مسار الصين

خلال السنوات القليلة الماضية، وبينما كان الاقتصاد العالمي يشهد تعديلا عميقا، ظل الاقتصاد الصيني محافظا على نمو بمعدل من متوسط إلى مرتفع. وفقا لإحصاءات البنك الدولي، ساهمت الصين بأكثر من 30% في المتوسط لنمو الاقتصاد العالمي سنويا في الفترة من عام 2011 إلى عام 2016 (بالأسعار الثابتة لعام 2010 بالدولار الأمريكي). هذا يبين أن الصين من أكثر المساهمين في النمو العالمي.

وفي ظل زخم اقتصادي قوي، تتحسن ملامح المدن الصينية وحياة الناس مع مرور كل يوم. تخطط الصين لانتشال كل فقرائها من الفقر بحلول عام 2020.

لقد استغرق الغرب ثلاثمائة سنة لتحقيق الابتكار والتصنيع، بينما استغرقت الصين أقل من أربعين سنة، منذ إصلاحها وانفتاحها لكي تحاكي نظرائها الغربيين وتلحق بهم. كيف استطاع بلد زراعي إنجاز ذلك النمو  الكبير وحول نفسه إلى بلد حديث مدعوم بالتصنيع والمعلوماتية؟ السر في نجاح الصين هو أنها صممت مسار تنمية مناسبا لظروفها الفعلية.

في بداية القرن العشرين، وقبل تأسيس الحزب الشيوعي الصيني سنة 1921، كان في الصين ثلاثمائة واثنا عشر حزبا سياسيا حديثا. طرحت تلك الأحزاب رؤى وخططا سياسية، ولكنها في النهاية فشلت في قيادة الشعب للخروج من صعوبات ذلك الزمان، ناهيك عن التوحد وتنمية البلاد. الحزب الشيوعي الصيني، واعتمادا على جماهيره، تمسك بطريق الاشتراكية وفي النهاية حاز على السلطة السياسية ليحكم الدولة. وقد ثَبُت أن تبني المسار الاشتراكي تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني هو القرار الصائب الذي اتخذه الشعب.

قبل تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، لم يكن في الصين نموذج مسبق للحكم والإدارة، ومن ثم أولى قادة الحزب دائما الاهتمام للتعلم من القيام بالتجربة وإثراء التجربة من أجل تطوير مسار الصين. تماما مثلما اقترح دنغ شياو بينغ: "علينا أن نجرب أولا، فإذا ثبت صواب التجربة نواصلها، وإذا ثبت خطؤها نصوبها، وإذا ظهرت أي مشكلة نعالجها."

إن دمج الاشتراكية مع اقتصاد السوق خطوة عظيمة في تحرير الفكر. منذ إطلاق الإصلاح والانفتاح، اقترح الحزب الشيوعي الصيني لأول مرة سياسة "المحافظة على الدور الأساسي للاقتصاد المخطط مع إفساح المجال لدور قوى السوق التكميلي في التنظيم الاقتصادي"، ولاحقا تحول إلى "إقامة اقتصاد سلعي مخطط على أساس الملكية العامة"، وفي النهاية "إقامة اقتصاد سوق اشتراكي". تعديل السياسة الذي أطلقه الحزب الشيوعي الصيني عمّق على نحو متواصل فهمه للعلاقة بين الاشتراكية واقتصاد السوق.

في الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، حث الحزب على تعميق الإصلاحات بشكل شامل وأوضح أن إصلاح النظام الاقتصادي مازال محور الاهتمام. الفكرة الجوهرية هي إعطاء السوق الدور الحاسم في توزيع الموارد وإفساح مجال أفضل لدور الحكومة.

تعاظمت أهمية مكانة السوق من الدور "الأساسي" إلى "الحاسم" في توزيع الموارد، بينما أدت الحكومة دورها بكفاءة في استقرار الاقتصاد الكلي، توسيع الخدمات العامة، تعزيز مراقبة السوق، معالجة قصور السوق، وتعزيز الرخاء المشترك. مثّلت علاقة السوق- الحكومة إبداعا كبيرا آخر لنظرية وتطبيق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. 

منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أصدرت الحكومة الصينية أكثر من ألف ومائتي إجراء إصلاحي في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة وحماية البيئة وبناء الحزب، مما ضخ حيوية لتنمية البلاد.

يتمتع الشعب بموقع مركزي في النموذج الصيني للتنمية. التنمية من أجل كل الشعب وتعتمد على الشعب، وذلك من أجل إنجاز الرخاء المشترك تدريجيا. في أوقات الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ، يمكن أن يحصل الناس على معونات من الحكومة لتخصيص الموارد والإنقاذ وأعمال الإغاثة، مما يضمن سلامة حياتهم وممتلكاتهم. تلعب الحكومة دورا هاما في تخفيف الفقر، الذي يتطلب جهودا شاملة نظرا لحدوث الفقر لأسباب معقدة، مثل البيئة الطبيعية والموقع الجغرافي.

لا يدخر الحزب الشيوعي الصيني جهدا في مواجهة التحديات الكبيرة ومقاومة المخاطر الكبيرة، والتغلب على العوائق الكبيرة، وحل التناقضات الكبيرة. وعلى سبيل المثال، حققت حملة مكافحة الفساد نتائج ملحوظة. حاليا، لا يجرؤ مسؤول حكومي على الفساد. وقريبا، سوف يتم إنشاء آلية تضمن أن المسؤول الحكومي لا يستطيع ولا يرغب في أن يكون فاسدا. وقد ذكرت بعض وسائل الإعلام الأجنبية أن إنجاز الصين في مكافحة الفساد قدم مساهمة كبيرة للعالم، يضارع الإنجاز الذي حققه هذا البلد الكثير السكان في القضاء على الفقر وتحسين معيشة الشعب.

أشار مسح أجراه مركز بيو للأبحاث في عام 2013، إلى أن 85% من الصينيين سعداء باتجاه التنمية في الصين. ووجد التقرير السنوي لمقياس إدلمان للثقة أن الحكومة الصينية حازت على موافقة 76% من الذين تم سؤالهم في العام الماضي. هذا المستوى من الثقة هو الأعلى من بين الدول التي أُجري فيها المسح. 

في ظل الأفكار التقليدية بأن "السلام ثمين وعلى المرء أن يكون ودودا مع الآخرين" و"علاقات الجوار الطيبة والتبادلات الودية بين الأمم" و"الشعب الصيني يقدر التنمية السلمية"، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ بناء نمط جديد للعلاقات الدولية يقوم على تعاون الفوز المشترك ومجتمع المستقبل المشترك للبشرية جمعاء، مما يعمق مسار الصين للتنمية السلمية. في الحادي عشر من سبتمبر، تبنت الدورة الحادية والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا دَمَجَ مبادئ "التشاور الكثيف، المساهمة المشتركة، وتقاسم المنافع"، التي طُرحت في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، ضمن أفكار الحوكمة العالمية في الاقتصاد. هذا يظهر أن الأمة الصينية والحكمة الصينية  يحوزان تأييدا واسع النطاق من المجتمع الدولي.