الصين تواصل تنميتها الشاملة بلا توقف

كل خمس سنوات، وتحديدا في فصل الخريف، يحل موسم الاهتمام بسياسة الصين، من جانب الأصدقاء الأجانب ومسؤولي الشركات والصحفيين والأكاديميين، وانضم إليهم في السنوات الأخيرة عدد متزايد من الناس في أنحاء العالم. يعود هذا الاهتمام في هذا التوقيت، إلى انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني، كل خمس سنوات. ومن هنا، فإن الأصدقاء الأجانب يترقبون المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، للاطلاع على أفكار الحزب الحاكم في الصين وإنجازاته في الخمس سنوات المنصرمة، وخطة الصين للسنوات الخمس المقبلة، وتأثيرها عليهم. وللجميع أقترح  قراءة كتابي ((سبع سنوات من أيام شاب متعلم- شي جين بينغ)) و((التخلص من الفقر))، لأن فيهما منطق عميق لكل سياسات الصين الداخلية والخارجية منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني.

التخلص من "الفقر" نقطة انطلاق عامة منطقية

يعتقد الحزب الشيوعي الصيني أن نقطة الانطلاق الواقعية لكل سياساته هي أن الصين تعيش في "المرحلة الأولى من الاشتراكية" على المدى الطويل، أي أن مستوى الإنتاج ومستوى معيشة الحياة ليس مرتفعا، والنظم في مختلف المجالات غير مكتملة. لذلك، فإن نقطة الانطلاق المنطقية للسياسات هي "الفقر". لكن "الفقر" هنا لا يحمل معنى اقتصاديا. قال الرئيس شي في ((التخلص من الفقر)): "التخلص من الفقر، معناه الأولي هو التخلص من فقر الوعي وفقر الفكر." هذا الاستخدام الواسع لمعنى الفقر هو توارث لمعنى الفقر الذي استخدمه كارل ماركس في كتابه ((بؤس الفلسفة)). "الفقر" يعني النقص وعدم الكفاية، سواء ماديا أو معنويا.

أعتقد أن الرئيس شي يعرف "الفقر" بعمق أكثر من الآخرين. فقد عمل وعمره خمس عشرة سنة في قرية فقيرة بشمال غربي الصين في عام 1969، وبقي هناك سبع سنين. وفقا لما جاء في ((سبع سنوات من أيام شاب متعلم- شي جين بينغ))، كانت حياة الناس في قرية ليانغجياخه، أكثر من فقيرة، وفقا للمعيار الغربي. لم يكن لديهم الطعام الكافي، فكان الشغيلة ومن بينهم شي جين بينغ يأكلون طحين قشور الحبوب، ولم تكن مائدتهم تعرف اللحم أو الخضراوات. لم يكن في القرية كهرباء، وكانت مواد الطبخ والتدفئة غير كافية، فيجمعون من الجبل أغصان الشجر التي جرفتها السيول. لم يكن لديهم وسائل نقل، فيقطعون كل يوم مسافة من ثلاثة إلى خمسة أميال، وكان ذلك أمرا عاديا بالنسبة لهم. في ظل هذه الظروف المادية الصعبة، قرأ شي جين بينغ في أوقات فراغه كتبا كثيرة، ليتخلص من الفقر المعنوي. سبع سنوات من الحياة في قرية ليانغجياخه جعلت شي جين بينغ يدرك أن كثيرا من الصينيين فقراء، ماديا ومعنويا واجتماعيا. اختار أهل القرية شي جين بينغ رائدا لهم، فقادهم لتطوير طاقة الغاز الحيوي وإنشاء تعاونيات الحديد، وساعدهم في محو الأمية. لم يغادر الشاب شي جين بينغ القرية إلا بعد ارتفاع مستوى معيشة أهلها كثيرا.

إذا استوعبت السبع سنوات تلك وفهمت مغزاها، ستتفهم دوافع الصين لتبني سياسة الإصلاح والانفتاح. لم يكن ممكنا حل قضية الفقر العامة في الصين إلا عن طريق الإصلاح والانفتاح. عندما أنتخب شي جين بينغ أمينا عاما للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في عام 2012، كان قد تم بصورة عامة حل مشكلة الغذاء والكساء في الصين، لكن "الفقر" مازال موجودا. من حيث الفقر الاقتصادي، ما زال في الصين مائة مليون فرد فقير. الفقر غير الاقتصادي يجسد تطلعات الناس العالية في مجالات مختلفة، بعد حل مشكلة الغذاء والكساء على نحو شامل. ما سعى إليه الحزب الشيوعي الصيني في السنوات الخمس الماضية وما سيسعى إليه في السنوات الخمس المقبلة بل وعلى المدى الطويل، هو تلبية تلك التطلعات.

حل المشكلات عن طريق "الشوامل الأربعة"

"الفقر" بمعناه الواسع في مختلف المجالات، يحتاج إلى جهود أوسع وتنسيق مختلف الجهود. ومن هنا، ظهر الموضوع الأكبر والأهم في السياسة الصينية منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، وأقصد به "الشمول" الذي يعني إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وتعميق الإصلاح على نحو شامل، ودفع حوكمة الدولة وفقا للقانون على نحو شامل، وإدارة الحزب بصرامة على نحو شامل. صارت تلك "الشوامل الأربعة" من مفردات حياة الصينيين.
إنجاز مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، هدف عام، يعني أنه لا يجوز إهمال أي جانب، وتعويض النقص في مجالات البناء الاقتصادي والبناء السياسي والبناء الثقافي والبناء الاجتماعي وبناء الحضارة الإيكولوجية. وإذا كان الهدف هو تطوير كل المجالات، فإن الشعب هو محور التطوير. وبعبارة أخرى، تحقيق الرخاء المشترك ماديا وتحقيق التطور الشامل معنويا واجتماعيا. في السنوات الخمس الماضية، ارتفع متوسط دخل الفرد القابل للصرف في الصين بنسبة 4ر7% سنويا، وخلال الفترة من عام 2012 إلى عام 2016، قل عدد الفقراء 64ر55 مليون نسمة، وصار 7ر99% من الأسر الريفية تستخدم الكهرباء وقريبة من الطرق العامة. تغيرت حالة "الحياة البدائية" مثل حالة قرية ليانغجياخه تدريجيا، وقد تعهد الحزب الشيوعي الصيني بالقضاء على الفقر تماما بحلول عام 2020. تتغير الحياة المعنوية والحياة الاجتماعية للصينيين تدريجيا. حاليا، يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الصين 093ر1 مليار فرد. في عام 2016، بلغ عدد الصينيين الذين دخلوا دور السينما 372ر1 مليار فرد/ مرة. تغير نمط حياة الصينيين بفضل وسائط التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت والدراجات العامة والدفع بواسطة الهاتف النقال. المجتمع الصيني يتقدم نحو مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل.

تعميق الإصلاح على نحو شامل، هو مصدر القوة المحركة. تحقيق الهدف العام لبناء مجتمع الحياة الرغيدة يحتاج إلى قوة محركة مستدامة. يستند الحزب الشيوعي الصيني في التنمية  إلى الإصلاح. بعد الوصول إلى المناطق الريفية في شمال مقاطعة شنشي، أدرك الشباب المتعلمون، ومنهم شي جين بينغ، أن الاقتصاد المحلي يفتقر إلى الحيوية وأن المحليين تنقصهم روح الإقدام. وقد ساعد شي جين بينغ شخصيا شابا فقد منصبه كقائد لفريق إنتاج بسبب استصلاح الأراضي الزراعية بلا إذن، وأعاده إلى منصبه، كما أقام شي في قريته تعاونيات الخياطة وتعاونيات الحديد والمطاحن وغيرها. ويرى بعض المحليين، أن هذه الإجراءات ربما كانت بمثابة ضربة البداية للسياسات الاقتصادية آنذاك. يدرك ذلك الجيل من كوادر الحزب الشيوعي الصيني، ومنهم الرئيس شي، أنه لا يمكن رفع مستوى معيشة الشعب الصيني إلا عن طريق الإصلاح. إن التمسك بالإصلاح والانفتاح مترسخ في قلوب هذا الجيل من كوادر الحزب الشيوعي الصيني. في السنوات الخمس المنصرمة، طرحت الصين 330 إجراء إصلاحيا في خمسة عشر مجالا، وفوضت الحكومة المركزية 618 مراجعة وموافقة إدارية إلى السلطات الأدنى، وأنهت المراجعة والموافقة غير الإدارية تماما. وقللت الحكومة الصينية سيطرتها على السوق وبسّطت عملية الموافقة وزادت وظيفة الخدمات عن طريق الإصلاح. في هذه العملية، يتم توثيق العلاقات بين الاقتصاد الصيني والاقتصاد الدولي، وتوسيع درجة الانفتاح، ورفع دور السوق.

دفع حوكمة الدولة وفقا للقانون على نحو شامل هو ضمان نظامي للتنمية. في الخامسة عشر من عمره، اُضطر الرئيس شي للعمل في القرية، لأن الحركة السياسية آنذاك لم تتبع القانون واللوائح، بل انتهكتها، مما أدى إلى فوضى اجتماعية. عندما قاد شي جين بينغ أهل قرية ليانغجياخه لتطوير الإنتاج وبناء القرية، لاحظ أنهم يتعاملون بوحشية وقسوة مع اللصوص، فقاد القرويين لصياغة لوائح للقرية، ومنذ ذاك، صار القرويون يتعاملون في كل الأمور حسب اللوائح. بحلول عام 2012، شهد حكم القانون في الصين تقدما كثيرا، لكنه ما زال متخلفا عن متطلبات التطور العصري. لذلك، في السنوات الخمس الماضية، دفعت الصين حوكمة الدولة وفقا للقانون على نحو شامل، وأتمت سن وتعديل 48 قانونا و42 لائحة إدارية و2926 قانونا محليا و3162 لائحة محلية، وفي ذات الوقت، تم تعديل 57 قانونا و130 لائحة إدارية عن طريق سلسلة من الإجراءات، بجانب سن وتعديل 80 لائحة داخل الحزب الشيوعي الصيني. وتم تصحيح الحالات المؤثرة التي يتم فيها توجيه الاتهامات إلى الأشخاص على نحو غير عادل. منذ يوليو عام 2016، يتم بث جلسات المحاكمات المفتوحة في المحكمة العليا مباشرة عبر الإنترنت. وقد تم بث أكثر من 600 ألف جلسة في المحاكم على مستويات مختلفة، مباشرة. تتقدم مسيرة حكم القانون في الصين بشكل كبير.

إدارة الحزب بصرامة وعلى نحو شامل ضمان سياسي للتنمية. لا ينسى الحزب الشيوعي الصيني البناء الذاتي. كيف يدير نفسه كحزب حاكم بشكل جيد على المدى الطويل؟ هذا هو السؤال الشائع تجاه طريق الصين وبناء الديمقراطية الصينية. لدى الرئيس شي عاطفة عميقة تجاه الحزب الشيوعي الصيني، وقد قدم عشرة طلبات انضمام للحزب وهو في قرية ليانغجياخه. بعد الانضمام إلى الحزب، عمل في أماكن كثيرة، واهتم جدا بأعمال بناء الحزب. منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، يؤكد الحزب الشيوعي الصيني قدراته الذاتية على التطهير والتحسين والإصلاح والتقوية، لأنها أمور لا تتعلق بالحزب نفسه فحسب وإنما أيضا بتحقيق نهضة الأمة الصينية. في السنوات الخمس الماضية، حسّن الحزب الشيوعي الصيني البناء الذاتي على نحو شامل عن طريق  البناء الأيديولوجي والبناء التنظيمي وتحسين أسلوب العمل ومكافحة الفساد وتعزيز النزاهة وبناء النظم. وفي السنوات الخمس الماضية، قد تم إدخال الحياة السياسية لأعضاء الحزب في المسار المؤسسي والمعياري من خلال تحديد وتعديل لوائح الحزب؛ وعاقب الحزب كثيرين من كبار مسؤولي الحكومة والحزب، ويتم التحقيق في قضايا تخص 240 مسؤولا حزبيا وعاقب 223 مسؤولا حزبيا مسجل في دائرة التنظيم للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بجانب معاقبة 1143 ألف عضو حزب ومسؤول حكومي على مستوى الناحية وتحت هذا المستوى؛ وأنشأ نظام الفحص والتفتيش السياسي على مستويات مختلفة. في السنوات الخمس الماضية، دفع الحزب الشيوعي الصيني إصلاح نظام لفحص الانضباط على نحو شامل، وأتم حل العديد من التساؤلات، مثل "لجنة فحص الانضباط تراقبنا، ومن يراقبها؟"، حسب النظم المعنية.

توفير اختيار آخر أمام المجتمع الدولي

بجانب دفع "الشوامل الأربعة" بقوة، هناك ميزة أخرى في السنوات الخمس الماضية، وهي ربط سياسة الصين الداخلية بسياسة الصين الخارجية بشكل أوثق، وتمثل ذلك في "التخطيط العام للشؤون الداخلية والخارجية" الذي ظهر مرات في سياسات الحزب الشيوعي الصيني. وظهرت ميزة التمازج والترابط بين "الشوامل الأربعة" والسياسة الدولية. فمن ناحية، تقوم الصين بالتواصل والدفع المتبادل مع المجتمع الدولي في مجالات التنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي والبناء الحزبي، وتبنت الانفتاح في مجالات كثيرة. ومن ناحية أخرى، تساهم أفكار الصين وحكمتها حول التنمية والحوكمة، في حل القضايا التي تواجه البشرية. يمكن الاستفادة كثيرا من هذه الأفكار والمفاهيم. أفكار الصين تستطيع مساعدة المناطق التي تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية، في كيفية إجراء التخطيط الشامل في المستقبل؛ وتساعد الأماكن التي تنقصها قوة محركة لتنمية الاقتصاد والحيوية والتماسك الاجتماعي، في كيفية دفع الإصلاح العميق؛ وتساعد الحكومات والأحزاب الحاكمة في الدول التي تعاني من اضطرابات سياسية، في حل مشكلات النظم وتعزيز بنائها الذاتي، وإلى آخره. وبالطبع فإن أفكار الصين وحكمتها ليست جوابا نهائيا لسؤال كيفية حل المشكلات المختلفة، وإنما توفر اختيارا آخر. والحزب الشيوعي الصيني ذاته لا يعتقد أن هذه الأفكار هي الجواب أو الحل النهائي. وفي هذه السنوات، الحزب الشيوعي الصيني يفضل استخدام عبارة "التقدم في الطريق دائما"، سواء في مجال الإصلاح أو في مجال تحسين أسلوب العمل. هذه هي سيكولوجية التقدم نحو المستقبل بدون تباطؤ أو تكاسل. سيدفع الحزب الشيوعي الصيني التطور على نحو شامل وسيحل المشكلات تماشيا مع التطور، وسيحقق تقدما اكثر خلال حل المشكلات، وسيواصل التقدم على الطريق دائما.

--

كو لي يان: باحث مساعد في مركز الصين لدراسات العالم المعاصر