نجوم الجمباز الجدد في الصين


في صباح التاسع من أكتوبر عام 2017 بتوقيت بكين، انتهت الدورة السابعة والأربعون لبطولة العالم للجمباز 2017، التي أقيمت في مدينة مونتريال الكندية، وحصد فيها فريق الجمباز الصيني ثلاث ميداليات ذهبية وميدالية فضية وميداليتين برونزيتين، وحصل على المركز الأول في ترتيب الميداليات مرة أخرى.

اللاعبون الجدد الذين خاض بهم الفريق الصيني هذه البطولة حققوا إنجازات بارزة على مستوى العالم، إذ حصل شياو روه تنغ على ذهبية سباق كل الأجهزة للفردي، وحصل تسو جينغ يوان على ذهبية سباق عارضة التوازي، وحصلت فان يي لين على ذهبية سباق العوارض غير المتوازية.

شياو روه تنغ: فزت بمجهودي وليس بضربة من الحظ

بعد انسحاب بطل العالم السابق، الياباني أوشيمورا كوهي، زادت فرصة حصول اللاعبين الآخرين على الميداليات. ردا على سؤال: "هل وقف الحظ بجانبك للحصول على الميدالية الذهبية؟" قال اللاعب الصيني شياو روه تنغ: "لا يمكن أن نقول، ماذا لو أو بسبب كذا. حصولي أنا وأي رياضي على ميدالية ذهبية يرجع إلى القدرة والأداء."

في هذه الدورة من بطولة العالم للجمباز، قدم شياو روه تنغ، البالغ من العمر 21 عاما، أداء قويا وثابتا خلال كل منافسات البطولة. لم يرتكب أخطاء كبيرة، وساعده هذا الأداء الثابت في الحصول على الميدالية الذهبية، التي غابت عن فريق الجمباز الصيني لمدة عشر سنوات.

في مساء السادس من أكتوبر 2017، شعر شياو روه تنغ بسعادة غامرة، فقد حصل على ذهبية كل الأجهزة للفردي في الدورة السابعة والأربعين من بطولة العالم للجمباز 2017، وهي أول ذهبية عالمية له في مسيرته الرياضية. بعد الفوز بالذهبية، خرج شياو إلى شوارع مونتريال، واستمع لأغنيات أحد فناني الشوارع، وشعر بالراحة والاسترخاء. في تلك الليلة، بعد السباق والمقابلات الصحفية، عاد إلى فندقه في وقت متأخر. بعد دخول الغرفة، وضع الميدالية الذهبية على الطاولة، ثم اتصل بوالديه في بكين فورا. انتظر والداه هذه اللحظة منذ زمن طويل. شعر والداه بأن قرارهما بتعليم ابنهما الجمباز منذ طفولته كان قرارا صائبا بعد أن شاهدا ابنهما البطل وهو يعتلي منصة التتويج في بطولة العالم، ويتسلم الميدالية الذهبية، فشعرا بفرحة غامرة وفخر كبير.

لاحظ والد شياو روه تنغ موهبة ابنه الرياضية مبكرا، حيث كان يستطيع القيام بحركات رياضية صعبة في طفولته. وفي السنة الرابعة من عمره، سمع أن ابن زميل والدته يتعلم الجمباز، فقرر إرسال شياو روه تنغ لتعلم الجمباز. ساهم هذا القرار في تحديد ورسم مسار مستقبل شياو روه تنغ.

شياو روه تنغ مولع بالجمباز ويتحدث دائما عن موهبته وولعه بهذه الرياضة، قال: "منذ اليوم الأول لانضمامي لفريق الجمباز الصيني، وخلال التدريبات مع اللاعبين الممتازين الآخرين، كان لدي قناعة تامة بأنني أمتلك موهبة مميزة في الجمباز." ويلخص موهبته في نقطتين: "أولا، لدي تفكير مرن وقدرة تعلم قوية، فأنا أتعلم الحركات الجديدة بسرعة؛ ثانيا، انسجام وتناسق حركاتي جيد ومميز، فأقوم بحركات الجمباز بخفة وبسرعة مناسبة." النقطة الثانية تحديدا تتطابق مع لاعب الجمباز الصيني المشهور دنغ شو دي، "فميزته هي جودة الحركات وإيقاع الحركات". لذا سارع في التقدم بالانضمام إلى فريق الجمباز الوطني في عام 2011. وأضاف قائلا: "في اليوم الأول من انضمامي إلى الفريق الوطني الصيني، حددت هدفي، وهو الحصول على لقب بطولة العالم واللقب الأولمبي."

قبل دورة الألعاب الأولمبية 2016، ومن خلال جهوده ومساعيه في التأهل للمشاركة بدورة الألعاب الأولمبية في ريو البرازيلية، تعرض شياو روه تنغ لإصابة مفاجأة. في عشية الحصول على الذهبية، تذكر تفاصيل إصابته في السنة الماضية. قال: "شعرت بقلق وخوف وضعفت معنوياتي، فقد أثرت الإصابة فيّ كثيرا. بعد الفحص، أخبرني الطبيب والخبير المختص بأنني قد تعرضت لتمزق بالأربطة، فحاولت جاهدا أن أتماسك وأمنع دموعي، وبعد رجوعي إلى الفريق، لم أستطع الصمود وبكيت بمرارة وحسرة." لاحقا، بعد توديع مدربه وزملائه الذين شاركوا في دورة الألعاب الأولمبية في ريو، عانى من أزمة نفسية وبقي حبيسا في غرفته ولم يقابل أو يتحدث مع أي شخص. قال: "لم أكن قادرا على متابعة أي من المنافسات الأولمبية، لأن ذلك كان مؤلما جدا بالنسبة لي ويشعرني بحزن شديد." ظل في حالة نفسية سيئة حتى بدأ التدريب مرة أخرى في شتاء السنة الماضية.

في منافسات نهائي سباق كل الأجهزة للفردي، كان شياو روه تنغ واحدا من أبرز اللاعبين المرشحين للفوز. قدم أداء مستقرا وثابتا في الفعاليات الأولية، لكن في المنافسة الخامسة، ارتكب خطأ، قال: "في منافسات المتوازي، تعرضت لتشنج في العضلات، فلم ألعب بشكل جيد، وارتكبت الخطأ". يعتقد شياو روه تنغ أن الضغط الكبير أيضا تسبب في ارتكابه للخطأ. في ذلك الوقت، لم يكن مدربه وانغ هونغ وي في قاعة المنافسات، فكان لا بد لشياو روه تنغ من الاعتماد على نفسه لبث الحماسة بداخله وتحسين حالته النفسية. في الفعالية الأخيرة، كانت العارضة هي مفتاح للفوز. ترك كل القلق والضغوط جانبا، وبذل أكبر جهوده لإكمال هذه الفعالية بالوجه الأمثل. الحركات الصعبة والأداء المثالي ساعدته في الحصول على درجة عالية، الأمر الذي أهله للتتويج باللقب النهائي.

بعد الحصول على الميدالية الذهبية، عانق شياو روه تنغ مدربه وانغ هونغ وي، وهو مدرب صيني مشهور أشرف على تدريب بطلين أولمبيين سابقين هما، تشن يي بينغ وفنغ تشه. قال شياو روه تنغ: "رغم أن مدربي لم يقل الكثير واكتفى بالقول بأنني جيد بعد انتهاء السباق، فهمت أنه سعيد وفخور للغاية . أنا ممتن له جدا، فقد بذل الكثير من الجهود أثناء تدريبي." يعتقد شياو أن كلمة "جيد" من مدربه كلمة معبرة وتعادل أكثر من ألف كلمة تقدير. عند سؤاله عن توقعاته وخططه وطموحه بدورة طوكيو للألعاب الأولمبية، قال شياو: "أعتقد يجب عليّ أن أمشي خطوة بخطوة، وأتابع واستعد لمنافسات السنة القادمة أولا. يأمل الجمهور في إنجازات كثيرة مني، سوف أتحمل هذه المسؤولية وأحاول أن أكون على قدر آمال وتطلعات الجماهير، وأواصل تقديم الأداء الجيد."

تسو جينغ يوان: شعور ممتع في حركات الدوران في الهواء

في اليوم الثاني لمنافسات بطولة العالم للجمباز2017، وفي سباق العوارض غير المتوازية، قدم اللاعب الصيني تسو جينغ يوان عرضا جيدا مميزا، ولم يعط بقية المنافسين الآخرين فرصة للفوز. حقق الفوز بحصوله على 900ر15 نقطة، وحصل على أول ميدالية ذهبية في بطولة العالم للجمباز، وهي الميدالية الثالثة التي يحصل عليها فريق الجمباز الصيني في هذه الدورة من بطولة العالم للجمباز.

ربما لا يعرف كثيرون تسو جينغ يوان، لكن بالنسبة لمحبي رياضة الجمباز، تسو جينغ يوان رياضي مشهور في الصين. حصل على أربع ميداليات ذهبية في البطولة الوطنية لناشئي الجمباز في عام 2015. وفي عام 2016 عندما كان عمره 18 سنة، حصل على ميداليتين ذهبيتين في منافسات العارضة المتوازية والحلق في البطولة الوطنية للجمباز. قال البطل الأولمبي فنغ تشه: " تسو جينغ يوان بطل بحجم البطل الأولمبي الصيني الشهير تسو كاي." وهذا تقييم وتقدير عال بالنسبة للاعب شاب.

ممارسة تسو جينغ يوان للجمباز تعود إلى طفولته عندما كان في روضة الأطفال، فقد كان يقوم بالدوران والدحرجة على حصيرة كل يوم، وكانت تلك الحركات تسعده كثيرا. واقتنع المدرب بأن لديه موهبة في الجمباز، ووافق على تدريبه ضمن فريق الجمباز، من مرحلة التدريبات إلى المشاركة في المنافسات، أصبح الجمباز جزءا هاما في حياته. من المعروف أن التدريبات في الفريق الوطني صعبة جدا، لكن تسو جينغ يوان يرى أن هذه التدريبات ليست مهمة صعبة وشاقة، فما زال يعتقد أن الجمباز لعبة ممتعة. قال تسو جينغ يوان: "الأداء خلال التدريبات يكون كما في المنافسات الرسمية، هذا ما كان يردده المدرب وما استفدته من التدريبات."

ومن خلال المنافسات، أجاد القيام بالحركات الصعبة. في التدريبات اليومية أيضا، يبذل أقصى جهوده ويكون قاسيا مع نفسه، قال: "إذا كانت هناك تفاصيل صغيرة في مجموعة من الحركات، لا تقنعني ولا تصل إلى تطلعاتي، أقوم بإعادة التدريبات مرات ومرات حتى أقتنع بها".

وفي مجال رياضة الجمباز، يعتبر تسو جينغ يوان كلا من اللاعب فنغ تشه واللاعب تسو كاي قدوة له، وقد تابع تدريباتهما في الفريق الوطني. قال تسو جينغ يوان: "روحهما في التغلب على الصعوبات تشجعني كثيرا، فممارسة الرياضة تحتاج إلى هذا النوع من الروح. لا أحد يستطيع تحقيق الفوز في كل السباقات، والتجارب والنتائج السيئة تؤدي إلى تأثيرات سلبية على اللاعبين، وهما يستطيعان تغيير حالتهما النفسية بشكل جيد، واستطاعا التغلب على أنواع من الصعوبات خلال مسيرتهما الرياضية وحصلا على بطولات وألقاب عديدة. يجب عليّ التعلم منهما هذه الروح. من عادة تسو جينغ يوان أن يفكر في كيفية تحسين قدراته وكيفية التقليل من أخطائه حتى في وقت فراغه. قال: "إذا أعتمد على الحظ في التدريبات اليومية، فسيكون من الصعب تسجيل درجة عالية في المنافسات الرسمية. لذلك، لا بد لي من الحفاظ على مستوى عال في التدريبات اليومية، التدريبات الشاقة تمنحني الثقة في المنافسات، حتى وإن كان الأداء في البطولات ليس جيدا كالمعتاد، يظل بإمكاني الحصول على نقاط غير منخفضة."

أضاف تسو جينغ يوان: "أنا أحب التدريبات كثيرا، عدم التدرب لمدة طويلة يجعلني أشعر بعدم ارتياح، أحرص على التدريب باستمرار. أحب جدا ذلك الشعور عند القيام بالدوران والدحرجة في الهواء. أقوم بحركات الدوران واحدة بعد أخرى، وأستطيع تعديل وتحسين حركاتي بجانب التمتع بشعور رائع."

فان يي لين: أمي، أنا حققت حلمنا

في الصباح الباكر لليوم الثامن من أكتوبر 2017، انتهى سباق نهائي العوارض غير المتوازية النسائي في بطولة العالم للجمباز 2017، حيث قدمت اللاعبة الصينية فان يي لين مجموعة من الحركات وبلغت درجة صعوبتها 5ر6 بشكل مثالي، وحققت الفوز بحصولها على 166ر15 نقطة، الأمر الذي ساعدها في تحقيق الفوز الثاني على التوالي في بطولة العالم للجمباز.

حسب رأي مدرب فان يي لين، هي ليست لاعبة ذكية جدا، لكنها لاعبة مجتهدة جدا، حصولها على إنجازات كثيرة يعود إلى جهودها المستمرة. هذه البطلة الصغيرة تتحمل المشقات والتمرينات الثقيلة في التدريبات اليومية، وتزيد من تدريباتها دائما، وتعوض نقص موهبتها في الرياضة البدنية عن طريق المزيد من الجهود اليومية. قامت بتمثيل فريق شانغهاي في الألعاب الوطنية الصينية عام 2013، وساهمت بأدائها المستقر في فوز فريق شانغهاي النسائي للجمباز. في عام 2014، تعرضت فان يي لين للإصابة لمرتين، مما حرمها من المشاركة في جميع منافسات ذلك العام. ما بين رحلة الإصابة والتعافي ثم تجدد الإصابة والتعافي مرة أخرى، هذه الرحلة الصعبة للغاية التي تترك آلاما نفسية للرياضي، تضررت كثيرا من جراء ذلك. بسبب عدم قيامها بالتدريبات لمدة طويلة، ازداد وزنها كثيرا. مشكلة الوزن هي مشكلة كبيرة بالنسبة لأي رياضي، لكنها تغلبت على هذه المشكلة اعتمادا على المثابرة والإصرار. خلال فترة الإصابة، كتبت على ضمادتها: هيا للفوز، وواصلت التدريبات ويدها اليمنى في جبس التجبير لكي تقلل من التأثيرات السلبية على قدراتها ولياقتها بسبب الإصابة والمرض. وخلال تلك الفترة، قدم والداها الكثير من الدعم والتشجيع لها، وكانا يحثان ابنتهما على مواصلة حلمها الرياضي حتى ولو كان هناك بصيص من الأمل فقط. أسرة فان يي لين تعتقد أنها لديها دائما حلم البطل. وترى فان يي لين أنها لم يكن بمقدورها تحقيق إنجازاتها الحالية من دون دعم وتشجيع والديها.

لا تستطيع فان يي لين منع دموعها عندما تتذكر أمها. بعد فترة غير طويلة من انضمامها إلى الفريق الوطني في عام 2014، اكتشف إصابة والدتها بسرطان الرئة المتقدم، من أجل عدم التأثير على تدريباتها، أخفت الأسرة عنها حالة أمها. قالت فان يي لين: "عرفت أن صحة أمي ليست جيدة، لكنني لم أعرف حقيقة مرضها الخطير. قالت أمي إن مشكلتها الصحية ليست كبيرة، وعلي أن أنهمك في التدريبات." وعندما ازدادت شدة المرض على أمها، رتب الفريق الوطني وقتا خاصا لها لزيارة والدتها، لكن تلك الزيارة كانت الزيارة الأخيرة لها.

لم يمهل المرض والدة فان يي لين طويلا، فلم يمض سوى ثلاثة شهور فقط من اكتشاف المرض حتى وفاتها في سبتمبر عام 2014، بينما كانت فان يي لين تشارك في الألعاب الآسيوية بمدينة إنتشون. كادت أن تنهار عند سماعها لذلك الخبر السيء، لكن وفاة الأم والمعاناة النفسية والإصابات المتكررة لم تهزم هذه الفتاة القوية، بل جعلتها تجتهد أكثر في التدريبات وتبذل المزيد من الجهود، فكرست كل طاقتها في تحسين مهاراتها وقدراتها واضعة أمل أمها نصب عينيها، وأرادت أن ترد جميل أمها بإهداء الميدالية الذهبية لروح أمها.

في الثامن من نوفمبر عام 2015، أقيمت مراسم تسجيل بطل العالم الجديد للجمباز في قائمة الأبطال السنوية في جناح الجمباز لمصلحة الصين للرياضة. أصبحت فان يي لين بطلة العالم الثانية والسبعين في الفريق الوطني الصيني للجمباز، بعد حصولها على الميدالية الذهبية في بطولة غلاسكو العالمية للجمباز. عندما رأت صورتها المعلقة على قائمة أبطال العالم للجمباز، قالت ودموع الفرح تترقرق في عينيها: " أمي، ها أنا حققت حلمنا." وفي هذه الدورة من بطولة العالم للجمباز، حصلت على الميدالية الذهبية مرة أخرى، وأهدتها مرة أخرى لروح أمها.

أداء الفريق الوطني الصيني للجمباز في دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو لم يكن جيدا. وبعد ذلك، بدأ إعادة بناء الفريق من المدربين إلى اللاعبين الشباب، وانطلق كل شيء من الصفر. من جانب، ازداد التركيز على بحث وإجادة الحركات والمهارات، ومن جانب آخر، تم استغلال كل فرصة لتدريب اللاعبين الشباب في المنافسات العالمية. بدأ وضع الفريق يتغير إلى الأفضل، حتى جاءت نقطة الانطلاق والتوهج في بطولة العالم في مونتريال.

نتائج وإنجازات الفريق الوطني الصيني للجمباز أسعدت الشعب الصيني كثيرا، لم يفكر أحد أنه يمكن تحقيق طفرة وتحول من الأداء الضعيف إلى الأداء القوي في المنافسات خلال سنة واحدة فقط، بجانب إعلان العودة القوية للفريق الصيني إلى منصات التتويج في العالم. وبالإضافة إلى ذلك، معظم اللاعبين الصينيين في هذه البطولة هم من الشباب، أداؤهم في المنافسات ثابت ومستقر، ووصل إلى تطلعات وآمال الفريق. ونأمل أن يواصل هذا الفريق التفوق على مستوى العالم مجددا في دورة طوكيو للألعاب الأولمبية في عام 2020 .