((الصين اليوم)) في حوار مع المستشار الثقافي بسفارة الصين لدى مصر
قبل ثلاثة شهور تقريبا، تولى السيد شي يويه ون مهام عمله مستشارا ثقافيا بسفارة الصين لدى مصر ومديرا للمركز الثقافي الصيني بالقاهرة.
السيد شي، الذي يتحدث العربية بطلاقة، له خبرة طويلة في العمل الثقافي والتبادلات الثقافية الصينية- العربية، فقد عمل في سفارة الصين لدى الكويت وعمل مستشارا ثقافيا بسفارة الصين لدى الجزائر والمغرب. ((الصين اليوم)) التقت به وكان لنا معه هذا الحوار:
((الصين اليوم)): سعادة المستشار، أنت عملت في مصر قبل سنوات، فما الذي تغير وما الذي لم يتغير في مصر خلال هذه الفترة؟
المستشار الثقافي: رغم أنني غادرت مصر قبل سبع سنوات، كان هناك دائما خيط يشدني إلى هذه البلاد، وكما يقول المثل المصري: "من يشرب من ماء النيل لابد أن يعود إليه مرة أخرى". وجدت الكثير من الثوابت في هذه البلاد، التي كانت ولا تزال تترك في نفسي انطباعات عميقة، ومن ذلك ابتسامة المصريين في وجوه أبناء الشعوب الأخرى، سواء يعرفونهم أو لا يعرفونهم، إضافة إلى جهود الحكومة في الحكم والإدارة، وتفاؤل وتضامن المواطنين أمام التحديات اقتصاديا وأمنيا. أما التغيرات، فيصعب عدها، ولكن ربما التغيرات اللافتة أكثر هي توسع الطرق، وتزايد عدد السيارات الجديدة والفاخرة، وتحسن الإدارة المدنية في شتى المجالات. ويمكن القول إن كل المؤشرات تشير إلى أن مصر تخلصت بشكل عام من سلبيات الأزمة المالية والسياسية التي جلبتها الثورة، وتسير بخطوات سريعة في طريق الانتعاش الكامل، وأعتقد أن جهود الحكومة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ورغبة الشعب المصري في الحياة الجميلة، ستدفع مصر إلى تحقيق نهضة الدولة مرة ثانية.
((الصين اليوم)): بالنسية للمركز الثقافي الصيني، نرجو أن تقدم لنا بعض المعلومات عنه.
المستشار الثقافي: افتتح المركز الثقافي الصيني بالقاهرة في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 2002، باعتباره أول مركز ثقافي أنشأته الحكومة الصينية في الخارج في القرن الواحد والعشرين، ذلك بهدف تعزيز التبادلات والتعاون بين الصين ومصر في مجال الثقافة والتعليم والعلوم، إضافة إلى تعزيز تعريف الشعب المصري الصديق بالثقافة والفنون الصينية.
تبلغ مساحة المركز الذي يقع في محافظة الجيزة بالقاهرة الكبرى ويواجه هرم خوفو العظيم الشهير، 2000 متر مربع. وهو عبارة عن بناية من خمسة طوابق، تضم مرافق وظيفية مثل القاعة المتعددة الأغراض، وقاعة المعارض، وغرف الدراسة، ومعمل اللغة، ومكتبة تشمل قاعة القراءة والمستودع، وقاعة الاجتماعات. ويعد المركز مكانا ملائما لإقامة العروض الصغيرة، والاجتماعات، والمحاضرات، وعروض الأفلام، والحفلات.
تقام في المركز دورات تدريبية في تعليم اللغة الصينية والفنون التقليدية الصينية، مثل دورة عزف الآلات الموسيقية الصينية التقليدية، ودورة المقصوصات الورقية، ودورة الووشو، وغيرها من الدورات المفتوحة لكل المصريين من مختلف الفئات العمرية، وبرسوم رمزية. إضافة إلى ذلك، يعرض المركز في ساحته كل أسبوع عدة أفلام صينية حديثة الإنتاج ومترجمة إلى العربية. وباعتباره المركز الثقافي الصيني الجاري تشغيله في المنطقة العربية، لعب المركز دورا متزايدا في تعزيز التعارف بين الشعب الصيني والعربي عموما، وبين الشعبين الصيني والمصري خصوصا.
((الصين اليوم)): وضع الرئيس شي جين بينغ "الترابط بين قلوب الشعوب" جزءا هاما في تحقيق "الترابط في خمسة مجالات" لبناء "الحزام والطريق". كيف ترى دور المركز الثقافي الصيني بالقاهرة في تعزيز الترابط بين قلوب الشعبين الصيني والمصري؟
المستشار الثقافي: لا شك في أن توجيه الرئيس شي جين بينغ حول الترابط في خمسة مجالات" لبناء "الحزام والطريق" يمثل مفهوما حكيما للغاية. بالنسبة لنا في المجال الثقافي، "الترابط بين قلوب الشعوب" هو بمثابة أكبر تشجيع لأعمالنا. لقد وضع الرئيس والحكومة الصينية "الترابط والتبادل الشعبي" في مكانة ذات أهمية بالغة، وهذا الأمر هو مهمة المركز منذ تأسسيه.
كان 2016 هو العام الثقافي بين الصين ومصر، بمناسبة الذكرى السنوية الستين لإنشاء العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، وخلاله قام المركز بتنظيم أكثر من تسعين نشاطا ثقافيا متنوعا في مصر، حظيت بالترحيب الواسع من قبل الشعب المصري. هذا العام، يصادف الذكرى السنوية الخامسة عشرة لتأسيس المركز، وقد قمنا بسلسلة من الأنشطة العالية المستوى للاحتفال به. الصين ومصر كلاهما من البلدان العظيمة، تتميزان بالحضارة القديمة المتألقة، كل هذه النشاطات لم تكن عرضا للثقافات الصينية فحسب، وإنما أيضا تمثل منصة ذهبية للتعارف بين الشعبين الصيني والمصري. وقد لعب المركز الثقافي الصيني بالقاهرة دورا محوريا في تحقيق هذا الأمر، تحت رعاية الحكومة الصينية، وأيضا الحكومة المصرية.
((الصين اليوم)): كيف ترى اندماج عناصر "الصين التقليدية" و"الصين الحديثة"، في رسم صورة الصين أمام شعوب العالم، وما خبرات المركز في هذا الصدد؟
المستشار الثقافي: الصين باعتبارها دولة متألقة ذات خمسة آلاف سنة من الحضارة، تترك للعالم انطباعات عميقة بعناصرها الثقافية التقليدية التي ترسم صورة الصين بشكل مباشر في ذهن من يذكر كلمة "الصين"، مثل الووشو وأوبرا بكين والأزياء التقليدية، وعادات الحياة المختلفة. هذه العناصر كلها نحرص عليها ونفتخر بها، وفي الوقت نفسه، لا يكفي أن نركز كل الجهود على تعميق انطباعات الآخرين عن الصين كدولة قديمة فقط، خصوصا في ظل سعي بعض وسائل الإعلام الغربية لتشكيل الصورة النمطية للصين كأرض غريبة ومختلفة عن المناطق الأخرى في العالم. شأن الصين كشأن معظم الدول في هذا العالم، لها تاريخ مفعم بالبهجة والدموع، فمن أهم المهام الحالية للمركز الثقافي الصيني، سرد قصص الصين الحقيقية وتقديم صورة صينية مجسمة للشعب المصري والعربي، خصوصا مع تطور الصين السريع في السنوات الأخيرة في شتى المجالات. على سبيل المثال، في قديم الزمان كانت الصين صاحبة الاختراعات الأربعة العظيمة؛ البوصلة والبارود وصناعة الورق والطباعة، الآن لدينا أربعة اختراعات جديدة وعظيمة في العصر الحديث، وهي الدراجات التشاركية والسكك الحديدية الفائقة السرعة، خدمة الدفع عبر الهاتف المحمول والإنترنت والتسوق الإلكتروني. طبعا هذه الاختراعات مجرد صورة مصغرة لتقدم الصين الكبير في الابتكارات التقنية. يمكن القول إن الصين التي دفعت التاريخ البشري باختراعاتها في العصر القديم، قد أظهرت للعالم مفهومها للتنمية مرة أخرى بالابتكارات العلمية والتكنولوجية. إن النجاح في نشر صورة الصين كدولة متألقة بكنوزها التقليدية، مع تقديم عناصر الصين كدولة حديثة وحيوية، وتقاسمها مع الشعب المصري والعربي، جزء هام لأعمال المركز في المرحلة المقبلة.
((الصين اليوم)): مع اقتراب السنة الجديدة، ما خطة المركز الثقافي الصيني بالقاهرة في عام 2018؟
المستشار الثقافي: على أساس الخبرات التي تم تراكمها خلال خمس عشرة سنة، سيواصل المركز العمل على إثراء نشاطاته كما وكيفا. سيتم فتح بعض الدورات التدريبية الجديدة في الموسيقى والرقص وغيرهما من الفنون الصينية التقليدية والحديثة، إضافة إلى أن المركز سيتعاون مع الشركة الصينية للأفلام، في توفير أفضل وأحدث الأفلام الصينية للمشاهدين في مصر، لعرضها بانتظام في المركز، مع إقامة أسابيع للفيلم الصيني في القاهرة والمدن الأخرى.
كما سيفتح المركز مسابقة "كأس السفير" للغناء الصيني ومسابقة الخطابة باللغة الصينية أمام عموم المصريين، لتكون المسابقتان على مستوى الدولة المصرية، وليس لطلاب الجامعات فقط كما كانت في السابق.
وسيقيم المركز بالتعاون مع مديرية الثقافة بحكومة مقاطعة سيتشوان الصينية والجعمية المصرية لهواة الووشو، مسابقة لمهارات الووشو على مستوى الدولة المصرية، في أول حدث من نوعه، وأعتقد أنها ستحقق النتائج المتوقعة التي تهدف إلى تعزيز نشر الووشو في مصر والقارة الأفريقية.
من جانب آخر، سوف ندعو المزيد من الخبراء الصينيين في مجال العلاقات الدولية والشؤون الصينية، لإلقاء محاضرات في مصر للتعريف بالمفاهيم والأساليب الصينية للتنمية، من أجل دفع التبادلات العلمية بين الخبراء من الصين ومصر.
وفي الوقت نفسه، سنركز الجهود في أعمال منتدى المترجمين والباحثين العرب في الشؤون الصينية، باعتباره أول كيان في الدول العربية يجمع المهتمين بالشأن الصيني، ترجمة وبحثا ودراسة، وسنتواصل مع المعنيين بالشأن الصيني في كافة الدول العربية لضمهم إلى هذا الملتقى، ليلعب دوره في تشجيع التواصل بين الدارسين العرب ونظرائهم الصينيين فيما يتعلق بتيسير وسائل الإطلاع والمعرفة وتبادل الخبرات في مجال الترجمة والتأليف عن الصين ثقافيا وحضاريا.
((الصين اليوم)): في النهاية، نريد منكم كلمة نيابة عن المركز الثقافي الصيني، لقراء ((الصين اليوم)) باعتبارهم كيانين معنيين بتعزيز التبادلات الثقافية بين الشعبين الصيني والعربي.
المستشار الثقافي: مجلة ((الصين اليوم)) قطعت خمسة وستين عاما على طريق تقديم الصين للعالم، وقدمت مساهمة لا بديل لها في تعزيز التفاهم بين الشعب الصيني وشعوب العالم عموما، وبين الشعب الصيني والشعب العربي خاصة. بصفتي مدير المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، أتمنى أن يكون هناك المزيد من التعاون بين المركز و((الصين اليوم))، لتوفير أفضل الخدمات للأصدقاء العرب في التعريف بالصين وتعزيز وتعميق الصداقة الصينية- العربية.