة الأساسية للحوكمة، ووضع خطة تنمية الصين في الثلاثين سنة القادمة. بحلول أواسط القرن الحالي، سيتم إنجاز بناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة، على مرحلتين. هذا يتطلب أن يحقق الاقتصاد الصيني نموا ثابتا يتسم بالمستوى العالي والعدالة والفوز المشترك. أوضح المؤتمر برنامج تنمية الصين بحلول أواسط القرن الحالي. من المتوقع أن يتم إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل في عام 2020 وتحقيق التحديثات الاشتراكية الأساسية في عام 2035، وإنجاز بناء الدولة القوية الحديثة الغنية الديمقراطية المتحضرة والمتناغمة والجميلة بحلول أواسط القرن الحالي. من عام 2018 إلى عام 2020، سيكون معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي للصين أكثر من 3ر6%. سيحافظ الاقتصاد الصيني على معدل نمو بين متوسط ومرتفع، وهذا يعد المتطلبات الداخلية للصين وسيقدم قوة ضخمة لنمو الاقتصاد العالمي كله.

تدرك الصين المخاطر الكامنة للتنمية، فتعمل على إكمال نظام المراقبة المالية والسيطرة على زيادة حجم الديون المحلية، ودفع تخفيض نسبة الرافعة المالية بصورة ثابتة وبناء "سد" لتفادي المخاطر المالية النظامية وتكامل النظم الإدارية للممتلكات الدولية، والحيلولة بشكل فعال دون فقدان الأصول المملوكة للدولة، والتنفيذ الشامل لنظام القائمة السلبية للسماح بالنفاذ إلى السوق، والتشجيع على التنافس العادل، وتجنب احتكار السوق.

تطور الاقتصاد الصيني من مرحلة النمو بسرعة عالية إلى مرحلة النمو بالجودة العالية. ستواصل الصين دفع الإصلاح الهيكلي لجانب العرض وتحويل نمط التنمية الاقتصادية ورفع مستواها والاهتمام بالتنمية المبتكرة لبناء نظام اقتصادي حديث. مع سرعة تطور التصنيع المتقدم وتوجه الصناعات الاقتصادية الصينية إلى الجانب المتوسط والعالي في حلقة القيمة، تشكل الصين نقاط تنمية جديدة وقوة محركة جديدة في مجالات عديدة، ومنها: الاستهلاك العالي والمتوسط المستوى، والتنمية المدفوعة بالابتكار، والاقتصاد التشاركي، وسلاسل العرض الحديثة، وخدمات الموارد البشرية. من المتوقع أن تصبح شبكة الإنترنت والذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة نقاطا متألقة جديدة في عملية تحديث الاقتصاد الصيني. تعمل الصين على تطوير الخدمات المالية الخضراء، وتقوية الصناعات الموفرة للطاقة والصديقة للبيئة، وصناعات الإنتاج النظيف وصناعات الطاقة النظيفة، وإنشاء أجهزة مراقبة وإدارة ممتلكات الموارد الطبيعية والبيئة الإيكولوجية، وتعزيز معالجة ومكافحة تلوث الماء والهواء والتربة، وفرض العقوبات الصارمة على التصرفات التي تدمر البيئة الإيكولوجية. إن تحقيق التنمية العالية الجودة في الدولة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 3ر1 مليار نسمة، قضية هامة للتنمية المستدامة في العالم. لذلك، تتحمل الصين مسؤولية عظيمة.

إن تحول التناقض الاجتماعي الرئيسي يحدد تحول المهام الأساسية في الصين. في العصر الجديد، تولي تنمية الاقتصاد الصيني مزيدا من الاهتمام بالعدالة، حتى يستفيد الشعب الصيني من إنجازات التنمية ويشعر بالسعادة والأمن. تتزايد متطلبات الشعب في قضايا الديمقراطية والقانون والعدالة والإنصاف والأمن والبيئة الجميلة، يوما بعد يوم. تتمسك الصين بمفهوم التنمية ومحورها الشعب على الدوام، وتدفع تنمية شعبها وتقدم المجمتع على نحو شامل. "حلم الصين"، يقصد به أن يتمتع كل الشعب الصيني بفرصة التقدم مع تطور العصر. ستطبق الصين نظام رعاية المسنين ونظام التأمين الطبي، اللذين يغطيان كل الصينيين في المناطق الحضرية والريفية. ستوفر الحكومة الصينية مساكن في مقدور جماهير الشعب دفع ثمنها، وستزيد الإنفاق على التعليم والتدريب المهني، حتى يستفيد الصينيون جميعا من التعليم العالي. الصين دولة تسعى إلى التنيمة العادلة، وتقدم للعالم سوقا كبيرة ذات إمكانات ضخمة. في نفس الوقت، تنمية الصين المستقرة والثابتة ستساهم في ازدهار وتقدم البشرية.

ثالثا

يسعى الحزب الشيوعي الصيني لإسعاد الشعب الصيني، ويكافح من أجل قضية تقدم البشرية. في تقرير المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، رفع الرئيس الصيني شي جين بينغ راية "السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك" عاليا، وأوضح أهمية دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية في دفع العلاقات الدولية الجديدة، وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية. هذا يعكس أفكار الحزب الشيوعي الصيني في بناء مصير البشرية وتحمله مسؤولية تحقيق سلام وتنمية العالم. أشار التقرير إلى أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت عصرا جديدا بعد جهود دؤوبة، هو مرحلة تاريخية جديدة للتنمية الصينية. الأمة الصينية التي عانت الكثير من المحن الطويلة الأمد منذ العصر الحديث، استقبلت طفرة عظيمة من النهوض ثم الثراء وصولا إلى تعزيز القوة، واستقبلت آفاقا مشرقة لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية. ذلك يشير إلى أن طريق ونظرية ونظام وثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تتطور بلا انقطاع، إذ أنها وسعت سبل توجه الدول النامية تجاه التحديث، وأتاحت خيارا جديدا تماما لتلك الدول والأمم، التي لا تأمل في تسريع تنميتها فحسب، وإنما أيضا ترغب في الحفاظ على استقلاليتها، كما قدمت الحكمة والحلول الصينية في سبيل تسوية مشكلات البشرية.

تعمل الصين لبناء علاقات دولية من نمط جديد، ورابطة المصير المشترك للبشرية. تلتزم الصين بشق طريق تنمية مختلف عما سارت عليه الدول الكبيرة التقليدية الأخرى. يعد دفع الإصلاح والانفتاح للتنمية وتعزيز المنفعة المتبادلة والفوز المشترك والسعي إلى التعاون، سياسة أساسية للصين. لا تستطيع الصين تحقيق التنمية والتقدم من دون بيئة دولية سلمية ونظام دولي مستقر. تتمسك الصين بطريق التنمية السلمي، سعيا إلى إجراء التعاون الودي الذي يتميز بالمنفعة المتبادلة والفوز المشترك على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. تواصل الصين دفع تنمية عولمة الاقتصاد، إلى اتجاه أكثر انفتاحا وشمولا وأفضلية عامة وتوازنا وفوزا مشتركا. تدفع بناء مبادرة "الحزام والطريق" وتعزز تيسير وحرية الاستثمار والتجارة. تدعو الصين بثبات إلى احترام تنوع الحضارات العالمية وتعزز التبادل والاستفادة بين مختلف الحضارات، حتى تزدهر جميع الحضارات في العالم في نفس الوقت. علاوة عن ذلك، تشجع الصين بحزم على الاحترام المتبادل والتشاور المتكافئ ونبذ عقلية الحرب الباردة وسياسة القوة، من أجل التصدي المشترك للتحديات التي تواجه البشرية.

تواجه دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية، متطلبات جديدة في نقطة الإنطلاق الجديدة. يعد إسعاد الشعب الصيني وتحقيق حلم الصين ونهوض الأمة الصينية الغاية الأصلية والمهمة الرئيسية لأعضاء الحزب الشيوعي الصيني. في الوقت الحالي، يتحمل أعضاء الحزب الشيوعي الصيني مسؤولية أكبر في مجال الدبلوماسية. يكافح أعضاء الحزب الشيوعي الصيني من أجل تقدم البشرية وتحقيق الإنصاف والعدالة في العالم. وفي مجال الدبلوماسية، فإن أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تعكس الثقة الذاتية للحزب الشيوعي الصيني وحزمه في دفع سلام وتنمية العالم. ثمة ترابط طويل الأمد بين الصين والدول العربية، ويشكل الجانبان معا رابطة المصير المشترك. تعتقد الصين والدول العربية أن الجانب الآخر شريك في فرص التنمية السانحة، فيسعى كل منهما إلى التعاون والفوز المشترك والتنمية المشتركة. هناك تكامل بين الصين والدول العربية. تسعى الصين إلى تبادل الخبرات السياسية مع الدول العربية وتؤيد الدول العربية في البحث عن الطريق الذي يتفق مع ظروف كل دولة، ولا تتدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى. تريد الصين تقديم الدعم للدول العربية لتطور صناعتها وتحول نمط تنميتها الاقتصادية. إن الصين صديق جيد وشريك مخلص للدول العربية. تلتزم الصين بالمفاهيم القويمة للأخلاق والمصالح، المتمثلة في الاحترام المتبادل والتعاون والفوز المشترك في دفع التعاون بين الصين والدول العربية. تعمل الصين على مساعدة الدول العربية لتعزيز قدرة التنمية الذاتية، من أجل تحقيق التنمية المستدامة المستقرة. الصين تتمسك بمبادئ التشاور على قدم المساواة لمعالجة مشكلات التعاون بينهما.

يسعى الشعب الصيني إلى دفع بناء رابطة المصير المشترك للبشرية، وخلق مستقبل أفضل مع شعوب العالم، بما فيها الشعب العربي.