روبرت كوهن: من أجل فهم حوكمة الصين

روبرت لورانس كوهن، مثقف ورجل أعمال أمريكي، منذ بضع عشرة سنة، أخذ على عاتقه مهمة تعريف الآخرين بقصة الصين "المعقدة" في عصرنا الحالي، ما جعله يحمل لقب "الخبير الأمريكي في الشؤون الصينية".

قبيل "المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني" الذي يعقد في الثامن عشر من أكتوبر 2017 في بكين، دعت جمعية الصحفيين الصينية السيد كوهن ليتحدث عن هذا المؤتمر وعن المفاهيم الجديدة لرئيس الصين شي جين بينغ حول حوكمة وإدارة الصين، في ندوة حضرها الصحفيون الأجانب المقيمون في الصين وصحفيون من هونغ كونغ وماكاو وتايوان.

بدأ كوهن حديثه بالقول: "أنا أحترم الصين، وأنا صديق للصين. أود أن أنقل أفكار القادة الصينيين إلى الأجانب بصورة صحيحة، وفي نفس الوقت، أريد أن أعرّفهم ببيئة الصين في الوقت الراهن."

يقضي السيد كوهن أكثر من أربعة أشهر في الصين كل سنة، يذهب خلالها في جولات استطلاعية إلى أماكن مختلفة فيها، ليستكشف الجديد ويتحدث مع المسؤولين الصينيين على كافة المستويات. يريد أن ينقل قصة الصين "المعقدة" بشكل موضوعي. رغم أن هذه المسؤولية شاقة، إلا أنه لا يزال يتقدم في هذه المسيرة بدون توقف.

هدف الصين في المستقبل

قال السيد كوهن: "تقف الصين عند نقطة انطلاق جديدة للتنمية في بناء الاشتراكية الصينية." وقال إنه سمع وقرأ أفكارا كثيرة مختلفة حول المرحلة الجديدة التي تعيشها الصين حاليا، منها بينها فكرة واحدة تمكننا من معرفة الصين أكثر، وهي أن "الصين وقفت على قدميها تحت قيادة ماو تسي تونغ وصارت غنية تحت قيادة دنغ شياو بينغ، وأضحت قوية تحت قيادة شي جين بينغ". هذه الفكرة معقولة، وهي تلخص تاريخ الصين في العصر الحديث.

يرى السيد كوهن، أن الحزب الشيوعي الصيني عليه أن يواصل الإنجازات التي حققها في تاريخ إدارته. ولهذا، أكد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني على أهمية تحقيق "أهداف المئويتين"؛ أي إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل بحلول عام 2021 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وإنجاز بناء دولة اشتراكية حديثة وغنية وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وبلوغ مستوى الدول المتوسطة التقدم بحلول عام 2049، الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. لذلك، يجب على الصين القضاء على الفقر من أجل تحقيق الهدف الأول. الآن، تقوم الصين بتنفيذ سياسة القضاء على الفقر بصورة دقيقة، الأمر الذي يساعد على بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل.

يعتقد السيد كوهن أن "أهداف المئويتين" تعكس أهمية المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني؛ الذي سيضع برنامجا مفصلا لتنمية البلاد في الثلاثين سنة المقبلة." من المتوقع أن يتم إنجاز تحقيق "أهداف "المئوية" الأولى قبل المؤتمر الوطني القادم للحزب الشيوعي الصيني. كما سيضع المؤتمر الوطني التاسع عشر خارطة تحقيق "أهداف المئوية" الثانية.

وعن أهداف تنمية الصين، قال كوهن إنه يرى أن لنظام الحزب الواحد فعالية كبيرة، فهو  يضمن استمرارية  السياسات، وهذا مهم جدا لتنمية الصين.

مفاهيم جديدة للصين في حوكمة وإدارة الدولة

قال السيد كوهن في مناسبات مختلفة، إن قراءة أفكار القادة الصينيين تمثل تحديا كبيرا للغربيين، لأنهم لا يفهمون تلك الأفكار. ومن هنا، يسعى كوهن لاتخاذ موقف محايد لشرح أفكار القادة الصينيين. لكن البعض يعتقدون، نتيجة سوء الفهم، أن الأفكار التي يشرحها هي أفكاره هو.

من أجل شرح أفكار القادة الصينيين، يقرأ السيد كوهن كثيرا من كتب وكلمات للقادة الصينيين، ويتابع تغيرات المجتمع الصيني وأفكار القادة الصينيين ويتبادل الآراء مع المسؤوليين والخبراء على مختلف المستويات. في عام 2015، أنتج كوهن، بالتعاون مع محطة التلفزيون الصيني المركزية، برنامج "رحلة إلى الصين"، الذي يحكي قصصا صينية متنوعة من خلال إجراء حوارات مع صناع القرار في مجالات مختلفة.

وقد وجد السيد كوهن الجواب عن  أفكار الرئيس شي جين بينغ حول حوكمة وإدارة الدولة في كتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة". قال السيد كوهن إن هذا الكتاب أظهر، بشكل كامل، الفلسفة السياسية للرئيس شي وأسلوب تفكيره، ويرمز إلى أن الرئيس شي جين بينغ قد أصبح قائدا قويا للصين بسرعة. يهتم الرئيس شي بتحسين معيشة الشعب وتعميق الإصلاح ودفع حوكمة الدولة وفقا للقانون وتحسين أسلوب العمل للحزب. هذه الأشياء تحولت فيما بعد إلى "الشوامل الأربعة"، وهي: إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وتعميق الإصلاح على نحو شامل، ودفع حوكمة الدولة وفقا للقانون على نحو شامل، وإدارة الحزب بصرامة على نحو شامل. يعتقد السيد كوهن أن "الشوامل الأربعة" هي أهم أفكار الرئيس شي حول حوكمة وإدارة الدولة.

يرى كثير من الأجانب أن الصين تهتم بالشعارات فقط. لكن، في الحقيقة، من لا يعرف "الشوامل الأربعة" لن يستطيع معرفة الصين. "الشوامل الأربعة" تحتوي على أهداف ملموسة. قال السيد كوهن إن للشعارات المختلفة المذكورة أدوارا مختلفة: "فبناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل" هدف، و"تعميق الإصلاح" أسلوب، و"دفع حوكمة الدولة وفقا للقانون" مبدأ، و"إدارة الحزب بصرامة" عمل ومهمة. أشار السيد كوهن إلى أن هذه "الشوامل"  تعكس سياسات الأجيال المتعاقبة من قادة الحزب. فظهرت سياسة بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل في عام 2002 لأول مرة، وظهرت سياسة "الإصلاح" في عام 1978، وظهرت سياسة "حوكمة الدولة وفقا للقانون" في عام 1997 ، أما السياسة حول "الانضباط الحزبى" فيمكن القول إنها تعود الى بداية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 1921.

قال السيد كوهن إن السيد شي وصْف إنجاز الأعمال في المجالات الأربعة  بـأنها "على نحو شامل"، يحقق توحيدها نوعا ما، حيث يجب علينا أن نقف في المستوى الأعلى وفي ظل الوضع الطبيعي الجديد لقراءة الصين. بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل يعني وجوب إسعاد كل فرد في المجتمع الصيني، فإذا كان هناك ملايين الصينيين لا يزالوون يعيشون تحت خط الفقر، فذلك ليس مجتمع الحياة الرغيدة الحقيقي. وكذلك فإن تعميق الإصلاح وحوكمة الدولة وفقا للقانون وإدارة الحزب بالصرامة، تحتاج إلى كسر مجموعات المصالح القديمة.

فضلا عن ذلك، يعتقد السيد كوهن أن "مفاهيم التنمية الخمسة" التي طرحها شي لوصف تنمية الاقتصاد الصيني ومبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها لشرح التبادلات بين الصين والدول الأخرى، من الموضوعات التي سيهتم بها للمؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني.

دور الصين  في العالم

أصبح شي جين بينغ "نواة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني" خلال الدورة السادسة الكاملة للجنة المركزية الثامنة عشر للحزب الشيوعي الصيني. في ذلك الوقت، كانت الصين تواجه تحديات خطيرة على الساحتين الداخلية والخارجية، مثل القدرة الإنتاجية المفرطة وتلوث الهواء وعدم العدالة الاجتماعية، والإرهاب والصراعات الجيوسياسية. بعد أن نفهم هذه الأشياء، يمكننا أن نفهم أن الحزب يحتاج إلى تعزيز الوحدة والتماسك في الداخل لمواجهة هذه التحديات، كما يحتاج الى إستمرارية السياسات وطابعها المؤسسي.

قبل انعقاد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، استضافت الصين قمة دول بريكس. يعتقد السيد كوهن أن الصين تقوم بالاندماج في العالم بصورة إيجابية. لذلك، الآلية المتعددة الأطراف أصبحت هامة جدا للصين. قال: "منذ قمة مجموعة العشرين في هانغتشو، وقمة بريكس في شيامن، تشهد الدبلوماسية الصينية تغيرات وستستمر هذه التغيرات في المستقبل. هذه التغيرات تتفق مع مصلحة الصين لتنمية الاقتصاد. في نفس الوقت، تساعد هذه التغيرات على معالجة القضايا العالمية."

يرى السيد كوهن أن آلية دول بريكس تعد تجربة للحوكمة العالمية. حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين أكثر من حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الأربع الأخرى الأعضاء في بريكس بنسبة 6%. ومع ذلك، نصيب كل دولة من أعضاء بريكس في بنك التنيمة الجديد 20%. رغم أن حجم الصين كبير، لكن لا يوجد اختلاف في الحقوق التصويتية بين الدول الأعضاء. هذه إشارة جيدة تطلقها الصين.

في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، تريد الصين أن تبعث برسالة مفادها أن الصين تشارك في الحوكمة العالمية بخصائص وطرق مختلفة. رغم أن عدد سكان الصين كبير، وأن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تسعى بكين إلى التعاون مع الدول الأخرى. وضع الرئيس شي هدفا ومسؤولية للصين، ويعتقد أنه يجب على الصين أن تتحمل مسؤولية إيجابية في المحافظة على السلام ومكافحة  القرصنة.

قال السيد كوهن إن مبادرة "الحزام والطريق"، مبادرة عظيمة يحتاج إليها العالم كله. في نفس الوقت، يعتقد أن الصين يمكن أن تتحدث عن استفادتها من هذه المبادرة العظيمة بصورة منفتحة لتقليل سوء الفهم بسبب نقص المعلومات المعنية.

في السنوات الأخيرة، كتب السيد كوهن كثيرا من المقالات حول الصين، وأجرت معه وسائل الإعلام في دول مختلفة مقابلات مئات المرات. فضلا عن ذلك، يعكف حاليا على تأليف عدة كتب حول الصين، منها على سبيل المثال: "ثلاثون سنة في الصين: تغير كبير في المجتمع البشري" الذي يتناول إصلاح وانفتاح الصين، و"كيف يفكر القادة الصينيون" الذي يتحدث عن أفكار القادة الصينيين. في برنامج "رحلة إلى الصين"، قدم السيد كوهن سلسلة حلقات حول "قراءة الحزب الشيوعي الصيني". يتناول الموضوع من جوانب مختلفة، مثل نظرية الحزب الشيوعي الصيني وسياسته وتنظيمه وإدارته. يعتقد أن علينا أن نعرف مفاهيم الحزب الصيني الحاكم أولا إذا أردنا أن نعرف تنمية الصين.