الحضارة الإيكولوجية الصينية والتنمية المستدامة العالمية
المعضلة المشتركة التي تواجه كل دول العالم حاليا، هي كيفية تحقيق التنمية المستدامة. في عام 2007، طرحت الصين لأول مرة بناء الحضارة الإيكولوجية، وهي خطوة ترتقي بالتنمية المستدامة إلى مستوى الحضارة الإنسانية، وتضيف حيوية جديدة للتنمية المستدامة في الصين. خلال السنوات العشر الماضية، وبشكل خاص منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني عام 2012، أضحى جليا أن الصين عاقدة العزم على تحقيق إنجازات في استكشاف بناء الحضارة الإيكولوجية. لم ترفع الصين مستوى معالجة بيئتها الإيكولوجية بشكل فعّال فحسب، وإنما أيضا قدمت مشروعا صينيا لدفع التنمية المستدامة لدول العالم الأخرى.
تقدم إيجابي في بناء الحضارة الإيكولوجية
منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أولت الحكومة الصينية بناء الحضارة الإيكولوجية اهتماما عاليا، فتبنت سلسلة من القرارات والخطط الهامة، ودمجت بناء الحضارة الإيكولوجية في كافة المجالات وفي كافة أعمال البناء الاقتصادي والبناء السياسي والبناء الاجتماعي والبناء الثقافي، فحققت تقدما عظيما ونتائج إيجابية.
تحسين المنظومة النظرية لبناء الحضارة الإيكولوجية. المفهوم هو ينبوع النظرية. إن أقوالا بسيطة مثل: "ازدهار البيئة الإيكولوجية يحقق ازدهار الحضارة"، "الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وفضة"، "البيئة الإيكولوجية قوة إنتاجية، وتطوير البيئة الإيكولوجية هو تطوير قوة الإنتاج"، "البيئة هي معيشة الشعب، والجبال الخضراء هي الجمال، والسماء الزرقاء هي السعادة"، قد جددت معرفة الناس بالبيئة الإيكولوجية الطبيعية.
من إدراج المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب بناء الحضارة الإيكولوجية ضمن "البناءات الخمسة (البناء الاقتصادي، البناء السياسي، البناء الاجتماعي، البناء الثقافي، البناء الإيكولوجي) المتكاملة" في التخطيط العام لتنمية الدولة، وطرح الدروة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الإسراع في بناء المنظومة المنهجية الكاملة للحضارة الإيكولوجية، إلى مطالبة الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب بحماية البيئة الإيكولوجية من خلال منظومة قانونية صارمة، وصولا إلى اتخاذ الدورة الكاملة الخامسة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب التنمية الخضراء كأحد مفاهيم التنمية الخمسة، يمكن القول إن الصين قد شكلت منظومة نظرية للحضارة الإيكولوجية، هدفها التناغم بين الإنسان والطبيعة، ومحورها البناء النظامي، وقوتها المحركة هي التنمية الخضراء، وركيزتها الهامة هي معالجة البيئة، ودعامتها هي الثقافة الإيكولوجية والحياة الخضراء.
إنجاز نظام الحضارة الإيكولوجية بصورة رئيسية. منذ طرح الدروة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب "حماية البيئة الإيكولوجية باستخدام النظام" و"تعميق إصلاح نظام الحضارة الإيكولوجية"، حتى إصدار سلسلة من مشروعات إصلاح نظام الحضارة الإيكولوجية، تتسارع خطى بناء نظام الحضارة الإيكولوجية باستمرار. وقد تم إنجاز ركائز ضمان بناء الحضارة الإيكولوجية الصينية بصورة رئيسية، وهي النقاط الثماني التالية: إكمال نظام حقوق ملكية الثروات والأصول الطبيعية، إقامة نظام تنمية وحماية الأراضي والفضاءات الوطنية، إنشاء منظومة تخطيط الفضاءات، إكمال نظام الإدارة الشاملة والاستخدام المقتصد للموارد، إكمال نظام استخدام الثروات بمقابل والتعويض الإيكولوجي، إنشاء وإكمال منظومة معالجة البيئة، إكمال منظومة سوق معالجة البيئة وحماية البيئة الإيكولوجية، وإقامة نظام تقييم وفحص النتائج والمساءلة والمسؤولية القانونية للحضارة الإيكولوجية. وفي الوقت نفسه، تحققت تطورات ملحوظة في بناء سيادة القانون للبيئة في الصين، حيث تم تنقيح وتعديل قانون حماية البيئة وقانون الوقاية من التلوث الجوي ومعالجته وقانون الوقاية من التلوث المائي ومعالجته، والإسراع في وضع قانون الوقاية من تلوث التربة ومعالجته، وغيره من القوانين واللوائح.
التقدم في تحسين جودة البيئة الإيكولوجية. أصدرت الصين خطط الوقاية من تلوث الجو والماء والتربة ومعالجته، لإعلان الحرب ضد التلوث؛ وحددت خطا أحمر لحماية البيئة الإيكولوجية، وتطبق حماية واستعادة النظام الإيكولوجي للجبال والأنهار والغابات والحقول والبحيرات، ودفعت المعالجة الشاملة للبيئة الريفية بشكل عميق، وتسرع في إصلاح الحلقات الضعيفة للبيئة الإيكولوجية، مما حقق تحسنا ملحوظا لجودة البيئة الإيكولوجية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تواصل الصين تعزيز تطبيق قانون البيئة، فقدمت محكمة الشعب العليا ونيابة الشعب العامة العليا تفسيرا قضائيا لتخفيض معايير إدانة المتهم، وأنشأت محكمة الشعب العليا دائرة قضائية خاصة بالموارد البيئية. في الوقت ذاته، فإن المراقبة البيئية التي تقوم بها الحكومة المركزية في أنحاء البلاد، تلعب دورا فعالا في حل بعض المشكلات المزمنة.
ظهور ثمار التنمية الخضراء تدريجيا. طالبت الدروة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب بوضوح بـ"تصحيح انحراف تقييم الإنجازات وفقا لسرعة النمو الاقتصادي"، فأصدرت مقترحات بشأن تحسين أعمال تقييم إنجازات الهيئات القيادية والكوادر القيادية الحزبية والحكومية المحلية، وأصدرت خطة الاقتصاد الدوري وخطة التنمية الصناعية الخضراء وغيرهما، وتدفع إصلاح جانب العرض بقوة، وأصدرت السياسة الخضراء المالية. وقد شهد الهيكل الصناعي تحسنا ملحوظا، كما انخفض مستوى استهلاك الطاقة والموارد.
زيادة مطرد لقدرة الخدمات البيئية العامة. تحققت نتائج إيجابية في بناء المرافق البيئية التحتية، حيث بلغت قدرة معالجة المياه المستعملة في المناطق الحضرية الصينية 182 مليون طن يوميا، حتى نهاية عام 2015، وأصبحت الصين واحدة من أكثر دول العالم قدرة على معالجة المياه المستعملة. وارتفعت نسبة معالجة المياه المستعملة في المدن الصينية إلى 92%، وبلغت نسبة التخلص من المخلفات بدون تلويث البيئة في المناطق الحضرية 1ر94%. وتسير عملية المعالجة الشاملة للبيئة الريفية بسلاسة، وتم تطبيق منظومة المعالجة البيئية الشاملة في اثنتين وسبعين ألف قرية، وتركيب معدات لمعالجة المخلفات والتخلص منها واستخدام الموارد في واحد وستين ألف مزرعة للثروة الحيوانية.
ارتفاع ملحوظ للوعي الحضاري الإيكولوجي. تواصل الصين تعزيز تعميم الوعي بحماية البيئة الإيكولوجية، وتعلن بيانات جودة البيئة والانبعاثات الملوثة للمؤسسات والتقييم البيئي للمشروعات وتدقيقها والموافقة عليها وغيرها من البيانات، ووسعت قنوات ونطاق المشاركة الشعبية في ذلك، فتحول الشعب من متلق سلبي لبيانات ومعلومات الحضارة الإيكولوجية إلى متلق إيجابي متحمس، وارتفع الوعي العام بالمشاركة الجماهيرية في بناء الحضارة الإيكولوجية.
وإجمالا نقول، إن هذه الإنجازات تشمل كل المستويات وكافة الجوانب نظريا وعمليا، فتشكلت في الصين منظومة نظرية وتطبيقية كاملة لبناء الحضارة الإيكولوجية.
المغزى الهام للتنمية المستدامة العالمية
إذا كان بناء الحضارة الإيكولوجية اختيارا ضروريا لتنمية الصين، فإنه أيضا تجسيد لمبادرة الصين بتحمل مسؤولية التنمية المستدامة العالمية. الصين دولة شاسعة المساحة كثيرة السكان، مما يجعل استهلاكها للموارد وتلويث البيئة فيها يؤثران على العالم. إن الصين، التي حققت إنجازات عديدة في معالجة البيئة، تدرك أن الحضارة الإيكولوجية ترتبط بالتنمية المستدامة للأمة الصينية، ومن ثم فإنها تحرص على بناء الحضارة الإيكولوجية ودفع التنمية المستدامة بعزيمة صادقة، فقدمت بذلك مساهمات عظيمة لمعالجة المشكلات البيئية العالمية، بالتزامن مع معالجة مشكلاتها البيئية.
بناء الحضارة الإيكولوجية للصين يعد تعميقا وابتكارا في مفهوم التنمية المستدامة، ويسمو بالتنمية المستدامة العالمية إلى ذروة أعلى. في مسيرة استكشاف التنمية المستدامة، ظهرت في دول العالم أنماط تطبيقية مختلفة تأثرت بشكل أو بآخر بالنظم الإدارية ومرحلة التنمية وبيئة السوق في كل منها. بناء الحضارة الإيكولوجية في الصين يؤكد على توظيف أساليب متعددة بشكل شامل وفقا للتخطيط العام لـ"البناءات الخمسة المتكاملة"، لدمج مفهوم التنمية الخضراء في كافة حلقات الإنتاج والحياة ولبناء هيكل حضاري يتسم بدرجة عالية من التناغم بين الإنسان والطبيعة وازدهار المجتمع، ولرفع التنمية المستدامة إلى مستوى الحضارة الإنسانية. إن النمط الصيني للحضارة الإيكولوجية يقدم حكمة الصين ومشروع الصين لمعالجة مشكلة التنمية المستدامة للبشرية.
الحضارة الإيكولوجية اختيار ضروري لرابطة المصير المشترك للبشرية
بناء الحضارة الإيكولوجية مسؤولية مشتركة للبشرية. للبشرية كرة أرضية واحدة فقط، فيصعب بقاء وتطور البشرية بدون حماية البيئية الإيكولوجية. تقع كل الدول في عالم واحد، وتتمتع ببيئة إيكولوجية واحدة، وهي رابطة المصير المشترك. للدول المختلفة مصالح مشتركة بينما عليها مسؤولية مشتركة في حماية الكرة الأرضية وتحقيق التنمية المستدامة. وعلى ذلك، فإن بناء الحضارة الإيكولوجية وتحقيق الفوز المزدوج لحماية وتنمية البيئة وإن كانا يمثلان هدفا للصين، فإنهما في ذات الوقت يشكلان المهمة المشتركة التي تواجه دول العالم.
لقد اعترف المجتمع الدولي ببناء الحضارة الإيكولوجية في الصين. في عام 2013، أُدرج مفهوم الحضارة الإيكولوجية للصين في قرار الدورة الثانية والسبعين لاجتماع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وفي عام 2016، أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقرير ((الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وفضة: الإستراتيجيات والعمليات الصينية للحضارة الإيكولوجية)). وقال أتشيم شتاينر، الرئيس التنفيذي السابق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: "بناء الحضارة الإيكولوجية في الصين استكشاف مفيد وتطبيق مفصل لمفهوم التنمية المستدامة، ويمكن للدول الأخرى أن تستفيد منه خلال مواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية المتشابهة."
يحتاج تحقيق الحضارة الإيكولوجية العالمية إلى العمل المشترك من مختلف الدول، ويحتاج تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع البشري إلى الجهود المشتركة من مختلف الدول في البناء المشترك للحضارة الإيكولوجية والتمتع ببيئة إيكولوجية جيدة. خلال القمة التاسعة لمجموعة دول "بريكس"، التي عقدت في مدينة شيامن، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو أيضا الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، إلى اغتنام فرصة تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والسعي إلى توحيد وتنسيق المصالح الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتحقيق التنمية المتفاعلة والشاملة. يتعين على المجتمع الدولي أن يعزز التعاون والتبادل، وأن يسعى بشكل خاص إلى صياغة نمط جديد لمنظومة معالجة البيئة العالمية يقوم على تبادل المساعدة والدعم في المجالين المالي والتقني وغيرهما. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن الدول تختلف عن بعضها البعض في وضع ومرحلة التنمية والثقافة والسياسة، فلا يمكن أن تتبنى كلها نمطا واحدا أو طريقة واحدة لبناء "منظومة العمليات المشتركة" للحضارة الإيكولوجية العالمية، وإنما أن تنطلق كل دولة من واقعها لدمج مفهوم الحضارة الإيكولوجية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لها، ليتشكل في النهاية نمط بناء الحضارة الإيكولوجية الذي يتفق مع وضع كل دولة.
---
تشانغ هوي يوان، مدير مركز أبحاث الحضارة الإيكولوجية بالأكاديمية الصينية لعلوم البيئة.