بناء الحضارة الإيكولوجية مهمة طويلة وشاقة


الهواء والتربة والمياه هي العناصر الأساسية للنظام الإيكولوجي، والأساس المادي الذي تعتمد عليه حياة البشرية والموارد الطبيعية الضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذا، فإن تعزيز مكافحة تلوث الهواء والتربة والمياه مسألة ترتبط ببناء الحضارة الإيكولوجية والتنمية المستدامة للأمة الصينية.

المسؤولية الجديدة لإستراتيجية التنمية الوطنية

في السنوات الأخيرة، اتخذت الصين التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون وبناء الحضارة الإيكولوجية كهدف هام للتنمية الوطنية، ما وفر الخط الايديولوجي والإتجاه الإرشادي لمعالجة المشاكل البيئية المعنية. في المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، تشكل الإطار الأساسي لبناء الحضارة الإيكولوجية، ثم أخذ الحزب يدفع بناء نظام الحضارة الإيكولوجية بقوة في الجلسة الكاملة الثالثة والرابعة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني. كذلك، طرحت الحكومة الصينية برنامج بناء الحضارة الإيكولوجية في ((آراء مجلس الدولة بشأن الإسراع في بناء الحضارة الإيكولوجية))، وبذلك أكمل الحزب الشيوعي الصيني التصميم العلوي والخطة الإستراتيجية لبناء الحضارة الإيكولوجية تدريجيا. أوضح الرئيس الصيني شي جين بينغ في تقرير المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني أن الصين ستسعى لتعجيل الإصلاح المؤسسي في الحضارة الإيكولوجية، وبناء الصين الجميلة. مشيرا إلى أنه من الضروري للحزب أن يتمسك بمبدأ منح الأسبقية للاقتصاد في الموارد وحماية البيئة، واتخاذ التعافي الطبيعي أساسا، بحيث يتم تشكيل حيز وهيكل صناعي وأساليب إنتاجية ومعيشية، تتسم بالاقتصاد في الموارد وحماية البيئة، لإعادة الهدوء والانسجام والجمال إلى الطبيعة. إن مفهوم "الصين الجميلة" يعني إصلاح الحضارة الصناعية والارتقاء بها بواسطة الحضارة الإيكولوجية.

وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، في تقرير المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، أن تلوث الهواء والتربة والمياه هي المشكلات البيئية البارزة، وينبغي تعجيل إجراءات معالجتها، والتمسك بمشاركة كل الشعب في معالجة مسبباتها من المنبع، والعمل للقضاء على تلوث الهواء ومسبباته على نحو مستمر من أجل الانتصار في معركة الدفاع عن السماء الزرقاء، ويجب الإسراع بمكافحة تلوث المياه ومسبباته، وتطبيق المعالجة الشاملة لبيئة أحواض الأنهار والمجالات البحرية الساحلية، وينبغي للحزب تعزيز الإدارة والسيطرة على تلوث التربة وإعادة تأهيلها، ومكافحة التلوث الزراعي المنتشر ومسبباته علاوة على شن حملة لتحسين البيئة السكنية لأهل الريف. وهكذا يلاحظ أن تلوث الهواء والتربة والمياه هي أهم المشاكل البيئية في الصين، ومعالجتها تعتبر من المتطلبات الداخلية للتنمية الصينية المستدامة واختيارا ضروريا للصين لأداء دورها كدولة مسؤولة كبيرة.

أصدرت الحكومة الصينية خطة مكافحة التلوث: ((المواد العشرة حول الهواء)) و((المواد العشرة حول االمياه)) ((المواد العشرة حول التربة)) في عام 2013 وعام 2015 وعام 2016 على التوالي. بعد ذلك، شهدت الصين تقدما إيجابيا في إكمال القوانين والأنظمة البيئية في عام 2017، لدعم تنفيذ الحلول المعنية لحماية البيئة. منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، تطبق الحكومة الصينية معايير صارمة غير مسبوقة لمراقبة البيئة وفرض القوانين البيئية. علاوة على ذلك، تم تشريع وتعديل كثير من القوانين البيئية مثل قانون حماية البيئة وقانون الوقاية من تلوث الهواء ومكافحته وقانون الوقاية من تلوث المياه ومكافحته وقانون تقييم الأثر البيئي وقانون ضريبة حماية البيئة وقانون السلامة النووية، وغيرها من القوانين. بالإضافة إلى ذلك، تم تسليم قانون مكافحة تلوث التربة إلى اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب للمراجعة والتشاور. فضلا عن اللوائح والآليات الجديدة لتنفيذ القانون الجديد لحماية البيئة، الذي أجازته الصين في 2014 ونفذته في 2015، التي تلعب دورا إيجابيا في حث المؤسسات للالتزام بالقانون.

منجزات ملحوظة في مكافحة التلوث

مكافحة التلوث هي أساس بناء الحضارة الإيكولوجية. منذ عام 2017، تعمل الصين على مكافحة تلوث الهواء والتربة والمياه، وبخاصة في مجال الوقاية من التلوث وزيادة القدرات المتعلقة بمكافحة التلوث، وتحقق تقدم إيجابي.

تعتبر انبعاثات وسائل النقل أهم أسباب تلوث الهواء. وفقا لـ((خطة مكافحة تلوث الهواء)) التي أصدرها مجلس الدولة والمسؤوليات التي تضطلع بها الأقسام المعنية، أنشأت الصين آلية مستدامة لبناء نظام نقل منخفض الكربون تدريجيا في بكين وتيانجين ومقاطعة خبي وغيرها من المناطق والمدن الصينية في عام2017. في نفس الوقت، أجرت الحكومة الصينية تفتيشا خاصا للتحقق من جودة الوقود المستخدم في السفن من أجل مراقبة وحث استخدام الوقود القياسي، إضافة إلى الطلب من سائقي المركبات بدفع الرسوم بحسب وزن المركبة والبضائع في الطريق ذات الرسوم للتحكم في انبعاثات التلوث المفرطة الناجمة عن الحمولة الزائدة للمركبات.

هناك آثار للتآزر بين مواجهة تغير المناخ وخفض انبعاثات الملوثات الرئيسية وتحسين جودة الهواء بالجو. يتوقع العديد من الخبراء أن تكون إجراءات مواجهة تغير المناخ قادرة على خفض 42 في المائة من الملوثات. وحسنت الصين قدرتها على التكيف مع تغير المناخ من خلال الأعمال المتعلقة بمكافحة الهواء في عام 2017. فأولا، تحدد الصين العملية النظامية لتقييم تلوث الهواء وتدعم تطوير مؤشر الأرصاد الجوية البيئية وتصدر ((نشرة الأرصاد الجوية الوطنية)) وتجري أعمال تقييم مفعول خفض الانبعاثات وتوقعات تلوث الطقس الثقيل وغيرها، من أجل لعب دور إيجابي في مكافحة تلوث الهواء وتحسين القدرة على التكيف مع تغير المناخ. ثانيا، أنشأت الصين آلية كشف وتحذير من الضباب الدخاني وتوسع مناطق الكشف. في عام 2016، أصبح بإمكان الآلية والنظام مراقبة ستين مدينة ومائة وست وعشرين نقطة كشف، وازدادت مناطق المراقبة إلى أربع وسبعين مدينة ومائة وخمسين نقطة كشف في عام 2017، إضافة إلى ذلك، نفذت في بعض المدن بإحدى وثلاثين مقاطعة في الصين المشروعات التجريبية لكشف ومراقبة المخاطر على صحة الإنسان في الأماكن العامة. وبذلت الصين أيضا جهودها في إجراء بحوث حول تلوث الهواء في الأماكن المغلقة المزدحمة نتيجة الجسيمات المادية PM2.5 وآثارها على صحة الإنسان. يمكن أن نلاحظ آثار التأزر في عملية مكافحة تلوث الهواء والتكيف مع تغير المناخ، وبناء الآليات المعنية لدعم أعمالها في نفس الوقت.

تسرع الحكومة الصينية أعمال مكافحة تلوث المياه لتحقيق هدف ((خطة مكافحة تلوث المياه)) التي أصدرها مجلس الدولة، المتمثل في أن "تتخلص الصين من معظم المياه الراكدة الملوثة في المدن قبل نهاية عام2017". وتطالب الحكومة الصينية الإدارات المعنية بمعالجة مائتين وخمسة من المسطحات المائية في فترات زمنية محددة، وأن تصدر إطارات منتظمة حول أحوال مكافحة تلوث المياه وتكشف المعلومات عن أماكن المياه والمسؤولين عن تلويثها والنتائج المرجوة للجمهور، من أجل خضوع كل القضايا المعنية لإشراف ومراقبة الجماهير. بالإضافة إلى ذلك، تراقب الصين نتائج مكافحة تلوث المياه عن طريق استخدام الاستشعار عن بعد بواسطة الأقمار الاصطناعية، وتعزز أعمال المراقبة بواسطة إجراء التحقيقات السرية والعلنية غير المنتظمة وتلقي بلاغات الجمهور وغيرها من الوسائط. يجب على الإدارات التي تتولى مسؤولية الأنهار الملوثة أن تنفذ إجراءات مكافحة التلوث. لقد أتمت الصين مكافحة 9ر34 في المائة من المياه الملوثة والراكدة بحلول شهر إبريل 2017، بينما تتواصل أعمال مكافحة التلوث في 4ر28 في المائة من المياه وبدأت مشروعات مكافحة التلوث في 8ر22 في المائة من المياه الملوثة، كذلك، تبحث الصين أيضا عن وضع الخطة اللازمة والنظام المطلوب لمكافحة المياه الملوثة الأخرى.

تعتبر معالجة تلوث التربة جزءا هاما من بناء الحضارة الإيكولوجية وأعمال حماية البيئة. في شهر مايو 2016، أصدر مجلس الدولة ((خطة مكافحة تلوث التربة)) لتخطيط أعمال معالجة تلوث التربة في الصين. تطالب الخطة مستخدمي الأراضي ممن لديهم حقوق استخدام الأراضي في صناعة المعادن غير الحديدية وتكرير البترول والكيمياويات وفحم الكوك و الطلاء الكهربائي والجلود، والأراضي التي يتم تحويلها إلى عقارات سكنية وتجارية ومدارس ومستشفيات ومؤسسات رعاية للمسنين وغيرها من المرافق العامة، أن يراقبوا بيئة الأراضي بدءا من عام 2017. لقد أجرت إدارات مدينة تيانجين المعنية أعمال مراقبة وتقييم بيئة التربة لـمائة وست وثلاثين قطعة أراضي، ووجدت سبعا وعشرين قطعة أرض بحاجة إلى إصلاح، منها خمس قطع تم إصلاحها وست قطع تجري حاليا فيها أعمال الإصلاح منذ شهر يوليو 2017. تواصل مدينة تشونغتشينغ العمل على مراقبة وتقييم التربة الملوثة ومعالجتها، وأتمت تقييم ستا وعشرين قطعة من الأراضي تبلغ مساحتها مليون وخمسمائة وتسعين ألف متر مربع، وعالجت وأصلحت ثلاث عشرة قطعة أرض، مما جعلها قادرة على توفير مليونين وستين ألف متر مربع من المساحة الصافية.

تدعو ((خطة مكافحة تلوث التربة)) إلى عدم استخدام الأراضي الملوثة التي لم تتوفر شروط معالجتها بعد. وينبغي على الحكومات المحلية تحديد مناطق المراقبة ووضع علامات التلوث أمام المناطق وإظهار إشعارات التلوث للجميع ومراقبة بيئات التربة والمياه السطحية والمياه الجوفية والهواء. وفي حال انتشار الملوثات، يجب على المسؤولين المعنيين عزل الملوثات ومنعها، وتطبيق أساليب إدارة مخاطر البيئة الأخرى. مثلا، تعزز مقاطعة خبي إدارة ومراقبة الأراضي الملوثة التي فيها كثير من الحمأة غير المعالجة. وأقامت مدينة شينجي في المقاطعة حواجز وشارات إنذار في سبع قطع من الأراضي فيها الحمأة غير المعالجة، في القطع السبع المذكورة أعلاه ثلاثة وسبعون ألف متر مكعب من الحمأة غير المعالجة، وتبلغ مساحتها مائتين واثنين وتسعين موا (الهكتار يساوي 15 موا) تقريبا.

وفقا لمتطلبات ((خطة مكافحة تلوث التربة))، سوف تعالج الصين مستودعات المخلفات المهملة بشكل عام، وتحسين أساليب مكافحة المخاطر الكامنة وإغلاق المستودعات. وقد أتمت مقاطعة شاندونغ معالجة سبعة عشر من المستودعات الخطيرة التي وضعت فيها المخلفات المهملة، وحتى شهر يوليو 2017، كان هناك اثنان وثلاثون مستودعا خطيرا قيد المعالجة. وأنهت مقاطعة جيانغشي أعمال المعالجة لأحد عشر مستودع للمخلفات المهملة، وتجري عمليات المعالجة لأربعة مستودعات أخرى. وتعمل منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم على معالجة عشرين مستودع مخلفات مهملة، وتمت معالجة ثمانية مستودعات حتى الآن.

حققت الصين منجزات بارزة في معالجة تلوث الهواء والتربة والمياه في عام 2017. في مجال الهواء، انخفض متوسط تركيز جسيمات PM2.5 في مناطق بكين-تيانجين-خبي ودلتا نهر اليانغتسي ودلتا نهر اللؤلؤ بأكثر من ثلاثين في المائة، مقارنة مع عام 2013. وفي معالجة تلوث المياه، ازدادت نسبة المياه السطحية النظيفة القياسية إلى 8ر67 في المائة. أما بالنسبة لمنجزات معالجة تلوث التربة، فوضعت قائمة الأراضي الملوثة في بكين وتيانجين وشانغهاي وتشوتغتشينغ وغيرها من المدن الصينية. وتصدر بعض المدن قائمة أسماء الشركات الرئيسية التي يجب على الحكومة مراقبة بيئة أراضيها، لتعزيز قدرة إنفاذ القوانين والوقاية من الملوثات الجديدة بشكل صارم.

مستقبل الحضارة الإيكولوجية

الصين هي أكبر دولة نامية في العالم، وتلعب دورها في قضايا متعددة مثل تنمية الاقتصاد والقضاء على الفقر وتحسين أساليب معيشة الناس وحماية البيئة ومواجهة تغير المناخ وغيرها. على الرغم من وجود كثير من الأشكال والأساليب في معالجة البيئة في الصين، فإن نتائج المكافحة لم تكن على مستوى متطلبات وتوقعات الناس. لكن الصين تبذل جهودها الدؤوبة في تعزيز بناء الحضارة الإيكولوجية ومعالجة تلوث الهواء والمياه والتربة، وقد حققت تقدما ملحوظا في تحسين البيئة. من حيث الأساس، القضايا البيئية هي قضايا التنمية. من الضروري أن تعمل الصين على تعديل الهيكل الصناعي وتحسين هيكل الطاقة ودعم الأعمال المتعلقة بالحفاظ على الطاقة وتحسين كفاءة الطاقة، للوقاية ومعالجة تلوث الهواء والمياه والتربة بشكل شامل. تضع الصين القضايا البيئية في خطتين للتنمية الاقتصادية الوطنية والتنمية الاجتماعية. وستنفذ الخطتين وفقا للمتطلبات المختلفة في المراحل والمناطق والصناعات المختلفة، إضافة إلى اعتماد السياسات القوية المتعلقة بتعديل الهيكل الصناعي وتحسين قدرة الحفاظ على الطاقة وكفاءة الطاقة وتنمية الوقود غير الأحفوري، خاصة الطاقة المتجددة، وتوسيع مغاسل الكربون في الغابات، وتنفيذ المشروعات الفرعية التجريبية وبحث وتطوير التكنولوجيا لتوفير الطاقة وحماية البيئة، وغيرها من السياسات.

ستبحث الصين طرق التنمية الجديدة، وتحقيق الربط الوثيق بين تنمية البيئة وبناء الحضارة الإيكولوجية، بتحويل أساليب التنمية نفسها وتحسين التنمية وتعديل الهيكل وغيرها من المهام الإستراتيجية، من أجل تحقيق النجاحات المشتركة لتنمية البيئة الاقتصادية والاجتماعية وتوفير معيشة جيدة للشعب والمساهمة في الأمن البيئي العالمي.

--

فان شينغ: باحثة بالمركز الوطني لإستراتيجية التغير المناخي والتعاون الدولي.