صديق الصين بشهادة رسمية


عندما زار الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي الصين، نُظِمت له رحلة إلى سور الصين العظيم، وهناك قال له مرافقه إن الصينيين يقولون "ليس رجلا حقيقيا من لا يصل إلى السور العظيم"، فعلق قائلا "ما أسهل أن يكون الشخص رجلا حقيقيا في بلادكم". البروفيسور خاتمي ربما لم يستوعب المغزى الكامن في هذه العبارة، وربما لم يعرف ما وراءها من دلالات.

حسام فاروق محمد المغربي، الشاب المصري المولود في محافظة أسيوط سنة 1979، شهدت له الصين في سبتمبر 2017 رسميا بأنه واحد من أصدقائها، وكرمته بوسام رفيع المستوى. رحلة عمرها اثنتا عشرة سنة قطعها السيد المغربي، منذ وصوله إلى بكين في الثاني عشر من مايو عام 2005 حتى حصوله على جائزة الصداقة، وهي أرفع وسام تمنحه الحكومة الصينية للأجانب العاملين بها. يقول السيد المغربي: "ليس هناك أجمل من أن تشعر بأن جهودك محل تقدير"، فقد كرمته الصين بعد سبع سنوات من عمله في مركز الصين لمعلومات الإنترنت، المعروف عربيا باسم ((شبكة الصين)). لم ينسب حسام المغربي الفضل في الجائزة لنفسه فقط، فقد قال إن الفضل في نجاحه يعود إلى روح فريق العمل، وتصميمه على تقديم الأفضل دائما، لإظهار صورة الصين الحقيقية إلى العالم. وأضاف: "الجائزة بداية لإصقَال خبراتي والتعرف أكثر على الصين لنقل صورتها واضحة للمتلقي العربي. هدفي هو المساهمة في الارتقاء بالرسالة الإعلامية الصينية الموجهة للعالم العربي."

بدأت رحلة حسام المغربي مع الصين في العاصمة المصرية القاهرة، عندما التقى في مناسبة اجتماعية مع شابة صينية صارت زوجته لاحقا. وعن هذا اللقاء يقول حسام: "كانت لطيفة وتتمتع بذكاء اجتماعي، وبعد فترة أصبحنا صديقين.

تزوجنا منذ نحو ثلاث عشرة سنة، ولدينا ابنة اسمها مريم. قابلتنا في حياتنا أوقات جيدة وأوقات صعبة، لكن الحب وروح الأسرة كانا دائما الحافز على حفظ دفء الحياة واستمرارها." ويعدد السيد المغربي مناقب زوجته الصينية قائلا: "هي أم مثالية تسخر حياتها لرعاية ابنتنا والاهتمام بشؤون الأسرة، وهي حنونة ومتعاونة وذكية في نفس الوقت، وماهرة في إعداد مائدة طعام مفعمة بالألوان والفوائد الغذائية، كما يمكنها التحدث بالعربية."

وعن حياته في بكين، يقول: "تعودت على الحياة في بكين منذ أول يوم وصلت إليها، فقد شعرت بألفة للمكان، خصوصا أن زوجتي من أهل بكين. كما أن عوامل الجذب هنا تشغلك عن التفكير بأي شيء آخر، بل تدفعك للتفاعل مع الحياة فيها. ففي بكين يجتمع الناس من مختلف أنحاء الصين وكذلك الأجانب من مختلف أنحاء العالم، ما يوفر مساحة ثقافية متنوعة. كما أن بكين بها كل شيء وتتمتع بالكثير من المميزات مثل شبكة مترو الأنفاق التي تعمل بشكل جيد، وتصل إلى الكثير من الأماكن وتتوسع باستمرار، والمدينة عموما آمنة جدا، ويمكنك الوصول إلى الكثير من المنتجات الأجنبية، على سبيل المثال، إذا كنت لا أرغب اليوم في تناول طعام صيني، فهناك الكثير من الاختيارات للحصول على المأكولات الأخرى. كما أنه من الناحية الثقافية، ربما تكون بكين المدينة الأكثر إثارة للاهتمام في الصين، فمن خلال الإقامة هنا يمكن التعرف على خمسة آلاف سنة من التاريخ والثقافة."

الصين لا تكف عن إدهاش حسام المغربي، شأن كثيرين غيره من الأجانب الذين يعيشون في هذا البلد. يقول إن أهلها شعب ودود يقابل الأجانب بابتسامة حقيقية. كما أن الصينيين تشغلهم دائما راحة ضيوفهم، ويعرفون كيف يفصلون بين الحياة العملية والخاصة. الصيني محب لأسرته ويهتم بها بشكل كبير، فهو يحرص على العودة إلى مسقط رأسه لقضاء الأعياد الرئيسية وأهمها عيد الربيع (عيد رأس السنة الجديدة). الصين أيضا تقود قاطرة العولمة وتدفع نمو الطبقة المتوسطة والبحث العلمي، فهي تساهم بنحو 20% من إجمالي الإنفاق العالمي في مجال البحث والتطوير، ولا يسبقها في ذلك غير الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 26% تقريبا. تلاحُم الصينيين شعبا وحكومة وحزبا أثار انتباه السيد المغربي، إذ يقول: "أهم شيء جذب اهتمامي حقا هو النظرة الإيجابية تجاه الحكومة والحزب الشيوعي الصيني، فمن خلال تجربتي هنا، تحدثت مع العديد من الطلاب والموظفين والعمال والباعة وأبناء الشعب البسطاء، ولمست شعورا إيجابيا مشتركا تجاه الحكومة والحزب. وهذا فعلا شيء مثير للاهتمام، فقد تحدثت لكثير من الأجانب من بلدان كثيرة من جميع قارات العالم، ولم ألمس نفس قوة هذا الإيمان الإيجابي بقدرة الحكومة على تحويل الأوضاع للأفضل ومواصلة التطور وتحقيق حياة رغيدة على نحو شامل." في عام 2000 كان 4% فقط من سكان الحضر في الصين ينتمون للطبقة المتوسطة، وبحلول عام 2022، سيصل عدد أفراد الطبقة المتوسطة في الصين إلى أكثر من خمسمائة وخمسين مليون فرد!

يَعتبر حسام المغربي منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم أفضل مكان زاره في الصين، يقول: "بعد أن زرت شينجيانغ لأول مرة في عام 2013، وذهبت إلى معظم أنحاء المنطقة، اكتشفت أنه كانت لدي خبرة قليلة جدا حول حياة السكان في هذا الجزء من الصين. الحياة هناك، مثل أي مكان في العالم، حياة طبيعية، لكن أمامها مستقبل باهر. فالمنطقة بوتقة تنصهر فيها مجموعات عرقية مختلفة؛ هان وويغور وتتار وأوزبك وقازاق وهوي وطاجيك وغيرهم. وبالنسبة لهم جميعا، شينجيانغ هو موطنهم والصين هي وطنهم. مساحة شينجيانغ الشاسعة التي تعادل ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، تمنحها طبيعة خاصة من جبال وغابات وصحراء مترامية الأطراف. هذا إضافة إلى مائدة الطعام الغنية بأصنافها وثقافتها. وموقعها في شمال غربي الصين بمثابة منفذ الصين الحدودي مع دول آسيا الوسطى وجسرها إلى أوروبا."

وعن المجال الذي يعمل فيه، يقول: "يتجلى دور وسائل الإعلام الصينية باللغات الأجنبية في توسيع نطاق التأثير وتجاوز حاجز اللغة لمخاطبة قطاعات واسعة من العالم. وتشهد وسائل الإعلام الصينية بشكل عام مواصلة مواكبة متطلبات المرحلة وجعل رسالتها قادرة على التنافس في هذه السوق المكتظة بقنوات فضائية وإذاعات وإعلام إلكتروني بكافة اللغات، والاهتمام بالتدريب وتوسيع شبكة المراسلين وتنويع مصادر الأنباء."

وقد شهدت وسائل الإعلام الصينية خلال السنوات الماضية تطورا كبيرا من حيث التقنيات ومحتوى الرسالة الإعلامية، وارتفع تأثير وسائل الإعلام الصينية باللغات الأجنبية مع تعاظم الدور السياسي والاقتصادي للصين على الساحة الدولية. ونجحت الصين بشكل ملحوظ في تقديم صورة أكثر إيجابية لسياساتها الداخلية والخارجية.

ومع تبوأ الصين مكانة أكبر دولة مستثمرة في المنطقة العربية في عام 2016، بقيمة استثمارات اقتربت من ثلاثين مليار دولار أمريكي، وفي ظل تطلع منطقة الشرق الأوسط إلى التحول الاقتصادي ضمن مبادرة الحزام والطريق، يظهر الدور القوي لوسائل الإعلام الصينية في تشكيل رأي عام عربي بفهم صحيح لأوضاع الصين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لتصحيح كثير من الصور السلبية التي تشكلت بفعل ما تبثه بعض وسائل الإعلام الغربية عن الصين، وهو ما يعزز التعاون والتبادل بين الصين والدول العربية.

جدير بالذكر أن جائزة الصداقة تُمنح سنويا منذ إطلاقها في عام 1991 لمجموعة مختارة من الخبراء الأجانب العاملين في مجالات البحث العلمي والاقتصاد والتعليم والثقافة والإعلام تقديرا لتفانيهم وإسهاماتهم في البناء الاقتصادي والتنمية الاجتماعية بالصين وما حققوا من نجاح خلال عملهم الجاد نالوا به تقدير واحترام زملائهم الصينيين، كما أسهموا في تعزيز التعاون والصداقة بين الصين وبلدانهم. وقد وقع الاختيار على حسام المغربي لمنحه الجائزة، ضمن خمسين خبيرا أجنبيا من إحدى وعشرين دولة ومنطقة، يعملون في الصين في مجال البحث العلمي، والاقتصاد، والتعليم، والثقافة، والإعلام، وأسهموا في تعزيز التعاون والصداقة بين الصين وبلدانهم. ومن بين الفائزين بالجائزة أيضا هذا العام، الروسي أوليغ فافورسكي، البالغ من العمر ثمانية وثمانين عاما، ويعمل خبيرا في نظرية تصميم محركات الطائرات، والأمريكية ماري غاردنر غيتس البالغة من العمر خمسة وسبعين عاما، وتعمل خبيرة في مجال تاريخ الفن، والألماني إيكهارد شارفشيردت البالغ من العمر أربعة وخمسين عاما، والذي ساعد علي تدريب العاملين في المجال الطبي لمدة خمس عشرة سنة في المناطق الفقيرة بمقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين، قبل أن يعود إلى بلاده في العام الماضي.

وقد وصف رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، الخبراء الأجانب، الذين يعملون جنبا إلى جنب مع الشعب الصيني، ويشاركونه أوقات السعادة والشدة، بأنهم "شركاء وشهود" على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقدم في البلاد، وأشار إلى حاجة البلاد إلى الأكفاء، لتحقيق إسهامات جديدة رفيعة المستوى ذات جودة أفضل، وبطريقة أكثر استدامة. وقال نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ما كاي، خلال الاحتفال الذي أقيم في قاعة الشعب الكبرى ببكين لتكريم الفائزين بالجائزة، إن الحكومة الصينية تولي أهمية كبيرة للعمل المتعلق بالخبراء الأجانب، مؤكدا على أن البلاد تسعى إلى تبني المزيد من السياسات لاجتذاب الأكفاء الأجانب.

تعمل الصين على تسهيل وزيادة أعداد الخبراء والأكفاء الأجانب، الذين يعملون فيها، ويساهمون إيجابيا في زيادة تطورها، فهناك ثلاثة ملايين وثلاثمائة وخمسون ألف خبير أجنبي، من بينهم حسام المغربي وغيره من الأكفاء العرب.