خلق مستقبل جديد للعلاقات الصينية- الأمريكية



قال الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل زيارة ترامب المرتقبة للصين خلال شهر نوفمبر 2017، إن الصين والولايات المتحدة الأمريكية لديهما مجموعة واسعة من المصالح المشتركة، وإن البلدين بحاجة إلى توسيع التعاون من خلال التبادل على كافة المستويات، لضخ حيوية جديدة في العلاقات الصينية- الامريكية.

تجنب التأثيرات السلبية

منذ أمد طويل، تتجاوز الخيارات السياسية للصين والولايات المتحدة الأمريكية، نطاق العلاقات الثنائية، وتؤثر الى حد كبير في تحديد الاستقرار والازدهار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والعالم ككل، وترتبط بشكل وثيق باتجاه التنمية العالمية. وبعد ما يقرب من أربعة عقود من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تشكلت بينهما علاقة معقدة للغاية ومترابطة من جميع النواحي.

خلال الأشهر الستة الأولى من إدارة ترامب، اتبع الرئيس الأمريكي نهجا "تجاري الأسلوب" في التعاطي مع العلاقات الدبلوماسية مع الصين، بما أثر سلبا على البلدين، وجعل علاقاتهما فاترة ومجهولة المعالم.

في بداية سنة 2015، ظهر في داخل الولايات المتحدة الأمريكية جدل حول الإستراتيجية الأمريكية تجاه الصين، ما يشير الى ظهور الصعوبات في العلاقات بينهما، واليوم مازالت هناك مشكلات قائمة، تضع العلاقات الثنائية بين البلدين تحت الاختبار. أهم هذه المشكلات، القضية النووية الكورية، ونشر منظومة صواريخ ثاد، والخلافات بين الصين واليابان في بحر الصين الشرقي، والنزاعات الإقليمية بين الصين وبعض دول آسيان (رابطة دول جنوب شرقي آسيا) في بحر الصين الجنوبي.

ومع ذلك، قطعت العلاقات الصينية- الأمريكية أشواطا من التقدم ووصلت إلى مستوى يتجاوز التأثيرات الناجمة عن تغير الأشخاص أو الأحادية. صعود الصين وتأثيرها المتزايد، والنجاح المرحلي لنموذج التنمية في الصين، فضلا عن التنمية الذاتية للولايات المتحدة الأمريكية، واعتمادها على مشاركة الصين في كل القضايا العالمية والإقليمية الرئيسية، كلها عوامل هيكلية تساهم في استقرار العلاقات الصينية- الأمريكية.

ولذلك، ظلت العلاقات الصينية- الأمريكية حاليا في وضع مستقر عموما، حتى مع وجود الشكوك الاستراتيجية أو الاختلافات بين الجانبين حول بعض القضايا الرئيسية، إذ أن ذلك في حد ذاته يشعر الجانبين بأهمية الحوار الموضوعي لتوضيح نوايا كل منهما تجاه الآخر، والحد الأدنى لشروط كلا الجانبين. إن تقييم التكلفة والمكسب لمختلف الخيارات السياسية، يدفع البلدين باستمرار إلى صياغة توازن إدراكي جديد على أساس النمط الإقليمي القائم. وقد أكدت هذه العملية أن أفضل خيار هو مواصلة التكيف والتعديل فيما بينهما، فيما يتعلق بمختلف المجالات والقضايا الإشكالية، وتسويتها من خلال الحوار والتشاور.

وانطلاقا من هذا التوافق، بدأت طريقة التفكير حول العلاقات الصينية- الأمريكية تتغير جذريا؛ بمعنى أنه لابد من التصدي لخلافات الدولتين حول مشكلات وتفاصيل متعددة، وليس الاكتفاء بمناقشة أهمية العلاقات الثنائية التي لا يمكن الرجوع عنها على المستوى الإستراتيجي. بهذه الرؤية المتفائلة تحديدا، يمكن تجنب الكثير من الآثار السلبية السابقة للعلاقات الصينية- الأمريكية.

تحقيق استقرار العلاقات وتعزيزها من خلال حوارات القادة

بعد اجتماعهما فى منتجع مارالاغو في فلوريدا، تواصل الرئيس شي جين بينغ والرئيس دونالد ترامب في العديد من المناسبات الدولية على مستويات مختلفة. تعكس هذه الحالة أن الجانبين لديهما وعي بأهمية العلاقات الصينية- الأمريكية وحرصهما على تعزيز التواصل الفعال بينهما من أجل تهيئة ظروف مؤاتية لعلاقات البلدين.

منذ تولي ترامب منصبه، وبالإضافة إلى تعزيز الحوار على المستوى الوظيفي، فإن واحدة من السمات الجديدة في التبادلات الصينية- الأمريكية هي توالي المزيد من الحوارات والمحادثات على مستوى القيادة. في سبتمبر 2017، اتصل الرئيس شي بالرئيس ترامب مرتين لمناقشة قضايا رئيسية، هي تحديدا: القضية النووية الكورية، وزيارة ترامب المرتقبة للصين. ومن الواضح أن الحوار بين الزعيمين لعب دورين هامين؛ الأول هو الاستقرار. فعلى الرغم من نشر تغريدات ترامب على تويتر والتي تعبر عن آراء مخالفة، فإن المكالمات الهاتفية المتكررة بين الزعيمين، تُبقي العلاقات الصينية- الأمريكية في مسار مستقر. أما الدور الآخر فهو دور الدافع. إن الباعث على المكالمات المتكررة هو إدراك الطرفين لضرورة توافق الآراء ووجود حيز للتعاون. ومما لا شك فيه أن المكالمات المباشرة للقادة تزيد الثقة المتبادلة. كما أنها تقلل من أخطاء محتملة في المعلومات تحدث خلال عمليات اتصال العمل. هذه المكالمات المباشرة بين الزعيمين تسهم في مساعدة البلدين على تطوير شراكة التعاون الأكثر نضجا. إن آليات الحوار الرفيعة المستوى الأربع التي تم التوصل إليها خلال زيارة الرئيس شي للولايات المتحدة الأمريكية، تجسد هذه الفكرة بشكل كامل. اختلافا عن آلية الحوار الاستراتيجي والاقتصادي الصيني- الأمريكي السابقة التي تتعاطى مع كافة القضايا، تسهم آليات الحوار الرفيعة المستوى الأربع هذه، في ترقية نوع الحوار وتعزز أهمية القضايا المحددة، وتساعد كل جانب على فهم مواقف الجانب الآخر بشكل أعمق ومعرفة الاختلافات بينهما. ومن ثم، فهي تسهل مناقشة الأفكار وسبل حل أي قضية معنية.

تعزيز العلاقات الصينية- الامريكية من خلال الحوارات الأربع

الحوار الدبلوماسي والأمني القائم بين البلدين، يأخذ نفس الشكل الذي يتم بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ويسهم في تأسيس وتدعيم الثقة بين الصين والولايات المتحدة ألأمريكية. وهكذا، فإن تطور العلاقات الصينية- الأمريكية صار موجها نحو "المشكلات والنتائج". وقد أكد الجانبان من جديد في هذا الحوار، أهمية التفاهم المتبادل والحد من مخاطر أي سوء فهم أو احتكاك بين القوات المسلحة لكلا البلدين؛ وتأكيد أهمية مذكرة التفاهم بشأن تنفيذ تدابير بناء الثقة؛ وآلية الإخطار المتبادل للعمليات العسكرية الرئيسية؛ ومدونة قواعد السلوك بشأن اللقاءات البحرية والجوية غير المخطط لها. وتعمل هذه الآليات والمبادئ التوجيهية كدليل للسيطرة على المخاطر فيما يتعلق بالصراعات المحتملة. وإحدى النتائج المباشرة هي أن كلا من الصين والولايات المتحدة الأمريكية تعتمدان حاليا، مواقف أكثر حذرا في تفاعلاتهما اليومية، ونهجا متفقا عليه في حل الخلافات المحتملة ومخاطرها.

في أغسطس 2017، قام الجنرال جوزيف دونفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، بزيارة للصين، وقع خلالها مع الجنرال فنغ هوي رئيس إدارة الأركان المشتركة لجيش التحرير الشعبي الصيني، إطار عمل لإقامة آلية اتصال جديدة مشتركة بين الإدارتين. هذه تعتبر ترقية نوعية غير مسبوقة، ونتيجة لم تتحقق خلال عدة سنوات من الحوار الاستراتيجي والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ولدى الجيشين حاليا، المزيد من القواعد التي يتعين اتباعها فيما يتعلق بمسائل بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي وقضايا الأمن التقليدية. وتشكل هذه القواعد والإجراءات التي وضعت بشكل مشترك "صمام أمان".

وعلى المستوى الاقتصادي والتجاري، فإن السبب الذي جعل البلدين يقيمان حوارا اقتصاديا "شاملا"، يعود إلى التوقعات بتوسيع نطاق الحوار بمضامين أكثر. ولكن هذه العملية ستبرز حتما بعض التباينات. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد المتبادل، والنقاط الحساسة العالية بالمجال التجاري بين البلدين، تجعل من المستحيل على أحد الطرفين، إجبار الطرف الآخر على الانضمام إلى برنامج معين، من دون نقاش. الحل الوحيد هو تشكيل آلية جديدة لتوافق الآراء وتسوية المنازعات. وعلى أساس استشراف آفاق الحوار، حققت خطة العمل الصينية- الأمريكية لمائة يوم، نتائج هامة مفيدة للطرفين. وتشمل النتائج عودة لحوم البقر الأمريكية إلى السوق الصينية بعد 14 عاما، والإلغاء التدريجي لحواجز سياسة تصدير الغاز الطبيعي الأمريكي المسال إلى الصين، وموافقة الصين على استيراد خمسة منتجات أمريكية للتكنولوجيا الحيوية، وتصدير الدواجن المطبوخة من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتنفيذ التدريجي للتطبيقات المالية. هذه النتائج تخلق أساسا جيدا للثقة ومناخا تعاونيا مؤاتيا للحوار الاقتصادي. وفي الجولة الأولى من الحوار الاقتصادي الشامل، بحث الجانبان توسيع تجارة الخدمات وزيادة الاستثمارات المتبادلة، ونفذا تعاونا بناء من أجل تقليل العجز التجاري. وتوصلا أيضا إلى توافق في الآراء بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية، وتيسير المراقبة على الصادرات، وتعزيز تجارة المنتجات الزراعية، وقضايا محددة أخرى.

قال نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، وانغ يانغ: "إننا اخترنا التعاون ليس من أجل مصالح الطرف الآخر، وإنما من أجل مصالحنا الذاتية، فهناك قوة داخلية تدفع الطرفين لمواصلة الحوار." ووفقا لما ذكره وزير التجارة الأمريكي، ويلبر روس، فإنه من خلال حوار بناء، عمل كلا الجانبين على تعزيز الاحترام المتبادل وتعزيز التفاهم المتبادل، ووضعا أساسا متينا للتعاون المستقبلي.

إن تحديد اتجاه العلاقات الصينية- الأمريكية على أساس نتيجة محادثات واحدة أو اثنتين، أو مدى الاختلافات، يعد قصر نظر إستراتيجي، وتوقعات غير واقعية. في الوقت الحالي، تستعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية بنشاط، لإجراء حوار حول تطبيق القانون والأمن السيبراني، بالإضافة إلى الحوار الاجتماعي والثقافي. هناك مجال واسع للتعاون في هذه المجالات، مما يجعل من الممكن استكشاف نقاط تطور جديدة. ويشكل أمن الشبكات العنكبوتية مصدر قلق مشتركا متزايدا بين البلدين. لا يزال العالم السيبراني الحالي يفتقر إلى قواعد وتعريفات واضحة للمشكلات المطروحة. وتختلف خطورة غياب السيطرة هذه، من بلد لآخر. يتعين على الصين والولايات المتحدة الأمريكية تعزيز تعاونهما مع القوى الكبرى الأخرى في العالم من أجل توضيح المفاهيم الرئيسية ووضع قواعد مشتركة، ومنع تحول الأمن السيبراني إلى عامل سلبي يؤثر على العلاقات الصينية- الأمريكية. إن ذلك سيوفر منفعة عالمية عامة، تتمثل في الإدارة النظامية للفضاء السيبراني.

التبادلات الاجتماعية والثقافية حلقة وصل هامة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. التفاهم والاعتراف بالأهمية، هما أساس التعاون في أي مجال. وفي حالة حدوث تغيرات كبيرة، يحتاج الجانبان إلى توسيع الفهم المتبادل حول ثقافة الآخر وتاريخه وطريقة تفكيره. عندها فقط ستتمكن الصين والولايات المتحدة الأمريكية من فهم بعضهما البعض عند التعامل مع القضايا الدبلوماسية والسياسية الرئيسية وصياغة سياسات تنسيق ملموسة. وفى هذا الصدد، ستواصل التبادلات الاجتماعية والثقافية الصينية الأمريكية، لعب دور لا يمكن الاستغناء عنه.

مستقبل واعد للعلاقات الصينية- الأمريكية

على أساس هذه الحوارات، يتعين على التعاون الصيني- الأمريكي تحقيق هدفين ساميين، هما: أولا، باعتبارهما قوتين كبيرتين في العالم، يتعين عليهما تسوية المشكلات الثنائية من خلال ممارساتهما الذاتية، وبالتالي النظر في ترتيب نظام جديد. إن آليات الحوار الرفيعة المستوى الأربع المشار إليها أعلاه، ترتبط بالترتيب للمشكلات والاستقرار في المجالات المختلفة، أو بإعادة تشكيلها. وهذا أمر بالغ الأهمية لحل المشكلات الإقليمية والعالمية. إن التعاون الصيني- الأمريكي سوف يحدد ما إذا كان النظام الإقليمي في شرقي آسيا، المتأثر بقضايا أمنية مختلفة، يمكن أن يستقر، وما إذا كان نظام التجارة الحرة لجميع الدول يمكن أن يكون مستداما، وما إذا كان العالم السيبراني "الجامح" يمكن أن يعمل بطريقة منتظمة. ثانيا، ينبغي على الصين والولايات المتحدة الأمريكية تحقيق مستوى عال من التفاهم المتبادل، أي الاحترام المتبادل أيديولوجيا. السبب في الحديث كثيرا هذه الأيام عن فخ ثوسيديدس لنزاع محتمل بين القوى الكبرى، أو مأساة سياسات القوى العظمى، هو أن الغرب قد توقع المسار الذي اختارته الصين، وفقا لسوابق تاريخية لديه. هذا الافتراض يعني أن الغرب يتجاهل الاختلافات بين الثقافة الصينية والغربية. هناك من يتخذون ببساطة بعض السياسات التفاعلية في عملية صعود الصين دليلا على أن "الدولة القوية لا بد أن تسعى للهيمنة". تحتاج الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق نموذج جديد للعلاقات بين القوى الكبرى، وفي نهاية المطاف لتحقيق الشعور بالاعتراف المتبادل. هذه هي أهمية الحوار الصيني- الأمريكي، وكذلك المهمة التاريخية للبلدين.

بعد عقود من التطور، لا تزال العلاقات الصينية- الأمريكية تواجه مشكلات جديدة، وتواجه اختلافات مستمرة، تسهم في تغيير المفاهيم المتبادلة بينهما. وبينما تستمر هياكلهما الاجتماعية، في التغير، تماشيا مع البيئة الدولية، يمكن تصور العلاقات الصينية- الأمريكية على أفضل وجه بأنها "عبور النهر عن طريق تحسس الأحجار"؛ أي اختبار كل خطوة، والتقدم بحذر. هناك أسباب للاعتقاد بأن الصين والولايات المتحدة الأمريكية يمكنهما خلق مستقبل أفضل، وأن زيارة الرئيس ترامب المرتقبة للصين، ستمكنه من تعزيز الوعي بهذا الاتجاه.

--

تشي هاو، باحث مساعد في معهد الدراسات الأمريكية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.